تُقدر بـ17 مليار دولار رياض سلامة يغادر منصبه أخيراً في لبنان.. ماذا عن أموال العراق المحتجزة هناك؟
تُقدر بـ17 مليار دولار
رياض سلامة يغادر منصبه أخيراً في لبنان.. ماذا عن أموال العراق المحتجزة هناك؟
انفوبلس/..
من المقرر أن يغادر حاكم مصرف لبنان (البنك المركزي) رياض سلامة، منصبه اليوم الاثنين، بعد أن شغله لنحو 30 عاما، تاركاً خلفه انهيارا مدمرا في القطاع المصرفي واتهامات بالفساد داخل البلاد وخارجها.
وسلامة متهم رسميا في لبنان وفرنسا وألمانيا باختلاس مئات الملايين من الأموال العامة من المصرف المركزي من خلال تحصيل عمولات كرسوم من مشتري السندات ثم تحويل الأموال إلى شركة فوري أسوسييتس المملوكة لشقيقه.
*نشرتان باللون الأحمر
وأصدرت السلطات الفرنسية والألمانية مذكرتي توقيف بحق سلامة في مايو (أيار)، كما أشارت نشرتان باللون الأحمر صادرتان عن الإنتربول إلى أنه مطلوب في كلا البلدين.
وأشارت النشرة الحمراء الصادرة بناءً على طلب فرنسا إلى بعض التهم منها غسل أموال منظم، بينما جاء في النشرة الصادرة بناءً على طلب ألمانيا أنه مطلوب في تُهم تتعلق بغسل الأموال أيضاً.
وجاء الانهيار المالي في لبنان بعد عقود من الفساد والانغماس في التبذير من جانب النخب الحاكمة، وحمّل كثير من اللبنانيين سلامة وهذه النخب مسؤولية الانهيار المالي الذي جعل الليرة تفقد نحو 98 في المئة من قيمتها.
*البديل
وحسب صحيفة "الجمهورية"، من المفترض أن يتسلم النائب الأول وسيم منصوري مسؤوليات الحاكم بالوكالة، وفق ما ينص القانون، بانتظار أن تجد القوى السياسية حلّاً في بلد يقوم نظامه على المحاصصة الطائفية والسياسية، ويتطلب فيه تعيين موظفين من الدرجة الأولى توافقا سياسيا يبدو من الصعب توافره في الوقت الراهن على وقع الانقسامات الحادة.
وسيعلن منصوري الذي كان هدد بالاستقالة قبل أسابيع للضغط من أجل تعيينِ خَلّفٍ لسلامة موقفه خلال مؤتمر صحفي قبل ظهر اليوم.
وبحسب قانون النقد والتسليف، يعين الحاكم لولاية من ست سنوات، بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية. ويتعين على الحاكم الجديد أن يؤدي القسم أمام رئيس الجمهورية، المنصب الشاغر في البلاد منذ تسعة أشهر.
ويُعد عهد سلامة الذي شغل منصب حاكم مصرف لبنان منذ 1993 من الأطول في العالم.
*أموال العراق
وفي لبنان عشرات بل ربما مئات الأرصدة التي تعود إلى رجال أعمال عراقيين ومسؤولين سياسيين وأموال عامة عائدة للدولة العراقية عالقة في المصارف اللبنانية. وهذه الأموال يقدّرها مصدر مطلع بـ17 مليار دولار. ويقول المصدر إن من بينها ملياراً و300 مليون دولار تعود للحكومة العراقية عالقة في المصارف اللبنانية.
*أموال كردستان
أجرت شركة "ديلويت" تدقيقاً في الحسابات النفطية لصالح حكومة إقليم كردستان العراق، عن الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2021، أي من 1 تشرين الأول ولغاية 31 كانون الأول. ومن ضمن ما خلصت إليه الشركة في تقريرها نهاية شهر آذار من العام الماضي، استمرار "وجود 294 مليون دولار و310 ملايين يورو من إيرادات النفط التابعة لحكومة الإقليم محفوظة في حسابات مصرفية في لبنان. ولا زالت المصارف اللبنانية تقيّد حركة العملات الأجنبية إلى خارج البلاد".
