فجوة الـ30 ضعفا.. 0.15% من الموظفين يستلمون نحو 40% من رواتب الدولة.. تعرف على جدل سلم الرواتب

انفوبلس..
يبلغ عدد الموظفين في العراق نحو 4 ملايين موظف، ويُنفق نحو 100 ترليون دينار سنوياً على الرواتب التي يستحوذ نحو 6 آلاف موظف فقط على 40 ترليون دينار منها، الأمر الذي يدفع العديد من شرائح المجتمع إلى الاحتجاج والتظاهر بين الحين والآخر للمطالبة بسُلم رواتب عادل يقلل الفجوة بين رواتب الدرجات الخاصة وبقية الموظفين.
فجوة بمقدار 3000%
قبل يومين، كتب الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي إن "تقليص فجوة الرواتب التي تبلغ أكثر من 30 ضعفا بين أعلى الرواتب وأدناها هو المدخل الصحيح لتنظيم سلم الرواتب الجديد".
وفي تموز الماضي، كتب المرسومي، إن "عدد الموظفين على الملاك الثابت عام هو 4.080 مليون موظف، وعدد الموظفين من الدرجة الخامسة الى الدرجة العاشرة هو 3.456 مليون موظف ونسبتهم الى الإجمالي تبلغ 85%".
وأضاف: "أما رواتب الموظفين تبلغ 63.338 ترليون دينار، ومتوسط الراتب السنوي للموظف يبلغ 15.5 مليون دينار، أما متوسط الراتب الشهري للموظف فقد يبلغ 1.3 مليون دينار"، وبحسب المرسومي الذي أكد أن الفجوة بين متوسط الرواتب وأدنى الراتب تصل الى 400% أي إن متوسط الرواتب يفوق نظيره الأدنى بأربعة أضعاف على الأقل.
وكشف المرسومي، أن "الفجوة بين أعلى الرواتب وأدنى الرواتب تصل الى 3000% أي أكثر من 30 ضعفا".
أرقام عامة
ينفق العراق نحو 100 تريليون دينار سنويًا على رواتب الموظفين والمتقاعدين، تذهب 40 تريليون منها على الأقل للمسؤولين الكبار، وبلغت موازنة 2024، الأخيرة، أكثر من 144 تريليون دينار، بعجز يتجاوز 63 تريليون دينار.
وبحسب مصادر مطلعة، يُوجد في العراق نحو 6 آلاف موظف من أصل نحو 4 ملايين، يُعرفون بـ"الدرجات الخاصة"، يستحوذون على حصة الأسد من الرواتب. وحاول البرلمان والحكومات السابقة "ترشيق الإنفاق" ووضع "سُلَّم رواتب"، لكنه فشل أمام اعتراض أصحاب "الرواتب العليا".
ويواجه العراق مخاطر عدّة بسبب اعتماد اقتصاده على "النفط"، بسبب تأثره بالأزمات السياسية والأمنية في العالم.
مساومات البرلمان
في أحدث اضطرابات بالعراق، قاد تربويون "إضرابًا" ليوم، ويومين في بعض المدن، بسبب تدنّي الرواتب، وبدأ نواب، وسط موجة الغضب من رواتب المعلمين، بطرح "سُلَّم الرواتب" مرة جديدة، لكن بنكهة مختلفة هذه المرة.
علّق النائب أحمد مجيد الشرماني بشأن مشروعي تعديل سُلَّم الرواتب واستحداث محافظة حلبجة، وهما قانونان مختلفان عليهما داخل البرلمان: "ماكو سُلَّم رواتب" و"ماكو حلبجة". وصوّت البرلمان، أمس الإثنين، على مشروع قانون استحداث محافظة حلبجة، والذي تربطه أطراف سياسية أخرى باستحداث محافظات جديدة (كالزبير في البصرة).
ونشر الشرماني، النائب عن محافظة النجف، تعليقًا على جلسة "الإثنين" على حسابه في فيسبوك، تضمّن وسمين: "ماكو سُلَّم رواتب"، "ماكو حلبجة"، في إشارة إلى ربط استحداث محافظة حلبجة الكردية بتعديل سُلَّم رواتب الموظفين.
