العدوان السعودي على اليمن.. 8 سنوات من الحرب الهمجية ومحاولة الخروج من المأزق
انفوبلس..
بعد 8 سنوات من التدخل العسكري السعودي غير الشرعي في اليمن، يجري الحديث عن سبل إنهاء هذه الحرب العبثية التي شبّهها مراقبون بالغزو العراقي للكويت خلال فترة حكم النظام السابق، حيث تتشابه الحربان بعدة نقاط أبرزها غموض الأهداف والخسارات المتلاحقة وعدم الشرعية.
في العام 2015، بدأت السعودية عدوانها على الأراضي اليمنية، ووعدت بحسم المعركة خلال أشهر، لكن بعد 6 سنوات من العدوان، وجدت المملكة نفسها غارقة في المستنقع اليمني، مع تكبدها خسائر عسكرية واقتصادية هائلة قُدِّرت بمليارات الدولارات، إلا أنها تعمل على التكتم عليها.
أنفقت السعودية مليارات الدولارات منذ بدء عدوانها على اليمن، في محاولة لقلب المعادلة لمصلحتها، من خلال شراء الأسلحة، من صواريخ وطائرات وعتاد، وتمويل الضربات الجوية، ودفع البدائل المالية وغيرها، ناهيك بتكاليف التشغيل العالية والدعم اللوجستي والأموال التي تُعطى لقوات تقدّم الدعم، كالقوات السودانية. كل ذلك يُضاف إلى الخسائر البشرية والاقتصادية الناتجة من الاستهداف اليمني للداخل السعودي، فكم بلغت حصيلة هذه الخسائر؟
وسط سياسة التكتم الإعلامي السعودي على الخسائر التي تتكبَّدها المملكة العربية السعودية في مختلف الجبهات اليمنية، أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع في مؤتمر صحافي، بعنوان "حصاد 6 سنوات من الصمود في وجه العدوان"، مقتل وجرح أكثر من 10400 جندي في صفوف الجيش السعودي منذ بداية العدوان، منهم 400 قتيل ومصاب منذ مطلع العام 2021، إضافة إلى أكثر من 226615 من المرتزقة ما بين قتيل وجريح.
ومنذ بداية الحرب، دمرت القوات اليمنية أكثر من 14527 آلية ومدرعة ودبابة وناقلة جند وعربة وجرافة وسلاحاً متنوعاً، وأطلقت 1348 صاروخاً باليستياً، منها 499 استهدفت منشآت عسكرية وحيوية تابعة للسعودية والإمارات، وبعضها طال العمق السعودي، ليستهدف أكبر ميناء نفطي في السعودية، فيما يؤكد "فشل محمد بن سلمان في رهانه على الحرب"، بحسب عضو المكتب السياسي لحركة "أنصار الله" محمد البخيتي.
هذه الصواريخ منها ما أصاب هدفه، وتسبب بخسائر كبيرة، ومنها ما تم التصدي له في سماء السعودية، وهو ما كلّف بالطبع خسائر أيضاً، بسبب الكلفة العالية لتشغيل منظومات الدفاع الجوي وثمن الصواريخ التي تستخدمها.
في العام 2021 وحده، بلغ عدد الطائرات المسيّرة التي أسقطتها الدفاعات الجوية اليمنية 20 مسيّرة، تنوعت بين أميركيةٍ وصينيةٍ وتركيةٍ، من بينها 11 طائرة "Scan Eagle" أميركية الصنع، تبلغ كلفة الواحدة منها نحو 3 ملايين دولار، وطائرة "mq9 ريبر" أميركية الصنع، تتمتعُ بمواصفاتٍ تكنولوجيةٍ عاليةٍ، وتبلغُ كلفتها 11 مليون دولارٍ، و4 طائرات من طراز "CH4" صينية الصنع، تبلغ كلفة الواحدة منها حوالى مليون دولار، وطائرتان من طراز "WlNG LOoNG" صينية الصنع، تبلغ كلفة الواحدة منها حوالى مليون دولار، وطائرتان من طراز "KARAYEL" تركية الصنع.
