سرايا القدس ومعركة الوجود.. استمرار سلسلة الاستهداف الممنهج لقادة الجهاد الإسلامي.. الكيان يُدرك عدوّه الأخطر
انفوبلس..
منذ تأسيسها قبل 43 عاماً، تواجه سرايا القدس (الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية) استهدافاً كبيراً وممنهجاً من قبل الكيان الإسرائيلي، وعلى الرغم من استمرار الجرائم الإسرائيلية تجاه كل ما هو فلسطيني ومقاوم ورافض لوجوده، إلا أن لتلك السرايا الحصة الأكبر من عمليات الاغتيال والبطش الصهيوني بطريقة لافتة للانتباه.
الاستهداف الأخير
فجر اليوم، وعلى نحوٍ مُباغت، شنّت طائرات حربية إسرائيلية غارات مُركّزة ومتزامنة، أسفرت عن اغتيال 3 قادة بارزين في سرايا القدس، واستيقظ الغزيّون عند الساعة الثانية من فجر اليوم الثلاثاء، على أصوات انفجارات هائلة هزّت مدينتي غزة ورفح على الحدود مع مصر جنوب القطاع، وتبين أنها استهدفت منازل قادة عسكريين في سرايا القدس، وأدت إلى استشهادهم برفقة زوجاتهم وعدد من أبنائهم، ومواطنين آخرين.
وفي بيان عسكري، نعت سرايا القدس شهداءها الثلاثة وهم: الشهيد جهاد شاكر الغنّام أمين سر المجلس العسكري، والشهيد خليل صلاح البهتيني عضو المجلس العسكري وقائد المنطقة الشمالية، والشهيد طارق عزّ الدين أحد قادة العمل العسكري بسرايا القدس في الضفة الغربية.
وقالت السرايا: "إننا إذ ننعى شهداءنا القادة ومعهم زوجاتهم المجاهدات وعدد من أبنائهم، لنؤكد أن دماء الشهداء ستزيد من عزمنا، ولن نغادر مواقعنا، وستبقى المقاومة مستمرة بإذن الله".
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أن الغارات الإسرائيلية أسفرت عن استشهاد 13 مواطنا وجرح 20 آخرين في حصيلة غير نهائية للضحايا.
القادة المستهدفون
- جهاد غنّام.. من أكثر المطلوبين منذ الانتفاضة الثانية
يُعد الشهيد جهاد غنّام (62 عاماً)، المولود في رفح، بحسب ما جاء في بيان نعي الجهاد الاسلامي، من أبرز قادة سرايا القدس، وهو أمين "سر المجلس العسكري" في قطاع غزة، كما أنه يُعتبر من أكثر المطلوبين منذ انتفاضة الأقصى التي اندلعت نهاية عام 2000.
وشغل غنّام العديد من المناصب في "الجهاد"، منها قيادة المنطقة الجنوبية في القطاع. وتعرّض خلال السنوات الماضية لمحاولات اغتيال أكثر من مرّة، وأُصيب عدّة إصابات جراء ذلك، وبُتِرت قدماه وأجزاء من يديه.
وأشرف غنّام على العديد من العمليات العسكرية، إبّان الانتفاضة، إلى جانب الشهيد محمد الشيخ خليل، أحد قادة سرايا القدس، وأدّت تلك العمليات لمقتل العديد من الجنود الإسرائيليين والمستوطنين، خلال تواجد المستوطنات في قطاع غزة.
شارك في تأسيس "سرايا القدس" واستمر في قيادتها لفترات طويلة، وكان مسؤولاً عن العديد من الملفات العسكرية والإدارية وغيرها، وحتى اللوجستية. وفي الآونة الأخيرة عمل على تنسيق وتحويل الأموال والسلاح، بين حركتي "الجهاد" و"حماس"، بحسب مزاعم الاحتلال.
شارك في تدريب المجاهدين داخل القطاع، وإطلاق قذائف الهاون وصدّ الاجتياحات واستهداف الآليات الإسرائيلية، وأشرف على إمداد المقاومة بالسلاح النوعي في قطاع غزة.
كما أشرف على تجنيد خلايا عسكرية في الضفة المحتلة شنّت عدة عمليات ضد العدو مؤخراً، كما انضم غنّام إلى حركة الجهاد الإسلامي أواخر الثمانينيات، والتقى الشهيد د. الشقاقي.