في غضون ذلك، كشف النائب عن ائتلاف دولة القانون، فراس المسلماوي، عن جمع تواقيع بشأن معالجة قضية الرواتب.
ونشر المسلماوي وثائق على صفحته في فيسبوك، تُظهر جمع تواقيع أكثر من 60 نائبًا لتعديل قانون سُلَّم رواتب الموظفين، وتخفيض رواتب الرئاسات الثلاث والنواب والدرجات الخاصة. وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد علّق في آذار الماضي بشأن سُلَّم الرواتب، وقال إنه "يحتاج إلى قرار سياسي لأن مخصصاته تتعلق بـ34 قانونًا يجب إلغاؤها حتى يتم توحيد الرواتب".
وضغط البرلمان على الحكومة من أجل "سُلَّم الرواتب"، بحسب اللجنة المالية في المجلس.
ويقول مصطفى الكرعاوي، عضو اللجنة، إن الحكومة أوصت بهذا الشأن: "وهي إما إعادة توزيع تخصيصات الرواتب على الموظفين بشكل عادل؛ ولكن هذا قُوبل برفض واعتراض من الوزارات ذات الرواتب المرتفعة، والمقترح الثاني هو إضافة تخصيصات جديدة للوزارات التي تعاني من رواتب منخفضة".
ويرى الكرعاوي، أنه لو كانت الحكومة العراقية تمتلك إيرادات إضافية بقيمة 12 تريليون دينار، لكانت قد "حلّت مشكلة سُلَّم الرواتب".
وتُقدّر اللجنة المالية أن عملية "توحيد الرواتب" بين الموظفين تكلّف الموازنة أكثر من 10 تريليونات دينار سنويًا.
وكان أساتذة الجامعات قد خرجوا في احتجاجات عام 2016 اعتراضًا على تقليص رواتبهم، بعد خطة حيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق، لوضع "سُلَّم الرواتب".
فروقات كبيرة
وتثير الرواتب "المتناقضة" في العراق أزمات متكرّرة، خصوصًا مع وجود "قصص" عن مخصصات غير معقولة لبعض المسؤولين.
نهاية العام الماضي، قال ضرغام المالكي، النائب عن البصرة، إن راتب وكيل وزارة النفط لشؤون الاستخراج يبلغ "121 مليون دينار عراقي شهريًا فقط".
ويُقدّر عدد الدرجات الوظيفية لمنصبي "وكيل وزير" و"مدير عام" بأكثر من 500 درجة (أ) ونحو 5030 درجة (ب)، وهو عدد يفوق ما موجود في بريطانيا وأميركا، بحسب خبراء.
وينقسم الموظفون في العراق إلى 10 درجات وظيفية، فضلًا عن الدرجة (أ) الخاصة، وهم في مناصب: وكيل وزير أو سكرتير أو مستشار في الرئاسات الثلاث، وصولًا إلى درجة السفير.
أما الدرجة العليا (ب) فتشمل وظائف المدير العام والمهمات الإشرافية العليا، ومن ثم تُقسم الدرجات الوظيفية من التسلسل العاشر نزولًا إلى الدرجة الأولى.
إضافة إلى ذلك، هناك أكثر من 20 وزيرًا، وأكثر من 300 نائب أو وكيل وزير، مع الرؤساء الثلاثة (الجمهورية - البرلمان - الوزراء)، ليكون المجموع أكثر من 6 آلاف درجة تستنزف قرابة 40% من إجمالي رواتب الدولة، تُقسّم على هيئة رواتب ومخصصات وحمايات أمنية وإيفادات سفر، وفقًا لخبراء.
ويبلغ الراتب الأساسي والمخصصات لوكيل الوزير 12 مليون دينار، أما راتب المدير العام فيبلغ 8 ملايين دينار شهريًا.
وبحسب إحصائيات نشرتها بعض المواقع العراقية عن رواتب الرئاسات الأربع من 2006 إلى 2021، حسب الموازنات السنوية، أظهرت أن رئاسة الجمهورية أنفقت في تلك الفترة نحو تريليون و700 مليار.
