عكاز ينتج الغاز.. العراق يبدأ استثمار غازه الطبيعي وطموحات بتفعيل "خط الغاز العربي"
انفوبلس..
أخيراً وبعد طول انتظار وعقود من التعطيل المتعمّد، بدأ العراق بخطوات جدية للدخول بمضمار الدول المنتجة للغاز، والخطوة الأولى تتمثل بتفعيل حقل عكاز الغازي في محافظة الأنبار بمعدل 60 مليون قدم مكعب قياسي (مقمق) يومياً.
نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة وزير النفط حيان عبد الغني أكد، أمس الأربعاء، بدء عمليات استثمار الغاز في حقل عكاز بمعدل 60 مقمق يوميا، حيث ذكر بيان للوزارة، إن "عبد الغني أكد في برقية رفعها لرئيس الوزراء أن الجهد الوطني المتمثل في شركة نفط الوسط والجهات الساندة قد تمكن من استثمار الغاز الحُر من أربع آبار في حقل عكاز الغازي وضخ هذه الكميات لتشغيل محطة كهرباء عكاز الغازية لتوليد (90-95) ميغاواط".
وأشار عبد الغني إلى "قيام شركة المشاريع النفطية بتنفيذ مد أنبوب بطول 30 كيلومتراً لنقل الغاز عبره إلى محطة كهرباء عكاز الغازية".
وشدد وزير النفط على "أهمية هذا الإنجاز الذي تحقق بالجهد الوطني وبالإمكانات المتاحة". لافتا إلى، أنه "يأتي انسجاماً مع خطط الوزارة والبرنامج الحكومي".
من جانبه، أكد وكيل الوزارة لشؤون الغاز باسم محمد خضير، أن "الفرق الفنية والهندسية في شركة نفط الوسط قد وضعت التصاميم المطلوبة لمنشأت استثمار الغاز من أربع آبار للغاز الحُر". مبينا، أن "الجهد الوطني نجح في وزارة النفط باستثمار أكثر من (60) مقمق قابلة للزيادة مستقبلا".
وأكد مدير عام شركة نفط الوسط قدوري سليم، أن "الشركة بدأت عمليات ضخ الغاز، أمس الأربعاء، إلى محطة كهرباء عكاز الغازية، والمباشرة بتوليد (90-95) ميغاواط، مشيداً بجهود العاملين الذين واصلوا الليل بالنهار من أجل تحقيق هذا الإنجاز".
بدوره، بين المتحدث باسم الوزارة عاصم جهاد، أن "هذا الإنجاز يُعد رسالة إيجابية مهمة للشركات العالمية الراغبة في الاستثمار في حقل عكاز الغازي والرُّقع الاستكشافية في المنطقة الغربية، التي تنوي الوزارة الإعلان عنها خلال هذا العام". مؤكدا على جدية الحكومة والوزارة بتوفير البيئة المناسبة لاستثمار الحقول والرقع الاستكشافية".
يُذكر أن لدى العراق حقلين لإنتاج الغاز وهما حقل غاز خور مور في كردستان، وينتج 4.1 مليار متر مكعب في السنة، وحقل غاز سيبا في البصرة وينتج نحو نصف مليار متر مكعب في السنة، بالإضافة إلى بعض الحقول النفطية التي تستثمر الغاز المصاحب ولا تحرقه.
الجانب الضبابي للغاز العراقي
الاقتصادي العراقي والمستشار الفني لرئيس الوزراء عبد الحسين الهنين، كتب مقالاً في عام 2021 حول جدلية استثمار الغاز العراقي، وما يرافقه من معوقات وضبابية، وذكر أنه: من الصعب أن تجد وثيقة ذات مصداقية عالية تخبرك عن حاجة العراق الفعلية من الغاز والاحتياطي المثبّت وإمكانية استثمار الغاز العراقي بينما يتداول بما يسميه الخبراء الأرقام المتضاربة التي تزيد من الضبابية التي تحيط بهذا الملف بحُسن نيّة أو ربما بشكل مقصود لكن المؤكد لدينا أن هناك اختلافات جدية بين ما نسمعه أو نقرأه في وثائقنا الرسمية وبين الإحصائيات العالمية ومنها النشرة السنوية لشركة بريتش بتروليوم (BP) التي تقدم إحصاءات سنوية عن قطاع الطاقة بكل أنواعه واستخداماته في جميع أنحاء العالم.
