تاريخ اعتراف الكيان بامتلاك السلاح النووي.. تعرف على المواقف الدولية تجاه الحيازة غير الشرعية والانحياز الأمريكي لكسر القوانين والمعاهدات الدولية
انفوبلس/..
بعد اعتراف الاحتلال الإسرائيلي بلسان أحد وزراء حكومته، بامتلاكه سلاحاً نووياً وهدَّد باستخدامه، وبطريقة تشكل انتهاك للمبادئ الدولية والسلام العالمي، توالت التصريحات المتحدثة عن امتلاك الكيان لسلاح نووي.
وجاءت التصريحات بعد حديث وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو عن إنهاء الحرب في قطاع غزة بإلقاء قنبلة نووية على القطاع، مما استدعى توالي ردود الفعل على تصريحات الوزير.
وكانت روسيا أولى القوى الدولية التي تتحدث عن تصريحات الوزير الإسرائيلي بإلقاء قنبلة على قطاع غزة، مع تصريح وزارة الخارجية الروسية، أن حديث وزير التراث الإسرائيلي يطرح تساؤلات حول امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية، بينما لم تعلق أي من دول الغرب على تصريحات الوزير الإسرائيلي حتى الآن.
غموض الموقف حول امتلاك السلاح النووي
الكيان الإسرائيلي لا يؤكد رسمياً ولا ينفي امتلاكه سلاحاً نووياً، ولم ينضم إلى معاهدة منع انتشار السلاح النووي، ولا يتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن بعض أنواعها من النشاط النووي.
إلا أن ثمة ترجيحات بأنّ "إسرائيل" تملك نحو 90 رأساً حربية نووياً تعتمد على البلوتونيوم، وأنتجت منه ما يكفي لصنع ما بين 100 و200 قطعة من السلاح، وفق تقديرات مركز الرقابة على الأسلحة ومنع الانتشار الذي يتخذ من واشنطن مقراً له.
هذا وتملك الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي، وهي روسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا، ترساناتها النووية بصورة مشروعة كونها أجرت أولى تفجيراتها قبل تبنّي معاهدة منع انتشار السلاح النووي في عام 1968.
ورغم غموض موقف "تل أبيب" حول امتلاكها السلاح النووي، فإن التصريحات المتطرفة الصادرة عن وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، بشأن إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، تعزز التأكيد على أن "إسرائيل" حرصت على امتلاك مقومات البنية الأساسية النووية منذ قيامها عام 1948 وبدعم غربي.
وعلى مدار حروب سابقة للاحتلال الإسرائيلي، لم يظهر السلاح النووي بشكل مباشر في أي معركة من معاركها، أو حتى التلويح به، والذي كان منعدماً، لكن تقارير دولية تؤكد استخدامها أسلحة محرّمة دولية قد يكون بعضها مرتبطاً بالنووي.
ومع استمرار العدوان الإجرامي الذي تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة منذ الـ7 من أكتوبر، أثار وزير إسرائيلي جدلاً كبيراً إثر دعوته لقصف قطاع غزة "بقنبلة نووية".
وسرعان ما تبرّأ رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، من هذه التصريحات، في الوقت الذي أثار حديث إلياهو غضباً في أوساط أهالي الأسرى المحتجزين في غزة، ولاسيما أن الرجل قال: إن "حياة المختطفين ثمن طبيعي وليست أغلى من حياة الجنود".
التصريح ليس الأول
ولم يكن هذا التصريح هو الأول، فقد سبق أن دعت النائبة في الكنيست، تالي غوتلييف، لاستخدام القوة النووية في قطاع غزة، رداً على هجمات الفصائل الفلسطينية.
النائبة المحسوبة على حزب الليكود، الذي يرأسه نتنياهو، قالت في عدة منشورات على منصة "إكس"، مخاطبةً جيشها: "أحثّكم على القيام بكل شيء، واستخدام أسلحة يوم القيامة، بلا خوف، ضد أعدائنا". مشددةً على، أن (إسرائيل) "يجب أن تستخدم كل ما في ترسانتها".
