منفذ الشيب الحدودي.. عصابات وعشائر تتحكم به منذ 13 عاماً.. لا حصّة لميسان غير الفقر
انفوبلس/ تقرير
يعاني سائقو الشاحنات عند المرور في محافظة ميسان منذ سنوات من الابتزاز، الأمر الذي يؤرّقهم بسبب إرغامهم على دفع "أتاوات"، وهذا ما أدى إلى تنظيم تظاهرات أمام مبنى محافظة ميسان وسط مدينة العمارة مركز المحافظة، للمطالبة بتوفير الحماية لهم من "العصابات المنفلتة"، فما هي أسباب ذلك ومن هي الجهات التي تقف وراءه؟
افتُتح منفذ الشيب عام 2010، بمحافظة ميسان، وتمرّ عبره يوميًا مئات الشاحنات المحمّلة بالبضائع والسلع القادمة من إيران، إضافة إلى آلاف القادمين سنويًا لزيارة العتبات الدينية في الكاظمية والنجف وكربلاء وسامراء وغيرها. وبينما يُسجَّل في الشيب مرور المئات من البضائع وتكتظّ عليه الحركة السياحية الدينية بشكل متزايد سنويًا، ما يزال يعاني من نقص حاد في البنى التحتية، وسط غياب شبه تام للمرافق الصحية الملائمة، فضلًا عن غياب وسائل النقل الحديثة أو خدمات نقل المسافرين وحقائبهم من داخل المنفذ، الأمر الذي يشير إلى ضياع ملايين الدنانير من واردات هذا المنفذ.
يعتبر ناشطون أنّ الصراع المتجدد في المحافظة هو بالأساس على منفذ الشيب الحدودي، كما أشار مختصون اقتصاديون إلى ضياع ما يقارب (65 ــ 80 %) من واردات المنفذ بين الجهات المتنفذة والعشائر التي تسيطر وتتقاسم النفوذ في الشيب.
*تظاهرة سائقي الشاحنات
وتظاهر العشرات من سائقي الشاحنات، أمام مبنى محافظة ميسان وسط مدينة العمارة مركز المحافظة، للمطالبة بتوفير الحماية لهم من "العصابات المنفلتة"، وتقول مصادر محلية لـ"انفوبلس"، إن "سائقي الشاحنات يتعرضون لإطلاق نار عند خروجهم من منفذ الشيب بواسطة عصابات مسلحة مجهولة، لمحاربتهم بأرزاقهم".
كما طالبوا "الجهات الأمنية المختصة بالتدخل الفوري ومحاسبة هذه العصابات وتوفير الحماية لهم"، مبينين أن "هذه الجماعات تسيطر على الموازين الجسرية وتفرض مبالغ ورسوما إضافية، دون أن تقوم بوزن الحمولات، فالغاية ليست حماية الشوارع بل جباية الأموال بالقوة".
* ضياع ما يقارب (65 ــ 80 %) من واردات المنفذ
ويقول مصدر في إدارة منفذ الشيب، إن "الحركة الاقتصادية التي تحدث سنويًا في المنفذ البري بين العراق وإيران، تُقدر سنويًا بمليارات الدنانير". لافتًا إلى أنها "كانت عام 2016 حوالي 45 مليار دينار، تضاعفت في 2017، وزدات في 2018، وكل تلك الأموال يجب أن تدخل لخزينة المحافظة والقسم الآخر لخزينة الدولة". مبينًا، أن "مجموع الواردات يضيع منها ما يقارب (65 ــ 80 %) بين الجهات المتنفذة والعشائر التي تسيطر وتتقاسم النفوذ في الشيب".
وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن "المتنفذين الذين يتحكمون بحركة البضائع في الشيب يُقسمون إلى عدة مستويات، تبدأ من وجود أشخاص يعملون بشكل رسمي داخل المنفذ، ويأخذون الأموال من التجّار الإيرانيين".
وتابع، إن "النوع الثاني من المتحكّمين بمرور البضائع، هم بعض العشائر القريبة من المنفذ". مبينًا، إن "تلك الجماعات تفرض الأتاوات على سائقي الشاحنات العراقيين والإيرانيين الذين ينقلون البضائع، مقابل السماح لهم بالحركة والمرور دون عوائق". كما بيّن، إن "العشائر عندما تشعر بوجود خطر يهدد سيطرتها على المنفذ تقوم بافتعال نزاع مسلح، يؤدي غالبًا إلى قطع الطريق الرئيسية للشيب لساعات، ولا يعود للعمل حتى بتدخل القوات الأمنية قبل أن ينتهي الخلاف على الحصص".
*سيطرة عشيرة السواعد
وتابع المصدر، إن "المسيطرين في السنوات القليلة الماضية كانوا (بيت خنيفس) من عشيرة السواعد". مستدركًا، "لكن سيطرتهم انتهت على المنفذ نتيجة الصراعات مع العشائر المنافسة، والتي كبّدتهم خسائر بشرية فادحة". مبينًا "ليسيطر (بيت مانع) على جزء من الواردات وهم من عشيرة السواعد أيضًا، ويسيطرون الآن على منفذ الشيب بنسبة 80%". مشيرًا إلى، أن "واردات القبان والبضائع ودخول السلع، تسيطر عليها جهة متنفذة تتصادم بشكل مستمر مع السواعد، وبعض العشائر المنافسة". الأمر الذي يؤكد حقيقة أن أغلب نزاعات العشائر الساكنة قرب منفذ الشيب، تندلع بعد خلاف على مناطق السيطرة التي يجبون منها الأموال.
