تحوّل حاد لشعوب الغرب ضد "إسرائيل".. أكثر من ٦٠% بالمئة لا يدعمونها ودراسات تكشف: هذا تأثير كوربين وغالاوي وساندرز
انفوبلس/ تقارير
في الأيام الأولى التي أعقبت حدث 7 تشرين الأول/ أكتوبر "طوفان الأقصى"، طغت الرواية الصهيونية في الإعلام الغربي، بأن ما حصل "اعتداء إرهابي مرعب ضد مدنييها"، ولكن مع بدء العدوان الصهيوني على غزّة، والمسمى بـ"السكاكين الحديدية"، ودموية الرد ضد المدنيين العُزّل من الأطفال والنساء والعجائز، وتدمير المستشفيات، ومراكز إيواء النازحين، وضرب قوافل الإغاثة الإنسانية، ووصف الناس هناك بــ "الحيوانات البشرية"، بدأ يتشكل الاتجاه الأوسع في الرأي العام في الغرب، وانقلبت الموازين على المستوى الجماهيري، حتى تلاشت سرديات المحتلين وحلفائهم، وبدأت تفقد زخمها، وخاصة في أوساط الشباب الغربي.
*تظاهرات ضخمة
كشفت التظاهرات الضخمة التي شهدتها مدن غربية، مؤخرًا لأجل فلسطين، من واشنطن ونيويورك ولوس أنجلوس وبوسطن الأمريكية، وصولاً إلى تورنتو الكندية، ولندن البريطانية، وبرلين الألمانية، وأمستردام الهولندية، وفي أسكتلندا وأوسلو ومدريد وسيدني وملبورن وروما عن حالة التحول في الرأي العام الشبابي تجاه الثقة بالنخب السياسية الغربية. وهكذا، بدأ يتشكل الزحف المعاند لهيمنة البروبوغندا الإعلامية انتصاراً للشعب الفلسطيني، وحين قوبل الحراك الشبابي ذاك باعتقال بعض منظمي الاحتجاجات كما في الولايات المتحدة الأمريكية، وحظر بعض المظاهرات كما في فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، في تناقض فاضح مع القيم الدستورية الغربية، زادت حدة الاحتجاجات الشبابية، ولم يعد الهدف الانتصار لقضية فلسطين فقط، وإنما خرجوا بالآلاف باحثين عن القيمة، وباحثين عن الغرب، وعن مكانة الأخلاق والإنسان فيه، بعد ما رأوا كيف تغيرت تلك المعايير والمبادئ الإنسانية بين ليلة وضحاها.
*انتكاسة الإعلام الغربي "التقليدي" في نظر الجيل الجديد
أسهم انحياز قنوات ومراكز إعلامية بارزة مثل CNN الأمريكية، وBBC البريطانية، وفرانس 24 الفرنسية، بالإضافة لمراكز وصحف إعلامية، ومؤسسات أكاديمية وثقافية أمريكية وأوروبية، لصالح الهجمات الإسرائيلية، في انكفاءٍ أوسع عنها كمصادر موثوقة للأخبار في نظر شباب الغرب، وأظهرت استطلاعات للرأي في بريطانيا، بعد عشرة أيام من بدء الحرب الإسرائيلية على غزّة، بأن نسبة تعاطف الشباب الجامعي مع الفلسطينيين يزيد عن أربعة أضعاف الشباب المتعاطفين مع إسرائيل.
وعوضت شرائح واسعة من الشباب الغربي مصادر معلوماتها، من وسائل الإعلام البديلة، والميديا النشطة، كبديل عن وسائل الإعلام التقليدية، التي دخلت في مأزق أخلاقي بشكل علني، وفشلت في تحقيق توازن في التغطية، حيث بدا أنها تحاول ترسيخ الرواية الإسرائيلية في وعي الجمهور الغربي، فمثلاً، تم تثبيت خبر "مقتل 1400 إسرائيلي في 7 أكتوبر" لمدة تزيد عن ثلاثة أسابيع من الحدث في الشريط الإخباري لقناة BBC البريطانية، في الوقت الذي تجاوزت فيه أعداد القتلى من المدنيين الفلسطينيين نحو 10 آلاف قتيل، واستخدمت بي بي سي على حسابها في منصة إكس، وصف "موت فلسطينيين" و"مقتل إسرائيليين"؛ الأمر الذي أثار موجة انتقادات واتهامات، بتعمُّد القناة صناعة رواية منحازة لصالح إسرائيل.
