ضغوط المجتمع الدولي تنجح في مجلس الأمن.. انهيار الحماية الأمريكية للكيان الصهيوني وامتناع واشنطن عن التصويت يغضب حكومة نتنياهو التي ترفض الامتثال.. تعرف على التفاصيل
انفوبلس..
بدأت الحماية الأمريكية للكيان الصهيوني تنهار شيئاً فشيئاً حتى وصلت لدرجة امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار تبناه مجلس الأمن الدولي، أمس الاثنين، يطالب بوقف فوري غير مشروط لإطلاق النار في غزة، والإفراج عن كل المحتجزين، والإسراع بدخول المزيد من المساعدات للقطاع.
وبعد تبنّي القرار أعلن نتانياهو أنّه لن يرسل وفداً إلى واشنطن، كما كان مقرّراً بناءً على طلب الرئيس الأميركي جو بايدن.
وأكد بيان صادر عن مكتبه أنّ امتناع واشنطن عن استخدام الفيتو لإحباط القرار "يضرّ بالمجهود الحربي وجهود إطلاق سراح الرهائن"، مشيراً إلى أنّه "في ضوء تغيّر الموقف الأميركي، قرّر رئيس الوزراء أنّ الوفد لن يغادر إسرائيل".
وتبنى القرار أعضاء المجلس الـ10 غير الدائمين، وصوت 14 من أصل 15 عضوا لصالحه. وجاء بعد 3 أيام من استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد قرار صاغته واشنطن يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة والإفراج عن المحتجزين المتبقين ووقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
كما جاء بعد 3 مرات استخدمت فيها واشنطن الفيتو لعرقلة صدور قرارات تطالب بوقف إطلاق النار منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وترك ذلك كله واشنطن في حالة ارتباك وسط سيل من الاجتهادات والقراءات لتفنيد تداعيات ومعاني ورسائل الموقف الأميركي الجديد. وامتدح التيار التقدمي بالحزب الديمقراطي القرار، واعتبره خطوة على الطريق السليم، حتى لو أتت متأخرة.
أما التيارات المتشددة والجمهورية المؤيدة لإسرائيل فاعتبرته بمثابة تراجع كبير من الرئيس جو بايدن وضربة لتل أبيب إذ لا يتطرق القرار لارتكاب حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لما يرونه "مجزرة" يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، ولا يربط وقف إطلاق النار بإطلاق سراح المحتجزين.
وهاجم ريتشارد غولدبرغ، المسؤول السابق بإدارة الرئيس دونالد ترامب، والخبير بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، المعروفة بقربها من الجانب الإسرائيلي، موقف إدارة بايدن.
وقال، إن "قراءة هذا القرار تشير إلى أنه يدعي أن هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول لم تحدث أبدا، وأن حماس ليست منظمة إرهابية وحشية. لقد حولت واشنطن سياستها بشكل أساسي من "لا وقف لإطلاق النار دون إطلاق سراح المحتجزين" إلى "نود أن نرى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين، دون أن يكونا مرتبطين".
وأضاف غولدبرغ "لن تطلق حماس سراح المحتجزين أبدا ما لم تواجه ضغوطا كبيرة، هذا القرار يضغط على إسرائيل ويخفف الضغط على الحركة".
أما مدير الأبحاث بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ديفيد ماي، فاعتبر أن "وقف إطلاق النار شعار جميل يحجب المعنى الحقيقي للقرار. إنّ ترك حماس في السلطة سيحافظ على قدرة الحركة على تنفيذ عمليات في المستقبل، وهو أمر وعدت قيادتها بالقيام به. أي شيء أقل من تفكيكها سيترك المواطنين الإسرائيليين غير آمنين".
كما أشار مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، السفير ديفيد ماك، إلى أن قرار واشنطن بالامتناع عن التصويت هو موقف وسط بين التصويت لصالح القرار إذا كانت هناك إدانة لحماس وهجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما يعني رفض القرار حال استخدام روسيا والصين الفيتو مرة أخرى.
وأوضح أنه لذلك اختارت واشنطن مسارا أكثر أمانا، "لقد أرضوا عائلات المحتجزين في إسرائيل والولايات المتحدة".
من جانبه، قال خبير ملف سلام الشرق الأوسط والأستاذ بالجامعة الأميركية في واشنطن، غريغوري أفتانديليان، إن قرار واشنطن كان لسببين رئيسيين:
الأول، بايدن غير راض بشكل متزايد عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يعتقد أنه لا يستمع إلى نصيحة واشنطن بشأن عدم الذهاب إلى رفح بهجوم عسكري واسع النطاق وهو أكثر قلقا بشأن الحفاظ على منصبه أكثر من أي شيء آخر.
الثاني، يأمل بايدن في أنه من خلال السماح بتمرير قرار مجلس الأمن، يمكنه حشد الدعم مع الديمقراطيين التقدميين الذين انتقدوا بشدة سياسته في غزة.
