في ذكرى وفاته الـ 68.. آينشتاين مؤثراً في العلم والفلسفة والحياة.. تعرّف على أبرز نظرياته التي غيّرت أسلوب التفكير في العالم
انفوبلس/..
يُعد ألبرت آينشتاين من أكثر البشر في العصر الحديث ذكاءً وعبقريةً، على الرغم من أنه لم يكن مخترعًا مثل توماس إديسون أو نيكولا تيسلا، إلا أن نظرياته الفيزيائية ما زالت تؤثر في عالمنا حتى اليوم.
وُلِد ألبرت أينشتاين عام 1879 في فورتيمبيرج في ألمانيا، وعاش ودرس في سويسرا، أثناء دراسته الجامعية كان يعوّل نفسه من عمله في تدريس الرياضيات والفيزياء في جامعة بوليتكنيك حتى عام 1900، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة زيوريخ وعُيِّن فيها أستاذاً استثنائياً للفيزياء النظرية عام 1909.
وفي عام 1913 تم إنشاء منصب خاص له في برلين كمدير لمعهد القيصر فيلهلم للفيزياء، وانتُخِب عضواً في الأكاديمية الملكية البروسية للعلوم، وحصل على راتب يمكنه من تكريس كل وقته للبحث العلمي، ثم تم انتخابه في العديد من الجمعيات العلمية الرفيعة ومُنح عدداً من الدرجات الفخرية والميداليات والأوسمة من عدد كبير من الجامعات المرموقة، وحصل على جائزة نوبل عام 1921، وتوفي في 18 نيسان عام 1955، بعد تعرّضه لنزف داخلي ناتج عن تمزّق تمدد الأوعية الدموية الأبهرية البطنية.
آينشتاين والنسبية
آينشتاين قدّم للعلم الكثير والكثير من الاكتشافات والاختراعات المذهلة، والتي تسببت في ظهور تطبيقات وتقنيات لا حصر لها حتى يومنا هذا، بل إن آثارها يُتوقَّع أن تستمر كثيرًا في المستقبل أيضًا.
قضى آينشتاين معظم حياته باحثًا في نظريات النسبية، ومحقّقًا في مفاهيم المكان والزمان والمادة والطاقة، ويرتبط ألبرت أينشتاين، بواحدة من أبرز وأهم النظريات العلمية، ليس في القرن العشرين فقط، ولكن في تاريخ العلم الحديث بأكمله، نظرية غيّرت مجرى تفكير العلماء تجاه الفضاء، وحركة الكواكب والمجرّات، وتمدّد الكون، وظهور الثقوب السوداء التي زادت من حيرة العلماء، النسبية التي وضعت الضوء وسرعته في مكانة مقدّسة، داخل علوم الفيزياء.
يظن بعض الناس أن آينشتاين لم يبتكر في حياته سوى النسبية فقط، وأنه لم يقدّم للعلم إلا نظرية وحيدة، رغم ضخامتها، ورغم أن مجرد فهمها واستيعابها يمثلان فخرًا لأي شخص، فماذا عن ابتكارها في ذلك الوقت؟ لكن الحقيقة أن آينشتاين قدّم للعلم الكثير والكثير من الاكتشافات والاختراعات المذهلة، والتي تسببت في ظهور تطبيقات وتقنيات لا حصر لها حتى يومنا هذا، بل إن آثارها يُتوقَّع أن تستمر كثيرًا في المستقبل أيضًا.
ونشر آينشتاين طوال حياته مئات الكتب والمقالات، وأكثر من 300 ورقة علمية و150 ورقة غير علمية. في 5 ديسمبر 2014، أعلنت الجامعات ودُور المحفوظات عن إطلاق أوراق آينشتاين، التي تضم أكثر من 30000 وثيقة فريدة، جعلت إنجازاته الفكرية وأصالة كلمة "آينشتاين" مرادفة لكلمة "عبقري"، بالإضافة إلى العمل الذي قام به بنفسه، فقد تعاون أيضًا مع علماء آخرين في مشاريع إضافية بما في ذلك إحصاء بوز-آينشتاين وثلاجة آينشتاين وغيرها.