إن الهدف من محاولات التعرّف على الأرقام الدقيقة هو بالحقيقة الطريق العلمي الصحيح لوضع خطط التحول من وقود ملوث للبيئة إلى الغاز ثم التخلص جزئيا أو كليا من الاستيراد الذي يحمل أبعادا اقتصادية وسياسية في المدى المتوسط والبعيد، لكن مهما كان اشتباك السياسة بهذا القطاع وتأثيرها السلبي عليه فإنه لابد من الاعتراف من أن العراق قد أهدر الكثير من الفرص السانحة في أن يكون طرفا مؤثرا في صناعة الغاز العالمية، فمثلا وُجِّهت للعراق عام 2005 دعوة للانضمام كدولة كاملة العضوية إلى منتدى الدول المصدِّرة للغاز (Forum Countries Exporting Gas GECF) الذي أُسِّس عام 2001 و يتخذ من العاصمة القطرية مقرا له فكان رد الحكومة العراقية آنذاك من أن العراق دولة نفطية وأن الغاز ليس أولوية له بينما كانت روسيا تؤكد حينها أن العراق يمتلك احتياطيا واعداً من الغاز وهناك دول في المنتدى هي أقل من العراق من حيث الاحتياطي أصبحت عضوا في المنتدى ومع ذلك لم نستفِد من النصيحة ولم نلبِّ الدعوة، لكن المفارقة أننا عُدنا عام 2012 لنقبل الانضمام بصفة عضو مراقب خلال الاجتماع الوزاري الرابع عشر لدول المنتدى الذي عُقد في غينيا الاستوائية.
يقف الاحتياطي العراقي المثبت من الغاز (Reserve ) حاليا في التسلسل الثاني عشر عالميا بـ (124.6 ) ترليون قدم مكعب قياسي حسب الإحصائية السنوية لعام (2021) التي تصدر من قبل شركة (AP) وبهدف التوضيح (نظريا) إذا اعتبرنا أن الغاز سيوجَّه للكهرباء فقط فإنه يكفي لإنتاج 33 ألف ميكا واط من الكهرباء (وحدات مركبة تعتمد على حرارة وحدات بسيطة تعمل بالغاز) لمدة (60) عاما بمعدل استهلاك 5500 مقمق يوميا بشرط تحويل جميع المحطات الغازية إلى الدورة المركبة لكن الواقع أن الكهرباء ستزداد بشكل كبير خلال العقود القادمة فضلا عن التطور التكنولوجي الذي يُتوقع أن يقلب جميع الحسابات الحالية في قطاع الطاقة.
الجدير بالذكر أن أغلب إنتاج العراق من الغاز الطبيعي حاليا هو غاز مصاحب لإنتاج النفط الخام حيث تبلغ معدلات الانتاج الحالية أكثر من 3000 مقمق/ يوم يتم استثمار ومعالجة أكثر من 1500 مقمق/ يوم منه في منشآت المعالجة ضمن شركة غاز البصرة (مجمع المعالجة في خور الزبير ومجمع معالجة شمال الرميلة) وكذلك مجمع المعالجة في شركة غاز الشمال والمعالجة ضمن شركة نفط الوسط في منشآت حقلي بدرة والأحدب حيث يتم إنتاج ما يزيد عن 900 مقمق/ يوم من الغاز الجاف الذي يُخصص كوقود لمحطات توليد الطاقة الكهربائية (مع وجود استعمالات أخرى حالية ومستقبلية في القطاع الصناعي والزراعي) ولازال يضخ كمية من الغاز بشكل مباشر للشبكة من دون معالجة وكذلك يتم إنتاج ما معدّله 4300 طن/يوم من غاز البترول المُسال (LPG) والذي يوجّه للاستخدامات المنزلية وإنتاج ما يزيد عن 1240 طنا/يوم من المكثفات (Condensed).
والمؤسف أننا لازلنا نحرق كميات كبيرة من الغاز بمعدل يزيد عن 1500 مقمق/يوم وهو ما يُعد هدرا كبيرا جدا بالموارد يستدعي معالجات لاستثماره.
وإذا افترضنا ان العصر الذهبي للغاز قد بدأ فعلا فهذا يعني أنه سيصبح جسرا زمنيا قد يتجاوز الخمسين عاما لندخل بعده العصر الذهبي للطاقة المتجددة النظيفة الصديقة للبيئة وهذا لا يعني نهاية استخدام النفط أو بقية الأنواع الأخرى من الوقود الأحفوري وإنما يمكن أن نقول إن عصر النفط بدأ يرسم نهاياته مثلما لم ينضب الفحم الحجري بل انتهى عصره وتحول العالم إلى عصر النفط بفعل التقدم التكنولوجي وعوامل الاقتصاد والبيئة وغيرها، أي إننا لن نشهد نضوب النفط بل نشهد قريبا انتهاء عصر هيمنته على سوق الطاقة وقد تكون أحد الأسباب غير المعلنة للتوترات المستمرة في منطقة الشرق الأوسط هو الصراع حول السيادة في سوق الغاز الأوروبي تحديدا والعالمي بشكل عام بعدما تأكد أن أكبر الاحتياطات في الكوكب مستقرة في ثلاث دول هي (روسيا وإيران وقطر) حيث تشترك قطر مع إيران بحقل بارس الممتد تحت مياه الخليج وتتسابق كلتا الدولتين على استثمار أكبر كمية منه في منافسة ثنائية (ودية) مع روسيا، ويبدو أن محور الغاز الروسي - الإيراني قد حقق مكاسب كبيرة خصوصا بعد الأزمة الخليجية القطرية وانضمام قطر إلى هذا المحور، وتكمن أهمية هذه الدول الثلاثة في أنها تمتلك 48.5% من احتياطي الغاز الطبيعي في العالم بمجموع مقداره 95.5 ترليون متر مكعب من إجمالي احتياطي الغاز الطبيعي في العالم البالغ 197 ترليون متر مكعب، بحسب بيانات شركة برتش بتروليومEP.