*تحصيل الأموال عُنوةً
"مضايقات وعراقيل وموازين لا تزن بالقسطاس المستقيم"، توليفة معقّدة جعلت مرور البضائع والسلع عبر محافظة ميسان أمراً بغاية الصعوبة، ما جلب "البؤس" لسائقي الشاحنات الذين يُعدون الطرف الأكثر تضرراً من هذا الواقع. حيدر كاظم الفتلاوي سائق شاحنة لنقل البضائع، يقول في تصريح صحافي سابقاً، "تنوعت أساليب المضايقات سعياً للحصول على مبالغ مالية من السائقين من قبل جهات متعددة، مرّة تظهر أنها تمثل جهات حكومية، ومرة أخرى تظهر كأنها جهات عشائرية".
ويوضح الفتلاوي، "لا يُسمح لسائقي مركبات الشحن بالعبور داخل محافظة ميسان إلا من خلال موازين الحمولات التي وُجِدت لأخذ "الأتاوات" من السائقين لكن بطريقة أخرى". ويُضيف، "حتى لو كانت الحمولة مطابقة للأوزان المحددة، فهنالك أكثر من طريقة تعرقل الدخول مالم يتم دفع أموال إضافية فوق المبلغ المقرر والذي هو 20 ألف دينار عند الدخول وكذلك 20 ألف دينار عند الخروج، بينما في محافظة البصرة نفس الموازين يدفع عليها 5 آلاف دينار، وفي أربيل 3 آلاف دينار".
سرحان الغالبي، وهو رئيس الجنة الأمنية في مجلس محافظة ميسان المنتهي عمله، قال في عام 2020، "ما يزال هذا الموضوع لم يُحل لغاية الآن، فحين كنت مسؤولاً عن الأمن كُلِّفت من مجلس المحافظة بمتابعة الملف لوجود مخالفات عديدة، بينها المبالغ المفروضة فيها، وكذلك عدم الدقة".
ويبيّن الغالبي، أن "العقود التي يعمل بها المستثمرون تتضمن مخالفات قانونية كثيرة، واتضح أن هؤلاء يتبعون لأحزاب وجهات لها أجنحة مسلحة ومتنفذة، مرّة تتستر بسلطة الدولة ومرة أخرى بسلطة العشيرة، حتى عند محاولة إيقاف هذه الموازين تتم افتعال نزاعات عشائرية بالمناطق القريبة، كنا متأكدين أن لهم صلة بالموضوع"، مؤكدا أن "معالجة الأمر يحتاج إلى تدخل حكومي جدّي وشجاع".
"الابتزاز لا يستثني الشاحنات الحكومية"
وتقول مصادر محلية لـ "انفوبلس"، "لا يمكن لأي قوة أو جهة حكومية إيقاف هذا الأمر، فهو يُعد أحد مصادر تمويل الجهات الحزبية التي باتت تسيطر على منافذ الاقتصاد وطرقه"، لافتا إلى أن "شاحنة لنقل مواد وأثاث لجهة حكومية خضعت هي الأخرى لهذا الابتزاز ودفع الأتاوة".
وكان مجلس محافظة ميسان قد خاطب في وقت سابق ديوان المحافظة من أجل إيجاد السُّبل القانونية ومعالجة المخالفات في عمل محطات الوزن أو فسخ العقد بسبب المخالفات المؤشرة ضد أدارة محطات الوزن.
وبحسب خبراء اقتصاد، تشكل واردات المنافذ الحدودية نسبة 10% من موارد خزينة الدولة سنويًا، لكن الفساد المالي والإداري وسيطرة جهات متنفذة وعشائر على الحركة التجارية ودخول الشاحنات وتخليص البضائع جمركيًا، عوامل خطيرة تجعل العراق يخسر موردًا اقتصاديًا كبيرًا يأتي بعد الثروة النفطية.
يمتلك العراق أكثر من 30 منفذًا على حدود كل من دول سوريا، والأردن، وإيران، وتركيا، والسعودية، وفي وقت تدرّ مليارات الدنانير سنويًا عبر الجمارك المتحصلة من مرور البضائع والمنتجات إلى داخل البلاد التي باتت تستورد كل شيء تقريبًا، فضلًا عن الزيارات الدينية، تسيطر على أغلب تلك المنافذ جهات متنفذة وعشائر، تلهتم القسم الأعظم من الواردات تاركةً لخزينة الدولة فُتات الأموال، وفي بعض المنافذ تدخل العشائر مع الجهات المتنفذة والأحزاب في صراع السيطرة على الواردات وحيازة النفوذ على منابعه الاقتصادية، كما يحدث في منفذ الشيب الحدودي مع إيران بمحافظة ميسان.