باكستان بذكرى استقلالها الـ68.. أسسها شيعة وزعزعتها طالبان والبلوش وساندتها إيران.. كيف حكمتها عائلة بوتو بعد محمد علي نجاح؟
انفوبلس/ تقارير
تصادف اليوم الذكرى الثامنة والستون للاستقلال الفعلي لجمهورية باكستان التي تُعد جمهورية سُنية بغالبيتها لكن مؤسسيها كانوا من الشيعة أمثال محمد علي نجاح وميرزا اسكتدرا ويحيى خان وعائلتي بوتو وزرداري. شبكة انفوبلس سلّطت الضوء على هذه المناسبة وتناولت أبرز محطات هذه الذكرى وحجم التأثير الشيعي في هذه الجمهورية.
*ماذا يعني الاستقلال؟ ومِن مَن؟
المقصود بيوم استقلال باكستان هو اليوم الوطني الذي تم فيه إعلان قيام باكستان دولةً مستقلة من دول رابطة الشعوب البريطانية (الكومنولث)، بفارق يوم واحد عن جارتها يوم استقلال الهند، وقد أصبح محمد علي جناح الذي يعتبر مؤسس باكستان أول رئيس حكومة في تاريخ البلاد.
يرى مؤيدو فكرة استقلال باكستان عن الهند أّنها خلّصت المسلمين الهنود من تعصّب الهندوس المتطرفين، وتحكُّمهم في رقاب المسلمين، ويأتي في مقدمة هؤلاء الشاعر والأديب العالمي محمد إقبال الذي كان يؤيد فطرة إنشاء وطن قومي خاص بالمسلمين في القسم الشمالي من شبه القارة الهندية.
*حكم محمد علي جناح
وكأول حاكم عام لباكستان، عمل جناح على تأسيس حكومة وسياسات للدولة الجديدة، ومساعدة الملايين من المسلمين الذين هاجروا من الهند إلى باكستان بعد التقسيم، والإشراف شخصيا على إنشاء مخيمات للاجئين.
توفي جناح في سبتمبر 1948 عن عمر ناهز 71 سنة، وقد رحل تاركا إرثا عظيما واحتراما في باكستان، على الرغم من أن النظرة إليه في الهند ليست بالجيدة. ووفق كاتب سيرته، ستانلي ولبرت، فإنه لا يزال أعظم قائد في باكستان.
*ما بعد نجاح.. عائلة بوتو وحكم باكستان
وبالحديث عن باكستان ما بعد نجاح محمد علي، فقد سلّطت شبكة انفوبلس الضوء على أهم العائلات التي حكمت البلاد ومن أبرزها عائلة بوتو وهي عائلة شيعية سياسية بارزة ومن بين أقوى العائلات في باكستان تعيش في مقاطعة السند.
لعبت عائلة بوتو دورًا بارزًا في السياسة والحكومة الباكستانية. تولّت الأُسرة قيادة حزب الشعب الباكستاني منذ إنشائه في عام 1967.
عائلة بوتو هم سنديون راجبوت الأصل، استقرت بوتو في إقليم السند منذ أكثر من قرن.
وصل اثنان من عائلة بوتو للحكم وهما: ذو الفقار وبينظير بوتو، في حين عمل آصف علي زرداري زوج بينظير كرئيس لباكستان من 2008 إلى 2013.
*دولة نووية إسلامية.. ماذا تعرف عن باكستان بهذه المناسبة؟
باكستان هي الدولة النووية الإسلامية الوحيدة التي التزمت في العقد الأخير سياسة المدافعة عن حق ايران في إنتاج الطاقة النووية. لدرجة أنّ السفارة الباكستانية هي التي ترعى المصالح الإيرانية في الولايات المتحدة. كما أن كلمات النشيد الباكستاني وُضعت بحيث تكون مطابقة للغتين في وقت واحد: الأوردو والفارسية.
*دولة سنية بثلاثين مليون شيعي.. كيف؟
تبدو باكستان من بعيد دولة سنية أكثر مما هي بالفعل لكن اللافت أن فيها نحو ثلاثين مليون شيعي، معظمهم يتبعون المذهب الاثني عشري (ثاني أكبر تجمّع للإمامية بعد إيران) مع أقلّيتين إسماعيليتين كبيرتين.
كما أن مؤسس الدولة محمد علي جناح، الملقب بـالقائد الأعظم أو أبي القوم، شيعي إسماعيلي من حيث الولادة، ومعتنق للمذهب الاثني عشري لاحقاً. بعض من اصرار جناح على تصور انصهاريّ للأمة الباكستانية - وهو تصوّر أدّى في نهاية الأمر الى انفصال باكستان الشرقية عن الغربية وإعلانها كبنغلاديش - يرجع الى رغبته الحادة في طمس الثنائية المذهبية السنية ـ الشيعية.
*مؤسسون شيعة
لم يكن جناح هو الحاكم الشيعي الوحيد، فمن حكم بعده كاسكندر ميرزا ويحيى خان كانوا من الشيعة أيضا.
أما عائلة بوتو السندية فقد غلب عليها ذات يوم التشيّع، ثم اختار ذو الفقار علي بوتو التسنّن، استشعاراً بتصاعد الموجة الاسلامية. وزوجته نصرت، أم بنازير بوتو، شيعية ايرانية من القومية الكردية، وهي تولَّت قيادة حزب الشعب الباكستاني بعد إعدام الجنرال ضياء الحق لزوجها الى أن سلّمت الدفّة لابنتها. المغدورة بنازير كانت تحب أن تردّد، بأنها من أب سنيّ وأم شيعية.