كما اعتبرت، أن "انفجاراً واحداً يهزّ الشرق الأوسط سيُعيد لهذا البلد كرامته وقوته وأمنه"، وأنه "حان الوقت ليوم القيامة.. حان الوقت لإطلاق صواريخ قوية بلا حدود.. لا تترك حيّاً على الأرض.. سحق غزة وتسويتها بالأرض بلا رحمة".
ترسانة نووية خارج معاهدة منع انتشارها
وعلى ضوء ذلك، انتقدت أطراف دولية هذه التهديدات، وهي انتقادات تنضم إلى انتقادات دائمة على مدار سنوات طويلة من جراء غضّها الطرف عن البرنامج النووي الإسرائيلي وعلى السماح ببقاء "تل أبيب" خارج معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
تثير تلك التصريحات تساؤلات حول" إسرائيل" التي تمتلك قوة تقليدية تجعل جيشها يُصنّف في المرتبة رقم 18 بين أضخم 145 جيشاً في العالم، بينما لا تعترف بامتلاك أسلحة نووية.
ورغم أن حجم الترسانة النووية الإسرائيلية محل تقديرات، فإن معهد استوكهولم يقول، إن "إسرائيل" تضع 50 رأساً نووياً في وضع الإطلاق سواء على متن صواريخ باليستية متوسطة المدى مثل "أريحا - 2" أو عبارة عن قنابل يمكن إسقاطها من الطائرات الحربية المخصصة لهذا الغرض.
أما منظمة اتحاد العلماء الأمريكيين "فاس" فقد قدّرت في تقريرٍ لها لعام 2023، أن "تل أبيب" تمتلك 90 رأساً نووياً يعتمد على البلوتونيوم، وأنتجت ما يكفي من البلوتونيوم لصنع ما بين 100 و200 سلاح.
بينما تُشير تقارير أخرى إلى أنّ حجم ترسانتها النووية يُقدّر بـ200 قنبلة نووية.
حصول الكيان على الأسلحة
ذكرت مجلة "ناشيونال إنترست" أن اهتمام "تل أبيب" بالأسلحة النووية يعود إلى بداية احتلال فلسطين عام 1948 في عهد ديفيد بن غوريون، الذي كان قلقاً من العداء المتواصل الذي واجهته "إسرائيل" من جيرانها العرب وجماعات المقاومة العربية ضد الاحتلال.
واستغلّت "تل أبيب" الفرصة لتحويل هذا الأمر إلى تعاون نووي عام 1956، عندما طلبت "إسرائيل" من فرنسا وبريطانيا تزويدها بالنووي بذريعة التدخل عسكرياً في مصر، فيما يُعرف بالعدوان الثلاثي على مصر أو حرب 1956.
وأُنشئ المفاعل في صحراء ديمونا بمساعدة من فرنسا، وأصبح أساس القوة النووية لـ"إسرائيل"، التي توافقت مع واشنطن لاحقاً لتخفيف الرقابة عليها مقابل عدم الإعلان عن سلاحها النووي رسمياً.
ويُعرف مفاعل ديمونا باسم "IRR-2"، هو مفاعل حراري بقدرة 26 ميغاوات، لكن البعض يعتقد أنّ هذا التقدير أقل من طاقته الحقيقية. ولا يخضع المرفق لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ولا تُعرف تكلفة بناء منشآت ديمونا النووية، لكن من المرجح أن "إسرائيل" دفعت لفرنسا ما لا يقل عن 80 مليون إلى 100 مليون دولار عام 1960. وكان ذلك مبلغاً ضخماً من المال بالنسبة لـ"إسرائيل" في ذلك الوقت.
ووفقاً لموقع "armscontrolcenter" المتخصص برصد الأسلحة النووية، بدأ تشغيل مفاعل ديمونا في ديسمبر 1963، وساعد "إسرائيل" على إنتاج أول سلاح نووي لها بين عامي 1966-1967، على الرغم من عدم تأكيد هذا بتقارير رسمية.
