الإيزيديون يطاردون لافارج الفرنسية انتقاما لدورها في مأساتهم.. ماذا فعلت عملاق الاسمنت العالمي؟ وكيف دعمت الإرهاب؟
انفوبلس/..
من جديد تقع شركة لافارج الفرنسية في مأزق قضائي جديد، بسبب تورطها في دعم تنظيم داعش الذي عاثَ إجراماً في العراق وسوريا، بل وصلت مديات إرهابه حتى أوروبا، وهذه المرة جاءت الدعوة القضائية من إيزيديون انتقاماً لمأساتهم.
*الدعوى
قدّم المئات من الأميركيين الإيزيديين، دعوى قضائية ضد شركة "لافارج" الفرنسية للاسمنت، واتهموها بالتآمر لتقديم دعم مادي لتنظيم "داعش" في العراق وسوريا، ويمثل المدَّعين بقيادة نادية مراد الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وجميعهم مواطنون أميركيون، المحامية المتخصصة في حقوق الإنسان، أمل كلوني، والدبلوماسي الأميركي المخضرم السابق، لي ولوسكي.
ويعتبر مقدّمو الدعوى وعائلاتهم من الناجين من عنف داعش، الذي بدأ عندما استهدف إجراميو التنظيم موطن الإيزيديين في سنجار في شمالي العراق عام 2014، وبحسب الدعوى المرفوعة أمام محكمة اتحادية في نيويورك، فإن لافارج "ساعدت وحرّضت على أعمال إرهاب دولي ارتكبتها الدولة الإسلامية وتواطأت مع التنظيم ووسطائه، ويتعين عليها دفع تعويضات للناجين".
وقالت كلوني، في بيان "من الصادم أن تعمل شركة عالمية رائدة جنباً إلى جنب مع داعش، بينما كان التنظيم يُعدم مدنيين أميركيين ويرتكب إبادة جماعية ضد الإيزيديين"، وعندما أقرّت لافارج بالذنب أمام محكمة أميركية، العام الماضي، أشارت "هولسيم"، في بيان إلى أنها غير متورطة في الأمر وأنها "لم تعمل مطلقا في سوريا".
وجاء في الدعوى المرفوعة ضد لافارج: "قبل وأثناء وبعد الوقت الذي نفذ فيه داعش هذه الهجمات الوحشية على الإيزيديين، كان المتهمون يدفعون ويتآمرون مع التنظيم".
وقالت مراد التي حصلت على نوبل للسلام عام 2018 لجهودها لإنهاء استغلال الاغتصاب كسلاح في الحرب: "عندما هاجمت داعش سنجار، قُتلت عائلتي، وتعرضتُ للاسترقاق، وواجهتُ الاستغلال والاعتداء كل يوم حتى هروبي".
وأوضحت، إنه "لسوء الحظ، قصتي ليست فريدة من نوعها بين الإيزيديات، إنها حقيقة عاشتها آلاف الإيزيديات، والأمر الأكثر مأساوية هو أن الرعب الذي تعرضنا له حدث على مرأى ودعم من شركات قوية مثل لافارج".
*ماذا فعلت عملاق الإسمنت العالمي؟ وكيف دعمت الإرهاب؟
أقرّت لافارج أمام محكمة أميركية في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي بالذنب في تهمة تقديم أموال لجماعات إرهابية، بما في ذلك تنظيم داعش، حتى تتمكن الشركة من مواصلة تشغيل أعمالها في سوريا.
ونشأت التهم عن مخطط لدفع مبالغ مالية لداعش وجبهة النصرة مقابل الإذن بتشغيل مصنع إسمنت في سوريا من آب/ أغسطس 2013 إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2014، مما مكّن شركة لافارج سوريا للإسمنت من الحصول على ما يقرب من 70.30 مليون دولار من العائدات.
وقام مديرو شركة لافارج وشركة لافارج سوريا للإسمنت عن قصد بصياغة اتفاقياتهم مع داعش لتعويض المنظمة الإرهابية بناءً على كمية الإسمنت التي تتمكن شركة لافارج سوريا للإسمنت من بيعها – مما يُعدّ بالفعل اتفاقية لتقاسم الإيرادات - لتحفيز المجموعة الإرهابية على التصرف بما يخدم المصلحة الاقتصادية لشركة لافارج سوريا للإسمنت.
ووافقت لافارج، التي أصبحت جزءاً من شركة هولسيم المدرجة في البورصة السويسرية عام 2015، على دفع 778 مليون دولار كغرامات في إطار اتفاقية الإقرار بالذنب.
وافتتحت الشركة مصنعها في قرية الجلبية، قرب الحدود التركية في 2010، بعد استثمار 860 مليون دولار. وقال الادعاء العام الأميركي، إن فرع لافارج في سوريا دفع لتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم جبهة النصرة 5.92 مليون دولار لحماية المستخدمين في المصنع، بعدما تأجج النزاع المسلح في البلاد. وأضاف، إن المديرين شبَّهوا ذلك بدفع "الضرائب".
