الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يفوز بجائزة الـ "بوكر" برواية "قناع بحجم السماء" بعد أن وظّف سجنه لإدارة مشاريعه الفكرية والأدبية
حطّم جدران معتقل "هيدريم"
انفوبلس/..
الأسير باسم خندقجي، المولود في مدينة نابلس المحتلة في سنة 1983، هو عضو في اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني، وأحد أبرز مفكّري الحركة الفلسطينية الأسيرة. تتنوّع نتاجاته بين الكتابة الإبداعية، شعراً ورواية، والكتابة الفكرية، السياسية والتاريخية والنظرية، وبخاصة في مجال دراسات السجن.
اعتُقل في 2 تشرين الأول 2004، وحُكم بالسجن المؤبّد ثلاث مرات بتهمة العمل الفدائي خلال انتفاضة الأقصى. ولا يزال على قيد الأسر في قسم العزل الجماعي في السجون الصهيونية.
وعلى الرغم من انقطاع مسيرته الأكاديمية كطالب في قسم الصحافة والإعلام في «جامعة النجاح الوطنية» على إثر الأسر، فقد تمكّن خندقجي من الحصول على درجتَي البكالوريوس والماجستير في «الدراسات الإقليمية-مسار الدراسات الإسرائيلية» من جامعة القدس (2016)، بإشراف القائد الوطني مروان البرغوثي في «جامعة هداريم»، ويعمل حالياً على استكمال دراسة الدكتوراه وهو في الأسر.
وعُرف خندقجي بكتاباته قبل اعتقاله، وتابعها داخل سجنه، فأنتج ديوانَين شعريَّين، وكتب أكثر من 250 مقالا متنوعا، وصدرت له 6 روايات منها "نرجس العزلة" و"مسك الكفاية" و"خسوف بدر الدين" وآخرها "قناع بلون السماء" التي ذاع صيتها عربيا ودوليا بعد أن شاركت بمعظم المعارض الدولية والعربية للكتاب، وطُبع منها حتى الآن حوالي 6 آلاف نسخة.
استطاع باسم خندقجي أن يحوّل قفص سجنه إلى غرفة عمليات ثقافية يُدير منها كل مشاريعه الفكرية والأدبية من خلال نشر كتبه وإعداد حفلات التوقيع لها، والإشراف على "صندوقه" الذي أسّسه لدعم إبداعات الأسرى.
من كتاباته داخل السجن "مسودات عاشق وطن" وهي عبارة عن 10 مقالات تحكي عن الهمّ الفلسطيني "وهكذا تحتضر الإنسانية" وهي عبارة عن تجربة الأسير الفلسطيني داخل السجون وهمّه اليومي.
وصدر لباسم ديوانا شعر بعنوان "طرق على جدران المكان" و"شبق الورد أكليل العدم" ، وأيضاً دراسة عن المرأة الفلسطينية وكتاب "أنا الإنسان نداء من الغربة الحديدية". وله روايات: "مسك الكفاية: ﺳﻴﺮﺓ سيدة ﺍﻟﻈﻼﻝ الحرة"، و"نرجس العزلة" التي قام بإطلاقها ملتقى فلسطين الأول للرواية العربية عام 2017 في رام الله برعاية وزير الثقافة إيهاب بسيسو، وقامت والدة خندقجي وشقيقه بتوقيع الرواية للحضور بدلاً من الأسير باسم.
"ثلاثية المرايا" وجائزة البوكر
و"قناع بلون السماء" و"سادن المحرقة" و"شياطين مريم الجليلية" هي جزء من مشروع روائي يحمل اسم "ثلاثية المرايا" للأسير خندقجي بدأ بإنتاجه عام 2020، فكتب "قناع بلون السماء" عام 2022، وطُبعت بدار الآداب في بيروت.
وأُطلقت الرواية بحفل إشهار نظمته السفارة الفلسطينية في القاهرة ومعرض مصر الدولي للكتاب في كانون الثاني 2023، وبعدها بشهرين أُعلن عنها في البلدة القديمة بنابلس.
وبدعم من دار الآداب في بيروت، رُشّحت "قناع بلون السماء" للبوكر العربية، وهو ما أثلج صدر باسم الذي سمع الخبر عبر الإذاعات المحلية داخل سجن "عوفر" شمال الضفة الغربية.
ويذهب باسم خندقجي في روايته "قناع بلون السماء" -التي جاءت في 240 صفحة من القطع المتوسط وغلاف حمل صورة قبة الصخرة وقطعة قماش مطرزة بألوان التراث الفلسطيني- إلى حد كبير من الخيال، ليحكي قصة الشاب الفلسطيني نور الشهدي (شخصية وهمية) المنحدر من أحد مخيمات مدينة رام الله والمهووس بعلم الآثار.
وبينما يكون نور في مدينة يافا يشتري معطفا من سوق المستعمل، يعثر بداخله على هوية إسرائيلية ليهودي إشكنازي (يهود الشتات) اسمه بالعبرية "أور" ويعني "نور" ويستغل ذلك في التسجيل بمعهد أولبرايت الإسرائيلي للعلوم الأثرية، لينقب عن الآثار ويسبر أغوار التاريخ الفلسطيني المطمور والمسروق ليرسخ فلسطينيته.
