ثورة للبلوش في باكستان.. عملية واسعة تقتل العشرات من جيش إسلام آباد وانفوبلس تتقصى: ما الذي يحدث وما دور طالبان الخفي؟
انفوبلس/ تقارير
حين الحديث عن التمرد البلوشي في باكستان، تبرز أمامنا قضيتان هامتان وحساستان لهما علاقة بتنامي هذا الغضب وهذا التمرد، ومع عسكرة القوى الحاكمة وحتى السياسية الباكستانية لهذا الملف تزداد خطورة الانفجار وقوته ومداه ورقعته الجغرافية، وكان من آخر تجليات تلك العسكرة هو ما أشبه بالثورة للبلوش في باكستان اليوم الثلاثاء عندما تمكنت جماعة آزاد بلوشستان من الاستيلاء على مدينة مج الباكستانية وقتل العشرات من جيش إسلام آباد. فما الذي حدث في هضبة السند؟ وما دور طالبان الخفي في كل ما جرى؟ إليك كامل تفاصيل عملية "طريق بولان" الواسعة.
*مَن هم البلوش؟
البلوش أو البلوج، هم مجموعة عِرقيّة من الشعوب الإيرانية، موطنهم الأصلي هو منطقة بلوشستان في جنوب وغرب آسيا التي تشمل دول باكستان وإيران وأفغانستان، هناك أيضاً مجتمعات من الشتات البلوشي نزحت باتجاه المناطق المُجاورة، حيث تقيم في كل من آسيا الوسطى وشرق شبه الجزيرة العربية.
في عام 1947 أعلن البلوش دولتهم المستقلة إثر الانسحاب البريطاني من الهند، برئاسة خان كلات، أحمد يار خان، وجرت انتخابات نيابية، وشكّل القوميون البلوش الحكومة، ولكن هذه الدولة المستقلة لم تستمر سوى ثمانية أشهر، وقامت باكستان بضم الأراضي البلوشية إليها وبموافقة جدلية للخان البلوشي الذي كان بمثابة حاكم البلوش مير أحمد يار خان. وفي عام 1970 في باكستان، تم إعلان إقليم بلوشستان كإقليم منفصل له حكومته وبرلمانه، وأُجريت انتخابات وهيمن القوميون البلوش على غالبية البرلمان الإقليمي لمنطقة بلوشستان.
*ثورة في باكستان
وفي آخر التطورات، بل وأصدمها، أعلن المتحدث باسم ما يسمى جيش تحرير بلوشستان جيند بلوش اليوم الثلاثاء، انطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق لجيش تحرير بلوشستان في منطقة مج التي تقع على بعد 50 كيلومترًا جنوب غرب مدينة كويتا عاصمة مقاطعة بلوشستان الشرقية الباكستانية.
وتشير التقارير إلى أن جيش التحرير استخدم أيضاً الصواريخ وقذائف الهاون في عملياته، وهاجم سجن ماخ، كما تم استهداف الأقسام العسكرية من هذا السجن بهجمات صاروخية، في حين حلّقت عدة مروحيات تابعة للجيش الباكستاني في سماء مدينة مج.
*الاستيلاء على مدينة "مج" وقتل 55 عسكريا من جيش إسلام آباد
اشتدت اشتباكات جماعة البلوش والجيش الباكستاني بعد انطلاق العملية، وأكد ما يسمى جيش تحرير بلوشستان، أن عمليتهم هي عملية مشتركة للواء ماجد وفرقة العمليات التكتيكية الخاصة (STOS) وكتيبة الفتح وفرع المخابرات لهذا التنظيم في وادي بولان.
وبعد احتدام المعارك، تمكن البلوش من الاستيلاء على مدينة مج في باكستان فضلاً عن قتل العشرات من جيش إسلام آباد.
وذكرت وسائل إعلام إيرانية وباكستانية، أن 55 من الجيش الباكستان قُتلوا جرّاء هجمات البلوش على مدينة "مج" في حين حلّقت الطائرات فوق المدينة.