وانتشر فيديو لقناة CNN، يَظهر فيه المخرج، وهو يُوجّه مراسلة الأخبار والمصور عبر الهاتف، بأن يَتظاهرا بأنهما تعرّضا لصواريخ "القسام" عندما يقول للمراسلة: "تلفتي حولك بطريقة تبدين فيها أنك مذعورة"، وهو التظليل الإعلامي نفسه الذي تبناه الرئيس الأمريكي بايدن في أول أيام الحرب بقوله: "حماس تقطع رؤوس الأطفال"، واعتذر بعد فترة.
*اهتزاز الثقة الشبابية في النخب.. هل بدأ تفكيك اللوبيات في الغرب؟
يشير الباحث الأمريكي البارز، جون سميث، إلى أن هناك اعتقادًا شائعًا بين بعض النقاد حول أن الديمقراطية الغربية، قد تحولت إلى أداة للطبقة السياسية والاقتصادية الحاكمة. يقول سميث: "على الرغم من الأفكار الجميلة حول تمثيل الشعب والحكم الشامل، إلا أن هناك مستويات عالية من الفساد والتحيز في هذه النظم، تجعل بعض الناس يشككون في فعالية الديمقراطية".
بدأ الشباب في الغرب، يفتش عن أسباب الانحياز السياسي والاقتصادي والإعلامي الرسمي، وراء الرواية المضللة التي تبثها إسرائيل، وحين بحثنا في الأمر، وجدنا أن أكثر الكلمات المفتاحية التي يبحث عنها في الغرب على محرك البحث جوجل "لوبي"، و"فساد"، و"توحش"، و"الحرية"، ومنها بحث بشكل واسع عن دور منظمة إيباك اليهودية الأمريكية في صناعة القرار السياسي والعسكري والإعلامي الأمريكي.
*الأثر الذي تركه جيريمي كوربن
جيريمي برنار كوربين، هو سياسي بريطاني ورئيس حزب العمال المعارض منذ عام 2015 وحتى عام 2020 وعضو بالبرلمان البريطاني عن دائرة إسلنغتون الشمالية منذ عام 1983.
كوربين هو عضو في حملة التضامن مع فلسطين، ضد الصراع في غزة وما تعتبره الحملة «الفصل العنصري في إسرائيل». في عام 2012 ومرة أخرى في عام 2017، دعا كوربين إلى إجراء تحقيق حول تأثير إسرائيل على السياسة البريطانية.
في اجتماع استضافه ائتلاف أوقفوا الحرب في عام 2009، قال كوربين أنه دعا «أصدقاء» من "حماس" و«حزب الله» إلى الحدث في البرلمان، وأشار إلى حماس على أنها «منظمة مكرسة من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني»، وقال أن قيام الحكومة البريطانية بتصنيف حماس كمنظمة إرهابية هو «خطأ تاريخي كبير للغاية.
في عام 2010 قال كوربين أن بعض الخطب من قبل أعضاء البرلمان البريطاني تكون معدة مسبقا من قبل إسرائيل. وقال أيضا: «أنا متأكد من أن صديقنا (السفير الإسرائيلي) رون بروسور كتبها. لأنها جاءت بنفس الكلمات الرئيسية... العبارات الطنانة مثل: 'حاجة إسرائيل إلى الأمان.' و'التطرف من الناس على أحد الجوانب.' و'وجود مسلحين أتراك على متن السفينة.' جاء ذلك الكلام في كل خطاب.
