حسرة وغضب في الكويت بعد توقيع اتفاق "طريق التنمية" الرباعي في بغداد.. إليك ردود الأفعال داخل مجلس الأمة.. نواب عراقيون: لا قيمة للصغير في حضرة الكبير
انفوبلس/ تقرير
تسود حالة من الغضب والاستياء داخل الأوساط السياسية الكويتية ومجلس الأمة الكويتي، وذلك بعد توقيع مذكرة التفاهم الرباعية بين العراق وتركيا والإمارات وقطر في العاصمة بغداد والتي تخص "طريق التنمية"، بسبب تأثيرها الكبير على ميناء مبارك والذي أضرَّ كثيراً بـ"بلاد الرافدين" وعلى الاقتصاد الكويتي ككل.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، على ردود الأفعال الواسعة داخل الكويت على توقيع مذكرة التفاهم الرباعية بين العراق وتركيا والإمارات وقطر
شكَّل مشروع طريق التنمية، الذي توافقت على إقامته مجموعة من الدول الإقليمية ليربط الخليج العربي بساحل المتوسط عبر العراق وتركيا ويختصر طريق النقل باتجاه أوروبا، مادّة دسمة للجدل والنقاش على طاولة أعضاء مجلس الأمّة الكويتي المنتخب حديثا، ووسيلة مناسبة لتسليط الضغوط على حكومة تصريف الأعمال القائمة حاليا في انتظار استكمال تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة الشيخ محمّد عبد الله الصباح المعيّن من قبل أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد لتولي المهمّة خلفا لرئيس الوزراء المستقيل الشيخ محمد صباح السالم.
وشهدت الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق توقيع الجانبين العراقي والتركي على مذكرة تفاهم رباعية بين تركيا والعراق والإمارات وقطر للتعاون المشترك في مشروع طريق التنمية الذي تبلغ قيمته 17 مليار دولار. وأُطلق المشروع، الذي يضم طرقا وخطوط سكك حديد بطول 1200 كيلومتر، العام الماضي بهدف تحويل العراق إلى مركز لتجارة الترانزيت بين آسيا وأوروبا.
وشارك في حفل التوقيع، وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل محمد المزروعي، ووزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، ووزير النقل العراقي رزاق محيبس السعداوي، ووزير المواصلات القطري جاسم بن سيف السليطي.
*حسرة كويتية
وتحسّر عدد من النواب الكويتيين على تأخّر بلادهم في اغتنام الفرصة التنموية الكبيرة التي يتيحها المشروع، خصوصا وأنّ دولتين خليجيتين ستشاركان في إقامته. وانصبت ملاحظات أغلب النواب الذين خاضوا في موضوع طريق التنمية على ما يمكن أن ينطوي عليه المشروع من تهميش لمشروع ميناء مبارك الكبير الذي تعثّر إنجازه رغم مضي فترة زمنية طويلة نسبيا على إقراره، وذلك لمصلحة ميناء الفاو العراقي الذي سيكون جزءا رئيسيا من الطريق المقرر إنجازه.
وتوجّهت اتهامات هؤلاء النواب رأسا صوب السلطة التنفيذية والحكومات المتعاقبة وصولا إلى الحكومة الحالية بالمسؤولية عن الإضرار بمصالح البلاد وإهدار فرصها التنموية. واتّهم النائب بدر نشمي الحكومة بالانشغال "بخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي في البلد وغياب الرؤية، بينما دول المنطقة انشغلت بتوقيع اتفاقيات اقتصادية ستعود بالفائدة عليها وعلى شعوبها".
وتساءل في تعليق عبر منصة إكس، "ما هي إجراءات الحكومة تجاه اتفاقية طريق التنمية التي تم توقيعها مؤخرا بين دول في الإقليم المحيط بنا، وما هو موقف الكويت من هذه الاتفاقية وما هي المصالح المحققة منها أو الفرص الفائتة علينا اقتصاديا وأمنيا ومدى تأثيرها على ميناء مبارك؟".
وطالب الحكومة المستقيلة بتوضيحات حول الموضوع متوعّدا بمتابعة الملف في مجلس الأمّة.