وبصفته يهودياً يتابع "أور" بحثه ضمن بعثة إلى كيبوتس "مشعار هعيمق" الإسرائيلي المقام على أراضي قرية أبو شوشة المهجرة في نكبة 1948، ويتجدد الصراع في إثبات الهوية الفلسطينية، وتصبح المسألة وكأنها اشتباك ثقافي مع الاحتلال كل يوم.
تحريض "إسرائيلي" بأدوات إعلامية
ومنذ أسبوع ومع ترشح الرواية منتصف الشهر الماضي، للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) ضمن القائمة القصيرة، يتعرض خندقجي (40 عاما) للتحريض من إسرائيل بأدواتها الإعلامية ومستوطنيها، للنيل منه وعزيمته بالاستمرار في إنتاج الأدب داخل سجونها.
وكتبت صحيفة هآرتس "إرهابي فلسطيني متورط بقتل مدنيين إسرائيليين ومحكوم بالسجن المؤبد 3 مرات، يتم ترشيحه لجائزة أدبية، إذا تم اختياره سيفوز بمبلغ 50 ألف دولار".
وعلَّق أحد المستوطنين متعجباً "أسرانا بغزة لا نعرف أين هم، والإرهابي باسم خندقجي يكتب من داخل سجنه" وتساءل آخر "هل لديه قناة يوتيوب داخل سجنه؟ ماذا يحدث داخل السجن؟".
ويقول يوسف خندقجي، والذي يُعرّف نفسه بأنه الوكيل الأدبي لشقيقه، إن الاحتلال يربط تحريضه بأسراه لدى المقاومة بغزة وبما يعيشه من أزمة سياسية، ويعكس ذلك على الأسرى بالدعوة إلى الانتقام منهم وبأي شكل.
وبعد قبولها في القائمة الطويلة للبوكر منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، ترشحت رواية خندقجي للقائمة القصيرة، وتصاعد التحريض أكثر رغم أن الروائي الفلسطيني ليس وحده من كتب في أدب السجون.
تخوف عائلته
وتتخوف عائلة خندقجي من أن ينعكس تحريض الاحتلال على الأسير نفسه ويتم قمعه وعزله داخل سجنه، أو أن يقتحموا منزل العائلة ويعتقلوا أحدا منها، كما يُمنع إدخال الرواية إلى الأراضي الفلسطينية لأنها طُبعت في بيروت، مما قد يؤدي إلى منع إدخال قيمة الجائزة إن فازت الرواية.
ويضيف يوسف، أن الرواية واجهت صعوبات جمَّة، أهمها إدخال الكتب المطلوبة للأسير خندقجي، واستغراقه 6 أشهر في كتابتها في ظل ظروف السجن القاهرة، وحاجته لترتيبات خاصة تمكنه من التدوين، وإعادة نسخها ثانية وتهريبها لسجن آخر خشية مصادرتها.
وخارج السجن، احتاجت الرواية وقتا كبيرا للتجميع والتدقيق، حيث وصلت مجزأة عبر البريد الإسرائيلي وأسرى محررين، وساعد في ذلك امتلاك عائلة خندقجي واحدة من أقدم المكتبات في نابلس، وإنتاجهم الكثير من أدب السجون.
الفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية
ونالت رواية "قناع بلون السماء" للروائي الفلسطيني الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي باسم خندقجي، الجائزة العالمية للرواية العربية ("بوكر") في دورتها السابعة عشرة في العاصمة الإماراتية أبوظبي أمس الأحد.
وكانت قد تأهلت للقائمة القصيرة للجائزة، والتي أُعلن عنها في فبراير/ شباط الماضي، الرواية المصرية "مقامرة على شرف الليدي ميتسي" للكاتب أحمد المرسي، ومن فلسطين "سماء القدس السابعة" لأسامة العيسى، و"قناع بلون السماء" لخندقجي، ومن السعودية "باهبل: مكة Multiverse 1945-2009" لرجاء عالم، ومن سوريا "خاتم سليمى" لريما بالي، ومن المغرب رواية "الفسيفسائي" لعيسى ناصري.
واختارت لجنة التحكيم الرواية الفائزة من بين 133 رواية ترشحت للجائزة لهذه الدورة، باعتبارها أفضل رواية نُشرت بين يوليو/ تموز 2022 ويونيو/ حزيران 2023.
وقد تسلمت الجائزة بالإنابة عن الكاتب ناشرة الرواية صاحبة دار الآداب رنا إدريس، التي قالت في كلمة قصيرة "باسم.. أنت الأسير المقبل على الحرية، أنت الآن بيننا".
والقناع في الرواية الفائزة هو إشارة إلى "الهوية الزرقاء" التي يجدها نور، وهو عالم آثار مقيم في مخيم في رام الله، في جيب معطف قديم، صاحبها إسرائيلي، فيرتدي نور هذا القناع، وهكذا تبدأ رحلة الرواية السردية.