وعن الأثر الذي تركه، وجدت تحليلات بشأن التغطية الإعلامية المحلية لكوربين بكونها ناقدة أو عدائية تجاهه. ففي يوليو 2016، أظهرت دراسة وتحليلات أجراها أكاديميون من كلية لندن للاقتصاد لمدة شهرين لثماني مقالات صحفية وطنية حول كوربين في وقت انتخابه لرئاسة حزب العمل أن 75% منها إما حُرِفت أو فشلت في تمثيل وجهات نظره الفعلية حول مواضيع معينة.
كما وجد تقرير آخر صادر عن ائتلاف إصلاح الإعلام وكلية بيركبيك في يوليو 2016، استنادًا إلى 10 أيام من التغطية في وقت تقديم استقالات عديدة في حكومة الظل، «اختلالًا ملحوظًا ومستمرًا» لصالح مصادر حاسمة الأهمية بالنسبة له، وكانت صحيفة إنترناشيونال بيزنس تايمز المنفذ الوحيد الذي منحه تغطية مؤيدة أكثر من ناقدة.
وفي أغسطس 2016، أظهر استطلاع للرأي أجرته يوغوف أن 97% من مؤيدي كوربين اتفقوا على أن «وسائل الإعلام الرئيسية ككل كانت تتعمد تطبيق تغطية منحازة لتصوير جيرمي كوربين بطريقة سلبية»، وكذلك 51% من عينة عامة لـ«انتقائية العمال».
جيرمي كوربين: ساسة بريطانيا منحوا إسرائيل ضوءا أخضر لإبادة غزة
وعقب بدء طوفان الأقصى بأيام معدودة، وجّه زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربن انتقادات لاذعة إلى السياسيين البريطانيين، وقال إنهم يعطون ضوءا أخضر لإسرائيل لإبادة قطاع غزة، وأكد أنه على ساسة بلاده أن يكونوا متسقين مع مبدأ حق الجميع في الحياة.
وظهر كوربن على منصة المسيرات التي شهدتها العاصمة البريطانية لندن، ليعلن رفضه قتل المدنيين، مطالبا بإنهاء الحرب والحصار عن قطاع غزة.
وشدد على الحاجة لأصوات تؤيد وقف التصعيد وتدعو للسلام "لكن بدلا من ذلك يعطي قادتنا السياسيون الضوء الأخضر لإبادة القطاع".
*جورج غالاوي
اما جورج غالاوي، فهو سياسي يساري بريطاني ولد عام 1954، ويعتبر من أبرز المناهضين للحرب والاستعمار والصهيونية في العالم. يشغل منصب عضو في البرلمان البريطاني عن دائرة روتشديل، ويعرف بدعمه القوي والمستمر للقضية الفلسطينية.
كما يعتبر من أوائل السياسيين الغربيين الذين زاروا قطاع غزة بعد الحصار الذي فرض عليه منتصف يونيو/حزيران 2007. وهو أيضا كاتب وإعلامي بارز، له العديد من المؤلفات والبرامج التي تناقش القضايا الحيوية والمهمة.
ركز جورج غالاوي في حملته الانتخابية على مناهضة الحرب في غزة، وتوعد بأن تهتز جدران قاعة البرلمان من أجل فلسطين، كما قال في خطاب له أثناء حملته الانتخابية في منطقة روتشديل.
*غالاوي والقضية الفلسطينية
لم يخش في الكثير من المناسبات التعبير عن آرائه، حتى لو كانت تتعارض مع الرأي العام أو سياسات حكومته، مما جعله شخصية مثيرة للجدل في أوساط السياسة البريطانية والدولية.
حتى إنه تعرض إلى اعتداء في 30 أغسطس/آب 2014 وهو نائب في البرلمان البريطاني، عندما هاجمه أشخاص واعتدوا عليه بالضرب وكسروا فكّه، بسبب تصريحاته المساندة للفلسطينيين.
عُرف بكونه من أبرز المؤيدين للقضية الفلسطينية، إذ قاد قوافل شريان الحياة الدولية إلى غزة التي زارها مع ناشطين متضامنين مع القضية، ومنحه القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية الجنسية الفلسطينية عندما كان يشغل منصب رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية بعد انتخابات مارس/آذار 2006.