ويقرُّ المطّلعون على الشأن الكويتي بوجود تأثيرات سلبية للانقطاعات المتكرّرة في عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت وعدم توفّر الاستمرارية المطلوبة لإنجاز الإصلاحات واستكمال المشاريع والبرامج في آجالها المحدّدة، لكنّهم لا يحمّلون مسؤولية ذلك للحكومات الكويتية المتعاقبة وحدها، بل يعتبرون البرلمانات مسؤولة بالدرجة الأولى عن تعثّر التنمية والإصلاح في البلاد بكثرة مناكفاتها مع الحكومات وأعضائها ورؤسائها وإشعال الصراعات معهم بشكل غالبا ما ينتهي إلى أزمات تفضي إلى حل مجالس الأمّة وإجراء الانتخابات المبكّرة وما يستتبع ذلك من إقالة للحكومات وإعادة تشكيلها.
وينطبق الأمر ذاته على البرلمان والحكومة الحاليين، إذ إنّ مجلس الأمة المنتخب مطلع أبريل الحالي هو الثالث منذ أبريل 2023، بينما ستكون الحكومة التي يعكف الشيخ أحمد العبد الله على تشكيلها هي الثانية منذ تسلم الأمير الشيخ مشعل الأحمد مقاليد الحكم في ديسمبر الماضي.
وركّز النائب عبد الله المضف في تعليقه على مشروع طريق التنمية أيضا على عامل فقدان الاستقرار السياسي معتبرا أن غيابه إلى جانب شغور المناصب القيادية والإهمال المتراكم لكل ما هو تنموي نتيجته المزيد من الفرص الضائعة"، منبّها الحكومة القادمة إلى ضرورة "معالجة كل تلك التحديات وإلا سيكون مصيرها الفشل والرحيل".
وقال النائب مهند الساير من جهته إنّه "في ظل ضعف القرار وصراع الكراسي، ينجح في الجانب الآخر من المعادلة الآخرون في تحقيق كل مشروع ضخم نحلم به". وأشار النائب إلى أنّ البلد مازال يدار بحكومة تصريف الأعمال بعد تعاقب أربعة رؤساء وزراء وتسع حكومات وأربعة مجالس أمة خلال أربع سنوات. وأضاف قوله عبر منصة إكس "مشروع ضخم مثل ميناء مبارك نرى المبالغ التي صرفت عليه قد تبخرت".
كما حرص النائب عبد الوهاب العيسى على تأكيد عدم النية في التدخّل في شؤون البلدان المشاركة في مشروع طريق التنمية راجيا لها التوفيق.
وقال النائب حمد العبيد إنّ التردد في القرارات المصيرية والتأخر في تنفيذ المشاريع التنموية ضيع الكثير من الفرص الاستثمارية والتنموية على البلاد، فيما دعا النائب محمد جوهر حيات عبر منصة إكس، رئيس مجلس الوزراء المكلف الشيخ أحمد العبد الله، إلى الإسراع بتشكيل الحكومة وأن تكون أولى مهامها التحقيق بضياع فرصة اقتصادية مهمة على الكويت من خلال ميناء مبارك الكبير، وذلك "كي لا يتكرر الفشل في أيّ فرصة تنموية أخرى ولمعرفة أوجه القصور في السياسة التنفيذية والإدارة الاقتصادية والسياسة الخارجية".
وأسف النائب فهد المسعود لتأخر الكويت في "الترتيب خليجيا وعربيا وعالميا"، قائلا "تأخرنا في شتى المجالات الاقتصادية والتعليمية والتنمية البشرية"، ومضيفا "ما قام به الأشقاء في دول مجلس التعاون بالتوقيع على تطوير مشروع ميناء الفاو أكبر دليل على تأخرنا"، ومتسائلا، "أين مشروع ميناء مبارك الكبير الذي مازال متعثرا؟".
من جهته، قال النائب متعب الجلال، "للأسف ندفع اليوم ثمن الفرص الضائعة بسبب عدم الاستقرار السياسي". وأضاف "لعل مشروع (طريق التنمية) خير دليل على ما تسبب به الاحتقان المتواصل في التأخر بالركب الاقتصادي والتنموي".
بينما قال النائب محمد عوض الرقيب، إن "فشل مشروع ميناء مبارك دليل على عدم قدرة الحكومة على إدارة المشاريع المستقبلية، فكيف تستطيع ذلك وقد مر 4 رؤساء وزراء متعاقبين على المشروع بتشكيلات سمتها الأولى المحاصصة والترضيات؟". وأضاف "يجب تشكيل لجنة تحقيق بما تم في هذا المشروع، وأسباب توقفه لمحاسبة كل من تسبب في ضياع أموال الدولة".
كما عبر أكاديميون ومحللون كويتيون عن دهشتهم من غياب الكويت عن مشروع "طريق التنمية" الذي أبرمت كل من الإمارات وتركيا والعراق وقطر مذكرة تفاهم بشأنه الاثنين، رغم أنه يقترب من نطاق الجغرافيا السياسية لدولة الكويت.