ورئاسة الوزراء أنفقت في نفس تلك الفترة أيضًا نحو 8 تريليونات دينار، والبرلمان أكثر من 7 تريليونات، والقضاء 5 تريليونات.
وبحسب الإحصائيات التي نقلتها تلك المواقع، فإنها تتضمن احتساب المخصصات من الشهادة والسكن وغيرها، وهي تشمل رواتب الرؤساء والموظفين في تلك الجهات.
تبدو هذه الأرقام متواضعة مقارنة بما كان يُتداول في السنوات الأولى من رواتب للرئاسات. ففي 2020، تم تداول أخبار عن الرواتب التقاعدية لرئيس الجمهورية الأسبق غازي عجيل الياور.
ويبلغ الراتب التقاعدي الشهري للياور – حسب ما تداولته مواقع – 61 مليونًا و680 ألف دينار عراقي. وكلف مجموع الرواتب التقاعدية التي تقاضاها الرئيس الأسبق، لـ19 عامًا من بداية 2004 إلى نهاية 2019، ميزانية الدولة قرابة 11 مليار دينار عراقي، تُضاف لها رواتب الحمايات والمخصصات الأخرى.
ويُصوّب النواب ضد تلك الرواتب، ويعتقدون أن هناك "حسد عيشة" ضدهم بسبب رواتبهم المتواضعة نسبةً إلى "الوزراء" و"القضاة".
يقول النائب محمد البلداوي، إن مجلس النواب "يتعرض بين فترة وأخرى لهجمة شرسة وتسقيط عبر نشر أخبار غير دقيقة". وأضاف في تصريحات سابقة أن "عضو مجلس النواب لا يمتلك شيئًا غير راتبه الشهري، وأن القضاة ووكلاء الوزارات وبعض المديرين العامين، يتقاضون راتبًا أعلى من راتب النائب في البرلمان ويصل راتبهم إلى ما بين 4 – 6 ملايين".
وحاول البرلمان، في جلسة سرية بصيف 2024 – كشفتها كتلة إشراقة كانون – زيادة رواتبه إلى 8 ملايين دينار، فيما لا يُعرف راتب النائب على وجه الدقة حاليًا.
سعي غير جاد
وفي الشأن ذاته، يعلّق محمد نعناع، وهو باحث وأكاديمي، على إعادة مشروع "سُلّم الرواتب" إلى الواجهة، والحديث عن القوانين التقاعدية، بأنها مساعٍ "غير جادّة" بسبب 3 مؤشرات:
- عدم وجود دراسات جدوى لا من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ولا الوزراء، ولا اللجان المعنية، ولا وزارة التخطيط لهذه القضايا، وبدون وجود دراسات الجدوى، لا توجد نية حقيقية لإجراء تعديلات في قضية الرواتب، تخفيضًا أو ترفيعًا.
- عدم وجود اتفاق لدى الكتل السياسية، وأغلب القوانين التي تُطرح للتعديل أو القوانين الجديدة تحتاج إلى تنسيق سياسي، على الأقل بين قوتين سياسيتين، لضمان تمرير القوانين، وهذا غير موجود حاليًا، بسبب خلاف عميق على القوانين التي تتضمن مسائل مالية، أو بسبب قانون مقابل قانون، أو تعديل مقابل تعديل.
- الحكومة ارتكبت أخطاء في التعامل المالي بالتعيينات، ما أوصل لها مؤشرات سلبية من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وعلى هذا الأساس، في الفترة الأخيرة لم تتحرك الحكومة في المجالات المالية كما في السنة الأولى، كتعيينات وزيادة رواتب المتقاعدين، وأحسّت الحكومة بأنها كبّلت نفسها بالكثير من الالتزامات التي لا تقوى عليها.
ويخلُص نعناع إلى القول إن "هذه مسائل ضمن الدعاية الانتخابية (من المقرر إجراء الانتخابات بعد 7 أشهر)، وحتى لو طُرحت في البرلمان أو مجلس النواب، لن تُعدّل كما يريد الشارع، وإنما لذر الرماد في العيون".