أفظع معتقلات الاحتلال.. متطرفون يقتحمون "سدي تيمان" لتحرير جنود موقوفين اعتدوا على أسرى فلسطينيين.. الكيان يغلي بصراعات داخلية
انفوبلس..
منذ أربعينيات القرن الماضي، امتلكت المليشيات اليهودية المهاجرة لفلسطين معتقلاً خاصاً بها في صحراء النقب يدعى "سدي تيمان"، وهو معتقل تُمارس فيه أفظع الجرائم، أعاد الكيان المحتل افتتاحه بالتزامن مع عدوانه على غزة بعد عملية طوفان الأقصى لاعتقال الفلسطينيين وتعذيبهم والتنكيل بهم لدرجة موت العشرات منهم تحت التعذيب، الأمر الذي تطور حتى فجَّر أزمة بالداخل الإسرائيلي حيث اقتحم مئات المتطرفين الإسرائيليين معسكر الاعتقال بعد أن أوقفت الشرطة العسكرية 9 من جنود الاحتياط، للتحقيق معهم بشبهة الاعتداء جنسيا والتعذيب والتنكيل بعديد من الأسرى.
واقتحم مئات المتطرفين الإسرائيليين من تيار أقصى اليمين معسكر الاعتقال في قاعدة سدي تيمان العسكرية بصحراء النقب، حيث يحتجز الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية أسرى من قطاع غزة منذ بداية الحرب.
ومكث المقتحمون داخل القاعدة لبعض الوقت، حيث ساندهم في الاقتحام والاحتجاج عشرات من جنود الاحتياط، ملثمين ومسلحين، وحمل بعضهم شعار "القوة 100" على زيهم العسكري.
ووقعت صدامات بين ضباط الشرطة العسكرية من جهة وجنود الاحتياط وناشطي أقصى اليمين من جهة أخرى، حيث حاولوا منع احتجاز الجنود الذين يشتبه بأنهم اعتدوا جنسيا على أحد أسرى غزة، وقد نقل إلى مستشفى سوروكا في بئر السبع وهو يعاني جروحا خطيرة.
وتمكنت الشرطة العسكرية في نهاية المطاف من نقل الجنود الموقوفين إلى قاعدة بيت ليد العسكرية شمال تل أبيب لاستكمال التحقيقات، لكن أنصار اليمين ما لبثوا أن توجهوا إلى تلك القاعدة أيضا وتمكنوا من اقتحامها.
وقالت القناة الـ12 الإسرائيلية، إن الجيش يستعد للدفع بكتيبتين من لواء ناحل لتأمين قاعدة بيت ليد.
ما هذا المعتقل؟
يقع هذا المعتقل الذي بات يعرف بـ"غوانتانامو إسرائيل" داخل القاعدة العسكرية سدي تيمان التابعة للقيادة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي، وقد أُعيد افتتاحه مع اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بغية احتجاز الفلسطينيين الذين اعتُقلوا من القطاع، وكذلك عناصر "وحدة النخبة" من كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الذين تم أسرهم خلال معركة "طوفان الأقصى".
وتضم القاعدة العسكرية -التي أُقيمت في أوائل أربعينيات القرن الماضي خلال فترة الانتداب البريطاني، وتقع على بعد نحو 10 كيلومترات شمال غرب مدينة بئر السبع- وتضم أيضا مقرا بديلا لمديرية التنسيق والارتباط في غزة، التي يفترض أن تعمل في حالات الطوارئ على حدود غزة، وكذلك منشآت الاعتقال التي استخدمت أيضا خلال العمليات العسكرية السابقة في غزة.
واحتجز الجيش الإسرائيلي خلال معركة "الفرقان" التي تسمى إسرائيلياً "الرصاص المصبوب" عام 2008، وخلال معركة "البنيان المرصوص" أو ما تسمى إسرائيلياً "الجرف الصامد" عام 2014 مئات المعتقلين الفلسطينيين من غزة.