*عالية نصيف: لا قيمة للصغير في حضرة الكبير
ذكرت النائبة عالية نصيف، في تغريدة تابعتها "انفوبلس"، "يبدو أن الجماعة مضغوطين! حالة غضب واستياء في الأوساط السياسية الكويتية وداخل مجلس الأمة الكويتي بسبب توقيع مذكرة التفاهم الرباعية بين العراق وتركيا والإمارات وقطر والتي تخص طريق التنمية".
وتابعت، أن الكويتيين منزعجون جداً لأن الاتفاقية دقت المسمار الأخير في نعش ميناء مبارك، منذ أكثر من 15 عاماً قلنا لكم أن ميناء مبارك لن تستفيدوا منه على المستوى المادي لأن الهدف منه فقط إلحاق الضرر بالعراق، هذه هي النتيجة، طريق التنمية قادم وميناء الفاو سيرى النور قريباً.
واختتمت النائبة تغريدتها بهاشتاك، #لا قيمة_للصغير_في_حضرة_الكبير
من هو "طريق التنمية"؟
و"طريق التنمية" مشروع اقتصادي يهدف لربط العراق بتركيا عبر طرق برية وسكك حديدية بهدف نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.
ينظر رجال الأعمال وصناع القرار في العراق إلى مشروع "طريق التنمية"، الذي من المقرر أن يربط الخليج بأوروبا عبر تركيا، باعتباره فرصة واعدة لتعزيز وشائج التاريخ والثقافة المشتركة مع تركيا، وكذلك دعم المصالح المشتركة والمناطق النائية اقتصاديًا.
ويهدف العراق، من خلال المشروع الذي يضم مجموعة طرقات وسكك حديد وموانئ ومدن جديدة، إلى اختصار مدة السفر بين آسيا وأوروبا عبر تركيا، والتحول إلى مركز للعبور من خلال ميناء الفاو الذي يُعد المحطة الأولى في المشروع.
ويهدف المشروع المعروف باسم "طريق الحرير العراقي" أيضا إلى تسهيل إجراء الأنشطة التجارية بشكل أسرع وأكثر كفاءة عبر إنشاء طريق منافس لقناة السويس المصرية. ومن المتوقع أن يبلغ طول السكك الحديد والطرقات السريعة التي ستربط ميناء الفاو بالحدود التركية ألفا و200 كيلومتر بكلفة 17 مليار دولار، ومن المقرر أن يكون الميناء المذكور أكبر ميناء في الشرق الأوسط وأن تكتمل أعمال البناء فيه عام 2025.
ومن المزمع أن يربط المشروع، الذي تكون نقطة نهاية الخط فيه هي تركيا، منطقة اقتصادية واسعة من أوروبا إلى دول الخليج. وفي هذا الإطار أشاد السوداني بدور الشركات التركية في أعمال البنية التحتية في العراق، وذكر أن هذه الشركات تستحوذ على إمكانات وخبرات مهمة تخولها العمل في تطوير مشروع "طريق التنمية".
وتتواصل أعمال إنشاء ميناء الفاو الكبير بمدينة البصرة جنوب العراق، والذي يعتبر المحطة الأولى من مشروع "طريق التنمية"، ويقع الميناء عند شط العرب حيث يلتقي نهرا دجلة والفرات قبل أن يصبا في الخليج العربي. والمشروع المشتمل على خطوط سكك حديد وطرقات برية تبدأ من منطقة الميناء، مروراً بالديوانية والنجف وكربلاء وبغداد والموصل إلى الحدود التركية، من المتوقع أن يوفر إمكانية الوصول إلى ميناء مرسين التركي.
ويعد مشروع "طريق التنمية" أحد الخيارات البديلة في حالة نشوب صراعات أو حروب محتملة، حيث أن "طريق الحرير الصيني" لا يمر عبر العراق بشكل مباشر. ومن المتوقع أن يختصر المشروع الوقت والتكاليف من خلال اختصاره المسافة بين الصين وأوروبا مقارنة بالطريق البحري الذي يمر عبر قناة السويس.
وبالمقابل، فالمشروع الذي يهدف إلى أن يكون "طريق حرير جديدا" بين تركيا والعراق، يعتبر من المشاريع ذات الكلفة الباهظة التي لا تستطيع الحكومة العراقية تحملها بمفردها، لذلك من المتوقع أن تساهم تركيا ودول الخليج والصين في تمويل المشروع واستكماله.