بحسب الأرقام التي أعلنها الجانب اليمني، فإنّ إجمالي العمليات العسكرية حتى منتصف كانون الأول/ديسمبر 2021 بلغ 62 عملية نوعية، باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية التي استهدفت العمق السعودي، متسبّبة بخسائر اقتصادية وعسكرية متنوعة.
وقد استهدفت الضربات اليمنية مناطق واسعة في السعودية، هي مناطق خميس مشيط وجيزان وعسير ومأرب والرياض وجدة وأبها والدمام ونجران، مع ما ينتجه ذلك من خسائر اقتصادية.
الإنفاق السعودي العسكري
تُقدّر المشتريات العسكرية للسعودية بنحو 63 مليار دولار منذ بدء عدوانها على اليمن، من بينها 28.4 مليار دولار أُنفقت على صفقات لشراء الأسلحة الأميركية منذ شهر آذار/مارس 2015، منها 20 عقداً صادقت عليها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في العام الجاري، بلغت قيمتها 1.2 مليار دولار.
وشكَّلت صفقات السلاح السعودية مع أميركا 74% من الإنفاق التسليحي لها، إضافةً إلى بريطانيا وفرنسا اللتين شكلتا 16% من المشتريات، وفق ما كشفه تحقيق استقصائي أميركي.
ووفق تقرير لمجلة "فورين بوليسي"، فإنَّ تكاليف بارجتين حربيتين، تتبعهما 6 فرقاطات مرافقة، استأجرتهما السعودية لاستخدامهما في الحرب على اليمن، تبلغ 300 مليون دولار يومياً. وتحمل البارجة على متنها 6000 جندي بعدتهم وعتادهم، و450 طائرة بطياريها، وعليها أيضاً مدافع وصواريخ بعيدة المدى. وبهذا، يكون إجمالي تكاليف البارجتين مع توابعهما 54 مليار دولار خلال 6 شهور.
كذلك إضافةً إلى نفقات قمرين صناعيين للأغراض العسكرية، تبلغ تكلفة الساعة الواحدة مليون دولار، أي في اليوم الواحد 48 مليون دولار، وهو ما يعادل ملياراً و440 مليون دولار خلال الشهر الواحد. ما يكلف 8 مليارات و640 مليون دولار خلال 6 شهور.
وتبلغ كلفة تحليل المعلومات وعرضها واستخراجها من الصور والبيانات التابعة للأقمار الصناعية العسكرية 10 ملايين دولار يومياً، أي 300 مليون دولار شهرياً، ليصل المبلغ إلى مليار و800 مليون دولار خلال 6 أشهر.
وتبلغ كلفة طائرة "الأواكس" 250 ألف دولار في الساعة، أي 6 ملايين دولار يومياً، ما يعادل 180 مليون دولار شهرياً، أي ما يعادل ملياراً و80 مليون دولار خلال 6 أشهر.
أما كلفة الصاروخ الصغير، فتبلغ 150 ألف دولار، وكلفة الصاروخ المتوسط الحجم تبلغ 300 ألف دولار، وكلفة الصاروخ الكبير الحجم 500 ألف دولار. وتبلغ كلفة الصيانة وقطع الغيار لكل طائرة في الغارة الواحدة 150 ألف دولار.
التحديات المتزايدة للاقتصاد السعودي
شهدت الميزانية الجديدة للسعودية في العام 2022 خفضاً للإنفاق العسكري بأكثر من 10% مقارنة مع ما كان عليه في العام 2021، إذ تعتزم السعودية تخصيص 171 مليار ريال للإنفاق العسكري في العام 2022، مقارنة بـ190 مليار ريال في 2021.
هذا الأمر، بحسب مراقبين، يأتي في المقام الأول بسبب الخسائر الكبيرة التي يتكبّدها الاقتصاد السعودي جراء الحرب على اليمن، وعدم قدرة الرياض على الاستمرار في الرفع التدريجي لميزانيتها العسكرية والتكتّم على خسائرها، رغم أنَّ عائدات النفط الكبيرة كان من المفترض أن تغطي هذه الخسائر.
