آخرها انقلاب عسكري فاشل.. تآمر أمريكي مستمر على بوليفيا بسبب الليثيوم والتقارب مع طهران.. تعرّف على التفاصيل
انفوبلس..
كما هو الحال في كل مرة وعلى مر العصور، يسيل لُعاب المستعمرين وتتوجه مؤامراتهم وأسلحتهم تجاه أي دولة تكتشف ثروة في أراضيها، ومع تدهور حال كوكب الأرض بسبب الاحتباس الحراري الناتج بشكل كبير بسبب استخدام الوقود الأحفوري واتجاه العالم نحو الطاقة النظيفة؛ أصبح عنصر "الليثيوم" الأساسي بصناعة البطاريات الحديثة يضاهي أهمية النفط، ومن المتوقع أن يتفوق عليه في المستقبل.
ومع امتلاك دولة بوليفيا في القارة الأمريكية الجنوبية نحو 25% من احتياطي الليثيوم في العالم، بدأت المؤامرة الأمريكية منذ ما يزيد على العقد من الزمن، وتوّجت بمحاولة انقلاب على الديموقراطية، نفذها يوم أمس الأربعاء أحد جنيرالات الجيش البوليفي والذي فشل بإكماله وأُقيل من منصبه وتعرض للاعتقال من قبل قوات الأمن البوليفية.
محاولة الانقلاب
وبعد ظهر أمس، اعتقلت السلطات في بوليفيا الجنرال خوان خوسيه زونيغا، بعد ساعات من اقتحام قواته القصر الرئاسي وسط محاولة انقلاب عسكري، حيث حاولت وحدة من القوات المسلحة في بوليفيا السيطرة على الساحة المركزية بالعاصمة أمس الأربعاء، واقتحمت عربة مدرعة مدخل القصر الرئاسي تبعها جنود، ما أثار مخاوف من وقوع انقلاب عسكري. وندد الرئيس البوليفي لويس آرس "بالتعبئة غير القانونية" لبعض وحدات الجيش في لاباز، واتهم الزعيم السابق إيفو موراليس جنرالاً كبيراً بالتخطيط لانقلاب.
وأظهرت مشاهد بثّها التلفزيون الرسمي عناصر من الشرطة وهم يلقون القبض على الجنرال زونيغا بينما كان يتحدث إلى صحافيين أمام ثكنة عسكرية في العاصمة ويجبرونه على ركوب سيارة للشرطة، في حين كان وزير الداخلية جوني أغيليرا يخاطبه قائلاً "أنت رهن التوقيف أيها الجنرال". واقتيد الجنرال المُقال إلى مركز الشرطة التابع للقوة الخاصة بمكافحة الجريمة. ولم تحدّد النيابة العامة التهم الموجّهة إليه. وأتى توقيف الجنرال بعيد انسحابه ورجاله من ميدان موريلو في لاباز بعدما سيطروا عليه خلال النهار ووضعوا عربات مدرّعة أمام القصر الرئاسي.
وقال شاهد من وكالة "رويترز" إن مركبات مدرعة وعسكريين بوليفيين بدأوا الانسحاب من محيط القصر الرئاسي، بعدما عيّن الرئيس لويس آرس قادة عسكريين آخرين، وسط ما وصفه قادة بالمنطقة بأنه محاولة انقلاب. وأمرت القيادة العسكرية الجديدة بعودة القوات بقيادة الجنرال خوان خوسيه زونيغا أدراجها، في حين دانت المحكمة العليا ما اعتبرته هجوماً على الاستقرار الديمقراطي في البلاد.
واشنطن وسكوري
في أواخر عام 2019، اتهم الرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية، واشنطن بتدبير انقلاب ضده للسيطرة على موارد الليثيوم الهائلة في بلاده.
وكان موراليس قد أعلن في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي استقالته، بعد نحو شهرين من الاحتجاجات ضد إعادة انتخابه ودعوات من الجيش لاستقالته.
