دراسة تخالف الواقع بأرقام مربكة تثير جملة تساؤلات.. هل فعلا يكتنز كل مواطن 7 ملايين دينار وكل بيت 15 مليون دينار؟
انفوبلس/ تقارير
في الوقت الذي بلغت فيه نسبة الفقر في العراق الـ 22%، ولا يكاد يمر أسبوع واحد إلا وتشهد البلاد تظاهرات تطالب تارة بتحسين الرواتب وتارة أخرى بانتشال الواقع الخدمي البائس في أغلب المدن والمحافظات، ووسط حالة من الشد والجذب بين واقع مؤلم لأغلب العوائل، تظهر أرقام وإحصاءات تفيد بأن كل بيت عراقي يكتنز ما معدله 15 مليون دينار، وكل مواطن يكتنز ما معدله أكثر من 7 ملايين دينار عراقي، في حين تظهر الإحصاءات التي عدّتها مؤسسة "عراق المستقبل" للدراسات، أن هناك 9 تريليونات دينار في المصارف فقط، أرقام ودراسة جديدة مربكة أثارت العديد من التساؤلات، وحَيّرت كل مَن اطّلع عليها. فما هي تفاصيلها؟ وعلى ماذا استندت؟ وماذا قال خبراء الاقتصاد بشأنها؟.
*إحصاء جديد للعملة النقدية
يوم أمس، أحصت مؤسسة "عراق المستقبل" للدراسات والاستشارات الاقتصادية، العملة النقدية المحلية المتداولة خارج المنظومة المصرفية في البلاد خلال العام 2023، وقالت إنها تخطّت 90 تريليون دينار.
وذكرت المؤسسة في تقرير نشرته وتابعته شبكة انفوبلس، أن "قيمة العملة النقدية المصدَّرة ارتفعت من 78 تريليون دينار في بداية العام 2022 لتبلغ أكثر من 102 ترليون دينار في نهاية العام 2023، بمعدل نمو بالعملة النقدية المصدَّرة بلغ 9.24% خلال 2023، ونسبة نمو في 2022 بلغت 20% ، وبزيادة عن سنة 2019 بمقدار 58 تريليون دينار عراقي، وفقاً لبيانات البنك المركزي العراقي".
وأضاف التقرير، أن "العملة النقدية خارج المنظومة المصرفية بلغت بحدود 93 تريليون دينار عراقي، وبارتفاع بلغت نسبته 30% مقارنةً مع 2022 ، وهي الأعلى لحجم الأموال الموجودة خارج النظام المصرفي على امتداد تاريخ النظام المصرفي العراقي".
وبحسب بيانات وزارة التخطيط فإن، عدد سكان العراق قد بلغ في 2023 بحدود 43 مليون نسمة يمثل 60% منهم فقط فوق سن الـ 15 سنة، وبالتالي فإن عدد سكان العراق الذين تبلغ أعمارهم أكثر من 15 سنة يتجاوز عددهم 26 مليون نسمة، واعتماداً على أرقام وزارة العمل والتي تشير الى أن حجم المستفيدين من الرعاية الاجتماعية يبلغ حوالي 14 مليون نسمة، فإن عدد المواطنين العراقيين البالغين وغير المشمولين بالرعاية الاجتماعية يبلغ قرابة 12 مليون نسمة.
* كل مواطن عراقي يكتنز أكثر من 7 ملايين دينار
وأشار التقرير إلى أنه استناداً إلى بيانات وزارة العمل ووزارة التخطيط والبنك المركزي العراقي، يمكن الاستنتاج بأن معدل قيمة اكتناز كل عراقي من الـ 12 مليون نسمة من الأموال بالعملة العراقية "حصراً" تبلغ بحدود 7.2 ملايين دينار عراقي لكل مواطن، مرتفعة عن العام 2019 والتي كانت بحدود 4 ملايين دينار عراقي.
*كل بيت عراقي يكتنز 15 مليون دينار
ووفقا للمؤسسة، فإنه باعتبار أن كل بيت يحتوي على الأقل على شخصين بالغَين (رجل وامرأة) وغير مشمولين بالرعاية الاجتماعية فإن معدل اكتناز كل بيت عراقي للأموال بالعملة العراقية حصراً يبلغ 15 مليون دينار عراقي، وهي نسبة مرتفعة عن العام 2019 والتي كانت بحدود 8.12 ملايين دينار عراقي.
