ملايين براميل النفط البصري تذهب إلى مصر والدفع بالأقساط.. كيف بدأت هذه الصفقة؟
انفوبلس/ تقرير
أعلن مجلس الوزراء العراقي، يوم أمس الاثنين 20 مارس/ آذار 2023، أنه أقرّ توصية للمجلس الوزاري للطاقة بتجديد التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للبترول لشرائها أربعة ملايين برميل من نفط خام البصرة المتوسط، بواقع مليوني برميل لشهر يونيو/ حزيران ومثلهما لشهر أغسطس/ آب.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس وزراء محمد شياع السواني في بيان ورد لـ "انفوبلس"، إن مجلس الوزراء عقد جلسته الاعتيادية الثانية عشرة برئاسة السوداني". وأضاف البيان، إنه "خلال الجلسة تم إقرار توصية المجلس الوزاري للطاقة (23007 ط) لسنة 2023 المتعلقة بتجديد التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للبترول (EGPC) لعام/ 2023، بكمية عقدية بالغة (4) ملايين برميل من نفط خام البصرة المتوسط، بواقع مليوني برميل لشهر حزيران ومثلهما لشهر آب من عام 2023، بالشروط التعاقدية نفسها المعمول بها سابقًا".
*بداية الصفقة
يعود اتفاق إمداد بغداد ـ القاهرة بالنفط لاتفاق وُقِّع في أبريل (نيسان) عام 2016، لتوريد نحو 12مليون برميل من النفط الخام، بواقع 2 مليون برميل لكل شحنة لمدة عام قابل للتجديد، تصل فترة السماح قبل السداد نحو 90 يوماً، على أن يُكرَّر النفط العراقي في معامل التكرير المصرية، عندما وقّعت الحكومة المصرية عقداً تجارياً مع شركة سومو العراقية لتوريد خام نفط البصرة الخفيف، وتسلّمت القاهرة أولى شحنات النفط العراقي في مايو (أيار) 2017 بعد الاتفاق المُبرم على أن يتجدد العقد بشكل سنوي.
أكد السفير العراقي بالقاهرة حبيب الصدر آنذاك (2017) أن الاتفاقية التي وقّعتها حكومة بلاده مع مصر لإمدادها بمليون برميل شهرياً من نفط البصرة الخفيف ستدخل حيز التنفيذ خلال الأيام القليلة القادمة، وقابلة للزيادة فيما بعد وبشروط دفع ميسّرة.
وأضاف الصدر في تصريحات له، "نحن نقدّر عالياً وقفة مصر ومساندتها للعراق عربياً ودولياً ومساهمتها في الحرب ضد الإرهاب، هذه المساهمة مقدرة ونتفهم انشغالها في دحر الإرهاب في سيناء وملاحقتها للخلايا الارهابية"، معرباً عن تطلّعه لرفع وتيرة هذا التعاون في المستقبل في شتّى الميادين.
كما قال، إن علاقة مصر والعراق تمتد لأكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد عمر وحضارة الرافدين ووادي النيل ومن الطبيعي أن يتعاون البلدان ويطورا علاقاتهما في شتى الميادين والصعد"، موضحاً إن "تطوير العلاقات مع مصر ليست انتهازاً لفرصة كما يدّعي البعض بل هي علاقة استراتيجية وخيار استراتيجي فهي ليست محكومة بزمان أو مكان، هي علاقة استراتيجية يُراد منها أن ينهض البلدان ويتكاتفان إزاء كل التحديات الجسيمة في منطقتنا".
وقال حمدي عبد العزيز، المتحدث الرسمي لوزارة البترول المصرية عام 2020، إن إنتاج مصر السنوي من النفط لا يسد سوى نحو 60 في المئة من احتياجات السوق المحلية". مؤكداً، إن "الوزارة تستورد الباقي من الخارج للوفاء باحتياجات السوق".
*اتفاقيات لاحقة: النفط مقابل الإعمار
أعلنت الحكومة العراقية في زمن مصطفى الكاظمي، عام 2022 التوقيع على 15 مذكرة تفاهم مع نظيرتها المصرية، حيث أثار هذا الاتفاق انقساما سياسيا داخل العراق بشأن تجاهل الحكومة الحالية الاتفاقية مع الصين والتي أبرمتها الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي في سبتمبر/ أيلول 2019، والتي كان يُنظر لها بأنها طوق نجاة للاقتصاد العراقي الذي يعاني من أزمات خانقة.
