وادي النفط في كركوك.. نهر سام يحمل الموت لزراعة المحافظة.. ما قصته؟ هكذا حوّل الفلاحين إلى "أُجراء"
انفوبلس/ تقارير
تضم محافظة كركوك عددا من حقول النفط، ترتبط بشكل مباشر بشركة نفط الشمال والتي تعتبر الرئة التصريفية للآبار النفطية، والتي تتسبب مخلفاتها بتشكيل ما يشبه "النهر الملوث" الذي يُعرف محليا باسم "وداي النفط"، الذي يشهد كل عام حرائق عديدة بسبب احتوائه على مادة النفط الأسود وما يصاحبها من انبعاثات سامة.
*نفط أسود مخلوط بمليون برميل ماء يومياً
تعتمد شركة نفط الشمال آلية حقن الماء في الآبار لزيادة الضغط على مكامن النفط، حيث كانت تستخدم في السابق 60 ألف برميل ماء في اليوم الواحد، لكنها الآن تحقن أكثر من مليون برميل يومياً ضمن “تطوير شامل ومستمر”، وفق موظف الشركة عبد العزيز سالم.
هذه الآلية، بحسب عبد العزيز، أنعشت آباراً كانت متوقفة وأعادتها إلى الإنتاج ومكّنت شركته من “تحطيم أرقام قياسية بزيادة معدل إنتاج البئر الواحد”.
وعندما تحقق عملية الحقن غرضها، يتم تصريف الماء المخلوط بالنفط الأسود في الوادي لتجري هذه المخلفات باتجاه مناطق جنوب كركوك. لا يمكن تصفية هذا النوع من النفط وإضافته إلى الإنتاج لذلك فهو يُرمى في حوض الوادي، وفق عبد العزيز.
*آلية تصريف بدائية وخطيرة
بالنسبة للخبيرين في مجال البيئة، صالح يوسف وعلي خليل، فإن الآلية التي تعتمدها شركة نفط الشمال في تصريف مخلّفات الإنتاج “بدائية وخطيرة” تؤذي البيئة والإنسان على حد سواء.
ويعتقد يوسف ـ وهو أستاذ جامعي متخصص بمجال البيئة ـ أن هذه الآلية ساعدت على امتلاك الشركة ذاتها حوالي 40 بالمئة من أراضي كركوك “بعدما فقدت المحافظة نصف مساحاتها الزراعية بسبب وادي النفط”.
ويشرح وجهة نظره قائلاً، إن "وادي النفط يبدأ من منطقة عرفة التي هي مقر الشركة وتقع في شمال كركوك، ثم يمتد إلى المدخل الشمالي الغربي حيث تقع سيطرة “كي وان” وهنا تتجمع منشآت ومجمعات التكرير والتصفية وكلها تابعة لشركة نفط الشمال".
*وادي الموت
بينما ينهمك موظفو شركة نفط الشمال في حساب كمية الإنتاج اليومي، يُحصي الفلاحون في 14 قرية يمرّ بها وادي النفط خسائرهم، إثر تسرّب النفط الأسود من الوادي إلى أراضيهم المزروعة بالحبوب.
بدل تحضير الجرارات الزراعية والحاصدات وتحشيد من يعاونهم، كانوا يستعدون لمواسم الحصاد بتهيئة المطافئ تحسّباً للحرائق التي تندلع باستمرار بفعل النفط المتسرّب مما يؤدي إلى تلف محاصيلهم.
هذا السيناريو متكرر ولا يتغير أبداً، فحتى إن لم تندلع الحرائق فإن المحاصيل بالأساس لا تصلح للاستهلاك البشري، لأنها ملوّثة بالمياه المخلوطة بالنفط التي يحملها الوادي وتتسرب منه إلى الأراضي الواقعة على ضفتيه.
*أراضٍ غير صالحة للزراعة
"لم تُعد الأرض صالحة للزراعة وأقل شرارة تشعل حريقاً كبيراً، تراجعت المساحات المزروعة، وصارت الآبار الارتوازية غير صالحة للسقي بسبب رائحة النفط فيها، فهجرنا الأرض والقرى”، يقول الفلاح كمال أحمد، بنَبرة يغلب عليها الأسى والشعور بالمرارة.
مثل غيره، باع كمال أرضه وانتقل إلى منطقة أخرى للعمل أجيراً لدى فلاحين لا يمر "نهر الموت الأسود" -كما يصفه- بأراضيهم، فبالنسبة له، أينما مرّ الوادي، فإن الأرض من حوله "تكون ميتة وغير صالحة للزراعة".
*موت الأراضي الزراعية
100 دونم زراعي مات والخسارة 5 ملايين دولار سنوياً، يُحصي مدير دائرة الزراعة في كركوك، زهير علي، المساحات المتضررة بسبب وادي النفط.
وتظهر أرقامه أن 80 إلى 100 دونم زراعي تقع على كتفي الوادي، تحولت إلى أرض بور ويتفق مع الخبير صالح يوسف على أنها "ميتة فعلياً".
*خسائر مادية بملايين الدولارات
أما الخسارة المادية للفلاحين، فيقدّرها عضو الجمعية الفلاحية في المحافظة، فرحان جاسم، بنحو 3 إلى 5 مليون دولار سنوياً.
ولا يقتصر الضرر على العاملين في الزراعة وحسب، فالسكان في كركوك يستشعرون بين فترة وأخرى انبعاث غازات مجهولة المصدر ما دفع مديرية البيئة إلى تشكيل لجنة للبحث عن المصدر.
ويقول مدير مديرية البيئة محمود فاتح إبراهيم إن مديريته تسجل قرابة 20 حريقا سنوياً في وادي النفط، وفي كل موسم زراعي، مُلقياً اللوم على الشركة النفطية.
*قتل الأراضي الزراعية
بما لا يقبل الشك، تأكد لدى المديرية أن وادي النفط يلوّث البيئة في كركوك ويقتل الأراضي الزراعية، ما جعلها تتقدم بشكاوى إلى المحاكم متهمة شركة نفط الشمال بـ”تصريف السموم في الوادي”.
*نهر ملوث
وقال المختص في شؤون الطاقة والنفط فالح حيدر، إن "وادي النفط يعتبر الشريان التصريفي لحقول النفط التابعة لشركة نفط الشمال، والذي يحمل معه المخلفات النفطية، التي تكون عبارة عن مادة النفط الأسود مع المياه وعند تجمعها في هذا الوادي يشكل بقعة نفطية سوداء وعند تعرّضها لأي مصدر ناري أو ارتفاع في درجات الحرارة تشهد حرائق لتلك المخلفات النفطية".
وأشار حيدر إلى، أن "وادي النفط يرتبط بنهر ملوث ينبع من عمق شركة نفط الشمال وصولا إلى مركز التجمع في الوادي ويصل بين ٢٥ إلى ٣٥ كم ويبلغ وادي النهر بعرض ٥ كم وبطول١٠ كم ويمتد الوادي عبر عدد من القرى".