وغادرت لافارج المصنع في سبتمبر/ أيلول 2014، عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على البلدة وعلى المصنع. ولكن الشركة حققت بفضل تلك الصفقة، أرباحا قيمتها 70 مليون دولار، حسب الادعاء العام الأميركي.
وقد استقال إيريك أولسون، الذي كان مديرا في لافارج وهولسيم، حتى 2017، من منصبه، عقب تحقيق في نشاطات لافارج في سوريا. وقال وقتها، إنه لم يخالف القانون، وإنه قرر الاستقالة من أجل رفع "الحرج" عن الشركة.
*من تمويل الإرهاب إلى قاعدة لخدمة الفرنسيين والأمريكيين
في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، صدر حكم على عملاق الإسمنت الفرنسي "لافارج"، بدفع 778 مليون دولار غرامة، على خلفية إدانته في تهم تقديم دعم مادي لجماعتين مصنّفتين إرهابيتين وهما "داعش" و"القاعدة".
وبعد سنوات من المحاولات الفرنسية للتستر على مخالفات "لافارج"، يُسهّل هذا الحكم الملاحقات القضائية على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية من قبل مسؤولي لافارج والمسؤولين الفرنسيين.
ومع ذلك، فإن مصنع "لافارج" للإسمنت في سوريا لديه أيضًا قصة أخرى، غالبًا ما يتم التغاضي عنها حول كيفية خدمته للجيش الأمريكي.
وفي هذا الشأن، قال المدّعي الأمريكي للمنطقة الشرقية من نيويورك بريون بيس، الذي أعلن الحكم ضد لافارج، إنه "لم يسبق أن اتُهمت شركة من قبل بتقديم الدعم المادي والموارد لمنظمات إرهابية أجنبية، لذا تعكس هذه التهمة والقرار غير المسبوق الجرائم غير العادية المرتكبة".
*الأهمية الاستراتيجية للمصنع
يجب اعتبار محاكمة لافارج، ذات أهمية قصوى لقطع الدعم المادي والموارد عن المنظمات الإرهابية، ولكن الوضع الحالي مازال مستمرا في تجاهل مسؤولية الدولة، وكيف استفادت الدول الأخرى من الفظائع الفرنسية.
يقع مصنع لافارج للإسمنت على مفترق طرق بين مدينتي حلب (شمال) والرقة (شمال شرق)، وعلى الطريق السريع "إم 4" الاستراتيجي.
هذا الموقع ذو أهمية استراتيجية قصوى، فعندما هاجم "داعش"، بلدة عين العرب (كوباني) في 2014، انطلق من محافظة الرقة، عبر مصنع الإسمنت.
كما أن الطريق السريع "إم4" يربط شمال شرق سوريا بالساحل السوري، والطريق السريع "إم5" الذي يمتد من الشمال إلى الجنوب.
وبشكل عام، تمر جميع المعاملات الاقتصادية واللوجستية في سوريا عبر هذين الطريقين السريعين.
وبفضل الجهود الفرنسية، لم يتم تدمير المصنع بضربات التحالف الدولي أثناء سيطرة داعش عليه.
وكانت القاعدة العسكرية الأمريكية متمركزة في لافارج، واستخدمت المصنع كمنصة لطائرات الهليكوبتر، وزُعم أنها استُخدمت في القتال ضد داعش.
وكانت وحدات التخزين الكبيرة في مصنع لافارج للإسمنت مفيدة لتخزين إمدادات الأسلحة للجنود الأمريكيين.
لم يكن عدم تدمير المصنع يؤمّن الاستثمار الفرنسي فحسب، بل أيضًا إنشاء قاعدة عسكرية قوية ومهمة للولايات المتحدة في سوريا.
ولولا الجهود الفرنسية للحفاظ على المصنع من خلال الدفع لمنظمات إرهابية داعش والقاعدة بين 2012 و2014، لم تكن لتتمكن الولايات المتحدة من العثور على مثل هذا الموقع المهم.
ومن المحتمل أن يتم تقسيم المصنع إلى قطع وبيعه في السوق السوداء في سوريا، كما حدث للمصانع الأخرى في البلاد.
وعلى الرغم من أن المحاكم الأمريكية أدانت لافارج، إلا أنه يمكن إنكار أن الجرائم التي ارتكبها الفرنسيون فيما بعد خدمت الوجود الأمريكي في سوريا.
أنشأت الولايات المتحدة خط إمداد لوجستي جيد التخطيط من الحدود العراقية إلى منطقة منبج في غرب نهر الفرات، واستمر خط الإمداد هذا في توصيل الأسلحة والذخيرة إلى جماعات إرهابية.
وبوجود الولايات المتحدة في مصنع الإسمنت كانت لافارج أحد مراكز التوزيع لهذا الخط اللوجستي.