وكما قال آنذاك الرئيس السابق لخلية المتابعة الحكومية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء مصطفى سند، إن الاتفاقية العراقية المصرية لا تزال في مرحلة مذكرات التفاهم ولم ترتقِ إلى مستوى اتفاق، معتبرا أن آثارها غير واضحة المعالم حتى الآن. وأضاف، إن "جوهر الاتفاقيات بين الدول تضمن توقيع عقود بشكل مباشر مغطّى بتمويل مالي وسيولة، في حين أن الاتفاقية تحتاج إلى غطاء برلماني".
بين الصين ومصر
وخلال المؤتمر الصحفي الذي جمع رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي بنظيره المصري مصطفى مدبولي، أكد الاخير أن "هناك توافقا مبدئيا بين البلدين على سرعة تفعيل آلية النفط مقابل الإعمار، خاصة أن الشركات المصرية على استعداد لتنفيذ مشروعات تنموية في العراق مقابل كميات النفط التي ستستوردها مصر".
موقف الحكومة المصرية من الاتفاقيات الموقّعة مع العراق خلق سلسلة من الاستفهامات تتعلق بإمكانية أن تحل مصر مكان الصين في مشاريع إعمار العراق.
وتنظر قوى سياسية عراقية عدة إلى الصين على أنها قوة اقتصادية تمكنها من وضع خريطة طريق تساعد العراق في الخروج من أزمته، ويؤكد سند أن "التقارب بين بغداد والقاهرة لا يعتبر بديلا عن الاتفاقية الصينية، خاصة أن العراق يعتمد مبدأ الانفتاح الاقتصادي على جميع المحاور".
*رفض برلماني
وأثار الاتفاق العراقي المصري انقساما في بعض اللجان النيابية داخل مجلس النواب على اعتبار أن مصر تعاني من ديون ومعدلات بطالة مرتفعة وأزمة اقتصادية خانقة، مما يجعل جدية الحكومة المصرية في تطبيق هذه الاتفاقية على المحك.
وقالت عضوة لجنة الاقتصاد والاستثمار السابقة في البرلمان العراقي ندى شاكر جودت، إن مجلس النواب تفاجأ بإعلان الحكومة توقيع الاتفاق مع مصر وتجاهلها الاتفاقية مع الصين. وأكدت، إن نوابا في البرلمان قدموا طلبا إلى رئاسة مجلس النواب يتضمن استضافة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وعلي علاوي نائبه للشؤون الاقتصادية وزير المالية لشرح بنود الاتفاق العراقي المصري.
وشهد العام 2022 تراجعا للصادرات المصرية إلى العراق بنسبة 65%، إذ تبلغ 137.4 مليون دولار في العام 2020، فيما العام 2019 كانت 400.9 مليون دولار، حسب هيئة تنمية الصادرات المصرية.
*استيراد العمالة وجرٌّ للتطبيع
وذكر الكاتب والصحفي العراقي مازن الزيدي أن العراق يعاني من معدلات بطالة عالية، وهو بحاجة لمشاريع واتفاقيات تشغّل قواه العاملة، فمصر تسعى لتصدير أيادٍ عاملة، في وقت أن الاتفاقية مع الصين تتضمن مشاريع قادرة على تشغيل أكثر من مليون عراقي يبحثون عن عمل. ويرى الزيدي أن "توجه العراق نحو مصر جاء بتشجيع ودفع أميركي سعودي من أجل ربط الاقتصاد العراقي بمحور التطبيع العربي الذي تمثله مصر حاليا، فضلا عن صناعة محور إقليمي تقوده إسرائيل عبر بوابة الطاقة".
لذا، فإنه يمكن اعتبار الاتفاق إلحاقا للعراق بمنتدى غاز المتوسط الذي يضم مصر من جهة، وإسرائيل واليونان من جهة أخرى، وهو بالتالي موجه ضد المحورين التركي والإيراني.
وتمتلك مصر نحو 12 معملا لتكرير النفط الخام بطاقة إنتاجية تُقدر بـ 34 مليون طن، يُستغل منها نحو 25 مليون طن سنويا فقط.