السؤال المهم هو هل يمكن للعراق أن يكون شريكا في سوق الغاز العالمي؟ باعتبار أن النفط لن يستمر بكونه السلعة الأهم في سوق الطاقة من خلال التعجيل في استثمار الغاز العراقي والمشاركة الفاعلة في نقل الغاز عالميا عبر الأراضي العراقية والبدء بفتح مفاوضات مع قطر وإيران وتقديم التسهيلات والعناصر الجاذبة لبناء منصّات لاستقبال الغاز من خلال السفن أو دراسة مدّ أنبوب تحت مياه الخليج وربط مصادر الغاز القطري والإيراني بشبكة الغاز داخل العراق وتطوير هذه الشبكة وتوسيعها لتكون قادرة على تلبية احتياجات العراق ونقل الغاز عبر العراق، وكذلك مغادرة الأساليب التقليدية في معالجة الغاز وتجميعه في الحقول ذات سعات الإنتاج المنخفضة على الأقل، بل استثمار هذه الحقول بشكل مباشر موقعياً من خلال محطات كهرباء ذات سعات تتراوح بين 25 إلى 50 ميغاواط وربطها مباشرة بشبكة الكهرباء من خلال خطوط 132,33,11( ٨٧ ) وتجاوز الروتين لاسيما أن هناك شركات عالمية أبدت رغبتها برسائل رسمية لتنصيب هذه المحطات التي تمثل جدوى اقتصادية ناجحة في استثمار الغاز ومنع حرقه و توفير قدرات كهربائية إضافية قليلة الكلفة بسبب قربها من المستهلكين.
المؤكد لدينا هو أن العالم يتقدم ولن ينتظر تباطئنا في استثمار مواردنا بسبب الكسل أو الفساد ولن يطول الزمن حتى نرى التكنولوجيا وهي تختصر المسافات وتقلل الكُلف في استثمار مكامن الغاز الكبرى تحت المحيطات وحينها لن يكون الحديث نوعا من الخيال العلمي كما هو الأمر حاليا فهناك تطلعات علمية كبيرة لكنها لازالت غير مجدية من الناحية الاقتصادية فضلا عن مخاطرها البيئية الكبيرة فقد نفذ العلم في مجال كان بعيدا تماما عن فكرة استثماره وهو (الغاز المالي) حيث أعلنت اليابان أن البحوث والدراسات توصلت إلى استخراج الغاز المالي من قاع البحر وهذا النوع من الغاز يتواجد في ماء متجمد في أعماق ضغط عالٍ وحرارة منخفضة وينتشر بشكل واسع تتجاوز الـ 500 متر وهو يُنتج من اتحاد الغاز والماء تحت في قاع البحار في طبقة صلبة تشبه الزجاج أو الجليد التي تحتوي على كميات كبيرة من غاز الميثان الذي يتحرر من الماء على شكل فقاعات ضخمة متى ما تتغير عوامل الضغط أو الحرارة أو كليهما .
خط الغاز العربي
مع بداية العراق باستثمار غازه الطبيعي من جهة، وبدء حلحلة أزمات المنطقة السياسية خصوصاً في سوريا من جهة أخرى، بدأ الحديث عن عودة "خط الغاز العربي" إلى العمل، وهو خط لتصدير الغاز الطبيعي المصري لدول المشرق العربي ومنها إلى أوروبا، أو جزء من الخطة هي إنشاء خط من مدينة العريش في شمال سيناء إلى العقبة في جنوب الأردن.
تم الانتهاء من هذا الجزء عام 2003 بتكلفة قدرها 220$ مليون، والسعة السنوية لهذا الجزء هو 1.1. والجزء الثاني من المشروع يصل بين العقبة والرحاب، أيضاً في الأردن، والتي تبعد 24كم عن الحدود السورية، وطول هذا الجزء 390 كم بتكلفة قدرها 300$ مليون، وتم الانتهاء منه بحلول عام 2005.
الجزء الثالث للخط طوله 324كم من الأردن إلى دير علي في سوريا، ومن هناك سيمتد الخط ليصل إلى قرية رايان. في عام 2006 تم الاتفاق بين مصر وسوريا والأردن ولبنان وتركيا ورومانيا بتوصيل الخط الغاز إلى الحدود السورية التركية ومن هناك سيتم توصيله بخط غاز نابوكو ليصل القارة الأوروبية.
وفي عام 2004 اتفقت مصر والأردن ولبنان وسوريا مع العراق لتوصيل خط الغاز العربي مع العراق لتصدير الغاز العراقي لأوروبا أيضاً، وكان من المقرر أن يتم المشروع بحلول عام 2010 ولكن الأزمات على مستوى العراق ودول الجوار والدول المرتبطة بهذا الخط حالت دون ذلك إلى يومنا هذا.