مواجهة البيئة والاقتصاد.. العراق يتعهد بخفض انبعاثات غاز الميثان وسط مخاوف اقتصادية
انفوبلس..
ضمن الجهود البيئية لإبطاء عجلة التغيير المناخي ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، تسعى منظمات وحكومات عالمية للحد من مخاطر هذه الظاهرة عبر عقد اتفاقيات بين الدول لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة كغاز ثنائي أكسيد الكاربون وغاز الميثان، وبشأن الأخير فقد وقّع العراق اتفاقية عالمية تنص على التزام البلاد بتقليل انبعاثات هذا الغاز، الأمر الذي لاقى ترحيباً كبيراً من قبل المنظمات البيئية وتحذيرات كبيرة من قبل جهات أخرى ترى بأنه التزام سيضرّ الاقتصاد العراقي.
موقف نيابي
عضو مجلس النواب النائبة عالية نصيف دعت الحكومة إلى مراجعة مسألة انضمام العراق للتعهد العالمي للحد من انبعاثات غاز الميثان وإيجاد سبل للانسحاب منه، مبينة أن هذا الاتفاق يُلزم العراق بتقليل الكميات المستخرجة من النفط بينما اقتصادنا يعتمد على صادراته من النفط.
وقالت نصيف في بيان، إن الاتفاق حدد نسب خفض الانبعاثات الكربونية من ١-٢ ٪ للفترة من عام 2020 – 2030. وبموجب وثيقة كشفتها نصيف يحتاج العراق إلى 100 مليار دولار ليتمكن من خفض الانبعاثات بنسبة 15% للفترة من 2020 إلى 2030، كما يجب تقليل حجم الكميات المستخرجة من النفط من أجل تقليل انبعاثات غاز الميثان بنسبة 30% من مقدار حجم الانبعاثات الحالية، علماً بأن انضمام العراق يتعارض مع قرار مجلس الوزراء بإقرار وثيقة المساهمات الوطنية العدد 376 لسنة 2021.
وأوضحت، إنه في حالة عدم التزام العراق بالتعهد (وفقا لبند الامتثال في اتفاق باريس للمناخ الذي وقعه الرئيس السابق برهم صالح) ستُفرض على العراق غرامات مالية ضخمة، وبالتالي نأمل أن تقوم الحكومة بالتفكير بكيفية التراجع عن هذا الاتفاق الذي لا يخدمنا في المرحلة الحالية، بل يسبب ضرراً اقتصادياً للبلد بدون أية فائدة تُذكر.
غاز الميثان علمياً
CH4 والمعروف باسم الميثان، هو ثنائي غاز مسؤول عن ظاهرة الاحتباس الحراري، انبعاثاته أقل من ثنائي أكسيد الكربون ولكنها أخطر بكثير، فقد وصل تركيزه في الغلاف الجوي حاليا إلى أعلى مستوياته، وقد حققت انبعاثات الميثان "قفزة غير مسبوقة" في العام 2021، لتصل إلى مستوى قياسي، وفق ما كشفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) في تقرير نُشر يوم الأربعاء 26 أكتوبر/ تشرين الأول.
ووفقا للأمين العام للمنظمة بيتيري تالاس، تؤكد الأرقام "مرة أخرى، التحدي الهائل والحاجة الملحّة لاتخاذ إجراءات عاجلة من أجل خفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري والحد من ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل على المستوى العالمي".
في الواقع ارتفاع انبعاثات الميثان لا تبشر بالخير، لأنه غاز فائق التلويث ومسؤول بمفرده عن 30٪ من الاحتباس الحراري الذي يعاني منه كوكب الأرض.
وعلى الرغم من أن غاز ثنائي أكسيد الكربون يمثل حوالي ثلثي انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، فإن مشكلة الميثان "تبقى على الأقل بنفس أهمية ثنائي أكسيد الكربون" وفق إيوان نيسبت، الباحث في رويال هولواي بجامعة لندن وأحد أبرز المتخصصين في مجال تأثير غاز الميثان على المناخ.
ولهذا الغاز خواص تجعله مصدرا لقلق أعلى بكثير من ثنائي أكسيد الكربون. ويؤكد الباحث إيوان نيسبت "عند مقارنة جزيئاته بنظيراتها في ثنائي أكسيد الكربون نستنتج أن الميثان أكثر ضررا من ثنائي أكسيد الكربون بكثير". مضيفا "لأن جُسيّماً واحداً من الميثان يحبس من الحرارة ما يفوق تلك التي يحبسها ثنائي أكسيد الكربون بحوالي 80 مرة في غضون عشرين عاما".
وبالنسبة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يبقى سبب هذا الارتفاع الاستثنائي في مستوى الميثان مقارنة بالعام 2020 "غير واضح، ولكن يبدو أنه ناتج عن عمليات بيولوجية وبشرية في نفس الوقت".
ويحذر الباحث البريطاني إيوان نيسبت قائلا، إن "الزيادة الشديدة وغير المتوقعة لغاز الميثان في الغلاف الجوي خلال العامين الماضيين مقلقة بشكل خاص... والباحثون لا يعرفون جيدا السبب". ويضيف "القضية معقدة للغاية، نعتقد أن السبب الرئيسي يعود لأمور بيولوجية، مثل انبعاث غاز الميثان من المناطق الرطبة أو تلك التي تخلّفها الماشية".
البحث عن حلول ولو كانت خارجة عن المعتاد
تجد بعض البلدان صعوبات لإيجاد حلول تسمح لها بتقليل انبعاثات غاز الميثان ذي المصدر البيولوجي. ففي نيوزيلندا مثلا تعد بعض الغازات التي تخلفها الحيوانات مثل الأبقار والأغنام من أكبر المشاكل البيئية في البلاد.