من جهته، قال نائب رئيس معهد كوينسي، تاريتا بارسي، إن قرار إدارة بايدن بالامتناع عن استخدام الفيتو جاء مدفوعا بـ3 عوامل رئيسية وهي: زيادة التوتر بين بايدن ونتنياهو، والمعارضة المتزايدة داخل الإدارة لمعارضة بايدن العنيدة لوقف إطلاق النار، والغضب المتزايد بين قاعدة بايدن الانتخابية لدعمه القصف الإسرائيلي العشوائي على سكان غزة.
وأكد السفير ماك أن امتناع بلاده عن التصويت في مجلس الأمن لا يمثل تغييرا حقيقيا في سياسة الولايات المتحدة تجاه حرب غزة، واعتبره فقط مؤشرا على التطور الأميركي المتزايد حول كيفية التعامل مع مجلس الأمن بطريقة أكثر حكمة سواء من حيث مراعاة الرأي العام الأميركي أو من حيث العلاقات الأميركية مع بقية العالم.
ورأى أنه وعلى نحو متزايد، بدأ بايدن يفهم أن ما يجري في غزة يشير إلى أن هذه الحكومة الإسرائيلية في حالة حرب مع جميع الفلسطينيين غرب نهر الأردن من حيث الطريقة التي يتصرف بها نتنياهو وشركاؤه في الائتلاف اليميني.
واتفق الخبير غريغوري أفتانديليان مع الطرح السابق، وقال إن ذلك ليس سوى تحول طفيف في حرب غزة لأن بايدن لم يضع أي شرط على تقديم الأسلحة الأميركية لإسرائيل كما يريد العديد من الديمقراطيين، ولا يميل إلى خفض المساعدات لها.
وأضاف "نعم يمكننا أن نتوقع المزيد من الحرب الكلامية بين بايدن ونتنياهو، ولكن من المشكوك فيه أن بايدن سيفرض أي إجراءات عقابية على إسرائيل. يعرف نتنياهو ذلك، وبدعمه القوي بين الجمهوريين ومن بعض الديمقراطيين، فهو يعلم أنه من غير المرجح أن يعاقب الكونغرس إسرائيل، حتى لو قتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين في غزة".
وأشار بارسي إلى أن كل ما جرى قبل تمرير ذلك القرار لم يكن سوى تحول بلاغي، حتى مع حديث بايدن عن ضرورة وقف إطلاق النار، في حين يشير تصويت الأمس إلى تحول في الموقف.
وتابع "ومع ذلك، سيكون القرار بلا معنى ما لم يضغط بايدن لضمان عدم تمرير القرار فحسب، بل تنفيذه أيضا. وحتى الآن تعد إشارات بايدن غير مشجعة، خاصة مع زعم الإدارة أمس أن القرار غير ملزم".
وحذر بارسي، بايدن من أنه سيضع نفسه في موقف أسوأ مع المجتمع الدولي ومع شعبه إذا لم يتخذ موقفا أكثر صرامة لأنه بهذا القرار والتصويت، رفع سقف التوقعات. وأكد أن تمرير القرار دون تنفيذه ستكون له نتائج عكسية على بايدن سياسيا.
نص مشروع القرار:
إن مجلس الأمن، إذ يسترشد بمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، وإذ يشير إلى جميع ما اتخذه في هذا الشأن من قرارات تتصل بالحالة في الشرق الأوسط، بما في ذلك قضية فلسطين، وإذ يكرر تأكيد مطالبته بأن تمتثل جميع الأطراف للالتزامات التي تقع على عاتقها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإذ يشجب في هذا الصدد جميع الهجمات على المدنيين والأعيان المدنية، وكذلك جميع أعمال العنف وأعمال القتال الموجهة ضد المدنيين، وجميع أعمال الإرهاب، ومذكرا بأن أخذ الرهائن ممنوع في القانون الدولي؛ وإذ يُعرب عن بالغ القلق إزاء الحالة الإنسانية الكارثية في قطاع غزة، وإذ يعترف بالجهود الدبلوماسية المستمرة التي تبذلها قطر ومصر والولايات المتحدة، بهدف التوصل إلى وقف للأعمال القتالية وإطلاق سراح الرهائن وزيادة توفير المعونة الإنسانية وتوزيعها،
1.يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في شهر رمضان تحترمه جميع الأطراف بما يؤدي إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار، ويطالب كذلك بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، وكذلك بكفالة وصول المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الطبية وغيرها من الاحتياجات الإنسانية، ويطالب كذلك بأن تمتثل الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بجميع الأشخاص الذين تحتجزهم.
2.يشدد على الحاجة الملحة إلى توسيع نطاق تدفق المساعدة الإنسانية إلى المدنيين في قطاع غزة بأكمله وتعزيز حمايتهم، ويكرر تأكيد مطالبته برفع جميع الحواجز التي تحول دون تقديم المساعدة الإنسانية على نطاق واسع، تماشيا مع القانون الدولي الإنساني، وكذلك مع القرارين 2712 (2023) و 2720 (2023).
3.يقرر أن يبقي المسألة قيد نظره الفعلي.