ونوه التقرير إلى، أنه اعتمادا على هذه الأرقام الرسمية الصادرة من جهات رسمية فإن كل مواطن عراقي بالغ عمره فوق 15 سنة (رجل وامرأة) وغير مستفيد من الرعاية الاجتماعية استطاع من زيادة أمواله المكتنزة بالدينار العراقي بمقدار 1.2 مليون دينار عراقي خلال عامي 2022 و 2023 على الرغم من انخفاض قيمة الدينار عن الدولار في السوق المحلية إضافة الى ارتفاع أسعار السلع وارتفاع نسب التضخم بمقدار 4% بحسب بيانات وزارة التخطيط.
*ما هي الأموال المكتنزة؟
وتُعرَّف الأموال المكتنزة على أنها قيمة الأموال التي يحتفظ بها الشخص بعيدا عن النظام المصرفي، ولا يقوم باستثمارها أو شراء موجودات خاصة به، وإنما يقوم بالاحتفاظ بها بعيدا عن المؤسسات المالية وبالعملة العراقية حصرا وليس بالعملات الأخرى.
*أرقام غير منطقية
وخلُصت المؤسسة في تقريرها إلى أن البعض يرى أن "هذه الأرقام قد تكون غير منطقية، وأن العراقيين يعانون من نقص كبير في الأموال وتردي الأوضاع الاجتماعية إلا أن الثابت أن البنك المركزي العراقي قد قام خلال سنتين بتصدير أكثر من 24 تريليون دينار عراقي، منبّهاً إلى أن أكثر من 22 تريليون دينار عراقي تم اكتنازها من قبل المواطنين البالغين وغير المستفيدين من الرعاية الاجتماعية".
*أرباك وتساؤلات
أثارت أرقام هذه المؤسسة حالة من الإرباك في الشارع العراقي وجملة من التساؤلات، حيث قال الخبير الاقتصادي منار العبيدي، إن هذه البيانات تقود إلى مجموعة من الأسئلة وهي "ما حاجة البنك المركزي العراقي لإصدار أكثر من 24 تريليون دينار عراقي خلال سنتين تمثل 25% من مجمل العملة النقدية المصدرة؟". و"ماهي استراتيجية البنك المركزي في العملة النقدية المصدرة وإلى أي مستوى ستصل العملة النقدية خصوصاً مع ارتفاع العملة النقدية المصدرة لأكثر من 102 ترليون دينار عراقي؟". و"لماذا تسرّبت الـ 22 تريليون دينار عراقي من النظام المصرفي وذهبت إلى التفسير الأسهل وهو “الاكتناز” بالرغم من الإجراءات التجارية التي تضمن ضرورة التعامل مع القطاع المصرفي؟".
وواصل العبيدي تساؤلاته، "لماذا لم يستطِع القطاع المصرفي من جذب الأموال الموجودة خارج النظام المصرفي والبالغة أكثر من 93 تريليون دينار عراقي على الرغم من ارتفاع سعر الفائدة المقدمة من البنك المركزي وارتفاع فائدة الودائع التي تقدمها المصارف العراقية والتي تعتبر من أعلى نسب الفوائد مقارنة بنسب التضخم الموجودة؟". و"هل فعلاً يكتنز المواطن العراقي البالغ أكثر من 15 مليون دينار عراقي حصراً في بيته دون أن يقوم بمحاولة استثماره بالرغم من أن نمطية الاستهلاك لدى المواطن العراقي تشير إلى توجهه نحو الاستهلاك أكثر من توجهه نحو التحفظ والاكتناز، ويبدو ذلك جلياً من خلال فاتورة الاستيراد العالية لمختلف البضائع؟".
وأكمل، "ما هي الطرق التي سيعمل عليها البنك المركزي لجذب العملة النقدية الموجودة خارج النظام المصرفي، حيث إن عمليات إصدار السندات المالية ورفع نسب الفائدة ومحاولة تطمين الجمهور من خلال آليات ضمان الودائع لم تستطِع من اجتذاب عدد كبير من هذه الأموال إلى القطاع المصرفي؟".
أما فيما يخص وزارة العمل، فتساءل الخبير الاقتصادي، "هل فعلاً أعداد المستفيدين من نظام الحماية الاجتماعية هم فعلاً بحاجة إلى هذه الأموال أم أن هنالك تلاعباً كبيراً في أعداد المحتاجين لضرورات لا تتعلق نهائياً بالحماية الاجتماعية؟".
وختم، أن "كل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات المعرفة إن كان المواطن العراقي فعلاً اكتنز في بيته 15 مليون دينار أم أن خزائنه خاوية فارغة وأن من يكتنز أموال العراق (داخلياً أو خارجياً) قد وضعها في خزانة كبيرة جداً لا يمكن لأحد أن يصل إلى دنانير العراق المصدرة؟".