مشروع مصفاة ميسان يعود للواجهة كفرصة استثمارية.. عقد من التلكؤ والتعاقد مع الشركات "المشبوهة"
انفوبلس/ تقرير
قبل سنوات عديدة وتحديدا عام 2016، وضعت وزارة النفط العراقية، حجر الأساس لمصفاة نفطية في محافظة ميسان (جنوبي العراق) بطاقة 150 ألف برميل يومياً يجري تشييدها باستثمار مشترك لشركتي وأهان الصينية وساتارم السويسرية بعد توقيع العقد عام 2013، وكان من المؤمّل أن يغطي الاحتجاجات الأساسية من المشتقات النفطية في ميسان ومحافظات الوسط والجنوب وتوفير أكثر من 3000 فرصة عمل، لكن لم ينفّذ المشروع الذي شابه الكثير من صفقات الفساد.
ووقّعت وزارة النفط في العاشر من تشرين الاول عام 2013، مع ائتلاف شركات "وايس ستارم" السويسرية مذكرة تفاهم لإنشاء مصفى ميسان بطاقة 150 برميلا يوميا، مشيرة إلى أن المشروع يُعد الأول من نوعه في العراق.
ويستهدف العراق وقف استيراد الوقود والوصول إلى الاكتفاء الذاتي من المشتقات النفطية بحلول عام 2025، من خلال خطة تعتمد على تطوير وإعادة إعمار قطاع التكرير في البلاد، الذي تدهور مع تعرّض بعض المصافي لهجمات إرهابية أثّرت في إنتاجيتها.
*مشروع مصفاة ميسان
ووضعت وزارة النفط في تموز 2016 حجر الأساس لمصفاة ميسان الاستثماري بطاقة 150 ألف برميل يوميا بعد توقيع العقد في عام 2013، مبينة أن المشروع يُعدّ أول صرح اقتصادي على أرض ميسان وأحد أكبر المشاريع الاستثمارية في قطاع التصفية العراقي.
ويعتبر المشروع الأول من نوعه في العراق بمساحة 2400 دونم، حيث يقع المشروع في مدينة المثنى محافظة ميسان وتحديدا في منطقة بزركان قرب مصفى الحلفاية القديم.
وقال المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد يوم الإثنين (22 – شباط – 2016) إن "مشروع مصفى ميسان يُعد أول مصفى استثماريا في العراق بقطاع التصفية بطاقة تصميمية كاملة تبلغ 150 ألف برميل يوميا". وأضاف، إن "مصفى ميسان سيوفر مشتقات نفطية بدرجة عالية جداً ستُلبّي الحاجة المحلية للبلاد". كاشفا، عن أن "الشركة المنفِّذة للمشروع هي شركة مصفاة ميسان الدولية المؤلَّفة من شركة صينية وأخرى سويسرية إضافة إلى الجانب الحكومي".
وبيّن جهاد، إن "مشروع مصفى ميسان سيوفر فرص عمل لأبناء المحافظة بالإضافة إلى الأعمال المرتبطة لهذا المشروع". واستدرك بالقول، إن الشركة المسؤولة عن تنفيذ المشروع ستقوم بتصدير المشتقات النفطية للخارج ضمن خطط وزارة النفط لتطوير واقع النفط ومشتقاته في البلاد".
وفي عام 2018، باشرت الملاكات الفنية والهندسية في شركة مصفاة ميسان الدولية العمل بتنفيذ مشروع مصفى ميسان الاستثماري بطاقة (150) إلف برميل يومياً، بالتعاون والتنسيق مع جهة التعاقد وزارة النفط وشركة المصافي العراقية وبإجازة الهيئة الوطنية للاستثمار، وتضم الشركتين الصينية والسويسرية وشركات نفطية أجنبية.(MIRC) (CNCEC).
من جهته، قال محافظ ميسان علي دواي عام 2018، إن "مشروع شركة مصفى ميسان الدولية، مشروع مهم واستراتيجي سواء لميسان أو للعراق ككل من خلال دعم الاقتصاد الوطني". مشيراً، إلى "تهيئة كل المشتقات النفطية التي من الممكن أن تُستخدم للفعاليات اليومية، فضلاً عن توفير فرص عمل لأبناء المحافظة التي من المتوقَّع أن تصل إلى 3000 فرصة عمل".
بالمقابل، فإن مصفى ميسان متميز في مكانته وطاقته، وفقا لعضو لجنة النفط والطاقة النيابية علي فيصل الفياض، إذ قال إن "طاقته تعتبر طاقة كبيرة جداً وهي بحدود 150 ألف برميل يومياً، فهو نقلة نوعية في المحافظة وعموم العراق، والفقرة الأهم بهذه المصفى أن التكنلوجيا المستخدمة فيه ستُساهم بتوفير جودة عالية للمشتقات النفطية ممكن أن تكون أعلى من المستورد نسبةً للتقنيات العالية المستخدمة فيه، وهذا بحد ذاته نقلة نوعية للمنتوج العراقي لم تكن موجودة في المصافي السابقة".