يُضاف إلى ذلك تعثّر خطط ولي العهد السعودي التي أقرها في خطته المسماة "رؤية 2030"، وهو ما أبرزته مجلة "الإيكونوميست" البريطانية في تقرير لها نشر في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، إذ اعتبرت أنَّ "خطّة تحديث الاقتصاد السعودي تسير بشكل أبطأ مما كان مخططاً لها"، وتحدثت المجلّة عن السياحة التي اعتبرت أبرز ركائز "رؤية 2030"، بهدف تنويع الاقتصاد النفطي. وقد أرجأت السعودية إطلاق استراتيجية التطوير لمدينة الرياض بحلول العام 2030 "لعدم اكتمال عناصر مهمة فيها"، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية.
يبدو أنَّ الرياض فشلت في تحقيق هذا الهدف، ولم تنمُ السياحة فيها، لأسباب متعددة، أبرزها عوامل داخلية مرتبطة بطبيعة المجتمع السعودي، وعدم الاستقرار الذي تعيشه السعودية نتيجة الاستهدافات اليمنية للعمق السعودي.
فشل العدوان
بات من المسلّم به أن التحالف العسكري فشل في عدوانه على اليمن، وبات ملموساً أن اليمن تكفّل بإنزال السعودية من الشجرة، ونقلها دفعة واحدة من سياسة المواجهة إلى سياسة البراغماتية والحوار مع محيطها العربي والإسلامي، وتلك قناعة باتت راسخة لدى الكثير من المراقبين بمن فيهم الأميركيون أنفسهم.
وهنا، من المفيد التذكير بأهداف التحالف وشعاراته قبل ثماني سنوات، من بينها أن الحرب جاءت لـ " إعادة اليمن إلى الحضن العربي" وأن العدوان على اليمن يهدف إلى "مواجهة النفوذ الإيراني"، و "حماية الأمن القومي العربي"، و"إعادة الشرعية إلى صنعاء"، ولأجل تلك الشعارات والأهداف، ركّبت السعودية على عجل تحالفات عسكرية وسياسية، عربية وإسلامية ومحلية، وجيء بآلاف المرتزقة متعددي الجنسيات، وسخّرت مليارات الدولارات بهدف "هزيمة اليمنيين"، وحسم المعركة ضدهم في غضون أسابيع معدودة، كما نقل جون برينان، مسؤول الأمن القومي الأميركي عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقال حرفياً " إنه ستتم إطاحة الحوثيين في غضون أسابيع قليلة".
كل هذه الشعارات لم تتحقق، لتجد السعودية نفسها في نهاية المطاف، وحيدة تفتش عن مخرج من ورطتها التاريخية، وكشفت السنوات الثمانية الماضية أن ذلك التحالف كان يقاتل في سبيل أميركا وبريطانيا و"إسرائيل"، وذهبت الدول المنضوية تحت مظلة التحالف العربي، بمعظمها، إلى التطبيع سراً وعلانية مع "إسرائيل"، وتفكك التحالف دولاً وجماعات، على المستويين القومي والمحلي، وباتت الشرعية في خبر كان، بعد أن طلقتها الرياض في حفل علني في الرياض في نيسان/أبريل من العام 2022، لتشكل بدلاً من هادي مجلساً من ثمانية أشخاص لا يجمعهم شيء سوى مجلس هولامي شكلته السعودية على عجل، وظهر منقسماً مفككاً، لم يحقق للنظام السعودي أياً من أهدافه العسكرية والسياسية والاستراتيجية، بل تحوّل إلى عبء إضافي على تحالف مثقل بالهزائم الأخلاقية والسياسية والعسكرية، ومع تبدد الوقت بين يدي صانع القرار السعودي، وجد نفسه مضطراً إلى النزول التدريجي من على الشجرة، وطرق الأبواب الخلفية للحوار مع اليمن القوي والقادر والمستقل، فتهافتت الوساطات العمانية والأممية والعراقية، وتوالت الوفود السعودية إلى العاصمة صنعاء، بحثاً عن طوق نجاة يحفظ للنظام السعودي بعضاً من هيبته المفقودة.