وقال موراليس الذي أجرى المقابلة من العاصمة الأرجنتينية بوينوس أيرس حيث كان يعيش منذ حصوله على اللجوء السياسي "كان انقلابا داخليا ودوليا". وأضاف "الدول الصناعية لا تريد أي منافسة".
وأضاف، إن واشنطن لم "تغفر" لبلاده اختيارها السعي لإبرام شراكات مع روسيا والصين لاستخراج الليثيوم وليس الولايات المتحدة. وأضاف "لهذا أنا مقتنع بالمطلق إنه انقلاب ضد الليثيوم".
وتابع، "نحن كدولة بدأنا بتصنيع الليثيوم (...) وكدولة صغيرة عدد سكانها 10 ملايين نسمة، كنا على وشك أن نحدد سعر الليثيوم". وأشار إلى أنهم "يعلمون بأننا نملك أكبر احتياطات الليثيوم في العالم بأكثر من 16 ألف كيلومتر مربع".
وفي تشرين الثاني من عام 2019، اعترفت الولايات المتحدة بـ"جانين آنيز" عضو مجلس الشيوخ البوليفية كرئيسة انتقالية لبوليفيا بعد استقالة إيفو موراليس غداة أسابيع من الاحتجاجات الشعبية. وتعهدت آنيز التي أعلنت نفسها رئيسة انتقالية لبلادها باجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن.
وعانت بوليفيا، في 2019، من أزمة سياسية، حيث أجبر الجيش، الرئيس إيفو موراليس على الاستقالة، في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني.
الانقلاب على موراليس، المناهض للسياسات الخارجية الأمريكية، أعاد إلى الأذهان تاريخ الولايات المتحدة الحافل بالإطاحة بحكومات منتخبة ديمقراطيًا، عبر تدخلها في دول عديدة، إما بشكل مباشر أو غير مباشر.
منذ عام 1898، تتدخل واشنطن في شؤون دول أمريكا اللاتينية، إذ تعتبرها حديقتها الخلفية، كما تمتد يدها إلى آسيا وبلدان الشرق الأوسط.
وحصدت الانقلابات المدعومة أمريكيًا أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء؛ بسبب الفوضى التي تشهدها الدول التي تستهدفها واشنطن، بجانب ممارسات الحكام المستبدين والتنظيمات الإرهابية.
وتعليقًا على طلب الجيش البوليفي من الرئيس موراليس تقديم استقالته، اعتبر الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في بيان أن ما حدث "أمر مهم بالنسبة لنصف الكرة الغربية".
وتابع: "قضى موراليس في الحكم 14 عامًا سعى خلالها لتجاوز دستور البلد، وإرادة شعبه، ومن ثم فإن استقالته هي خطوة حافظت على الديمقراطية، وفتحت طريقًا جديدًا لإسماع أصوات شعبه للعالم أجمع".
وأشاد بـ"الجيش البوليفي"، ورأى أن ما حدث في بوليفيا يعتبر رسالة "للأنظمة غير الشرعية" في فنزويلا ونيكاراغوا.
ودعا ترامب إلى مزيد من التحرك لجعل نصف الكرة الغربية "أكثر ديمقراطية، وحرية، ورفاهية"، على حد قوله.
وقبل بوليفيا، دبّرت واشنطن ودعمت انقلابات في دول أخرى بقارتي أمريكا الجنوبية (اللاتينية) وأمريكا الشمالية، منها: هندوراس ونيكاراغو؛ لتسهيل عمل شركات الفواكه الأمريكية بدول المنطقة، وخاصة هندوراس.
ومن هنا شهدت السياسة العالمية مولد مصطلح جديد هو "جمهوريات الموز"، وهي الدول غير المستقرة، التي تشهد عادة انقلابات متكررة.
العلاقة مع طهران
في تموز الماضي، ذكر موقع شبكة "سي أن بي سي" أنّ "المسيّرات الإيرانية قد تصل إلى سوق جديدة في أميركا الجنوبية، مع إعراب بوليفيا عن اهتمامها بالحصول عليها".