انتقادات كردية كثيرة رافقت التذكير بالأموال العالقة في لبنان إثر الحديث عن الإفلاس. فالأكراد حمّلوا المسؤولية لحكومة الإقليم لعدم تمكّنها من استعادة الأموال التي هي "من حق الشعب". فيما انتقد آخرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عدم إيلاء الساسة الأكراد اهتماماً كافياً لملفّ تلك الأموال.
أموال الإقليم في لبنان ليست يتيمة، فالحديث يدور حول مليارات الدولارات المتأتّية من عمليات فساد داخل العراق، اجتذبتها المصارف اللبنانية عبر قانون السرية المصرفية، والسرية نفسها تمنع الكشف عن الحجم الحقيقي لتلك الأموال. كما أن الكثير من الخبراء الاقتصاديين العراقيين يؤكّدون الحجز على مئات ملايين الدولارات، تُضاف إلى خسائر بعض العراقيين بفعل تفجير مرفأ بيروت، تُقدّر بنحو 20 مليون دولار.
وتجدر الإشارة إلى أن احتجاز الأموال في لبنان، تسبّب في العام 2020 بتأخير دفع حكومة الإقليم مستحقات شركة DNO النرويجية وشركة Genel Energy البريطانية، المسؤولتين عن استخراج النفط هناك. على أن تقرير شركة ديلويت حول الأموال العالقة لم يحدّد أين هي، بل اكتفى بالقول إنها "في حسابات مصرفية". لكنَّ مصادر مصرفية لبنانية تؤكّد أن تلك الأموال موجودة "في مصرف واحد لا يمكن الكشف عن اسمه لعدم خرق قانون السرية المصرفية. كما أن المبالغ وُضِعَت في المصرف ضمن علاقة خاصة بينه وبين حكومة إقليم كردستان".
ولم يتضح على وجه الدقّة ما إذا كانت أموال عائدات نفط إقليم كردستان محسوبة ضمن هذا المبلغ (مليار و300 مليون دولار)، لكن الأكيد أن المبلغ الإجمالي الهائل للأموال العراقية العالقة في لبنان (17 مليار دولار) يتوزع بين أموال مجمّدة بفعل العقوبات الدولية (أموال صدام حسين وعائلته)، وأموال أخرى تعود لرجال أعمال عراقيين قرروا الاستفادة من السرية المصرفية اللبنانية لتخبئة أموالهم، وكثير منها قد يكون موضوع مساءلة داخل العراق نفسه. وطبعاً لا يخلو الأمر من أموال "نظيفة" أخطأ أصحابها في وضع ثقتهم بالنظام المصرفي اللبناني، فخسروها على غرار المودعين اللبنانيين.
وفي سؤال للخبير الاقتصادي العراقي همام الشماع عن معلوماته حول أموال عراقية محتجزة في لبنان، تحدّث عن متابعته قضية أرصدة تتعلق بـ"بنك كردستان" حصراً، وهي عالقة في ثلاثة مصارف لبنانية، وتبلغ 40 مليون دولار أمريكي. وهذا المبلغ يعتبر صغيراً مقارنة بالمبالغ التي يتحدث عنها مصدر حكومي في بغداد، والبالغة 17 مليار دولار.
وكشف النائب في برلمان إقليم كردستان العراق علي حمه صالح عن تجميد ما يقرب من 650 مليون دولار من أموال الإقليم في لبنان، وقال عبر صفحته على فيسبوك "أرسلت في عام 2015 رسالة إلى رئيس حكومة كردستان وقلت فيها: بيع النفط عبر الباكستاني مرتضى الخاني أمر خطير، لم ينصتوا لي، وفي النتيجة تم تجميد ما يقرب من 650 مليون دولار في لبنان".