وأيضاً أشرف غنّام على تطوير تصنيع الصواريخ في سرايا القدس، برفقة القيادي الآخر خالد منصور، الذي استُشهِد في عدوان إسرائيلي آخر في آب/ أغسطس 2022.
وحاولت "إسرائيل" اغتيال غنّام عدّة مرات، كان آخرها في عملية "سيف القدس" في أيار/ مايو 2021، ونجا سابقاً من أكثر من 5 محاولات اغتيال كان أخطرها عام 2014، حيث استُشهِدت والدته وأشقاؤه وأبناء عمومته، في قصف الاحتلال الإسرائيلي لمنزله.
شارك في تدريب مجاهدي "الجهاد الاسلامي" في السودان، كما قدّمت عائلة الشهيد العديد من الشهداء أبرزهم، شقيقه القائد زياد غنام، واثنين من أبناء شقيقه.
ويُعتبر الشهيد غنّام الشخصية الأبرز في "سرايا القدس"، كما أنه على علاقة مباشرة مع أمين عام الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، ويرتبط بعلاقة مميزة ومباشرة مع أكرم العجوري، القائد العام لـ"سرايا القدس"، وهو عضو في المكتب السياسي للحركة.
- طارق عز الدين.. الثائر من عرابة جنين
أما الشهيد طارق عز الدين (48 عاماً)، الذي وصفه بيان "سرايا القدس" بأنه أحد قادة عملها العسكري في الضفة الغربية، فهو من بلدة عرابة جنوب غرب جنين.
اعتُقِل عز الدين أكثر من مرّة في سجون الاحتلال، وتعرّض للتعذيب والتحقيقات، آخرها عام 2002، حيث حُكِم عليه بالسجن المؤبد، مضافاً إليه 25 عاماً، بتهمة مشاركته في هجمات ضد الاحتلال في الضفة الغربية.
سطع نجمه بشكل أكبر بعد تحرّره في صفقة "وفاء الأحرار" التي أُفرِج بموجبها عن 1027 أسيراً، مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011.
أنتُخِب ضمن أول مكتب سياسي مُنتَخَب لـ"الجهاد الإسلامي عام 2018". كما انتُخِب في المكتب السياسي في دورته الثانية قبل أشهر.
ويًعد عز الدين مسؤول العلاقات بين "الجهاد الإسلامي" في غزة وقوى المقاومة في الضفة الغربية، ويقوم بـ"الإشراف على الهجمات من هناك"، إلى جانب "نقل الأموال وأسلحة خاصة لكتيبة جنين"، وفق زعم الاحتلال.
بعد تحرره من الأسر، بموجب الصفقة، أُبعِد عز الدين إلى قطاع غزة، واستقرّ في حي الرمال، بمدينة غزة إلى حين إعلان استشهاده فجر اليوم الثلاثاء.
- خليل البهتيني.. مسؤول إطلاق الصواريخ
الشهيد الثالث، خليل صلاح البهتيني (44 عاماً) القيادي العسكري الثالث الذي نعته "سرايا القدس" في بيانها، وقالت إنه "عضو المجلس العسكري وقائد منطقتها الشمالية"، من سكان مدينة غزة، وبدأ نشاطه في "حركة الجهاد" في فترة التسعينيّات.
يعتبر الشهيد من أبرز قادة "سرايا القدس"، وسطع نجمه كناشط سياسي بالحركة. كان على علاقة مباشرة بالعديد من قادة السرايا إبّان انطلاقة انتفاضة الأقصى، وبات يظهر نشاطه العسكري بشكل أوضح وأكبر بعد انسحاب الاحتلال من قطاع غزة عام 2005.
شكل البهتيني العديد من المجموعات الناشطة داخل "سرايا القدس"، وخصوصاً التي تُشرف على تطوير الصواريخ.
كان الشهيد البهيتي على علاقة مباشرة مع بهاء أبو العطا، الذي اُغتيل عام 2019، ومع تيسير الجعبري، وخالد منصور اللذين اُغتيلا في آب/ أغسطس 2022.
يزعم الاحتلال الإسرائيلي، أنّ الشهيد البهتيني تسلّم قيادة منطقة شمال قطاع غزة في "سرايا القدس"، بعد استشهاد تيسير الجعبري.
حالة طوارئ
وبالتزامن مع غارات الاغتيال، أعلن جيش الاحتلال شنّ عملية عسكرية على غزة أطلق عليها اسم "السهم الواقي"، وإحكام إغلاق القطاع بإغلاق معبر بيت حانون "إيرز" المخصّص لتنقل الأفراد والحالات الإنسانية، ومعبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد المخصّص للبضائع والمساعدات الإنسانية.