ولفتت الشبكة إلى أنّ إيران تشهد "طلباً جديداً" على طائراتها المسيّرة، وهو تطور "أثار قلق واشنطن"، وجدّد تركيز طهران على تعميق تحالفاتها في أميركا الجنوبية.
وكان وزير الدفاع البوليفي، إدموندو نوفيلو، أكّد، اهتمام بلاده بالحصول على طائرات إيرانية من دون طيار، بعد أيام من زيارته طهران، وتوقيعه مذكرة تفاهم بشأن الدفاع والأمن.
وأوضح نوفيلو أنّ المسيّرات "ستُستخدم في حماية حدود البلاد من تهريب المخدرات، ويمكن أن تساعد على مراقبة المناطق الجبلية وتحسين المراقبة العسكرية، بحيث يمكن لتقنيتها أن تلبي متطلباتنا".
بدوره، قال وزير الدفاع الإيراني، محمد رضا أشتياني، إنّ "دول أميركا اللاتينية لها أهمية خاصة في سياسة إيران الخارجية والدفاعية، نظراً إلى أهمية منطقة أميركا الجنوبية الحساسة للغاية".
وأضاف أشتياني، خلال اجتماعه بنظيره البوليفي، أنّ "إيران مستعدة لتلبية مطالب بوليفيا للحصول على معدات دفاعية، وتقنيات متقدمة لمساعدتها على مواجهة التهديدات"، مؤكّداً أنّ "تحسين العلاقات الدفاعية الثنائية سيؤدي إلى زيادة قوة الردع للحكومة البوليفية".
أهمية الليثيوم
خلال العقود الأخيرة، تزايد الاهتمام بسوق المعادن الحيوية -خاصةً الليثيوم والكوبالت- التي تُعدّ ضرورية لصناعة البطاريات والسيارات الكهربائية، في ظل التركيز العالمي على الابتعاد عن الوقود الأحفوري.
وأصبحت المناطق النائية جغرافيًا، من صحراء أتاكاما التشيلية إلى سهول كاتانغا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بين أكثر المناطق إستراتيجية؛ إذ تُعدّ تربتها المليئة بالليثيوم والكوبالت هي الغرفة الخلفية للسباق الكبير لتحول الطاقة.
من ثم، فإن هذه الموارد هي موضوع كل الأطماع التي تسعى إليها القوى العالمية الكبرى الحريصة على الحفاظ على سيادتها الصناعية، وكذلك عمالقة قطاعي التعدين والسيارات، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
علاوةً على ذلك، إذا كانت الصين تحافظ على وتيرة متسارعة في احتكار الموارد والسيطرة على عمليات التكرير، فإن أوروبا والولايات المتحدة تحاولان اللحاق بالركب.
من جانبها، تسعى الدول التي تمتلك احتياطيات عالمية إلى الاستفادة من ودائعها لتطوير صناعاتها الخاصة، ومن بين هذه الدول، تبرز بوليفيا التي تُقدَّر احتياطياتها من الليثيوم بـ23 مليون طن متري (أو 25% من الاحتياطيات العالمية)، وهي الأكبر في العالم، لكنها لم تترجم إمكاناتها بعد إلى إنتاج على نطاق تجاري.
وأوضحت الجغرافيّة والباحثة الفرنسية أودري سيراندور أن استخراج الليثيوم البوليفي لا يزال في مراحله الأولى، بعيدًا عن المنتجَين الرئيسيَين الآخرين في المنطقة، الأرجنتين وتشيلي، على الرغم من مشروع الاستغلال الذي أطلقه الرئيس الأسبق إيفو موراليس في عام 2008.
وتمتلك بوليفيا أكبر مجمع ملح في العالم "سالار دو أويوني"، الذي يقع في جنوب غرب البلاد، على ارتفاع أكثر من 3650 مترًا فوق مستوى سطح البحر، وهو جاف منذ آلاف السنين.
10 آلاف متر مربع من الأرض البيضاء، مكونة من قشور سميكة لا ينمو فيها شيء: هذا هو المكان الذي توجد فيه احتياطيات الليثيوم الهائلة في بوليفيا، والتي لا يزال من الصعب تحديد كميتها.
