قبل طوفان الأقصى بأكثر من عام.. حماس أنتجت مسلسلا رمضانيا تناول العديد من تفاصيل عملية السابع من أكتوبر.. تعرف على مسلسل "قبضة الأحرار" وتفاصيلها وظروف إنتاجها
انفوبلس..
في شباط/ فبراير من عام 2022، أُزيح الستار عن مسلسل فلسطيني رمضاني يحاكي قصة حقيقية وقعت عام 2019 جنوب شرقي قطاع غزة، عندما اكتشف مقاومون من كتائب عز الدين القسام "خلية مستعربين"؛ وهي قوة إسرائيلية تنكرت في لباس فلسطيني، وتسللت إلى القطاع بهدف التجسس وجمع معلومات عن فصائل المقاومة، ومن المثير للدهشة أن المسلسل تطرق لكثير من تفاصيل معركة "طوفان الأقصى" قبل حدوثها بـ18 شهراً.
المسلسل الذي أنتجته حركة حماس، ويصنَّف بأنه "عمل فني استخباراتي" استند إلى قصص حقيقية، تبرز ما يُطلق عليه "صراع الأدمغة" بين المقاومة وأجهزة استخبارات الاحتلال الإسرائيلي، فضلا عن جوانب أخرى في حياة مليوني فلسطيني يعانون من ظروف مأساوية منذ 16 عاما من الحصار، تخللتها 4 حروب عنيفة لحين موعد عرض المسلسل.
وكان الهدف وراء هذا المسلسل هو تقديم رواية فلسطينية مضادة للرواية الإسرائيلية، وإبراز تطور أداء المقاومة فيما وصفه رئيس دائرة الإنتاج الفني في حركة حماس الدكتور محمد ثريا "بصراع العقول"، وقال "نجتهد بإمكاناتنا المتواضعة لمجابهة الكذب والتضليل الإسرائيلي، إدراكاً لحجم تأثير الدراما على وعي الجمهور".
وتألف المسلسل من 30 حلقة، مدة الواحدة منها 40 دقيقة، وعُرض في شهر رمضان على عدة قنوات محلية وعربية داعمة للمقاومة.
ورأى متابعون أن "قبضة الأحرار" ردّ على مسلسل "فوضى" الإسرائيلي، الذي بثته منصة "نتفليكس" ومنصات أخرى، وعرض قصصا تبالغ في تصوير مغامرات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ونجاحها في اختراق المجتمع الفلسطيني، وتنفيذ عمليات ضد فصائل المقاومة.
غير أن محمد ثريا يقول إن "قبضة الأحرار" ليس ردّا على "فوضى" الإسرائيلي، وإنما تشخيص وتجسيد للواقع، وللشخصية الفلسطينية، ومحاولة لمجابهة "الاغتيال المعنوي الذي تمارسه إسرائيل ضد شخصيات في المقاومة".
وأبرز رئيس دائرة الإنتاج الفني في حماس قيمة إنتاج أعمال فنية فلسطينية، رغم ضعف الإمكانات البشرية والمادية، في مقابل الدعم الهائل الذي تتلقاه إسرائيل من قوى وجهات عالمية تساعدها على إنتاج أعمال تشوّه صورة المقاومة والنضال الوطني الفلسطيني.
إعادة تداول
ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أعادوا نشر لقطات من حفل تكريم أبطال مسلسل "قبضة الأحرار" عام 2022، الذي تم بحضور رئيس حركة المقاومة "حماس" في غزة يحيى السنوار، وأشاروا إلى أن العمل الفني الفلسطيني تطرق إلى كثير من تفاصيل خطة معركة "طوفان الأقصى" قبل حدوثها.
وخلال التكريم، قال السنوار إن "العمل الفني لا ينفك ولا ينفصل أبدا عن إعداد كتائب القسام واستخباراتهم ومجالات عملهم المختلفة"، واصفا المسلسل بـ"الجهد الجبار".
وأضاف، إن للمسلسل بصورة خاصة تأثيرا كبيرا على وعي الشعب الفلسطيني والأمة، لافتا إلى أنه يأتي ضمن الجهود الفلسطينية للتحرير والعودة إلى الأراضي المحتلة.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع من المسلسل وكلمة السنوار على نطاق واسع، حيث أشاروا إلى العديد من الأحداث التي رواها العمل الفلسطيني وحدثت بالفعل خلال عملية طوفان الأقصى وما تلاها من عدوان إسرائيلي بدعم أمريكي مطلق.
