"الجولاني" أبرز المتهمين بقتل "القحطاني" والفضائح بالعلاقة مع أجهزة الاستخبارات الغربية من الطرفين غير مسبوقة
هل يتسبب مقتل "ابو ماريا" في انهيار إمارة إدلب؟
"الجولاني" أبرز المتهمين بقتل "القحطاني" والفضائح بالعلاقة مع أجهزة الاستخبارات الغربية من الطرفين غير مسبوقة
انفوبلس/..
تساؤلات كثيرة طرحها ملف اغتيال القيادي في هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) أبو ماريا القحطاني، مساء الخميس الماضي، حول مَن يقف خلف الاغتيال، في ظل تعدد الجهات المستفيدة من تغييب الرجل الذي عُرف بتبديل ولاءاته بين التنظيمات الإرهابية طيلة أكثر من عقد بعدما تنقل بين "القاعدة" و"داعش" قبل أن يحط رحاله في "تحرير الشام"، لكن أصابع الاتهام وُجِّهت إلى أبو محمد الجولاني أكثر من غيره، وذلك وبالنظر إلى استمرار كشف الفضائح بالتورط مع أجهزة استخبارات غربية.
وقُتل ميسر علي الجبوري المعروف باسم "أبو ماريا القحطاني" وهو عراقي الجنسية، وأحد أبرز مؤسسي "جبهة النصرة"، جراء انفجار غامض، استهدف مضافة القحطاني ضمن بلدة سرمدا في ريف محافظة إدلب الشمالي، في مناطق سيطرة "تحرير الشام" شمال غربي سوريا، في حين اتهمت الهيئة، تنظيمَ داعش بالوقوف وراء الهجوم من خلال انتحاري فجَّر نفسه بحزام ناسف.
وقالت مصادر، إن القحطاني قُتل فيما أُصيب مرافقه عمر الديري، ويوسف الهجر المعروف باسم أبو البراء، بإصابات خطيرة، ولا يزالان في العناية المركزة، بالإضافة إلى إصابة ثمانية أشخاص آخرين بجروح متوسطة وخطيرة.
ورجحت المصادر أن يكون الاستهداف ناجماً عن تفجير شخص انتحاري يرتدي حزاماً ناسفاً نفسه ضمن المضافة، في حين توقعت مصادر أخرى أن يكون الاستهداف ناجماً عن عبوة ناسفة وُضعت داخل إحدى الهدايا المقُدمة للقحطاني بمناسبة خروجه من سجون "تحرير الشام" بعد براءته من ملف "عملاء التحالف".
بدورها، قالت مؤسسة أمجاد الإعلامية (الذراع الإعلامية لهيئة تحرير الشام) في منطقة إدلب، إن القحطاني قُتل "جراء هجوم غادر باستخدام حزام ناسف نُفذ على يد عنصر ينتمي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، وفق بيان لها.
*تنقّل بين الجماعات الإرهابية
وبرز اسم القحطاني في سوريا منذ بداية تأسيس جبهة النصرة (عام 2012) على يد أبو محمد الجولاني، إذ كان القحطاني قد سبق الجولاني إلى سوريا قادماً من العراق بعدما كان انضم إلى تنظيم القاعدة. وُلد القحطاني في بلدة الرصيف في الموصل شمالي العراق، لكنه سرعان ما انتقل مع عائلته إلى بلدة هرارة جنوبي الموصل، ومن اسم البلدة اتخذ أول ألقابه "الهراري" قبل أن يتحول إلى "القحطاني".
التحولات السريعة في مسيرة وولاءات القحطاني كانت حاضرة منذ بداياته، ليس فقط من خلال الألقاب، إذ إن طالب إدارة الأعمال عكف بعد تخرجه على دراسة العلوم الشرعية، وحاز على درجة البكالوريوس في كلا الاختصاصين، كما تشير معلومات إلى انتمائه أثناء دراسته إلى تنظيم فدائيي صدام الذي كان يتبع لحزب البعث، فيما أُعلن لاحقاً عن ندمه على هذه الخطوة معتبراً نفسه مضطراً، منوهاً إلى أن "الكتب الجهادية أثّرت فيه".
*الظهور في سوريا
برز اسم القحطاني في سوريا منذ بداية تأسيس جبهة النصرة (عام 2012) على يد الجولاني.
وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، التحق بالشرطة العراقية في نينوى، لكن سرعان ما غادر، منضماً إلى مجموعة إرهابية يقودها أبو طلحة الأنصاري، تلك المجموعة ستكون مع عدد من مثيلاتها التي شكل منها أبو مصعب الزرقاوي جماعة "التوحيد والجهاد"، التي تعتبر النواة لتنظيم "داعش".
وعقب مشاركته في معركتي الفلوجة (عام 2004) ضد القوات الأميركية، تم تسليمه قيادة كتيبة، حتى إصابته واعتقاله وسجنه لعام ونصف عام 2004. وبعد خروجه عام 2006 كان مكانه حاضراً في تنظيم القاعدة في العراق، كمسؤول عن ديوان المحاسبة وعضو في اللجنة الشرعية في نينوى، وهنا بدأ اسمه بالصعود أكثر، لترصد القوات الأميركية جوائز لمن يُدلي بمعلومات تفيد لاعتقاله، وكان ذلك في العام 2007، حين أوقعت القوات الأميركية القحطاني بكمين، لتعاود اعتقاله مرة أخرى لمدة أربعة أعوام.
*القحطاني والجولاني.. رفقة السلاح تنتهي بالصراع
حين خرج القحطاني من السجن توجه إلى سوريا، التي كان الحراك فيها يتصاعد، ورغم محاولة تنظيم داعش الإجرامي إبقاءه في العراق بتوليته مناصب مهمة، إلا أنه فضّل التوجه إلى سوريا التي وصل إليها الجولاني أيضاً في عام 2011، ليبدآ معاً رحلة طويلة من رفقة السلاح، انتهت بالصراع.
أصبح القحطاني عند تأسيس جبهة النصرة، المسؤول الشرعي والقاضي العام، بالإضافة إلى مسؤوليته عن المنطقة الشرقية من سوريا. ثم تم عزله عن منصب المسؤول الشرعي لصالح الأردني سامي العريدي، ليبقى عضواً في مجلس شورى الجبهة.
*النصرة بين صراع داعش والقاعدة
كان القحطاني المحرِّض الأكبر على قتال تنظيم داعش الإجرامي (في سوريا قسم من "النصرة" بايع أبو بكر البغدادي الذي انشق عن تنظيم القاعدة، فيما بقيت "النصرة" على بيعة زعيم القاعدة). ودفع الكثير من الفصائل الأخرى لقتال التنظيم بعد أن كانت مترددة في ذلك، كما حشد الكثير من أبناء العشائر لقتال "داعش" وقاد بنفسه معارك ضد التنظيم شرقي سوريا، قبل أن يخسر في النهاية، ويتوجه إلى درعا جنوبي البلاد.
بعد خروج القحطاني من درعا، توجه إلى الشمال السوري حيث بدت ملامح تنظيم هيئة تحرير الشام تظهر أكثر بشكل أكثر تنظيماً، بعد التحول من "النصرة" إلى "فتح الشام" ثم الاسم الأخير. عندها بدأ اسم القحطاني بالتراجع، إذ أخذ الجولاني، لاسيما بعد مرحلة توقف المعارك شمالي البلاد بداية العام 2020، بحياكة ثوب جديد لـ"تحرير الشام" معتمداً أسماء جديدة، وبدا واضحاً أنه يريد إبعاد الأسماء التقليدية والمؤسِّسة لـ"النصرة"، باستثنائه، وفتح مرحلة جديدة ربما توصله لإشراكه في مستقبل الحل السياسي في البلاد، بعد الابتعاد عن تصنيف تنظيمه كمنظمة إرهابية، في حال تمكن من تحقيق ذلك.
وفي حين تُعد محافظة إدلب مركز "تحرير الشام"، فإنه خلال فترة صراعاتها مع الجيش الوطني السوري المعارض المدعوم من تركيا شمال حلب، أسند الجولاني إلى القحطاني إلى جانب رفيقهم الثالث أبو أحمد زكور ملف التوغل في مناطق ريف حلب الشمالي. وتحركت الهيئة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، لمنع الفيلق الثالث في الجيش الوطني من إنهاء وجود ما يُعرف بـ"فرقة الحمزة".