واحتجز خلال "طوفان الأقصى" نحو 1500 غزّي، وذلك بموجب أمر عسكري صادر عن وزير الدفاع يوآف غالانت.
وأُقيمت منشآت الاعتقال داخل القاعدة العسكرية، ليكون الإشراف على المعتقلين من قبل الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية، دون أن تكون لسلطة السجون الإسرائيلية أي صلاحية بشأنها، وذلك بغية التكتم على الإجراءات التي تُنفذ ضد المعتقلين، وعدم الكشف عما يجري بمنشآت الاعتقال أو السماح بالزيارات.
ومع بدء الحرب على غزة، أصدر غالانت أمرا يجعل من القاعدة مكانا للاحتجاز والاعتقال الإداري، وأُقيمت بالمعسكر 5 منشآت تحتوي على أقفاص حديدية وبركسات لاحتجاز من يتم اعتقالهم من غزة، كما أُقيمت 5 خيام واعتُبرت مستشفى ميدانيا لعلاج الجرحى من المعتقلين.
وجاء الأمر الصادر عن غالانت بموجب "قانون المقاتلين غير الشرعيين"، الذي يجيز لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي اتخاذ قرار بتنفيذ اعتقالات إدارية واسعة دون الحق بالاستئناف أو المرافعة القانونية، علما أن الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) صادق هذا الأسبوع على تمديد العمل بالقانون حتى يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
تفاصيل المعتقل
يقول المحامي خالد محاجنة، في حوار صحفي سابق: "أثناء سفري إلى المعتقل، برفقة المحامية المتمرنة مرح أمارة، وعندما وصلت إلى مشارف مدينة رهط بالنقب، تلقيت اتصالا من إدارة المعتقل وأبلغوني أنه يُحظر الدخول إليه بمركبات مدنية، وطلبوا مني إيقاف سيارتي والسير على الأقدام، وبعد السير لأكثر من 10 دقائق، اعترضني وزميلتي جيب عسكري بداخله 3 جنود، وطلبوا منا الصعود، ثم ذهبنا باتجاه المعتقل".
ويضيف، "بعد سفر بالجيب لمدة 20 دقيقة تقريبا، دخلنا المعتقل، ورغم أني أعمل منذ عقد ونيف في قضايا متعلقة بالأسرى وأزورهم في السجون الإسرائيلية، فإن هذه أول مرة أرى فيها مثل هذا السجن".
ويقول محاجنة، إن سجن "سدي تيمان" بدا وكأنه معسكر أو ثكنة عسكرية وليس سجنا عاديا، إذ كانت العديد من الدبابات والمدرعات والمعدات العسكرية منتشرة في كل مكان، وكان هناك جنود ينتشرون بين كثبان الرمال.
ويصف محاجنة المعتقل قائلا، إنه "يمتد على مساحات واسعة، وإنه مقسم إلى 4 أقسام للاحتجاز واعتقال الأسرى الغزيّين، وفي كل قسم هناك 4 بركسات من صفيح وزينك، هي أشبه بالحظيرة، وفي كل واحدة يتم احتجاز 100 أسير في ظروف غير إنسانية وبلا مقومات للحياة".
الجنود الموقوفين
دهم أفراد من الشرطة العسكرية معسكر الاعتقال سدي تيمان، واعتُقلوا لاستجواب 9 من جنود الاحتياط للاشتباه في اعتدائهم جنسيا على أسير فلسطيني والتنكيل به بشكل خطير.
وكان من بين الموقوفين ضابط برتبة رائد، وهو قائد "القوة 100″، الوحدة العسكرية بالجيش الإسرائيلي التي تتولى حراسة الأسرى في المنشأة.
وينتمي الموقوفون الآخرون إلى هذه القوة أيضا، والتي أُعيد تشكيلها في بداية الحرب على غزة لحراسة المعتقلين الغزيين.