*بيرني ساندرز
أما عضو مجلس الشيوخ الأميركي بيرني ساندرز فله باع طويل في دعم فلسطين بعيدا عن حكومته، حيث قال بعد معركة طوفان الاقصى، إن الولايات المتحدة متواطئة في الكابوس الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وتزامن ذلك مع تنامي الانتقادات داخل المجلس تجاه مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفي كلمة أمام مجلس الشيوخ، أكد ساندرز أنه يجد صعوبة في فهم سبب عدم تحرك الكونغرس لوقف معاناة الفلسطينيين ومعالجة الكارثة الإنسانية التي يواجهونها في غزة، وقال إن الولايات المتحدة متواطئة في المأساة التي يعيشها ملايين الفلسطينيين.
وفي الكثير من المناسبات، دعا ساندرز الكونغرس مرة أخرى، إلى منع المساعدات العسكرية المقترحة لإسرائيل بمليارات الدولارات.
وكتب ساندرز على منصة "إكس"، "تويتر" سابقا: "اسمحوا لي أن أكون واضحا: لا مزيد من التمويل الأميركي لحرب نتنياهو غير القانونية وغير الأخلاقية والوحشية وغير المتناسبة بشكل صارخ ضد الشعب الفلسطيني".
*نسبة تأييد الشعوب الغربية لفلسطين وفق أحدث استطلاعات الرأي
لعل استطلاعات الرأي تعطي صورة أوضح عن المواقف المتغيرة، والتبدلات الحاصلة في مجتمعات كانت داعمة لإسرائيل بحكم الدعاية التاريخية والسردية الصهيونية المحملة بالمظلومية لليهود.
ففي مايو/ أيار من العام الماضي، أظهرت دراسة أميركية تأييدًا متناميًا للفلسطينيين في أوساط الشبان الأميركيين بنسبة 61% مقابل 56% تأييدًا لإسرائيل، وذلك بين الفئات العمرية التي تتراوح بين 18 و30 عامًا.
الدراسة نشرتها مؤسسة "بيو" للأبحاث تحت عنوان "ارتفاع طفيف في وجهات النظر تجاه إسرائيل والفلسطينيين"، علمًا أن المؤسسة تعتبر واحدة من أكثر مؤسسات الأبحاث مصداقية في الولايات المتحدة، بما يخص استطلاعات الرأي العام.
واستبين الاستطلاع المتضمن في الدراسة فئات اجتماعية أكثر تسيسًا بانتماء حزبي واضح وصريح، فقد وجدت الدراسة أن 64% من الديمقراطيين لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه الشعب الفلسطيني بمقابل 60% للإسرائيليين.
من جانبها، قالت مجلة "إيكونوميست" البريطانية، إن التعاطف مع إسرائيل في حربها على قطاع غزة، يظهر بشكل أكبر في استطلاعات الرأي التي تقوم على معايير علمية، مما يظهره الاتجاه العام على وسائل التواصل الاجتماعي، الذي يغلب عليه تأييد فلسطين بنسبة 3.9 إلى 1، وسط تحول حاد في تأييد إسرائيل بين تاريخ وقوع هجوم حماس في 7 أكتوبر، و19 أكتوبر، بعدما أسفرت الهجمات الانتقامية عن آلاف الضحايا بين المدنيين في غزة.
*خلاصة
أحدثت حرب غزة هزات حقيقية لدى الجيل الجديد في الغرب، وضربت سمعة الدول الغربية "الديمقراطية" نتيجة انحيازها إلى إسرائيل؛ الأمر الذي ألهب النقاش لدى الرأي العام الغربي والعالمي فيما يتعلق بالمعيار المزدوج الذي اعتمدته الحكومات الغربية، وميزت فيه بين الغزو الروسي على أوكرانيا، والإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وهذا الاختلال، يُنبئ بربيع شبابي غربي في رحلة البحث عن المعنى، وإضعاف هيمنة النخبة الرأسمالية، واللوبيات الطاغية التي خلقت الأزمات السياسية والمالية والصحية في العالم.