وحافظت الولايات المتحدة على وجودها العسكري في الموقع، الذي زود داعش والقاعدة بما لا يقل عن 9.13 مليون دولار من المداخيل.
*فرنسا استفادت عسكريا
وعلى هذا النحو، استضاف مصنع لافارج للإسمنت أيضًا عسكريين فرنسيين إلى جانب جنود أمريكيين، وكما هو معروف من المعلومات الاستخباراتية، استفادت السلطات الفرنسية من علاقة لافارج بداعش والقاعدة.
واستفادت الدولة الفرنسية من لافارج عسكريًا. ومع ذلك، فإن لافارج الوحيدة التي حُكم عليها بالغرامات والمصادرة.
وفي 2019، وبتعليمات من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، انسحب الجيش الأمريكي من الموقع، وفقًا لاتفاق تم التوصل إليه مع دمشق وموسكو.
باختصار، وفّر مصنع لافارج للإسمنت في سوريا تمويلا لمنظمات إرهابية، ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، واستضاف جنودًا فرنسيين وأمريكيين.
واليوم، يحتاج دافعو الضرائب (في الولايات المتحدة) إلى معرفة ما حدث لموقع المصنع بعد 2014، وكيف ولماذا تمت حماية موقع الجريمة هذا، واستخدامه من الجيشين الفرنسي والأمريكي؟.
*هل كانت السلطات الفرنسية على علم بعلاقة لافارج بالتنظيمات الإرهابية؟
من خلال وثائق وشهود عيان، كشف فيلم وثائقي تركي عن علاقات مشبوهة لجهاز الاستخبارات الفرنسية وشركة لافارج بتنظيم الدولة في سوريا.
وفي نفس هذا السياق، أشار رئيس منظمة "عدالة وحقوق بلا حدود" فرانسوا دو روش، إلى أن المخابرات الفرنسية كانت على علم بعلاقة لافارج مع تنظيم الدولة، وقد قدّمت هذه الشركة عام 2016 مواد ووقودا إلى التنظيم مقابل مواصلة أنشطتها في شمال سوريا.
وأضاف قائلا: "الأب أو الأم اللذان يرسلان 100 دولار لابنهم الذي يموت جوعا في سوريا يعاقبان بالسجن عشرات السنوات، ولافارج تعطي عشرات الملايين لداعش دون أن تُحاسَب، وذلك مع علم الدولة الفرنسية ومخابراتها".
*لماذا صمتت الدولة الفرنسية عن تمويل شركة لافارج "للإرهاب"؟
لاحظ رئيس منظمة "عدالة وحقوق بلا حدود"، أن "صمت فرنسا يتجاوز الصفقات التجارية والمصالح الاقتصادية إلى أسباب أخرى أعمق، منها الحفاظ على عمليات فرنسا العسكرية في سوريا، والحصول على المعلومات والأخبار من هذه المنطقة الاستراتيجية، إلى جانب الحفاظ على صورة فرنسا وموقعها في الشرق الأوسط ودول الخليج، فضلا عن المنافسة الشديدة مع تركيا"، وفق دو روش.
*لمحة عن الإيزيديين
الإيزيديون هم جالية دينية وعِرقية تعيش بشكل رئيسي في مناطق مختلفة من العالم، وتمتلك تاريخاً وثقافة تعود إلى قرون عديدة. تشكل هذه الجالية جزءاً هاماً من التنوع الثقافي والديني في المناطق التي يعيشون فيها.
تعتبر الإيزيدية ديانة فريدة بعقائدها وتقاليدها التي تتميز بها. يؤمن الإيزيديون بوجود ملك الملائكة “ملك طاووس” الذي يعتبر رمزاً للخير والحماية. تتألف عقائدهم من مزيج من العناصر الميثولوجية والديانية التي تشكل نسيجاً معقداً يشمل عباداتهم وتقاليدهم.
عانى الإيزيديون من الاضطهاد والتمييز لفترات طويلة في تاريخهم، وخاصة خلال الصراعات السياسية والدينية. تعرضوا لمجازر وحملات إبادة على يد مجموعات مسلحة متعددة، مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف وفقدان الكثير من حقوقهم وحرياتهم.
تتميز ثقافة الإيزيديين بالتنوع والعمق، حيث يتميزون بالأدب والموسيقى والفنون التقليدية التي تعبّر عن هويتهم وتاريخهم. يشتهر الإيزيديون بصناعة النسيج والحِرف اليدوية الرائعة التي تعكس تقاليدهم وثقافتهم الفريدة.
من الجوانب البارزة في حياة الإيزيديين هو احترامهم الكبير للعائلة والتضامن المجتمعي، وتمتلك العائلة مكانة مرموقة في مجتمعهم، ويحرصون على الحفاظ على الروابط العائلية والاهتمام بأفراد العائلة.