النظرية الكمية للضوء
طرح آينشتاين فكرة ثورية في وقته، إذ اقترح أن الضوء يتكون من حُزم صغيرة جدًا من الطاقة تُسمّى الفوتونات، وأضاف أن هذه الفوتونات تمتلك خاصيتين: خاصية الجُسيم وخاصية الموجة. فضلًا عن ذلك، اجتهد هذا العبقري في مراقبة سلوك الإلكترونات وهي تنبعث من المعادن بعد تعريضها لضربات كهربائية كبيرة، مثل البرق، ومن هنا توسّع في مفهوم التأثير الكهروضوئي، والذي سنتطرق إليه لاحقًا في هذه المقالة.
النظرية النسبية الخاصة
الزمان والمكان مرتبطان ويؤثران في بعضهما، فيما يُعرف الآن بمصطلح الزمكان، وأن كليهما مفهومان نسبيان متعلقان بسرعة الضوء
حوالي عام 1905، وهو العام الذي نُشِرت فيه أوراق أبحاثه، بدأ آينشتاين يلاحظ بعض الحالات من عدم التوافق بين نظريات ميكانيكا نيوتن ومفهوم المغناطيسية، خاصةً معادلات ماكسويل، وهو ما دفعه لطرح ورقة علمية نُشرت في سبتمبر 1905 يقترح فيها مفهومًا مغايرًا للنظر في سلوك وميكانيكا الأجسام المتحرّكة بسرعة تقترب من سرعة الضوء. هذا المفهوم غيّر نظرتنا للفيزياء آنذاك وأصبح يُعرف لاحقًا بنظرية آينشتاين للنسبية الخاصة.
تقترح النسبية الخاصة أنه بإمكان شخصين مختلفين مشاهدة نفس الحدث في وقتين مختلفين، شرط أن يكونا في حركة منتظمة. قد يبدو هذا التعريف معقدًا لفهم النظرية النسبية الخاصة، لذا سنحاول أن نفكّكها بمثال بسيط.
بدأ آينشتاين في وضع نظريته من فكرة أن الضوء ينتقل دائمًا بسرعة ثابتة، 300 ألف كلم في الساعة، ثم أخذ يتكهّن بتأثير ذلك، إن صحّ، حول مفاهيمنا للزمان والمكان.
أوضح آينشتاين أن الزمان والمكان مرتبطان ويؤثران في بعضهما، فيما يُعرف الآن بمصطلح الزمكان، وأن كليهما مفهومان نسبيان متعلقان بسرعة الضوء.
عدد أفوجادرو
قد يبدو هذا العدد غير مألوف لدى الكثير، لكنه ليس غريبًا على أي طالب نجح في اجتياز مادة الكيمياء في المدرسة الثانوية، وهو أحد الثوابت المستخدمة في الكيمياء والفيزياء، وسُمّي بهذا الاسم نسبةً إلى العالِم الذي أوجده (أفوجادرو).
أثبت آينشتاين وجود الذرات بينما كان يعمل على تطوير نموذجه الرياضي لشرح الحركة البراونية- الحركة العشوائية لجسيمات الموائع (الغازات والسوائل)، ومن هذا المنطلق وضع الأساس لحساب عدد أفوجادرو، أي عدد الذرات في مول واحد من جُزَيء أو عنصر.
اقترح آينشتاين في بحثه في الحركة البراونية وجود جسيمات صغيرة لا يمكن تمييزها، وهو ما أُثبت لاحقًا من قبل جان بيرين، الذي أجرى تجارب باستخدام مجهر عالي الدقة للتحقق من نموذج آينشتاين الرياضي. سمح هذا لبيرين بحساب عدد أفوجادرو وإثبات وجود الذرات، وحصل بذلك على جائزة نوبل في عام 1926.