السفيرة الأمريكية
تحدثت السفيرة الأمريكية، ليندا توماس غرينفيلد، مباشرة بعد كلمة السفير الجزائري لتبرر أسباب تصويتها بـ”امتناع”، قائلة إن مجلس الأمن تحدث اليوم دعما للجهود الدبلوماسية الجارية، التي تقودها بلادها وقطر ومصر للتوصل إلى وقف مستدام لإطلاق النار وتأمين الإفراج عن جميع الرهائن والمساعدة في تخفيف المعاناة الهائلة للمدنيين الفلسطينيين في غزة.
وأكدت “أن بلادها تدعم بشكل كامل هذه الأهداف المهمة وأنها تعمل على مدار الساعة لجعلها حقيقة على الأرض عبر الجهود الدبلوماسية”.
وقالت إن الوسطاء يقتربون الآن من التوصل إلى اتفاق بشأن وقف فوري لإطلاق النار مع الإفراج عن جميع الرهائن، “فلنكن واضحين، كان يمكن وقف إطلاق النار قبل شهور لو كانت حماس مستعدة للإفراج عن الرهائن، ولكنها واصلت عرقلة سبيل السلام… والاختباء خلف السكان المدنيين”.
وقالت إن القرار لم يتضمن إدانة لحركة حماس لذلك لم تصوت لصالح مشروع القرار. وطالبت أعضاء مجلس الأمن وجميع الدول الأعضاء في أنحاء العالم إلى الحديث علنا ومطالبة حماس بشكل قاطع بقبول الاتفاق المطروح حاليا. وقالت إنها لا تتوقع أن تفعل روسيا والصين ذلك لأنهما، “لم تدينا بعد هجمات حماس الإرهابية على إسرائيل”.
وأشارت السفيرة إلى أنها حاولت أن تدخل تعديلات نص مشروع القرار، بما في ذلك إدانة حركة حماس. وقالت إنها لم توافق مع كل ما تضمنه القرار “لذا لم تصوت لصالحه ولكننا نؤيد بشكل كامل بعض الأهداف التي يتضمنها هذا القرار غير الملزم. ونعتقد أنه كان مهما للمجلس أن يتحدث ويؤكد بشكل واضح أن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يقترن بإطلاق سراح جميع الرهائن”.
السفير الفلسطيني
بعد تحدث أعضاء المجلس، تناول الكلمة ممثل دولة فلسطين السفير رياض منصور، فقال إن الأمر استغرق ستة أشهر ومقتل وتشويه أكثر من 100 ألف فلسطيني وتشريد أكثر من مليوني شخص وحدوث مجاعة، حتى يطالب هذا المجلس أخيرا بوقف فوري لإطلاق النار.
وأضاف منصور أمام المجلس أن هذا التصويت من أجل أن تسود الإنسانية، وأن تسود الحياة، وقال “إن هذا التصويت للفلسطينيين الذين صرخوا وبكوا ولعنوا وصلـّوا وتحدوا الصعاب من أجل النجاة، ومع ذلك ما زالوا يواجهون الموت والدمار والتهجير والحرمان والمرض، والآن مجاعة من صنع الاحتلال”. وشدد منصور على أن محنة الفلسطينيين يجب أن تنتهي الآن، مضيفا أنه بينما نتحدث الآن، تستعد عائلات للإفطار وقد فقدوا أحباء لهم حول المائدة، وقد لا يجدون ما يضعونه على أطباق أطفالهم”، وشدد على أن “تصويت اليوم يجب أن يكون نقطة تحول وينقذ الأرواح على الأرض ويؤشر إلى نهاية هذا الاعتداء من الفظائع التي تقتل أمتنا”.
وقال منصور “إن المجتمع الدولي تعامل مع إسرائيل كدولة فوق القانون لفترة طويلة لدرجة أنها تشعر أنها لم تعد مضطرة إلى الاختباء عندما تتصرف كدولة خارجة عن القانون”. وقال إن معاناتنا ناجمة عن أفعال الإسرائيليين، وأيضا بسبب الإفلات من العقاب الذي حصلت عليه بسبب حقيقة أن دولا لم تتخذ تدابير حاسمة لوقف ذلك. ويستمر كثيرون في التعامل معها كحليف حتى وهي ترتكب مثل هذه الفظائع”.
وأكد السفير الفلسطيني أنه بعد أن صوت مجلس الأمن على وقف إطلاق النار، فإن جميع القوى يجب أن تتضافر للتأكيد على تطبيق القرار، مضيفا أنه حتى لو حدث وقف إطلاق النار الآن، وتم رفع الحصار، فسوف يستغرق الأمر أجيالا للتعامل مع الصدمة والدمار.
وقال منصور “أعتذر لأولئك الذين خذلهم العالم، لأولئك الذين كان من الممكن إنقاذهم. أنقذوا حياة أولئك الذين نجوا رغم كل الظروف. أخبروهم أن المساعدة في الطريق. حاسبوا أولئك الذين تسببوا في تلك المعاناة لهم. انهوا هذا الظلم الآن”. وأكد في ختام كلمته أن الشعب الفلسطيني موحد وأنه صامد وأنه رغم المجازر سيسترد حريته وأنه لن يتخلى عن أرضه وحقوقه.