وبهذا التصعيد خرقت إسرائيل تهدئة أوقفت ساعات من التصعيد في الثاني من الشهر الجاري، أعقبت استشهاد الأسير خضر عدنان القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في زنزانته الانفرادية، إثر إضراب عن الطعام استمر 87 يوما، خاضه طلباً للحرية.
وتُخيّم حالة الطوارئ على جانبي السياج الأمني المحيط بالقطاع. وفي حين أعلنت إسرائيل عن إغلاق المدارس وتعطيل حركة القطارات فيما تُسمى "مستوطنات غلاف غزة"، وحثّت المستوطنين على البقاء قريبا من الملاجئ، كما أعلن المكتب الإعلام الحكومي في غزة تعليق الدوام في المؤسسات التعليمية حتى إشعار آخر، وتقليص الدوام في باقي المؤسسات الحكومية إلى الحد الأدنى.
اغتيالات الأعوام الأخيرة
قبل نحو شهرين، أعلنت سرايا القدس اغتيال أحد قادتها في سوريا، وحمّلت الاحتلال الصهيوني المسؤولية عن هذه الجريمة الغادرة، ونعت السرايا في بيان الشهيد القائد المهندس علي رمزي الأسود (31 عامًا)، من ساحة سوريا، الذي ارتقى في ريف دمشق جراء عملية اغتيال جبانة.
وفي آب/ أغسطس من العام الماضي، وبعد أيام من التوتر والاستنفار أعقبت اعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي في جنين بالضفة الغربية بسام السعدي، شنّت إسرائيل حملة عسكرية ضد الحركة استهلتها باغتيال قائد الجبهة الشمالية في سرايا القدس تيسير الجعبري، واستهداف مواقع عدة للحركة في قطاع غزة.
كما أكدت في الشهر ذاته نبأ اغتيال الاحتلال الإسرائيلي خالد منصور أحد أبرز قادتها بغارة استهدفته في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وذكرت في بيان: "نزفّ شهيدنا القائد الكبير خالد سعيد منصور، عضو المجلس العسكري وقائد المنطقة الجنوبية، الذي ارتقى جراء غارة صهيونية استهدفته مساء أمس بمدينة رفح".
وفي عام 2021، نعت سرايا القدس، ثلاثة من قادة الوحدة الصاروخية في لواء غزة والمنطقة الشمالية وهم: الشهيد القائد سامح فهيم هاشم المملوك (34 عاماً)، مسؤول الوحدة الصاروخية في المنطقة الشمالية بسرايا القدس، والشهيد المجاهد محمد يحيى محمد أبو العطا (30 عاماً)، أحد القادة الميدانيين بالوحدة الصاروخية في لواء غزة، والشهيد المجاهد: كمال تيسير سلمان قريقع (34 عاماً)، أحد القادة الميدانيين بالوحدة الصاروخية في لواء غزة، الذين استُشهِدوا بعملية اغتيال نفّذها الكيان الإسرائيلي.
وخلال العام ذاته تبنى الكيان عملية اغتيال المجاهد حسام أبو هربيد (37 عاما) قائد سرايا القدس في لواء شمال غزة خلال تنقّله بين ميادين الجهاد وثغور المواجهة ومتابعة سير عمليات المقاومة في محافظة شمال القطاع.
وخلال عام 2019، أعلنت سرايا القدس قائمة تضم أسماء 29 قائداً ومجاهداً استهدفهم الكيان الإسرائيلي في ذلك العام، وأبرزهم كان الشهيد القائد الكبير بهاء سليم أبو العطا "42 عاماً", عضو المجلس العسكري لسرايا القدس وقائد أركان المقاومة في فلسطين الذي استُشهِد بعملية اغتيال جبانة بمنطقة الشجاعية شرق مدينة غزة.
ولا يكاد يمرّ عام من الأعوام الـ43 التي نشطت فيها سرايا القدس، دون وجود عملية أو عدة عمليات ينفّذها الكيان الصهيوني لاستهداف واغتيال قادة سرايا القدس سواء في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو حتى خارجها، ولهذا يؤكد مراقبون ومحللون أن الكيان الإسرائيلي يرى أن تلك السرايا هي العدو الأول والأخطر الذي يُهدد وجودها غير الشرعي على أرض أولى القبلتين.