تكاثف بوز-آينشتاين
في العام 1924 استلم آينشتاين ورقة من الفيزيائي الهندي ساتيندرا ناث بوز يفترض فيها أن فوتونات الضوء يمكن أن تُعدّ جزيئات غاز. أُعجب آينشتاين بنظرية بوز وعمّمها على غاز مثالي يتكوّن من ذرات أو جزيئات متطابقة.
عمل آينشتاين مع بوز لتوسيع هذه الفكرة لتشمل الذرات، ما أدى إلى التنبؤ بحالة جديدة من المادة: تكاثف بوز-آينشتاين. وقد أُنتجت أول عيّنة لهذه الحالة في عام 1995.
توقّع آينشتاين كذلك أنه في درجات حرارة منخفضة جدّا، ستتكتّل الجسيمات معًا لتتخذ حالة كمومية في أدنى مستوى من الطاقة. هذه الظاهرة تسمى تكاثف بوز-آينشتاين، وتصف سلوك مجموعة من الذرات المُبرّدة إلى ما يقارب الصفر المطلق (273.15 درجة مئوية تحت الصفر تقريبًا). عندما تصل الذرات إلى درجة الحرارة هذه، فإنها بالكاد تتحرك وتبدأ في التكتل معًا والدخول في نفس حالات الطاقة أي أنها تُصبح متطابقة، ومن وجهة نظر فيزيائية، تتصرف مجموعة الذرات في تلك الظروف كما لو أنها ذرة واحدة.
النظرية النسبية العامة
في عام 1916، نشر آينشتاين نظرية النسبية العامة، وهي تعميم لمفاهيم النسبية الخاصة وقانون الجذب العام لنيوتن، وتصف الجاذبية كخاصية للمكان والزمان. ساهمت هذه النظرية في فهمنا لبنية الكون على نطاق واسع.
يمكن تفسير نظرية النسبية العامة على النحو التالي:
تمكّن نيوتن من تحديد قيمة الجاذبية بين جسمين على أنها قوة تجاذب بين جسمين، بغض النظر عن مدى كتلتهما أو المسافة التي تفصلهما. أما آينشتاين فاستنتج أن قوانين الفيزياء لا تتغير لجميع المراقبين غير المتسارعين، وأن سرعة الضوء ثابتة بغض النظر عن السرعة التي يسافر بها المراقب. ووجد أن المكان والزمان متشابكان وأن الأحداث التي تحدث في وقت واحد لأحد المراقبين يمكن أن تحدث في وقت مختلف لمراقب آخر. أدى هذا إلى نظريته القائلة بأن الأجسام الضخمة في الفضاء يمكن أن تشوّه نسيج الزمكان.
ساعدت تنبؤات آينشتاين الفيزيائيين المعاصرين على دراسة وفهم الثقوب السوداء وعدسات الجاذبية.
التأثير الكهروضوئي
تُناقش نظرية آينشتاين للتأثير الكهروضوئي انبعاثات الإلكترونات من سطح المعدن عندما يُسلّط الضوء عليه. لاحظ العلماء هذه الظاهرة لكنهم لم يتمكنوا من تفسيرها وفق نظرية ماكسويل الموجيّة للضوء.
ساهمت نظرية آينشتاين عن أن الضوء حُزَمٌ منفصلة من الطاقة تُسمىّ الفوتونات في حل لغز ظاهرة التأثير الكهروضوئي، إذ اقترح انبعاث الإلكترونات من الأجسام الصلبة إثر سقوط الضوء عليها، سمّاها الإلكترونات الضوئية (Photoelectrons).
شكّل هذا النموذج أساسًا لكيفية عمل الخلايا الشمسية، فالضوء يدفع الذرات لإطلاق الإلكترونات التي تولّد تيارًا ينتج عنه توليد الكهرباء.
ثنائية الموجة والجُسيّم
كان عمل ألبرت آينشتاين في تطوير نظرية الكم من أكثر أعماله تأثيرًا على الإطلاق، فخلال حياته المهنية المبكرة، استمرّ آينشتاين في التأكيد على أن الضوء يجب أن يُعامل بمثابة موجة وجُسيم. بمعنى آخر، يمكن للفوتونات أن تتصرف كجسيمات وكموجات في نفس الوقت، وهذا ما أصبح يُعرف لاحقا باسم ثنائية الموجة والجسيم.
