الفلسطينيون يوثقون بدقة أدلة الإبادة الجماعية في مجمع الشفاء.. جثث مكبلة ومتفحمة والدود يخرج من جروح المصابين
انفوبلس/ تقرير
بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من داخل مجمع الشفاء الطبي ومحيطه غربي مدينة غزة، تناقل رواد منصات التواصل الاجتماعي صوراً "صادمة" من محيط المجمع التي بدأت تنتشر على المنصات فجر اليوم الاثنين، بعد عملية اقتحام وحصار لنحو أسبوعين.
يسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على الجرائم "الوحشية" التي خلّفها جيش الاحتلال الصهيوني في مجمع الشفاء
نشر ناشطون مقاطع فيديو عبر حساباتهم على منصات التواصل تظهر حجم الدمار الذي لحق بالمجمع الطبي ومحيطه، كما أظهرت مقاطع أخرى انتشار جثث متفحمة لشهداء في الشوارع والطرقات المحيطة بمجمع الشفاء الطبي، وبحث الأهالي عن جثث ذويهم في مقبرة الشفاء بعد تجريفها.
ووثقت عدسات النشطاء مشهدا مؤثرا يظهر لحظة لقاء سيدة بابنتها التي كانت تعمل داخل مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، بعد أن حوصرت داخل المستشفى لمدة أسبوعين.
ومع انتشار الصور، سادت حالة من الغضب والصدمة بين جمهور منصات التواصل، وقال الصحفي حسام شبات في تدوينة له عبر منصة إكس "لم أكن أتصور حجم هذا الدمار والجرائم، نبش القبور داخل المجمع وإعدامات بحق المواطنين والكادر الطبي، وما شكَّل لي صدمة هو دهس الجثث بالدبابات والتنكيل بها".
ووصف أحدهم المشهد من مجمع الشفاء ومحيطه بالقول، إن "جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجازر بحق عائلات كاملة في المنطقة، وأن هناك جثثاً متحللة وجثثاً محروقة وأخرى تم دفنها"، مشيرا إلى أن مجمع الشفاء الطبي يُعد الأكبر في فلسطين وتم تدميره وحرقه من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي خلال عملية الانسحاب.
وعلق بعض المتابعين على المشاهد القادمة من مجمع الشفاء الطبي، إن جنود الاحتلال ضمنوا أنه لن يتحرك أحد ولن يوقفهم أحد وأن كل شيء مستباح، لذلك حرقوا المجمع بشكل كامل، وقتلوا الجرحى ودفنوهم مكبلي الأيدي ونبشوا القبور وحاصروا الأطفال والنساء والمرضى.
وقال مغردون، إن الاحتلال الإسرائيلي يشن حرب إبادة ضد أهالي غزة منذ 6 أشهر، وطالبوا شعوب العالم بالتحرك لوقف الحرب الإسرائيلية على القطاع بعد أن فقدوا الأمل من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان.
ونشرت صفحات محلية فلسطينية مقطع فيديو لعبارات كتبها المحاصرون على جدران مجمع الشفاء الطبي بغزة خلال اجتياح جيش الاحتلال للمنطقة، وكتب صاحب العبارة "لقد حضنت الموت عشقاً، من حصار مجمع الشفاء الطبي لليوم الثامن على التوالي، 25/3/2024".
وفي السياق نفسه، قال الناطق باسم الدفاع المدني في غزة الرائد محمود بصل، إن هناك نحو 300 شهيد في مجمع الشفاء ومحيطه بعد انسحاب قوات الاحتلال، وإن قوات الاحتلال أعدمت مواطنين مكبلي الأيدي.
وأضاف البصل، إن القوات الإسرائيلية أحرقت أقسام مستشفى الشفاء، ودمرت كل الأجهزة والمستلزمات الطبية فيه.
ومن جهتها، قالت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، إن الجيش قتل 200 واعتقل 500 آخرين واحتجز نحو 900 للتحقيق خلال عمليته بالمجمع الطبي ومحيطه.
*ممر إنساني
وقبل ساعات من انسحاب قوات الاحتلال، دعا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إسرائيل، إلى فتح ممر إنساني إلى المجمع وتسهيل الوصول إليه بشكل عاجل حتى تتمكن المنظمة وشركاؤها من إجلاء المرضى وإنقاذهم.
وأشار غيبريسوس إلى، أن 21 مريضا لقوا حتفهم منذ بدء حصار مجمع الشفاء في 18 مارس/ آذار الجاري. وقال إن هناك 107 مرضى في مبنى غير ملائم داخل المجمع يفتقرون إلى الرعاية الطبية والإمدادات اللازمة، ومن بين هؤلاء 4 أطفال و28 مريضاً في حالة حرجة، وقد أُصيب بعض المرضى بالتهاب الجروح، خاصة في ظل شح المياه لتنظيفها، كما لا توجد حفاضات أو أكياس بول.