وتشير الأدلة التي وصلت إلى صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلى تورط جنود تلك الوحدة في عدة حوادث عنف خلال الأشهر الأخيرة.
على سبيل المثال، قال جندي خدم في سدي تيمان، إن رجال الوحدة كانوا عنيفين تجاه المعتقلين خلال تفتيشهم، "وفي إحدى المرات، طلبوا من الجميع الاستلقاء على الأرض، وعلى الفور ألقوا قنابل صوت صوبهم، ثم ركلوهم بعنف".
ضحايا المعتقل
في أعقاب التماس قدمته 5 جمعيات ومنظمات حقوقية إسرائيلية -وعلى رأسها جمعية "حقوق المواطن"- إلى المحكمة العليا للمطالبة بإغلاق معتقل سدي تيمان والكشف عن مصير المئات من الأسرى الغزيين الذي اختفوا قسرا، اعترف الجيش الإسرائيلي بأن عشرات المعتقلين من غزة قضوا تحت التعذيب، لكن دون الكشف عن الملابسات.
ووفقا للبيانات التي نشرها الجيش الإسرائيلي، فإنه يجري تحقيقا جنائيا ضد الجنود في مقتل 48 فلسطينيا، معظمهم أسرى تم اعتقالهم من قطاع غزة، ومن بينهم 36 تم احتجازهم في سدي تيمان، بينما تطالب المنظمات الحقوقية والهيئات التي تعنى بشؤون الأسرى بالكشف عن مصير آلاف الغزيين الذين كانوا في مناطق داخل الخط الأخضر قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول بموجب تصاريح عمل، لكنهم اختفوا قسرا.
ويستدل من مداولات المحكمة العليا الإسرائيلية، وحسب الإفادات والشهادات التي قدمتها المنظمات الحقوقية، على أن الغالبية العظمى ممن تم احتجازهم في معتقل سدي تيمان من المدنيين من سكان قطاع غزة ومن مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية من الذكور والإناث، حيث تم احتجازهم تحت طائلة الضرب والانتهاكات والتعذيب للحصول على معلومات عن حركة حماس وعن المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية.
انتهاكات سابقة
خلال الأشهر الأخيرة، تراكمت الأدلة والإفادات بشأن ما يحدث في معتقل سدي تيمان، والتي جمعتها منظمات حقوقية وشهادات لمعتقلين من غزة تم احتجازهم لأسابيع وبعضهم لأشهر في المعتقل العسكري، حيث تكشفت صورة مروعة عن أساليب التعذيب والتنكيل بالأسرى من قبل الجنود إلى حد تنفيذ اعتداءات جنسية بحق بعضهم.
وأظهرت الإفادات والأدلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق المعتقلين وعدم ضمان الحد الأدنى من الظروف الإنسانية، واحتجازهم تحت طائلة التعذيب والانتهاكات داخل أقفاص حديدية وفي أوضاع قاسية.
ودأب الجنود في معسكر الاعتقال على احتجاز جميع المعتقلين الغزيين في مناطق مفتوحة محاطة بسياج حديدي أو داخل بركسات دون أي أسرة وبلا مقومات الحياة الأساسية، وذلك عبر تكبيل أطرافهم على مدار الساعة، ما تسبب في بتر أطراف بعضهم، وكذلك تعصيب العينين لفترات طويلة، حتى خلال العلاج الطبي للجرحى منهم أو قضاء الحاجات مع ظروف احتجاز تمس بكرامتهم وصحتهم.
كما تكشفت معلومات عن سماح وزارة الصحة الإسرائيلية للطواقم الطبية في المعتقل بإجراء عمليات جراحية من دون تخدير، كما يقدم العلاج للجرحى وهم مكبلون ومعصوبو الأعين.