نُقل عنه قوله في هذا الصدد:«إننا نواجه نوعًا جديدًا من الصعوبة؛ لدينا صورتان متناقضتان عن الواقع، كلتاهما على حِدة لا تشرح بتمام ظاهرة الضوء، لكنهما معًا يفعلان».
ساهمت أعمال آينشتاين في إلهام الكثير من العلماء الذين جاءوا من بعده، كما كان لها تأثير كبير في مجالات عدّة، مثل ميكانيكا الكمّ الحديثة، ومفهوم الزمن المادي، والضوء، والألواح الشمسية، وحتى الكيمياء الحديثة.
ما جعل آينشتاين عظيمًا في نظر الكثير هو فضوله غير المحدود وميله لاستجواب العالم من حوله بلا هوادة أو قيود، لذا فمن المهم جدًا لنا ألا نتوقف عن طرح الأسئلة، لأن "الفضول يحمل أسباب وجوده معه"، كما قال آينشتاين الذي ترك بصمة فريدة وإنجازات غيّرت جذريًا فهمنا للفيزياء بالصورة التي نعرفها اليوم.
فلسفة آينشتاين
"كل شيء مُقدَّر سلَفاً؛ البداية كما النهاية، تُحددها قوة لا سلطةَ لنا عليها… نحن جميعا نرقص على نغمة غامضة، يعزفها عازف خفيّ على بُعد".
كتب آينشتاين في كانون الأول 1926: "للنظرية -أي ميكانيكا الكمّ- فوائد جمّة، لكنها لا تقرِّبنا من سرّ الإله. أنا على يقين تام بأن الله لا يلعب النَّرْد". كتب آينشتاين هذا في ردِّه على خطاب من الفيزيائيّ الألمانيّ ماكس بورن. كان ماكس يقول إنّ قلبَ نظرية ميكانيكا الكمّ الجديدة ينبض بالشكّ والعشوائيّة، وكأنه يعاني من اضطراب النَّظْم القلبي. فحين كانت الفيزياء قبل نظرية الكمّ قِوامها أنّا إذا أدخلنا المدخل ألف نحصل على المخرج باء، بَدَا قِوام ميكانيكا الكمّ أنّا إذا أدخلنا المدخل ألف نحصل على المخرج باء باحتماليّة ما، وفي بعض الحالات يمكننا الحصول على المخرج جيم.
لم يَقبَل آينشتاين هذا، وتردّد في العقود التالية صدَى إصرارِه بأنّ الله لا يلعب النَّرد مع الكون، وهو أمر صعب الفهم تماما مثل معادلته E = mc2. ما الذي عناه أينشتاين بقوله ذاك؟ وكيف كان تصور آينشتاين عن الله؟ كان أبواه، هيرمان وبولين، يهوديَّين أشكناز غيرَ متديّنَين. ورغم علمانيّة والدَيه، تعرَّف آينشتاين على اليهودية والتزَم بها بحماسة معتبَرَةً حين كان في التاسعة من عمره، وظلَّ فترة من حياته يهوديا ملتزما ومتديِّنا.
إن الإله -عند آينشتاين- أعظم من كلِّ شيء، لكنه غيرُ شخصي وغيرُ ملموس، ماكر لكن ليس شرّيرا. وهو أيضا حتميّ بشدة. فعلى حدّ اعتقاد آينشتاين، كان "التناغم الناموسيّ" لله ينشأ في الكون من التزام صارم بالمبادئ الفيزيائية للسبب والنتيجة. لذا فلا مجال في فلسفة آينشتاين للإرادة الحُرّة، إذ يقول: "كل شيء مُقدَّر سلَفاً؛ البداية كما النهاية، تُحددها قوة لا سلطةَ لنا عليها… نحن جميعا نرقص على نغمة غامضة، يعزفها عازف خفيّ على بُعد".