*خفايا "مصفاة ميسان" والتعامل مع شركة مُفلِسة
كشف تقرير لموقع "اراك بيزنز نيوز" البريطاني في كانون الثاني عام 2018، تفاصيل عن عقد مصفاة ميسان الذي أبرمته وزارة النفط مع شركة "ستاريم" السويسرية، لافتا إلى أن الحكومة العراقية منحت 6.5 مليار دولار للشركة على الرغم من إعلان إفلاسها قانونيا وتصفية أصولها وحذفها من السجل الرسمي للشركات السويسرية. كما أشار إلى أن الشركة مُفلِسة من الأساس ولديها قضايا قانونية مازالت في المحاكم.
وذكر تقرير، أن "نسخة عربية غير موقَّعة من عقد امتياز المصفاة كانت قد نُشرت بتاريخ 15 حزيران عام 2014، وكان من المفترض أن يتم توقيع العقد بين وزارة النفط العراقية وشركة مصفاة ميسان الدولية (MIRC)، وطبقا للعقد فقد تأسست الشركة المذكورة في 10 شباط 2014 وكان الشريك الوحيد مع ستاريم في المشروع هي الشركة الصينية لهندسة البناء المحدودة (CSCEC) وليست شركة وأهان كما يقول إعلان الوزارة".
وأضاف التقرير، "مما هو جدير بالذكر أن هناك الكثير من الملاحظات والتحفّظات الخطيرة بشأن العقد، لكن بما أنه لم يوقَّع حينها فإن صحته مشكوك فيها وبالتالي لا يستحق قول أي شيء بشأن محتوياته هنا في هذه اللحظة".
وتابع، أن "وزارة النفط أعلنت عن وضعها حجر الأساس في 25 شباط من عام 2016 بمصفاة ميسان الاستثمارية بسعة 150 ألف برميل يوميا (بعد ثلاثة أيام فقط من إعلان الوزارة توقيعها العقد)، وحضر الحفل مدير عام شركة نفط الجنوب السابق ضياء جعفر ووكيل وزير النفط السابق عام 2015 الذي قال إن المشروع مملوك لشركة وأهان الصينية بنسبة 85 بالمائة وساتاريم السويسرية بنسبة 15 بالمائة".
وأشار التقرير إلى أن "البيان الأكثر صدمة في الاحتفالية، والذي يظهر الجهل التام والحكم السيئ وربما الفساد، أدلى به رئيس مجلس محافظة ميسان آنذاك منذر الشاوي حيث قال: "إنكم تواجهون تحديا كبيرا لأن هناك شكوكا بأنكم لا تملكون جدية عالية في العمل"، وشدد بالقول إن "الشركات لديها الآن اختبار حقيقي لإثبات كفاءتها".
وعلّق التقرير على تصريحات الشاوي بالقول: "يا له من عدم شعور كامل بالمسؤولية أن يعترف مسؤول في مجلس المحافظة بضعف الشركات، ومع ذلك فهم مستعدون لتقديم مبلغ 6.5 مليار دولار في مشروع مصفاة فقط من أجل إعطاء فرصة لشركات أجنبية لإثبات نفسها!"، مبينا أن "كل ذلك حدث على الرغم من علم الوزارة التام بالمعلومات الموثوقة والتي تشير إلى أن شركة ساتاريم قد أعلنت إفلاسها قانونيا وتمت تصفية أصولها وحذفها من السجل الرسمي للشركات السويسرية".
ووفقا للتقرير، فإن "هناك شيئا غامضا بشأن الشركة الصينية (وأهان أو سيسك لا فرق بينهما) فعلى الرغم من أنها تملك 85 بالمائة من المشروع لكن دورها لم يحدد أبدا ولم يرَ أحد ممثليها مطلقا بشكل علني في أي مكان، وعلى الرغم من إدراجها ضمن الإدارة العليا في تطوير المشروع، كما يظهر ذلك من عرض ساتاريم على شرائح الباور بوينت التي تعود لشهر تشرين الأول من عام 2013، لكن لم يحضر أي ممثل عن الشركة الصينية في توقيع مذكرة التفاهم في 10 تشرين الأول من عام 2013".
وأكدت، أنه "لم يكن هناك أي ممثل عن الشركة الصينية بحفل توقيع العقد في 25 شباط عام 2016 عند وضع حجر الأساس لمصفاة ميسان، كما أنه لم يكن هناك ممثل عن الشركة الصينية حاضرا في اجتماع الوزارة بتاريخ 4 كانون الأول عام 2018 وهو ما يطرح تساؤلا حقا، هل الشركة الصينية موجودة أم أنها وهمية؟ لذلك، يجب على الوزارة تقديم إجابة واضحة ومقنعة وموثوقة ويمكن التحقق منها".
وتابع التقرير، إن "وزارة النفط العراقية أعلنت أنها ألزمت شركة ميسان الدولية للمصافي (في الواقع الشركة السويسرية المفلسة ستاريم) بالتوقيع على تعهد بأن تبدأ العمل على مصفاة ميسان خلال 30 يوما وإلا فسوف يتم إنهاء العقد دون أن تترتب على الوزارة أية نتائج قانونية ومالية".