الأمر الذي دفع برئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن إلى اتخاذ قرار في الموضوع. وقدمت في 11 أكتوبر/ تشرين الأول، مشروع قانون تعلن فيه عن ضريبة على انبعاثات غاز الميثان التي تخلّفها الماشية، ما أثار غضب المزارعين النيوزيلنديين.
وبعدها بأسبوع، شهدت المدن النيوزيلندية الرئيسية تدفق قوافل من الآلات الزراعية لمطالبة الحكومة بالتخلي عن المشروع الذي لو تم تطبيقه آنذاك لأصبح سابقة عالمية.
غير أنه يمكن اتخاذ تدابير أقل جدلا من أجل خفض انبعاثات غاز الميثان وبشكل كبير في جميع أنحاء العالم، في نظر الباحث البريطاني إيوان نيسبت، موضحا: "ما يمكننا القيام به بسرعة وبتكلفة زهيدة يكمن مثلا في وقف حرق نفايات المحاصيل أو تقليل انبعاثات الميثان الذي تفرزه مكبات النفايات عن طريق تغطيتها بالتربة... فقد تصبح مصدرا رئيسيا في بعث غاز الميثان الناتج عندما تتحلل...
إذا كان ما يعادل 40٪ من غاز الميثان الموجود في الغلاف الجوي مصدره طبيعي (الماشية والمناطق الرطبة وغيرها...)، يجب ألا ننسى دور البشر في انبعاث هذا الغاز، إذ تم التقليل من شأنه إلى حد كبير ومنذ فترة طويلة. هذا إضافة إلى الدور المهم الذي تلعبه الطاقات الأحفورية أيضا.
50 موقعا من "أبرز مصادر الانبعاث"
استطاعت إحدى بعثات وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" من تحديد حوالي خمسين موقعا كـ "أبرز مصادر انبعاث" للميثان. واعتبرت الأمر اكتشافا بالغ الأهمية، كون هذه المواقع من أكبر المواقع الملوثة في العالم.
كما تمكنت وكالة ناسا من اكتشاف تسرّب للميثان واعتبرته "من بين أكبر تسرّبات الميثان على الإطلاق"، وفق أندرو ثورب الباحث في وكالة ناسا، موضحا "ما وجدناه في وقت وجيز يتعدى ما كنا نتخيل".
ففي تركمانستان مثلا، تم تحديد اثنتي عشرة بقعة تسرّب للميثان على شكل أعمدة دخان متصاعدة من مصانع لتكرير النفط والغاز شرق مدينة هزار الساحلية، يمتد بعضها على أكثر من 32 كيلومترا، والتي قد ينبثق عنها 50400 كلغ من الميثان في الساعة، بحسب وكالة ناسا.
وفي نيو مكسيكو بالولايات المتحدة، تم اكتشاف بقعة تسرّب أخرى شكّلت عمودا من دخان الميثان بلغ طوله حوالي ثلاثة كيلومترات، وهي موقع أحد أكبر حقول النفط في العالم إذ يبلغ إنتاجه حوالي 18300 كلغ من الميثان في الساعة. وسيسمح هذا الاكتشاف بتقليل انبعاثات هذا الغاز وبشكل كبير.
من جهته أكد الباحث البريطاني إيوان نيسبت أن "اكتشاف ناسا مفيد للغاية"، مضيفا " القمر الصناعي يثبت أنه ضروري لكشف تسربات غاز الميثان من مناجم الفحم وحقول الغاز، علما أنها تكلف أموالا باهظة لأصحابها، وأنا على يقين من أنهم يفضلون إشعارهم قبل وقوعها. وذلك سيسمح أيضا بمعالجة مشكلة غاز ثنائي أكسيد الكربون الذي تحتويه هذه التسربات".
تحدٍّ حاسم لاتفاق باريس
يبقى غاز الميثان في الغلاف الجوي لمدة أقل من ثنائي أكسيد الكربون. وهذا ما أكده الباحث إيوان نيسبت قائلا: "في الأماكن التي يظل فيها ثنائي أكسيد الكربون لقرون، يبقى الميثان في الغلاف الجوي لمدة عقد تقريبا"، موضحا أن " التخلص من الميثان قد يؤدي إلى إبطاء الاحتباس الحراري على المدى القصير..."
كما أن خفض انبعاثات غاز الميثان سيصبح أمرا بالغ الأهمية لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ الموقَّعة في عام 2015.
ولكن هناك دولتان لم تفيا بعد بأي التزام للتقليص من نسبة الميثان وهما الدولتان المتسببتان في أعلى انبعاث غاز الميثان في العالم.
ويشير إيوان نيسبت إلى أرقام تجعل من الصين وإلى حد بعيد أكبر مصدر انبعاث غاز الميثان في العالم بـ"حوالي 89 مليون طن سنويا، معظمها من صناعة الفحم". إلى جانب الهند بـ32 مليون طن سنويا، ناجمة عن تربية المواشي وصناعات الفحم بالإضافة إلى سوء إدارة النفايات.
تليها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بانبعاثات تصل إلى 31 و 35 طنا على التوالي من غاز الميثان في الغلاف الجوي سنويا.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد التزمت فعليا بخفض مختلف انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري خلال مؤتمر المناخ 26 COP26، فإن "الصين والهند أكبر الدول المتسببة في الانبعاثات، يمكنهما بذل مزيد من الجهد" بحسب إيوان نيسبت.