من المواجهة إلى الدبلوماسية
إن التحوّل الذي طرأ على السياسة الخارجية، خلال السنوات الثماني الماضية، وانتقالها من سياسة الصدام والمواجهة إلى الحوار وتصفير المشكلات، بدءاً من قطر وتركيا، وصولاً إلى اتفاق بكين بين الرياض وطهران، والحوارات الثنائية بين صنعاء والرياض، ما كانت لتحصل لولا الهزيمة والحصاد المر لثماني سنوات في اليمن، لتجد السعودية أنها مضطرة ومكرهة وليست مخيّرة لإنقاذ أولوياتها الاقتصادية والاستثمارية والتنموية والطاقوية، بالحوار لا بالنار مع اليمن ومع محيطها العربي والإسلامي، وخصوصاً أن الفترة الزمنية الفاصلة بينها وبين تحقيق رؤية 2030، باتت قصيرة جداً.
صحيح أن السعودية قوة عسكرية كبرى، وقوة اقتصادية عظمى، لكنها وضعت ثقلها العسكري والاقتصادي في المكان الخطأ، ورسمت لها أهدافاً حالمة بهزيمة اليمنيين، فغرقت وبددت أموالها، وفشلت وهي اليوم – بعد ثماني سنوات -تجني ثمرة ذلك الوهم حسرة وخيبة وهزيمة تاريخية في اليمن المشهور عنه تاريخياً بأنه مقبرة الغزاة.
لقد اعتمدت الرياض، في حربها على ثلاثية المال والقوة والتحالفات العربية والإسلامية والدولية، وكانت تظن أن أميركا ركن وثيق سيوفر لها الأمن الحماية، بل لم تكن تتوقع في يوم من الأيام أن جغرافيتها المترامية ستكون عرضة للصواريخ والمسيّرات اليمنية، وأنها ستكون أمام انكشاف استراتيجي يهدد مصادر قوتها وعصب اقتصادها، وأن ثلاثية المال والقوة والتحالفات ستسقط أمام صمود المارد اليمني الذي امتص الصدمة، وانتقل من مرحلة امتصاص الصدمة إلى الدفاع ومنها إلى فرض معادلات قوية، أبرزها عملية "بقيق وخريص" التي عطلت نصف إنتاج المملكة أواخر العام 2019م، وعمليات "توازن الردع" الثماني، و"عمليات كسر الحصار" الثلاث في العام 2022 والقائمة تطول، قائمة كشفت هشاشة المنظومة الدفاعية الأميركية والإسرائيلية والفرنسية واليونانية...إلخ، وبيّنت هشاشة النظام السعودي، وحجمه الطبيعي في الميزان الإقليمي والدولي، وكيف تحوّل من أسطورة إلى مسخرة على لسان كل خصوم أميركا، وأثبتت بالتجربة الحسية الملموسة أن المتغطي بأميركا عارٍ.
اليوم، بعد ثماني سنوات، تدرك الرياض عواقب سوء التقدير، وكيف أن أميركا أدارت لها ظهرها، وعجزت عن حمايتها، وترى كيف تحوّل اليمن من قوة محلية، ومن اللادولة، واللاجيش واللامؤسسات، إلى قوة إقليمية، بدولة قوية وجيش قوي قادر ومقتدر على فرض المعادلات داخل اليمن وخارجه، ومن أبرز تلك المعادلات ما فرض عقب الهدنة من معادلة حماية الثروة ومنع سرقة النفط والغاز اليمنيين ونهبهما، بل باتت اليمن بما كشفته من قدرات صاروخية، وقوات جوية، وسلاح جوي، وقوات بحرية قادرة على استهداف أي نقطة في العمق الاستراتيجي لدول العدوان، بل أصبحت قادرة على استهداف أي نقطة في البحر وصولاً إلى ميناء إيلات، وباتت السعودية وأميركا و"إسرائيل" تخشى صنعاء التي دخلت مرحلة مرعبة لكل أطراف التحالف المعلنة وغير المعلنة.