وفي أعقاب التماس المنظمات الحقوقية، أخطرت الحكومة الإسرائيلية المحكمة العليا يوم 19 يوليو/تموز الحالي بأنها بصدد إغلاق تدريجي لمعتقل سدي تيمان، وأنه سيتم نقل معتقلي قطاع غزة المحتجزين هناك إلى قسم خيام جديد في سجن النقب.
وخلال الأشهر الأولى من الحرب، عندما بدأت هذه الأدلة في الظهور، بذل مكتب المدعي العام العسكري الإسرائيلي جهودا كبيرة لتأجيل التحقيقات، لكن مع تزايد الضغوط الدولية، وبعد التحقيقات التي أجرتها الصحافة الأجنبية والخطوات المتخذة ضد إسرائيل في المحاكم الدولية في لاهاي، تقرر فتح تحقيقات في عشرات القضايا التي تحمل مثل هذه الشبهات، وذلك في محاولة للالتفاف على أي إجراءات قضائية دولية.
الجماعات المقتحمة
نشطاء من معسكر اليمين يتقدمهم أعضاء في الكنيست من الائتلاف الحاكم، خاصة حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو و"الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش ومن حزب "عظمة يهودية" برئاسة إيتمار بن غفير، اقتحموا سدي تيمان، وذلك في محاولة لإطلاق سراح الجنود الموقوفين من قبل الشرطة العسكرية بشبهة التنكيل والتعذيب الجنسي لمعتقل فلسطيني من غزة.
وتوجه المئات من المتظاهرين إلى مدخل المعتقل العسكري احتجاجا على توقيف الجنود، واقتحم المتظاهرون البوابة ودخلوا القاعدة، وبرفقتهم عضو الكنيست تسفي سوكوت من الصهيونية الدينية، وعضو الكنيست نيسيم فاتوري من الليكود، والوزير عميحاي إلياهو، الذي تم تصويره وهو يصرخ مع المتظاهرين: "الموت للإرهابيين"، وحضر أيضا عضو الكنيست ألموغ كوهين من حزب "عظمة يهودية" الذي دعا إلى التقدم واقتحام الأقفاص الحديدية التي يحتجز بها المعتقلون، لكن الجنود أوقفوهم.
ولخص المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، ما قام به ناشطو اليمين بدعم من المستوى السياسي بالقول إن "أعضاء الكنيست الذين اقتحموا سدي تيمان حاولوا بث الفوضى في صفوف الجيش الإسرائيلي، فاليمين المتطرف، الذي يحاول السيطرة بالقوة داخل الجيش، كان ينتظر فقط الفرصة التي أتيحت لهم في المعتقل العسكري. إن الاستسلام لهم يعني الآن تدمير الجيش من الداخل، وتآكلا عميقا لما تبقى من الانضباط والقيم في وحدة المجتمع الإسرائيلي".
مليشيات داخل الجيش
إلى ذلك، دعا رئيس حزب العمل الإسرائيلي اليساري يائير غولان، إلى سجن أعضاء الكنيست الذين شاركوا باقتحام قاعدة "سدي تيمان" العسكرية في النقب جنوبا، متّهمًا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ"تشكيل مليشيات مسلحة" داخل الجيش.
من جهتها، قالت صحيفة "معاريف" العبرية، إن "قانون حصانة أعضاء الكنيست" لا يمنحهم القدرة على دخول قواعد الجيش الإسرائيلي دون تنسيق مسبق وموافقة القادة".
وأوضحت: "بحسب لغة القانون، يتمتع أعضاء الكنيست بحرية التنقل الكاملة في أي مكان في البلاد، على ألا يكون منطقة خاصة، ما لم يكن الحظر أو التقييد لأسباب تتعلق بأمن الدولة أو سر عسكري".
من جانبه، قال رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد في تدوينة بحسابه على منصة "إكس"، قاصدًا نتنياهو دون التصريح باسمه: "من يُدخل المجرمين إلى حكومته، فلا ينبغي أن يُفاجأ عندما يفقد السيطرة عليهم".