وأضاف، أن "الأموال المجمدة خاصة بمرتضى، وهي إيرادات نفط الإقليم في حساب الشركة القبرصية".
*أموال صدام
أما الرقم الدقيق لحجم المبالغ العراقية المرتبطة بنظام صدام حسين المحتجزة في المصارف اللبنانية موجود فقط لدى رياض سلامة ولدى النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم.
في 22 آذار/ مارس الماضي، تقدمت الدائرة القانونية لمجموعة "الشعب يريد إصلاح النظام" (مجموعة لبنانية) بإخبار أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، وذلك ضد كل من يظهره التحقيق من المصارف والأشخاص المعنويين والطبيعيين بجرائم الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال وإساءة الأمانة ومخالفة أحكام قانون النقد والتسليف ومخالفة القرارات الإدارية وذلك على خلفية ما يعرف بأموال الرئيس صدام حسين المجمدة والتي تُقدر بمليارات الدولارات. هذه الأموال، بحسب المجموعة "تم وضعها في مصارف لبنانية بأسماء موالين للنظام العراقي السابق بعد غزو الكويت عام 1990 وصدور قرارات دولية حاصرت العراق على جميع المستويات ومنها القطاع المصرفي، وقد توافرت معلومات عن استعمال هذه الودائع في العمليات المصرفية في لبنان ثم تبخرت بفعل الأزمة التي ضربت القطاع المصرفي في لبنان".
المحامي حسن عادل بزي تابع هذه القضية مع مجموعة "الشعب يريد إصلاح النظام"، وبحكم توكيله من قبل أحد العراقيين المحتجزة أموالهم في لبنان، لمحاولة استعادتها، وهو يمتلك معلومات وتفاصيل وأرقام حسابات تثبت وجود أرصدة له في عدد من المصارف اللبنانية تزيد على 300 مليون دولار.
يقول بزي، إن التقديرات تتحدث عما يزيد على ستة مليارات دولار لما يسمى "أموال صدّام"، و"الداتا" الخاصة بهذه الأموال موجودة لدى هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان التي يرأسها الحاكم رياض سلامة. وبالتالي فإن الرقم الدقيق لحجم المبالغ العراقية المرتبطة بنظام صدام حسين المحتجزة في المصارف اللبنانية موجود فقط لدى رياض سلامة ولدى النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، المطّلع عن كثب على الملف. وهذه الأموال محتجزة في المصارف اللبنانية بقرار من هيئة التحقيق الخاصة يمنع التصرف بها. بمعنى آخر يلزم القانون المصارف بالإبقاء على هذه الأموال "كاش" في خزائنها، وعدم استثمارها من ضمن أموال المودعين. لكن خلال التحقيقات التي أجرتها القاضية غادة عون مع عدد من المصارف تبين أن الأموال النقدية بالعملات الأجنبية بما فيها الأموال العراقية "تبخّرت" مع بقية أموال المودعين وأن المصارف تصرفت بها واستثمرت فيها لمدة تزيد على 25 عاماً.
كما أن رغد صدام حسين، ابنة الديكتاتور العراقي المخلوع كلفت أحد المحامين في بيروت بمتابعة أموال تفوق المليار دولار باسم زوجها حسين كامل الذي قتله النظام العراقي عام 1996، وبعض هذه الحسابات موجود في "بنك لبنان والمهجر". لكن المصرف بحسب ما أكد أحد محامي رغد أنكر وجود الأموال. المحامي الذي تحفظ على ذكر اسمه أكد أن عائلة حسين كامل لا تمتلك أي مستندات لإثبات وجود هذه الأموال، خصوصاً أن رغد هربت من العراق أثناء الغزو الأمريكي عام 2003، لتستقر بعدها بين الأردن والإمارات.