*كيف ازدادت نسبة الشيعة في باكستان؟ ولماذا؟
مع انفصال بنغلاديش، صارت نسبة الشيعة من السنّة في باكستان أكبر، إلا أنّ الفترة نفسها شهدت ما يوصف بالمنعطف السنّي، وخصوصاً مع الجنرال ضياء الحق، وهنا تتقاطع عدّة عوامل. منها، قوّة الحركة الاسلامية داخلياً التي استطاعت أن تدفع ببوتو عام الى اعتبار الجماعة الأحمدية غير مسلمة، ولم يكن ذلك من دون تأثير عربي. وفي المقابل، أتت الثورة الايرانية من ناحية والاجتياح السوفياتي لأفغانستان ليعزّزا الميل السنّوي.
لم يدفع هذا باتجاه التصادم مع إيران. مرّت طبعاً أزمات عديدة، لكن بمحصّلة ثلاثة عقود يمكن وصف العلاقات بين البلدين بالإيجابية. ليس ما يقارن بالتوترين بين إيران وجوارها السني العربي أو بين إيران وجارتها الشيعية آذربيجان.
*طالبان والبلوش وشيعة باكستان
ساهم حكم الطالبان لأفغانستان في مرحلة صعبة من العلاقات بين إيران وباكستان، ثم عادت المياه الى مجاريها نوعاً ما، الى أن بدأ التدهور من جديد قبل عامين، مع وصول نواز شريف الى السلطة وإيثاره التحالف مع بلدان الخليج، مع تحسّس سلبي لتنامي العلاقات بين الهند وكل من إيران وإسرائيل.
وكان المؤشر السلبي اقتصادياً تعثر مشروع خط أنابيب الغاز الذي كان يفترض أن يمتد من داخل ايران الى القرب من كراتشي في مرحلة اولى، والى الهند في مرحلة ثانية، وإيران تتهم الدول العربية بأنّها أوقفت المشروع.
وفي ذات الوقت، يتعرّض شيعة باكستان لهجمات دامية من الجماعات التكفيرية بشكل روتينيّ منذ سنوات، وكان لإيران دور كبير في تأمين الحدود بين البلدين لمواجهة المشكلة البلوشية والجماعات السنية الانفصالية.
التوتّر الحدودي في الأشهر الماضية كان مقلقاً. فبعد سنوات من المد والجزر في التعاون بين إيران وباكستان ضد المتمرّدين البلوش، وجّه المسؤولون الايرانيون الاتهامات بشكل تصاعدي الى إسلام أباد بغض الطرف عن جماعة جيش العدل السائحة بين بلوشستان الباكستانية وتلك الايرانية. ووصل الامر بالإيرانيين الى التلويح بإمكان بعث قوات مكافحة إرهاب الى داخل باكستان وفق الاتفاقية الامنية بين البلدين.
*مستوى التأثير الشيعي في باكستان
تبلغ نسبة المسلمين في باكستان 97% والباقي من الهندوس والمسيح والبوذيين وقليل من السيخ والشيوعية، وأغلب المسلمين من أهل السُنّة ونسبتهم 74% من أتباع المذهب الحنفي (بريلونان) والباقي من الشيعة. والمتفحص لأوضاع المسلمين في هذا البلد يجد أغلب المذاهب والطرق، فمن المذاهب الحنفيّة والمالكية والشافعية والشيعة والزيدية والإسماعيلية، وأما الطرق فالنقشبنديّة والقاديانية والقادريّة والميرزائيّة والبريلويّة وجكرالوي والبهرة الإسماعيلية والبهرة الأصولية والنوربخشيّة وغيرها.
يشكّل الشيعة في هذا البلد نسبة الربع تقريباً من العدد الكلي للسكان وينتشرون في كل مناطق البلاد مثل لاهور ومولتان وجهنك وفيصل آباد وكراچي وإسلام آباد وحيدر آباد وجكوال وراولبندي، وأن الأكثرية الذين يقطنون شمال البلاد هم من الشيعة حيث تبلغ نسبتهم في بالتستان وكَلكَت 80%.
تجدر الإشارة إلى قِدَم التشيّع في باكستان فيؤرخ منذ القرن الثامن الهجري وانتشر على أيدي العلماء وكان من أشهرهم نور الله التستري والسيد علي خان كبير صاحب كتاب (رياض السالكين).
وبالرغم من أن نسبة الشيعة في باكستان هي الربع، إلا أن النفس الشيعي له أثر كبير في الحركة السياسية والثقافية الباكستانية، فقد كانت فلسفة النهضة الحسينية مترسخة في فكر الشاعر الكبير والفيلسوف الإسلامي السُنّي المذهب محمد إقبال لاهوري ـ المخطط الروحي لاستقلال باكستان من الهند ـ وكان شديد التعلق بأهل البيت (عليهم السلام) وتشهد بذلك قصيدته المشهورة في مدح الزهراء (عليها السلام)، ويذكر أنّ الأموال التي بذلها الشيعة يوم ذاك كان لها الأثر الكبير في الاستقلال وهذا الأمر مشهور معروف في تاريخ باكستان.
وفي الوقت الحاضر، تشهد باكستان حركة كبيرة للاستبصار واعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وقد انتشرت كتب المستبصرين هناك بشكل ملحوظ، ومن أهم أسباب هذا التوجه، هو اتضاح حقّانية هذا المذهب وذلك من خلال المناظرات التي تُقام بين السُنة والشيعة، وكذلك التبليغ الذي يبحث الناس على اتِّباع الأدلة الصحيحة.