ورغم أن الجيش التركي حال دون توسع "تحرير الشام" شمال حلب، إلا أن الهيئة احتفظت بنفوذ قوي يقوده زكور والقحطاني، وباتت هذه الكتلة تُعرف بالجناح الشرقي للهيئة، فيما الجناح الآخر هو القوة المركزية في إدلب ويسيطر عليها الجولاني بالاعتماد على شخصيات من محافظة إدلب معظمهم من مدينة بنش التي صاهرها الجولاني وناسبها، وبات هذا الجناح يُعرف بـ"جناح بنش".
*الجولاني يحاصر القحطاني.. علاقة مع الاستخبارات الغربية
شعور الجولاني بتعاظم نفوذ الجناح الشرقي في حلب، نظراً لوجود القحطاني على رأس هذا الجناح، دفعه لمحاصرته، إذ وُضع القحطاني تحت المراقبة ثم اعتُقل بعد أن تم التحقيق معه في حملة روَّجت لها الهيئة بأنها ضد متهمين بالعمالة، وقد ورد اسم القحطاني في تلك التحقيقات.
وفي قرار صدر عن "القيادة العامة" للهيئة في أغسطس/ آب من العام الحالي 2023، أشار القرار إلى أن اسم القحطاني ورد في بعض التحقيقات التي أُجريت في ذلك الوقت، وأن القيادة شكلت لجنة متابعة خاصة استدعته و"تبين للجنة المكلفة أن أبو ماريا القحطاني أخطأ في إدارة تواصلاته، من دون اعتبار لحساسية موقعه، أو ضرورة الاستئذان، وإيضاح المقصود من هذا التواصل"، إذ أوضح القرار حينها بأن اللجنة أوصت "بتجميد مهامه وصلاحياته".
في 8 مارس/ آذار الماضي، برّأت الهيئة، القحطاني، من تهمة "العمالة لجهات خارجية"، وأطلقت سراحه بعد نحو 6 أشهر من اعتقاله. وقالت الهيئة حينها في بيان صادر عن لجنتها القضائية، يومها إن القرار جاء "بعد الاطلاع على قضية المتهمين بالعمالة، وبعد ثبوت براءة من كان موقوفاً في هذه التهمة، ولأن الموقوف ميسر الجبوري تم توقيفه بناءً على شهادات وردت من موقوفين على هذه التهمة، ولأن الدليل الذي أُوقف لأجله ظهر للجنة بطلانه".
*اتهامات متعددة بعد اغتيال القحطاني
وبالفعل فور الإعلان عن مقتل القحطاني، توجهت أصابع الاتهام نحو جناح زعيم "تحرير الشام" أبو محمد الجولاني بتصفيته، نظراً للخلافات بين الرجلين اللذَين أسَّسا التنظيم سويةً قبل أن يختلفا على ملفات عدة.
لكن "داعش" يُعد أيضاً أحد الأطراف المستفيدة من اغتيال القحطاني المعروف بعدائه الكبير ومحاربته لـ"داعش" في فترات عدة. ويرى البعض أن رواية "هيئة تحرير الشام" حول مقتل القحطاني، لا يمكن استبعادها، لكون الرجل، وبعد خروجه بات من المعروف أنه اتخذ من مضافة في بلدة سرمدا شمالي إدلب مقراً له، ما جعل الباب مفتوحاً أمام الزوار، وبالتالي فإن فرضية استغلال "داعش" لهذه الفرصة تبقى واردة.
لكن المدة التي تفاقمت فيها الخلافات بين الجولاني والقحطاني، تجعل مراقبين محليين يتشبثون بفرضية أن الجولاني مستمر بتصفية رعيل المؤسسين الأوائل لـ"النصرة"، ليخلو له الأمر، مع نيّته إجراء تغييرات في بنية التنظيم أو جلده على الأقل.
وكانت التوقعات في إدلب، بعد خروج القحطاني من الاعتقال، بأن يقود حركة تمرد تطيح بالجولاني وجناحه، لا سيما بعد أن بدأ القحطاني باستقطاب التعاطف الشعبي من خلال فتح مضافة له أمام الزائرين، ووجود حركة تعاطف ومساندة معه من بعض العشائر، التي يملك القحطاني علاقة طيبة معها، ثم الاستفادة من الحركات المناهضة والاحتجاج الشعبي ضد الجولاني في إدلب.