قرار مفاجئ بإيقاف المنصة الالكترونية.. البنك المركزي يدفع أسعار الدولار نحو "التحليق"
انفوبلس/ تقارير
بعد القرار المفاجئ للبنك المركزي بالاستغناء عن المنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية، تقصّت انفوبلس عن تأثير ذلك القرار على السوق العراقي وأسعار صرف الدولار التي كانت محور مخاوف المختصين، بسبب ما قد يلحق بها جراء إيقاف المنصة وبالتالي تحليقها عالياً. فلماذا أقدم المركزي العراقي على هذه الخطوة؟ وما تداعياتها على الوضع المالي في 2025؟
إنهاء المنصة
في الرابع من سبتمبر الماضي، كشف البنك المركزي العراقي، عن آلية إنهاء المنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية، فيما أشار إلى ان وضع عمليات التحويل الخارجي وتلبية الطلبات على الدولار في مسارات سليمة ومنسجمة مع الممارسات والمعايير الدولية.
وذكر المركزي في بيان ورد لـ"انفوبلس" أن "المنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية التي يديرها البنك المركزي العراقي بدأت في بداية عام 2023 كمرحلة أولى لإعادة تنظيم التحويلات المالية بما يؤمِّن الرقابة الاستباقية عليها بدلاً من الرقابة اللاحقة من خلال قيام الاحتياطي الفيدرالي بتدقيق الحوالات اليومية، وكان ذلك إجراءً استثنائياً إذ لا يتولى الفيدرالي عادة القيام بذلك، وجرى التخطيط للتحول التدريجي نحو بناء علاقات مباشرة بين المصارف في العراق والبنوك الخارجية المراسلة والمعتمدة، يتوسط ذلك شركة تدقيق دولية للقيام بالتدقيق المسبق على الحوالات قبل تنفيذها من قبل البنوك المراسلة".
منعطف جديد
وبهذا الصدد، يقول عضو الهيئة الإدارية لمجلس القطاع الخاص صباح البغدادي في حديث له تابعته شبكة انفوبلس إن "القطاع الخاص العراقي اليوم يمر بمنعطف جديد كون اغلب اعماله يتصدرها الاستيراد الذي يتم عبر المنصة الالكترونية لذا وفي هذا الحال نطلب من البنك المركزي العراقي عدة نقاط وهذه تصب من أجل الانتقال الى مرحلة جديدة تتسم بمساهمة القطاع المصرفي بصورة فعالة في التنمية وتفعيل انتقال الأموال من والى العراق بسلاسة لإدامة التجارة الدولية وتنشيط دورة رأس المال وحركة الأعمال.
ويوجز البغدادي النقاط آنفة الذكر بالآتي:
ـ إصدار تعليمات مركزية موحدة لفتح الحسابات الجاريةcurrent account, للشركات العاملة ، وهذه التعليمات تكون ميسرة ولكنها تتجاوب مع المعايير الأساسية والمتطلبات العالمية للعمل البنكي، ولا يترك المجال للمصارف للتحكم بمزاجية غير مبررة وغير مفهومة لفتح الحسابات بحيث وصل الامر إلى أن تطلب وساطة من خارج الحدود لفتح حساب جاري او احيانا يفرض احد المصارف شروط جائرة كأن يطلب ايداع مبلغ ويبقى ثابت دون سحب ولمدة عام مثلا.
ـ وضع مقياس ذي معيار علمي لتسعير الخدمات المصرفية اي العمولات، حيث وصل الحال وبناء على تجربة السنتين السابقتين إلى ان بعض المصارف يتقاضى عمولات غير مسبوقة وضخمة بحيث يصبح شريك وأكثر من شريك (لان الشريك ممكن يربح او يخسر مع شريكه) ، والمصرف شريك ربح فقط ويتقاضاه مقدما ، والحديث بالذات عن موضوع الحوالات ولكن احيانا يتعداه إلى خدمات مصرفية أخرى.
ـ ايجاد آليات مراقبة فعالة لمراقبة السلوك المهني للمصارف، مع عقوبات رادعة في حالة المخالفة او الانحراف، وتكون مسؤولية مراقبة السلوك المهني للقطاع المصرفي مسؤولية مشتركة بين البنك المركزي ( كجهة رسميه وفق القانون) والمنظمات والنقابات المهنية (اتحادات الصناعة والتجارة ورابطة تجار العراق ورابطة الشركات السياحية واتحاد رجال الاعمال وغيرها، وتشكل هيئة او مجلس يكون مقره البنك المركزي ويقوده اداريا لتنفيذ ذلك".
