العراق ينقذ لبنان من "الظلام الدامس" دون مستحقات مالية.. ما قصة المبالغ الموجودة بذمة بيروت؟
انفوبلس/ تقرير
على الرغم من عدم تسديد المستحقات المالية المترتبة بذمتها إلى العراق للسنة الثانية على التوالي، وافق رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، على استمرار تزويد لبنان بالفيول العراقي، وسط وعود بلقاء "مرتقب" بين الحكومتين العراقية واللبنانية لحل القضية العالقة بين البلدين.. فما قصة المبالغ الموجودة بذمة بيروت؟
وقّع العراق ولبنان، 24 يوليو (تموز) 2021 في بغداد، اتفاقاً لتبادل الطاقة، يمنح العراق بموجبه، لبنان الذي يمر بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، مادة زيت الوقود الثقيل، مقابل "خدمات وسلع"، وفق ما جاء في بيان لرئاسة الوزراء العراقية آنذاك.
*رسالة شكر لبنانية الى العراق
شكر رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، اليوم الخميس 11 تموز/يوليو 2024، نظيره العراقي لاستجابته لطلب تزويد لبنان بكمية من الفيول المستخدم في تشغيل محطات الطاقة الكهربائية بالبلاد.
وقال ميقاتي، "أشكر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي لم يتردد نتيجة اتصالي معه أمس، في أن يوعز باستمرار تزويد لبنان بالفيول العراقي"، معتبرا أن "هذه وقفة أخرى تجاه لبنان"، كاشفا أنه اتفق مع السوداني على لقاء قريب في بغداد بعد انتهاء مراسم عاشوراء، لمتابعة هذا الملف، وللعمل من أجل المزيد من التعاون.
يأتي ذلك، عقب تحذير وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية وليد فياض يوم أمس، من أنه إذا لم تعالج مشكلة تمويل شحنات الفيول العراقي سريعا، فسيدخل لبنان في "عتمة شاملة"، إذ إنه للشهر الخامس على التوالي لم يحوّل مصرف لبنان ثمن شحنات "الفيول" إلى حساب الحكومة العراقية لديه، وهو ما دفع شركة تسويق النفط العراقية "سومو" إلى إيقاف تفريغ بواخر الوقود.
وقال أيضاً وليد فياض: "لبنان قد يصبح مكشوفًا ماليًّا أمام العراق، إذ إن الأموال المستحقة لشحنات الوقود العراقي لم تحوَّل للسنة الثانية على التوالي"، لكنه اليوم الخميس أكد أن الحكومة العراقية وافقت على تفريغ شحنة "الفيول" على الرغم من عدم تسديد لبنان المستحقات المالية المترتبة بذمتها الى العراق.
والفيول مزيج من الزيوت التي تبقى في وحدة تكرير النفط بعد التقطير (وقود ثقيل) ويحرق في الفرن أو المرجل لتوليد الحرارة أو لتوليد الطاقة الكهربائية أو الحركية.
وتعود أزمة الكهرباء في لبنان إلى أكثر من 3 عقود، لكنها استفحلت إثر الانهيار المالي قبل 4 سنوات، وعجزت الحكومات المتعاقبة عن توفيرها بشكل يمكن الاعتماد عليه. كما أن الأسر اللبنانية على الرغم من وعودها بإمدادات موثوقة بالكهرباء لأكثر من عقد من الزمن، لا تزال تواجه انقطاعات يومية في التيار الكهربائي وتضطر إلى دفع اشتراكات باهظة الثمن وملوثة لمولدات الديزل.
*مبالغ طائلة بذمة بيروت
تقول صحيفة "The National" الصادرة من الإمارات في تقرير ترجمته شبكة "انفوبلس"، إنه بعد مرور ثلاث سنوات على توقيع الاتفاق، لم يدفع لبنان بعد للعراق ثمن النفط الذي حصل عليه، وذلك لأسباب من بينها أن هناك بعض الشروط غير الواضحة في الاتفاقية، فالعقد المبرم بين الطرفين ينص على أن يودع لبنان أموالاً في حسابه بالدولار ويمكن للعراق سحبه بالليرة اللبنانية لإنفاقه (داخل السوق اللبنانية) على "السلع والخدمات"، مثل الخدمات الطبية. موضحة، إن أسعار الصرف التي سيحصل بها العراق على الأموال بالليرة، وأيضاً طبيعة الخدمات التي سيحصل عليها، ليست واضحة.
وتوضح الصحيفة، إن العراق لم يتمكن حتى الآن من الوصول الى ما قيمته 550 مليون دولار من السلع أو الخدمات، وهي قيمة واردات العام الأول، المودعة في البنك المركزي اللبناني، لافتة الى أن الصفقة تجعل لبنان معتمداً على النفط الخام إذ يقوم باستبدال النفط العراقي الثقيل بزيت الغاز وزيت الوقود منخفض الكبريت، بدلاً من البدائل الأرخص مثل الغاز الطبيعي، أو مصادر الطاقة المتجددة النظيفة.