ومع تصميمها على اللحاق بهذه الثروة والاستفادة منها في سياق الطلب العالمي المتزايد، تعمل الحكومة على زيادة اتفاقيات الاستثمار.
تقول أودري سيراندور: إن "دول أميركا الجنوبية وبوليفيا على وجه الخصوص، كانت تاريخيًا دولًا مصدّرة للمواد الخام، ومن ثم لم تستفد من الإيجارات والتصنيع".
وتابعت: "لهذا السبب تدرس الحكومة البوليفية جميع سلسلة القيمة: معالجة الليثيوم في الموقع، ثم إنتاج الكاثودات والبطاريات، أو حتى السيارات الكهربائية".
شروط بوليفيا لاستخراج الليثيوم
كان الرئيس البوليفي لويس آرسي قد أعلن استعداد بلاده لإقامة علاقات مع الشركات الأوروبية وغيرها من الشركات العالمية، للتنقيب عن الليثيوم واستخراجه، بشرط أن تلتزم بالشروط.
وبهدف الاستفادة من احتياطيات الليثيوم في بوليفيا، يقول الرئيس آرسي: "نحن منفتحون على أيّ شركة تريد القدوم إلى بوليفيا، لكن الشروط واضحة"، مضيفًا أن بلاده تريد المشاركة في سلسلة الإنتاج بأكملها، نقلًا عن وكالة رويترز.
وتابع: "لدينا احتياطيات كافية حتى يتمكن العديد من الشركات من العمل في وقت واحد دون الاصطدام ببعضها"، مشيرًا إلى أن الشركات الأوروبية ستكون في وضع جيد للمشاركة: "ما نريده هو الكفاءة في مجال التكنولوجيا".
وتقوم حاليًا شركتان صينيتان وشركة روسية باستكشاف 3 من المسطحات الملحية في بوليفيا، ولا يزال يتعين استكشاف العشرات من التكوينات.
وشدد آرسي، الذي كان يتحدث على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، على أن بلاده في سباق مع الزمن باستخراج الليثيوم، بالنظر إلى الطلب من عالم يتطلع إلى الانتقال من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وقال: "نحن في طريقنا للقيام بذلك في أسرع وقت ممكن، لأن العالم يحتاج إليه".
يُذكر أن الإنتاج العالمي من الليثيوم بلغ 540 ألف طن متري في عام 2021، ويتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي أن يصل الطلب العالمي إلى أكثر من 3 ملايين طن متري بحلول عام 2030.
إسبانيا تدعو إلى احترام الديمقراطية
من جهته، دعا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى "احترام" الديمقراطية وحكم القانون في بوليفيا، بعدما حاول جنود اقتحام القصر الرئاسي في العاصمة لاباز. وكتب سانشيز على منصّة إكس: "تدين إسبانيا بشدة التحركات العسكرية في بوليفيا. نرسل دعمنا وتضامننا إلى الحكومة البوليفية وشعبها وندعو إلى احترام الديمقراطية وحكم القانون".
الاتحاد الأوروبي يدين محاولة تعطيل النظام الدستوري
وأدان الاتحاد الأوروبي محاولة تعطيل النظام الدستوري في بوليفيا والإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً. جاء ذلك في منشور على منصة "إكس"، أمس الأربعاء، لجوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، حول التعبئة غير المنتظمة لبعض الوحدات العسكرية في بوليفيا. وقال بوريل، إن "الاتحاد الأوروبي يدين أي محاولة لتعطيل النظام الدستوري في بوليفيا والإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً".
واشنطن تدعو إلى "الهدوء وضبط النفس"
ودعت الولايات المتحدة، مساء الأربعاء، إلى "الهدوء وضبط النفس" في بوليفيا، وقال متحدث باسم البيت الأبيض، في تصريحات صحافية، إن الولايات المتحدة "تراقب عن كثب الوضع في بوليفيا". وأوضح، إن واشنطن تدعو أيضاً إلى "الهدوء وضبط النفس".