الانتخابات التركية على الأبواب.. زلزال "مرعش" ونفط كردستان المهرّب يهددان مستقبل أردوغان
انفوبلس/..
من المقرّر أن تجري في 14 مايو/ أيار المقبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، لكن ثمّة عوامل عدة بينها الزلزال المدمر الذي ضرب كهرمان مرعش وأسفر عن مقتل وإصابة عشرات الآلاف من الأشخاص ودمّر آلاف المباني وامتدت تأثيراته لإحدى عشرة محافظة ودول مجاورة أبرزها سوريا، بالإضافة إلى قرار المحكمة الدولية بمنع تصدير النفط من إقليم كردستان العراق عبر ميناء جيهان التركي، كل ذلك قد يُسهم بإسقاط الرئيس الحالي والمرشح للانتخابات المقبلة رجب طيب أردوغان.
في 26 آذار الماضي، وافقت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا على طلبي ترشيح الرئيس رجب طيب أردوغان وزعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليجدار أوغلو، لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في 14 مايو/ أيار المقبل.
وأيضاً، أعلنت اللجنة رسمياً إجراء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في البلاد يوم 14 مايو/ أيار المقبل، وحددت يوم 28 من الشهر نفسه موعداً لإجراء الجولة الثانية في حال لم يتم الحسم في الجولة الأولى.
*إسقاط أردوغان
أعاد الزلزال الذي دمّر أجزاء واسعة من تركيا، إلى الأذهان حديث أحد الصحفيين الذي كان يقول فيه "إن اسقاط أردوغان عبر صناديق الاقتراع لم يعد ممكناً بعد اليوم، ولابد من حدوث آفة أو كارثة طبيعية أو زلزال مدمّر حتى ينتفض الشعب ويثور عليه بسبب هذه الكارثة".
وضع الزلزال الأعنف على الإطلاق الذي ضرب تركيا عام 1939 علامات استفهام عدة بشأن الإجراءات التي اتخذتها تركيا عقب حدوثه، كما وضعت تلك الكارثة مستقبل أردوغان السياسي على المحك بعد 20 عاماً في السلطة وسط ذهاب دعواته للوحدة الوطنية أدراج الرياح.
واعترف الرئيس التركي بأوجه القصور التي شابت استجابة الدولة لأزمة الزلزال المدمر، لكنه تحدث، أثناء زيارته لأحد المواقع المنكوبة، عن أن الأمر يتعلق بالقضاء والقدر قائلا: "هذه الأشياء دائما ما تحدث، إنها جزء من مسار القدر".
لكن، اعتراف أردوغان "بالقصور"، ووجود "ثغرات" في استجابة حكومته للكارثة، وإعلانه حالة الطوارئ كلها لم تشفع للرئيس التركي ولحزبه العدالة والتنمية. حالة من مشاعر الإحباط انتشرت في عدد من مناطق البلاد، فندّدت عائلات منكوبة بحكومة عاجزة عن مساعدتها وإنقاذ أقربائها العالقين تحت الأنقاض.
*شخص واحد مسؤول
المعارضة السياسية التي تحشّد جهودها منذ سنوات للإطاحة بالرئيس التركي، وجدت في الحادثة فرصة ملائمة لتجييش الشعب ضد أردوغان، بقولها إنّ "عدد الوفيات المرتفع ليس ناجماً عن الزلزال فحسب، بل عن مبانٍ غير مضبوطة بشكل جيد ورديئة النوعية". مشيرةً إلى، أنّ "الجيش لم يتصرف في وقت سريع كفاية لأن حكومة أردوغان أبطلت بروتوكولاً يمكّنه من الاستجابة بلا توجيهات". وبحسب كمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب المعارضة الرئيسي في تركيا: "إذا كان هناك شخص واحد مسؤول عن هذا، فهو أردوغان".
*اختبار الزعامة
ربطت صحف أجنبية عدة حادثة الزلزال بمستقبل الرئيس التركي الحالي، وتحت عنوان "أين الدولة؟.. أردوغان يواجه غضب شعبه بعد زلزال تركيا"، عنونت صحيفة الإندبندنت البريطانية مقالها، مشيرة إلى أنّ أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، يواجهان اتهامات من الناجين من الزلزال، بأنّ الإجراءات الرسمية كانت بطيئة وغير متكافئة التوزيع، خاصة في المناطق الموالية سياسياً لأحزاب المعارضة.
لم تتوقف الصحيفة البريطانية هنا، بل ذهبت للقول إنّ "حكومة أردوغان أمرت مزوّدي خدمات الاتصالات بمنع الوصول إلى موقع "تويتر" خوفاً من إمكانية استخدامه ضده، عبر نشر معلومات تُدينه".
صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، هي الأخرى، رأت أن "الزلزال يشكل اختباراً لزعامة أردوغان". مشيرةً إلى، أنّ الأخير "استغل زيارة يوم الأربعاء إلى مدينة قهرمان مرعش المدمرة، بالقرب من مركز الزلزال، لتوجيه الانتقادات لأولئك الذين اتهمهم بالاستفادة من الكارثة لدفع أجندتهم الخاصة".
بدورها، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، الأميركية، أنّ "تداعيات الزلزال سلّطت الضوء على مدى إعادة أردوغان تشكيل الدولة التركية، إذ يتهمه منتقدوه بدفع البلاد نحو الاستبداد من خلال إضعاف الحقوق المدنية وتقويض استقلالية مؤسسات الدولة، مثل وزارة الخارجية والبنك المركزي".
*ثمّة عقبة أخرى!
لم يكن الزلزال المدمّر العقبة الوحيدة في طريق أردوغان إلى سُدّة الحكم مجدداً، فقرار محكمة باريس هو الآخر الذي أضرّ بالرئيس التركي الحالي، وربما يكون أيضاً عاملاً مؤثراً سلباً في الانتخابات المقبلة.
وقبل أسبوعين، قضت محكمة التحكيم الدولية، التابعة لغرفة التجارة الدولية، في باريس، بعدم شرعية تصدير النفط الخام من إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي.
وبحسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فإن أنقرة سمحت لإقليم كردستان العراق بتصدير النفط بشكل مستقل عن وزارة النفط الاتحادية من أجل استبدال تحويلات الميزانية العراقية المحتجزة، وربط خطوط الأنابيب الكردية بخط أنابيب العراق-تركيا في بلدة فيش خابور الحدودية الخاضعة لسيطرة الإقليم.
وقد مكّن ذلك إقليم كردستان العراق من بيع نفطه مباشرةً إلى السوق والاحتفاظ بالإيرادات، لكن بغداد تعتبر ذلك ممارسة غير قانونية بينما يعتبرها الأكراد تعويضاً عن الرواتب المستقطَعة.
وفي 23 آذار الماضي، حسمت محكمة التحكيم الدولية الجدل، وقضت بعدم دستورية ذلك الأمر، ليكسب العراق الدعوى ضد تركيا.
*ضربة لأردوغان
ورأى مايكل نايتس، وهو متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج، في مقال تحليلي له كُتب على موقع معهد واشنطن، أن حكم المحكمة لصالح العراق سيوجّه ضربة قاسية إلى حلفاء الولايات المتحدة ومقتضيات السياسة على حدٍ سواء.
ومضى قائلاً، إن الحكم بالنسبة لتركيا "من شأنه أن يمسّ بكبرياء الرئيس رجب طيب أردوغان في وقتٍ تنهار فيه الثقة الاقتصادية في بلاده".
*تراجع
في الانتخابات الأخيرة، تراجع حزب الرئيس التركي الحالي المتأثر بطغيان صورته على كل ما عداه في "حزب التنمية والعدالة"، وفي انتخابات المجالس البلدية الأخيرة، خسر مُدناً رئيسية أهمها "جوهرة التاج" التركي إسطنبول، إلى جانب غيرها.
وعانت تركيا في فترة حكم أردوغان، من ارتفاع معدلات التضخم، وانهيار العملة، بسبب تبنيه سياسات اقتصادية غير تقليدية. فدعواته لخفض أسعار الفائدة أدّت إلى ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى في 24 عاماً، وصلت عند 85% العام الماضي، وهبطت الليرة 10% من قيمتها مقابل الدولار على مدار العقد الماضي.
وعلى الصعيد الخارجي، ازدادت الهوّة مؤخّراً، في علاقات تركيا مع أوروبا، خاصة فيما يتعلق بموقف تركيا من الحرب الروسية في أوكرانيا، وتوتر العلاقات مع فنلندا والسويد على خلفية المعارضة التركية لانضمامهما للناتو.
كذلك توتر العلاقة التركية الأمريكية، بعد أن تمّ إبعاد أنقرة من برنامج تطوير الجيل التالي من الطائرات المقاتلة "أف-35"، على خلفية قيامها بشراء صفقة الصواريخ الروسية "أس-400"، والمعارضة الواسعة في الكونغرس لبيع أنقرة طائرات حربية من طراز "أف-16"، والدعم الأمريكي للمسلحين الأكراد في سوريا. هذا فضلاً عن تراجع العلاقة التركية مع عدد من الدول العربية، على رأسها مصر والسعودية.