وذكر الموقع، أن وثائق حكومية أمريكية رُفعت السرّية عنها، تُظهر أنه بحلول عام 1975 على الأقل، كانت الحكومة الأمريكية مقتنعة بأن "إسرائيل" تمتلك أسلحة نووية.
وكان أول مرة يتم الكشف فيها عن معلومات بشأن السلاح النووي في الثمانينيات، حين سرّب مهندس إسرائيلي كان يعمل في "ديمونا" معلومات بشأنه.
ولا تزال جميع هذه الأنشطة النووية خارج أية منظومة رقابية دولية ما يهدّد توطيد نظام عدم الانتشار النووي، ونزع السلاح النووي، ويُعد تهديداً للسلم والأمن الإقليمي والدولي.
وترفض "إسرائيل" الكشف عن أنشطتها النووية، والتوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية الدولية، ولا يسمح للوكالة الدولية بالتفتيش على أية منشأة لها، ما يعرّضها للانتقادات بشكل دائم.
وتُصرّ حكومة الكيان الإسرائيلي على إبقاء الغموض يكتنف برنامجها النووي، مع أن كل الشواهد الميدانية والوثائق المختلفة تشير إلى أن "إسرائيل" تمتلك كل المحرمات الدولية من أسلحة دمار شامل، نووياً وكيماوياً وجرثومياً، في وقتٍ يضغط الغرب على دول عربية ودولية كالعراق الذي غزته الولايات المتحدة الأمريكية قبل أكثر من 20 عاماً بحجة امتلاكه للنووي.
الانحياز الأمريكي
تمكنت من بناء قدراتها النووية من خلال طريقين؛ الأول علني عبر التعاون الدولي لبناء التطبيقات السلمية، والثاني سرّي من أجل بناء القدرات العسكرية. خطّ الطريق الأول مساره ضمن برنامج «الذرّة في خدمة السلام» الذي دشّنه الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور عام 1953، والذي أتاح لـ«إسرائيل» بعد عامين من ذلك توقيع اتفاقية ثنائية مع الولايات المتحدة في عام 1955 لبناء مفاعل «ناحال سوريك» ذي الأغراض السلمية. كما تمكّنت "إسرائيل" في ذات العام بعد مشاركتها في مؤتمر جنيف من أجل الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية من رفع السرّية عن معلومات تقنية وعلمية كانت محدودة التداول منذ مشروع مانهاتن.
ولم يكن التعاون الدولي المُعلَن عنه أقل خطورة أو استعمارية من العمل السرّي العسكري؛ فالعلاقات النووية الدولية، العلمية منها والتقنية، كانت وما زالت في صميمها علاقات ما بعد استعمارية بين المتروبول اليورو-أمريكي، ومستعمرات المواد الخام حيث يُستخرج اليورانيوم، ومستعمرات المستوطنين حيث تدخل التكنولوجيا. إن الانتشار النووي الاستعماري في العالم الثالث عدائيّ حتى لو ارتدى لباس السلميّة، وليس أدلّ على ذلك من اعتراف بيرجمان نفسه: "عند تطوير الطاقة النووية للاستخدامات السلمية يصبح لدينا الخيار النووي العسكري، ليس هنالك نوعان من الطاقة الذرية".
وخلال محاولات بالضغط على "إسرائيل" للانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي، نتجت لاحقًا واحدة من أسوأ الانحيازات في تاريخ الدبلوماسية النووية؛ تفاهمات ريتشارد نيكسون-جولدا مائير عام 1969 جاءت هذه التفاهمات بسبب سياسات نيكسون الأكثر سلاسة مع الانتشار النووي في الدول الصديقة خلال الحرب الباردة.
وبموجب هذه التفاهمات توافق الطرفان على سياسة "الغموض النووي" التي تُتيح لإسرائيل إبقاء نشاطاتها سرّيةً، وتصنيع وتركيب الأسلحة النووية على أن تتعهد بعدم إجراء تجارب نووية تفجيرية، وتحت هذا الغطاء الدبلوماسي الأمريكي، تمكنت "إسرائيل" من تطوير قدراتها النووية العسكرية دون أن تُعيق ذلك أية ضغوط سياسية دولية.