وعلى الرغم من هذه القضايا، تشير الوثائق الجديدة إلى أن لبنان يخطط للاعتماد على تجديد صفقة الوقود العراقية لإمداداته من الطاقة حتى عام 2028 على الأقل، بحسب الصحيفة.
وبحسب وثائق خطة الطوارئ الوطنية لقطاع الكهرباء في لبنان، والتي أعدَّتها وزارة الطاقة، وشركة "كهرباء لبنان" الحكومية، فإن الشركة تعتزم زيادة حجم الصفقة مع العراق الى 772 مليون دولار سنويا، لتعزيز الطاقة الإنتاجية من 4 ساعات يوميا الى 8 ساعات يوميا بحلول العام 2028.
هذه التقديرات تظهر أن الفاتورة المستحقة للعراق سترتفع إلى 5.45 مليارات دولار بحلول العام 2028، وهذا الوضع سيجعل لبنان معتمداً بشكل أساسي على الوقود الأحفوري، وسيبقى في الوقت نفسه عاجزاً عن توفير الكهرباء على مدار 24 ساعة للمواطنين، بحسب الصحيفة التي أكدت أنه بموجب شروط العقد، فإن أمام لبنان سنة واحدة لدفع ثمن كل شحنة وقود، إلا أنه بعد مرور 3 سنوات على توقيع الصفقة، لم يتلق العراق أي شيء.
وإن لبنان يدين بالفعل للعراق بنحو 1.59 مليار دولار مقابل ملايين الأطنان من الوقود الذي استورده منذ العام 2021، وفقا لأرقام وزارة الطاقة والمياه، حيث يحتوي الحساب البنكي المخصص للعراقيين في مصرف لبنان على 550 مليون دولار، تمثل قيمة واردات السنة الأولى، لكن لم تتمكن الحكومة العراقية حتى الآن من الوصول إلى الأموال المقومة بالدولار، وفقا للصحيفة.
وفيما يتعلق بـ "السلع والخدمات" التي من المفترض أن يحصل عليها العراقيون في لبنان بهذه الأموال، فإنه لم يتم تحديدها بعد، ولم يحصل العراق على أي منها إلى الآن، على الرغم من التقارير الإعلامية عن تقديم الخدمات الطبية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في وزارة الصحة العراقية قوله إن: الخدمات الطبية على الورق فقط ولم يحدث شيء في هذا المجال.
وبينما قالت الصحيفة إن الخبراء أعربوا عن قلقهم إزاء آثار الصفقة العراقية على مستقبل أمن الطاقة في لبنان، نقلت الصحيفة عن الباحث في معهد عصام فارس في الجامعة الأمريكية في بيروت مارك أيوب قوله محذرا من الاكتفاء بالاعتماد على الوقود العراقي، مضيفا "ربما تقرر الحكومة العراقية يوما ما وقف العقد، ما البديل الذي لدينا؟".
وخلصت الصحيفة إلى أن الحكومة اللبنانية تراهن على ما يبدو على حسن علاقاتها الدبلوماسية مع العراق بما يمكنها من تخطي أي خلافات مالية محتملة، حيث تعتمد خطة الطوارئ المطروحة حالياً، على فرضية أن العقد العراقي سيتم تجديده.
في يوليو/ تموز 2021، وقّع العراق اتفاقية مع لبنان تقضي بمدّ بيروت بمليون طن من زيت الوقود عالي الكبريت اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، على أن يوفر لبنان، بما يعادل قيمة الصفقة، احتياجات بغداد من الخدمات والسلع المتوافرة في بيروت، وفق البيانات التي اطّلعت عليها "انفوبلس".
الاتفاقية التي مُدِّدَت مرّتين خلال 2022 و2023 تنصّ على استيراد لبنان مليون طن من زيت الوقود عالي الكبريت لمدة سنة، ويُستَبدَل عبر مناقصات شهرية (بين 75 ألفًا و85 ألف طن) لصالح مؤسسة كهرباء لبنان.
وكان مجلس الوزراء العراقي قد وافق على تجديد اتفاقية التزويد بالوقود مع لبنان بشروطها الحالية لسنة ثالثة بداية من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مع زيادة الكميات لتتضمن تزويد لبنان بمليوني طن من النفط الخام، و1.5 مليون طن من زيت الوقود عالي الكبريت، لمدة عام.
وبموجب اتفاقية الوقود، فتح العراق حسابًا في "مصرف لبنان" مقابل المحروقات، يُدار من قبل وزارة المالية العراقية، لشراء خدمات داخل لبنان بالليرة اللبنانية.