من بغداد إلى واشنطن وموسكو: العراق يعلن معركة إنعاش اقتصاده المتعثر بسلاح المنتج المحلي

انفوبلس/..
في خضم الجدل الدائر حول سُبل إنعاش الاقتصاد العراقي المتعثر، جاء قرار مجلس الوزراء في 8 نيسان الجاري بتمديد حظر استيراد المعجنات والعصائر والحلويات لستة أشهر إضافية، كخطوة جريئة وذات دلالات اقتصادية عميقة، تؤكد توجه الحكومة نحو حماية الصناعة المحلية وتقليل الاعتماد على الخارج.
القرار الذي تزامن مع فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على الصابون المستورد، ليس مجرد إجراء اقتصادي، بل يعكس تحولا في فلسفة الدولة تجاه “المنتج المحلي”، ومحاولة لرسم ملامح “عراق صناعي” قادر على إنتاج ما يستهلكه وتصدير ما يفيض عنه.
*تفاصيل القرار
ترأس رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، يوم 8 نيسان الجاري، الجلستين الاعتياديتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة لمجلس الوزراء، تعويضاً عن الجلسة التي تأجلت بسبب عطلة عيد الفطر المبارك.
وقد شهدت الجلستان مناقشة مجمل الموضوعات العامة في البلد، ومتابعة الملفات الخدمية والاقتصادية ومسارات تنفيذ البرنامج الحكومي، إضافة إلى الفقرات المدرجة على جدول الأعمال واتخاذ القرارات بشأنها، ووفقا لبيان صحفي.
وجرى، خلال الجلسة، إقرار التوصية الخاصة بمنع استيراد العصائر والمرطبات والمعجنات، من خلال استمرار العمل بقرار مجلس الوزراء 23571 لسنة 2023، ولمدة 6 أشهر، على أن يقدم المنتجون المحليون طلبات حماية المنتجات المذكورة، بحسب القانون، وخلال المدة المذكورة؛ ليتمّ إيقاف العمل بالقرار موضوع البحث.
وفي إطار حماية المنتج الوطني، أقر مجلس الوزراء ما يأتي:
1-تعديل السعر التخميني المسجل لدى الهيئة العامة للكمارك لمنتج الصابون الصلب ليصبح 2 مليون دينار/ طن، بدلًا من 528 ألف دينار/ طن.
2-فرض رسم كمركي إضافي بنسبة 20% على منتج الصابون المستورد، من الدول والمناشئ كافة لمدة 4 سنوات.
3-قيام وزارة المالية بإشعار وزارة الصناعة بشكل دوري عن كمية الاستيرادات وقيمة الرسوم الكمركية الإضافية، مع مراعاة مقدار الزيادة في الاستيرادات، وبيان قدرة الشركة الشاكية على سد حاجة السوق بما يضمن عدم تضخم الأسعار.
*المنتج المحلي ينافس
في هذا الصدد، المتحدث باسم غرفة تجارة بغداد، رشيد السعدي، أكد أن المنتج المحلي العراقي يتمتع بالقدرة الكافية لتغطية احتياجات السوق، بل يتفوق على العديد من المنتجات المستوردة من حيث الجودة والالتزام بالمواصفات.
وأوضح السعدي، أن قرار حظر الاستيراد يشمل أنواعا واسعة من العصائر والمعجنات التي تدخل الأسواق العراقية دون التزام بالمواصفات القياسية المحلية والدولية، في حين تلتزم المصانع العراقية بتلك المعايير.
وأضاف أن الطاقة الإنتاجية للمصانع العراقية الحالية لا تقتصر على تلبية الطلب المحلي فقط، بل تمتد إلى التصدير إلى أسواق عالمية مرموقة مثل روسيا والولايات المتحدة ودول الخليج، حيث تحظى المنتجات العراقية بقبول واسع.
وأشار إلى أن المنتجات الأجنبية تدخل السوق بأسعار منخفضة لكن بمواصفات متدنية، مما يشكل خطرا حقيقيا على صحة المستهلك، خاصة بسبب المواد الحافظة التي قد تتحول إلى مواد مسرطنة عند التخزين الطويل، وهو ما يتعارض مع قوانين الصحة والمعايير العراقية.