يشار إلى أن "قبضة الأحرار" صُوّر في 2022 بتمويل من دائرة الإنتاج الفني في حركة حماس، بهدف تقديم رواية فلسطينية مضادة لروايات الاحتلال الإسرائيلي، من أجل التأكيد على أحقية الشعب الفلسطيني بأرضه ومواصلة المقاومة حتى نيل حقوقه كاملة.
ويروي المسلسل أحداثا عملية عسكرية قام بها المقاومون الفلسطينيون وراء خطوط الاحتلال، محققين نصرا باختراق أنظمة المراقبة الإسرائيلية وأجهزة الاستخبارات قبل أن يتمكنوا من أسر العديد من الإسرائيليين، في ضربة موجعة للاحتلال شبيهة بما خطَّهُ مقاتلو الفصائل الفلسطينية من انتصار كشف عن فشل إسرائيلي كبير في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
تجربة بإمكانات محدودة
وقال محمد ثريا، إن ممثلين محليين -جُلَّهم هواة ولم يسبق لكثير منهم خوض مثل هذه التجربة- شاركوا في المسلسل، الذي تم تصويره في غزة بإمكانات متواضعة ومتهالكة، بسبب منع إسرائيل إدخال معدات تصوير ومونتاج متقدمة.
ولا يوجد في غزة معاهد متخصصة ومدن إنتاج فني؛ مما يضطر إلى الاعتماد على ممثلين هواة، والتصوير في الشوارع والأماكن العامة.
ويقول ثريا، إن تكلفة المسلسل بسيطة جدا، كاشفًا عن أجر بطل المسلسل الذي يُقدر بـ3 آلاف دولار فقط نظير دوره في المسلسل، الذي يستغرق تصويره 6 شهور، بينما يقوم كثير من أفراد العمل والممثلين بأدوار تطوعية من دون مقابل.
وواجه فريق عمل المسلسل مخاطر حقيقية أثناء تصوير المشاهد في مناطق متاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي شرق غزة، وفق عضو فريق التصوير في المسلسل أحمد المقادمة.
وقال المقادمة، إن عدم وجود مدن إنتاج فني وإعلامي في غزة توفر أماكن مختلفة لتصوير أحداث المسلسل (لوكيشن) يجعلنا نضطر للعمل في الشوارع، وأماكن خطرة تعرقل العمل.
وفوجئ فريق العمل بإطلاق نار في الهواء من جانب قوات الاحتلال المتمركزة في مواقع عسكرية على السياج الأمني لإجبارهم على مغادرة المنطقة، حسب المقادمة.
تفاصيل المسلسل
وعكست أحداث المسلسل العلاقة المتشابكة بين الفلسطينيين والكيان المحتل في قضايا مختلفة، تتعلق بالحروب على غزة، وتداعيات الحصار وتأثيراته سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والصراع الاستخباراتي بين المقاومة والاحتلال، والتفوق الأخلاقي للمقاومة في تعاملها مع الأسرى الإسرائيليين في مقابل معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
وأدى جواد حرودة (63 عامًا) -وهو موظف متقاعد عمل سابقًا في تلفزيون فلسطين بعد تأسيس السلطة عام 1994- دور رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شاباك).
وسبق للممثل حرودة تجسيد أدوار شخصيات إسرائيلية في أعمال فنية، وقال "لابد من إتقان هذه الأدوار، ونحن كممثلين فلسطينيين الأقدر على تأديتها، بحكم وجودنا تحت الاحتلال ومعاناتنا اليومية من جرائمه".
وأضاف، أن "نجاح كل ممثل في تأدية الدور المطلوب منه، والتعايش مع الشخصية التي يؤديها، يحققان للعمل النجاح من أجل إيصال الرسالة وتحقيق الهدف، وهدفنا في أعمالنا الفنية الفلسطينية تعرية الاحتلال وإظهار ظلمه وجرائمه".
ولم يغفل القائمون على المسلسل عن المرأة الفلسطينية التي ظهرت بشخصيات مختلفة تبرز دورها المؤثر في مسيرة النضال الوطني.
ويُعد مسلسل "قبضة الأحرار" امتدادا لأعمال فنية دأبت دائرة الإنتاج الفني في حماس على إنتاجها في السنوات القليلة الماضية، وآخرها مسلسل "بوابة السماء"، الذي عُرض على 12 قناة تلفزيونية، وحقق 30 مليون مشاهدة على منصة يوتيوب قبل أن تقوم المنصة بحذفه، وفقا لمحمد ثريا.
وقال ثريا، إن الفلسطيني الذي يواجه القتل اليومي من قبل قوات الاحتلال يتعرض كذلك إلى حرب شرسة تستهدف المحتوى الذي يقدم رواية حقيقية ومغايرة وتكشف الزيف والتضليل الإسرائيلي.