لكن هذه الخطوة، بحسب التقرير "تأخرت كثيرا، وينبغي أن يكون الإنذار النهائي بإنهاء العقد قبل ذلك الوقت بكثير بعد أن مرّت أربع سنوات دون أي تقدُّم ملموس في بناء المصفاة". مبينا، أن "الوزارة لم تكشف عن محتويات التعهد أو تحدد ما يجب على ستاريم القيام به خلال الثلاثين يوما، ولم يُشِر الإعلان إلى أسماء الحاضرين في الاجتماع الذي عقد بخصوص الصفقة الأولية مع الشركة المفلسة والتي تم التوقيع عليها منذ عام 2013 بحضور رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي ونائب وزير الطاقة حسين الشهرستاني ووزير النفط عبد الكريم اللعيبي".
وتابع، أن "قاعدة البيانات الموسّعة بشأن شركة ستاريم أظهرت بشكل قاطع شكوك خطيرة بشأن نزاهة ومصداقية الشركة، التي كانت مسؤولة عن بناء هذه المصفاة الحديثة في ميسان، حيث تم تلقي الكثير من المعلومات من شركات عالمية وشركات استشارية أخرى وتجربتها السيئة مع الشركة السويسرية، بما في ذلك مطالبات قانونية وقضايا قانونية ضدها مازالت في المحاكم، مما يؤكد من الناحية التقنية أن الشركة غير قادرة على العمل بالإضافة إلى إفلاسها من الناحية المالية، وبالتالي عدم كفاءتها للقيام بمصفاة تكرير حديثة بقيمة 6.5 مليار دولار".
وبحسب التقرير، فإن "عددا قليلا من موظفي وزارة النفط قاموا بترويج مذكرة التفاهم والدفاع عنها (أو إجبارهم على القيام بذلك)؛ لسوء الحظ، عرضوا حُجَجا ضعيفة للغاية، وركزوا على المعيارية وأهمية المصفاة والاستثمار الخاص، في حين تجاهلوا تماما، عن طريق نيّة أو إغفال، القضية الحقيقية لمقدار أهليّة شركة ستاريم وآثار مذكرة التفاهم الموقّعة".
وأشار التقرير إلى أنه "في الآونة الأخيرة، نشرت شركتان أُخريان وثائق إضافية حول ستاريم: الأولى هي شركة أوروبية كانت شريكة مع ساتريم في مصفاة ميسان وكانت في (فريق الإدارة العليا – لتطوير المشاريع)؛ فقد انسحبت وأنهت شراكتها بعد أن أدركت أن ستاريم غير مختصة بتنفيذ المصفاة".
وبين الموقع في تقريره، أن "الأخرى هي شركة استشارية تعمل في قيرغيزستان ولديها مذكرة تفاهم تعود إلى تموز 2015 مع ستاريم بشأن مشروع (إعادة تدوير النفايات) هناك ولم تفِ الشركة بالتزاماتها، مما دفع الشركة الاستشارية لتقديم دعوى قانونية في لندن ضدها ولم يتم دفع أي مبلغ".
وفي عام 2019، وبحسب وثيقة برلمانية، فإن نسبة الإنجاز لمشروع مصفى ميسان هي 0% رغم صرف مبلغ 150 مليون دولار للشركة المنفذة.
*آخر المستجدات: طرحه كفرصة استثمارية
اليوم الأربعاء، أعلن وزير النفط، عن 7 فرص استثمارية في قطاع التصفية والصناعات التكريرية من بينها مشروع مصفى ميسان الاستثماري في محافظة ميسان بطاقةِ مئة وخمسين ألف برميل في اليوم.
*علاقة رجل الأعمال اللبناني شفيق ثابت بالملف
وخلال توقيع العقد في زمن نوري المالكي، ظهر فيديو على موقع "يوتيوب"، يقف المالكي، وخلفه ثلاثة أعلام عراقية، وعلى يمينه، حسين الشهرستاني، نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة آنذاك، وعلى يمين الأخير يقف شفيق ثابت، المستثمر اللبناني الفائز بعقد استثمار مصفى ميسان الدولي.
وقال المالكي آنذاك، "اليوم نوقِّع على أول مشروع استثماري يقوم به القطاع الخاص، بالتوفيق لوزارة النفط وللشركة التي يرأسها المستثمر اللبناني شفيق ثابت، موفقين ونتمنى لهم النجاح ونشدّ على أيديهم ونتعاقد لهم بتسهيل مهمتهم في بناء هذا المصفى ونتمنى عليهم الإسراع واختصار الزمن أيضاً.. شكراً جزيلاً". مرّ على هذا المشهد أكثر من عقد من الزمن وما زال الوضع على ما هو عليه.
وبحسب مصادر خاصة لـ "انفوبلس" فإن "رجل الأعمال اللبناني شفيق ثابت (مالك قناة السومرية الفضائية العراقية) كانت له علاقة وثيقة برئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي آنذاك".