كما أكد "جيش التحرير البلوشي" قتله 55 جندياً من الجيش الباكستاني حتى الآن، فيما تحدثت مصادر بإرسال الجيش الباكستاني تعزيزات للمدينة.
*السيطرة على مدينة "ماتش"
ثم تطورت الأحداث بعد ذلك وتواصل تقدُّم البلوش في معركة أشبه بالثورة والانقلاب حتى سيطروا على مدينة ثانية بعد مدينة مج.
وأفاد الجناح الإعلامي لجيش تحرير البلوش BLA، أن "مقاتلي الحرية" مسيطرون على مدينة ماتش والمناطق المجاورة منذ أكثر من 20 ساعة. وتم زرع ألغام على الطرق لمنع وصول تعزيزات العدو. وفق تعبيرهم.
*إحباط هجمات "ماخ"
لم يتوقف جماعة البلوش بعد ذلك، بل تقدموا صوب مركز شرطة جوكورت وداهموه وأضرموا النيران فيه ليتقدموا بعد ذلك على باقي القواعد العسكرية والمدن.
وخلال تقدم البلوش لمدينة تلو الأخرى، أعلنت الحكومة الباكستانية المؤقتة بأن قواتها الأمنية نجحت في إحباط ثلاث هجمات منسقة شنها مسلحون في منطقة ماخ في بلوشستان. في إشارة إلى تقدم مسلحي البلوش نحوها.
وبهذا الصدد ذكرت وسائل إعلام باكستاني ما نصه، "تُحلّق مروحيات حربية باكستانية فوق مدينة ماخ ويمكن سماع دوي إطلاق نار متقطع في جميع أنحاء المدينة. ولا يزال عدد كبير من مقاتلي جيش تحرير بلوشستان متواجدين في المدينة منذ الـ 16 ساعة الماضية".
*دور طالبان الخفي
قبل أيام قليلة، خرج القيادي فيما يسمى بـ "جيش الإمارة الإسلامية في أفغانستان" الجنرال عبد الحميد خرساني وقال ما نصّه: "حلفاء طالبان، حركة طالبان الباكستانية، سوف يسقطون الحكومة الباكستانية قريبا، وإذا أصدر الملا هيبة الله أخونزاده، أمير طالبان، الأمر، فإن باكستان سوف تختفي من على وجه الأرض".
وعقب ثلاثة ايام تقريبا من حديث خرساني اندلعت الأحداث المذكورة في باكستان، وسقطت مدينة مج، وقُتل عشرات الجنود من جيش إسلام آباد. أحداث سرعان ما تم ربطها بحديث القيادي في طالبان وتهديده الدولة الباكستانية وممارسة دور وُصِف بالخفي في دعم البلوش خلال "ثورتهم" التي تحدث حالياً في باكستان.
وعن الدور الخفي الذي تلعبه طالبان بهذه الأحداث وإمكانية دعمهم للبلوش، كشف خبراء عسكريون أن هناك أسباباً كثيرة وراء ما يحدث الآن في باكستان، أبرزها أن حركة طالبان باكستان كانت موزَّعة إلى فروع مختلفة سابقاً، لكن منذ مطلع عام 2020 بوشِر العمل على توحيدها في سياق حركة واحدة. ويشيرون إلى أن تلك الجهود تكللت بالنجاح في نهاية العام الماضي، والآن طالبان الباكستانية أصبحت حركة واحدة وانتهت الانقسامات الداخلية فيها بفعل مساعي زعيم طالبان الباكستانية مفتي نور والي.
ويضيف الخبراء، أنه بالإضافة إلى ذلك، فقد ارتفع التنسيق بشكل غير مسبوق بين التنظيمات المسلحة التي تقاتل في باكستان على أساس الدين، وعلى رأسها طالبان الباكستانية، والأحزاب التي تقاتل على أساس القومية، تحديداً الانفصاليين البلوش، وبات هناك تعاون وتنسيق واضح بين الطرفين، مما أدى إلى تمدد رقعة نفوذ تلك الجماعات وتفعيل هجماتها.