وأضاف مدير منظمة الصحة العالمية، إنه منذ السبت لم تتبقَّ سوى زجاجة مياه واحدة لكل 15 شخصا، كما انتشرت الأمراض المعدية بسبب الظروف غير الصحية ونقص المياه.
في المقابل، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إنه وثَّق إعدام جيش الاحتلال الإسرائيلي 13 طفلا فلسطينيا في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه في مدينة غزة، في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني.
وأضاف المرصد، إن تلك الأفعال تشكل "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قائمة بحد ذاتها، وتأتي في سياق جرائم القتل التي ترتكبها إسرائيل تنفيذا لجريمة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة".
ووفق المرصد، فإن جيش الاحتلال ارتكب وما يزال جرائم مروعة بشكل منهجي خلال عملياته العسكرية منذ أكثر من أسبوعين داخل مستشفى الشفاء ومحيطه، بما في ذلك عمليات قتل عمد وإعدام خارج نطاق القانون ضد مدنيين فلسطينيين.
وأفاد المرصد، أن فريقه الميداني تلقى إفادات وشهادات متطابقة بشأن جرائم إعدام وقتل بحق أطفال فلسطينيين تتراوح أعمارهم ما بين 4 و16 عاما، بعضهم أثناء محاصرتهم من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي مع عوائلهم داخل منازلهم، وآخرين خلال محاولتهم النزوح في مسارات حددها لهم جيش الاحتلال مسبقا، بعد أن أجبرهم على النزوح من منازلهم وأماكن سكنهم.
وقال "إسلام علي صلوحة"، من سكان محيط مستشفى الشفاء، إن قوات إسرائيلية قتلت نجله الطفل "علي" (9 سنوات)، والطفل "سعيد محمد شيخة" (6 سنوات) أمام أعين عائلتيهما وسكان المنطقة بعد استهدافهما بالرصاص الحي بشكل متعمد.
وكان الجيش الإسرائيلي بدأ فجر 18 مارس/ آذار عملية عسكرية شاملة حوّل بموجبها مجمع الشفاء الطبي إلى ثكنة عسكرية، والمنطقة المحيطة والشوارع المؤدية إليه إلى منطقة عسكرية وساحة حرب.
وحثَّ المرصد الأورومتوسطي، مقرر الأمم المتحدة الخاص، المعني بالإعدامات التعسفية أو خارج نطاق القانون والقضاء، إلى التحرك العاجل للتحقيق والتوثيق فيما ترتكبه القوات الإسرائيلية المحتلة من عمليات قتل في مجمع الشفاء ومحيطه.
وذكّر المرصد بضرورة ضمان حماية الأطفال الفلسطينيين الذين يتعرضون لخطر أكبر، وممن باتوا لا يتمتعون بأي نوع من أنواع الحماية المقررة لهم بموجب القانون الدولي.
*جنود الاحتلال عذّبوا الأطباء والدود خرج من جروح المصابين
تحدّث ناجون، الإثنين 1 أبريل/ نيسان 2024، عن أهوال حصار مجمع الشفاء الطبي والمناطق المحيطة به، على مدار 14 يوماً.
الممرض لؤي أبو عاصي، الذي ظل بالمستشفى طوال فترة اقتحامه، قال إنه كان يعمل في مبنى الجراحات التخصصية بمجمع الشفاء الطبي عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية المستشفى بشكل مفاجئ عند الساعة 2:00 (12:00 ت.غ) بعد منتصف الليل في تاريخ 18 مارس/ آذار الماضي.
أبو عاصي أضاف: "قبل اقتحام المستشفى تم استهداف غرفة في مبنى الجراحات التخصصية بشكل مباشر واستشهد بعض النازحين وأصيب عدد من الطواقم الطبية بعد ذلك تم اقتحام بوابة المستشفى وحصار جميع مبانيه من القوات الإسرائيلية بشكل كامل".
وتابع قائلاً: "عندما حاصرت قوات الجيش مباني المستشفى نادوا علينا وأبلغنا الجنود بأن المكان محاصر وحذرونا من التحرك أو الوقوف أمام النوافذ".
وأوضح: "مكثفنا 24 ساعة لم يتحرك أحد من المبنى وكان الرصاص ينهمر على المبنى من جميع الأماكن وقطعوا الاتصالات عنا بشكل كامل والكهرباء ولم يكن هناك مياه أو طعام".
فيما أشار إلى أنه "في اليوم التالي طلبوا من النازحين المتواجدين في المبنى الخروج منه فخرج الرجال أولاً ثم النساء وكانت قوات الجيش تعتقل العشرات من هؤلاء النازحين وتفرج عن البقية وتطلب منهم مغادرة المستشفى إلى جنوبي قطاع غزة".