ـ على السلطات المالية الحكومية والبنك المركزي ان تتقبل وترسخ مفهوم ان القطاع المصرفي ليس فقط شبكة المصارف وشركات الدفع ورابطة المصارف الأهلية بل هو ايضاً يشمل المتعاملين مع المصارف وخاصة التجار والشركات بحيث ان الامر يكون متكامل وأشبه بجناحي الطائر ولا يوجد طائر يحلق بجناح واحد، من تجربة الفترة الماضية ( 23-2024) وجدنا سلطات البنك نشطة وفعالة في عقد الندوات والمؤتمرات للمصارف وشركات الدفع ورابطة المصارف، لكنها اهملت وربما بدون قصد شبكة الشركات والتجار والمستوردين الذين يمثلون الجانب الآخر من المعادلة وهم في الغالب من يعرفون أين الخلل ومواطن العلل ولو اتيحت لهم المساحة الكافية لحصلنا على مسح كامل للمشاكل والحلول.
تأثر أسعار الصرف
الخبير المالي والمدير العام الأسبق في البنك المركزي العراقي محمود داغر قال، إن "المنصة الالكترونية هدفها الرئيس هو الإفصاح والشفافية للأطراف المشاركة: البنك المرسل، البنك المركزي العراقي، البنك الفيدرالي، شركات التدقيق، وبما ان المنصة هي طلب أميركي فهي اختصت بالدولار دون غيره، لذلك حالما توفر البديل وهو الإفصاح والشفافية عبر مصارف مراسلة أميركية قلت الحاجة إليها".
ويتابع داغر "ممكن أن تحصل مصارف محدودة على تحويلات الدولار وهي النسبة الأكبر للحوالات والاعتماد ليس بعملة الدولار فقط بل بعملات اخرى ايضا عن طريق استبدال الدولار بعمل اخرى من قبل المصرف المراسل الاميركي وهو Citi bankحسب طلب الزبون، اذن عمليا انتهى طلب الدولار خارج المصارف التي لا تمتلك مصرف أميركي وجزء كبير عملات اخرى".
ويكمل، "اما المصارف العراقية غير المقيدة من البنك الفيدرالي والتي لا تمتلك مراسل Citi bank أوكل اليها عملات أخرى، مثل اليوان والروبية والدرهم والليرة، ولغاية الان هنالك حاجة إلى تسهيل تحويلاتها كونها ما زالت بطيئة وقليلة الحجم".
ويكشف داغر، إنه "في الوقت الحالي يواجه التحويل عن طريق شركتي Western unio، Mony gram معضلات التعزيز مما تسبب بتوقف الكثير منه، اما البطاقاتMaster& Visa فيواجه تعزيز الشركتين مشاكل تعزيز أيضا، لذلك فان إغلاق المنصة وبطء تحويلات العملات الأخرى وانخفاضها وتعثرات تعزيز شركات التحويل والبطاقات سينجم عنها اثر في سعر الصرف، بل التأثير متحقق منذ مدة طويلة كون سعر الصرف السوقي حول ١٥٠٠ دينار/ دولار بفارق ١٨٠ نقطة للدولار الواحد وهنا تبرز اسألة مهمة على الجهات المعنية الإجابة عليها منها: هل تركز التحويلات الكبيرة عبر مصارف قلة سينعكس في السوق وهل بيد العراق تفتيت التركز؟ وهل يستطيع العراق الاستغناء عن التركز بالتحويل؟ وهل يستطيع العراق فك قيد الدولار للمصارف المقيدة؟ اجابة الاسئلة قد تؤدي إلى العودة إلى ١٣٢٠ دينار /دولار" يقول داغر.
أسعار الدولار في خطر
من جانب آخر، قال الباحث في الشأن المالي زياد الهاشمي، إن "البنك المركزي العراقي أوقف عمل منصة حوالات الدولار فجأة قبل الموعد المحدد وبدون إعلان رسمي ودون مراعاة لمصالح الشركات والأسواق العراقية، في خطوة أقل ما يقال عنها انها بعيده عن المهنية والشفافية".
وأضاف الهاشمي، أن "وقف المنصة دون اعلان رسمي من قبل البنك المركزي قد يشير الى ان هناك عدم يقين وتخوف من نتائج وقفها على أسعار صرف الدولار، وعدم الإعلان يمكن ان يعطي فرصة للمركزي للتنصل والتملص من قرار وقف المنصة والعودة لتشغيلها ولو وقتياً في حالة بدأ الدولار بالارتفاع لمعدلات كبيرة".
وتابع، "من الممكن أيضاً ان وقف المنصة دون إعلان رسمي هو إجراء تجريبي لاختبار قدرة السوق على التكيف مع الوضع الجديد بدون منصة، وكيف يمكن ان يكون الطلب على الدولار وأسعار صرفه بعد هذا التوقف المفاجئ".
وأكمل الهاشمي، "حتى الان يبدو انه لا أثر كبير وواضح لعملية الوقف غير الرسمي للمنصة على الأسواق وأسعار الصرف، لكن هذا الوضع قد يتغير خلال الأيام او الأسابيع القادمة عندما يبدأ أثر غياب حوالات المنصة بالظهور تدريجياً على حجم الطلب على الدولار في السوق الموازية وحينها قد نشهد ارتفاعات غير مسيطر عليها في أسعار الصرف، قد تضع البنك المركزي والاسواق والاقتصاد العراقي في وضع صعب للغاية".