ونفى السعدي وجود شبهات فساد في القرار، مؤكدا أن الهدف الأساسي هو حماية الصناعة الوطنية، واقترح أن يكون البديل عن الحظر هو فرض رسوم جمركية مرتفعة تضمن منافسة عادلة بين المنتج المحلي والمستورد.
كما لفت إلى أن دول الجوار تفرض رسوما مرتفعة على الصادرات العراقية تصل إلى 200%، بينما تمنح تخفيضات كبيرة للمنتجات المصدرة إلى العراق، حتى وإن كانت رديئة الجودة، مما يخلق منافسة غير متكافئة تضر بالصناعة الوطنية.
*تعزيز الصناعة الغذائية
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي أحمد الأنصاري أهمية اتخاذ إجراءات فعالة لتطوير صناعة العصائر والمعجنات في العراق، مشيرا إلى أن قرار مجلس الوزراء يصب في إطار تنفيذ قانون حماية المنتج المحلي.
وأوضح أن التصويت جاء استنادا لتوصية المجلس الوزاري للاقتصاد الصادرة في 17 مارس/آذار 2025، والتي دعت لتمديد قرار الحظر لمدة 6 أشهر إضافية.
وأضاف الأنصاري أن الحكومة وافقت على تقديم قروض ميسرة وبفوائد منخفضة لإنشاء مشاريع صناعية جديدة، بالتنسيق مع البنك المركزي، إلى جانب توجيهات صريحة من وزارات مثل المالية والأشغال العامة والكهرباء لتسهيل الإجراءات المرتبطة بتأسيس المصانع.
وأشار إلى أن العراق يمتلك موارد محلية وفيرة لإنتاج العصائر والمرطبات والمعجنات، وهي متوفرة حاليا في مختلف المحافظات مثل البصرة والناصرية وبغداد وكربلاء، مؤكدا أن المنتجات المحلية تتمتع بجودة عالية وتنافس مثيلاتها في الدول المجاورة.
وفي الوقت ذاته، شدد الأنصاري على وجود تحديات تتعلق بتنويع الإنتاج وتوفير المواد الخام والبنية التحتية، مما يستدعي مواصلة الدعم الحكومي لتحقيق الاكتفاء الذاتي تدريجيا في هذا القطاع.
كما رأى أن تقليص الاستيراد من شأنه تعزيز قيمة الدينار العراقي، وتقليل البطالة، وخلق فرص عمل جديدة، بشرط فرض رقابة صارمة على الأسعار والجودة لمنع استغلال المستهلك.
*قوانين تحمي المنتج والمستهلك
بدوره، أكد الخبير القانوني علي التميمي وجود منظومة قانونية تدعم المنتج المحلي وتحمي المستهلك، مشيرا إلى قوانين مثل "حماية المنتج"، و"المنافسة ومنع الاحتكار"، و"حماية المستهلك"، إلى جانب "قانون الغرف التجارية" لعام 2021.
ولفت إلى أن المادة (25) من الدستور العراقي لعام 2005 تنص على أن النظام الاقتصادي في العراق يقوم على "اقتصاد السوق"، مما يتيح دعم القطاع الخاص ضمن إطار قانوني منظم.
وأوضح أن دعم الصناعة المحلية لا يعني استغلال المستهلك، حيث إن قانون حماية المستهلك رقم (1) لعام 2010 يفرض عقوبات صارمة على الغش التجاري والتلاعب بالمعلومات.
وأشار التميمي إلى أن "مجلس حماية المستهلك" التابع لمجلس الوزراء هو الجهة المختصة بمتابعة تنفيذ القانون وتلقي البلاغات ومنح مكافآت عليها.
واعتبر أن القرار الحكومي الأخير يشكل فرصة حقيقية لتفعيل الصناعات الوطنية بشرط توفير بيئة إنتاج متكاملة تشمل الطاقة والتمويل والرقابة.