الممرض لفت إلى، أنه "بعد ذلك بدأ الجيش بالتعامل مع الطواقم الطبية فطلبوا منا الخروج من المبنى واعتقلوا عدداً من الأطباء وأجبروهم على نزع ملابسهم وقاموا بتعذيبهم بساحة المستشفى".
وفق الممرض أبو عاصي، "تم نقل بقية الأطقم الطبية والمرضى من مبنى الجراحات إلى مبنى الاستقبال والطوارئ وهناك تركوهم يومين بدون مياه أو طعام ومنعوا عنهم الدواء أو إدخال أي أدوات طبية لهم".
وقال: "بعد ذلك كانوا ينادون علينا بالاسم ويأخذون كل واحد منا ويحققون معه ويجبرونه على نزع ملابسه"، مشير إلى أنه "تم اعتقال عدد من النازحين والأطقم الطبية، وآخرون تم قتلهم وهناك أشخاص لا نعرف إن كان الجيش اعتقلهم أم قتلهم فهم مفقودون حتى اللحظة".
في إفادته، ذكر أبو عاصي أن الجيش الإسرائيلي اعتقله لمدة 12 ساعة وحقق معه واعتدى عليه الجنود بالضرب قبل أن يتم الإفراج عنه واحتجازه مع بقية المرضى والأطقم الطبية في مبنى "الأمير نايف" في المستشفى.
حيث تابع: "مكثنا في مبنى الأمير نايف 5 أيام بدون طعام أو دواء، والمرضى كانوا لا يستطيعون التحرك وبعضهم لديه شلل كامل".
وأشار إلى أن جروح المصابين تعفنت وخرج منها الدود؛ بسبب عدم تمكننا من توفير أي رعاية طبية لهم.
الممرض الفلسطيني قال: "قوات الجيش نقلتنا بعد ذلك إلى مبنى آخر في المستشفى، وبدأت بإدخال كميات ضئيلة من الطعام والمياه لنا. كميات الطعام التي كان من المفترض أن تخصص لشخص واحد كان الجيش يطلب منا توزيعها على 20 شخصاً. المرضى كانوا يصرخون من الألم والجوع وبعضهم فارق الحياة".
من جانبه، تحدث الفلسطيني حسن محمود المنسي، وهو مصاب كان يتلقى العلاج في المستشفى قبل اقتحامه من القوات الإسرائيلية، عن حجم الرعب والتعذيب الذي عاشوه على مدار أسبوعين.
المنسي قال: "اقتحم الجيش الإسرائيلي المستشفى عند الساعة 2:00 (12:00 ت.غ) كان إطلاق نار وقصف متواصل في تلك اللحظات".
في حديثه أضاف: "نقلونا من مبنى الجراحات إلى مبنى الاستقبال والطوارئ وكان كل شخص يمر من أمام كاميرات للجيش ويتم التحقيق معه وسؤاله عن اسمه كاملاً".
كما أشار إلى أنه بعد يومين تم نقلهم مجدداً من مبنى الاستقبال والطوارئ إلى مبنى "الأمير نايف"، وهناك أيضاً تم تصويرهم واعتقال عدد من المرضى والكوادر الطبية وبعض النازحين.
وأوضح أنه بعد يومين تم نقلهم إلى مبنى آخر قبل أن تنسحب القوات الإسرائيلية من المستشفى فجر اليوم الإثنين.
أما الفلسطيني عبد الفتاح الزهارنة، الذي يقطن بجوار مستشفى الشفاء، فقال: "كنا نرى الناس وهم يُقتلون أمام أعيننا. الجثث كانت ملقاة بالشارع والجرافات الإسرائيلية كانت تجرفهم"، مضيفاً: "الوضع كان كارثياً، لم يكن هناك حتى المياه".
شاب فلسطيني آخر كان يقطن في ذات منزل الزهارنة، قال: "حسبي الله ونعم الوكيل. أخي أُصيب بصاروخ إسرائيلي"، وتابع: "لا مياه ولا طعام. كان هنا موت ودمار. كنا نشرب مياهاً ملوثة".
أعلنت وزارة الصحة في غزة امس، ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي، المتواصل على القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى 32 ألفا و782 شهيدا، و75 ألفا و298 مصابا.
وقالت الوزارة إن الاحتلال ارتكب 8 مجازر في القطاع المحاصر راح ضحيتها 77 شهيدا و108 مصابين خلال 24 ساعة الماضية.
وأوضحت أن عددا من الضحايا مازالوا عالقين تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
وقال المكتب، إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجزرة جديدة بقصف خيام صحفيين ونازحين داخل أسوار المستشفى، محملا الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي والاحتلال المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم المستمرة.