قتله المتطرفون الهندوس بسبب مواقفه المعتدلة حيال المسلمين.. انفوبلس تستذكر اغتيال "المهاتما غاندي" قبل 76 عاماً
انفوبلس/ تقرير
في تمام الساعة الخامسة وسبع عشرة دقيقة من عصر يوم 30 يناير/ كانون الثاني 1948، اُغتيل المهاتما غاندي بثلاث رصاصات وهو في طريقه إلى الصلاة، الذي يعتبر هو الأب الروحي للهنود، ولقب "مهاتما" أي الروح، ورغم أنّه الأب الروحيّ للهند، وأنّه هندوسيّ الديانة إلا أنّه اُغتيل على يد رجلٍ هندوسيٍّ مثله، لأنّ قاتِلَهُ اعتبره خائناً للقومية الهندوسية الهندية لأنّه طالب باحترام حقوق الأقلية المسلمة.
ويسلط تقرير شبكة "أنفوبلس"، الضوء على أسرار اغتياله في الذكرى السنوية الـ 76 وأبرز مواقفه تجاه الإسلام
من هو المهاتما غاندي؟
زعيم هندي اشتهر بثقافة اللاعنف وسياسة المقاومة السلمية، دافع عن حقوق المنبوذين في الهند، وقاوم الاحتلال البريطاني بسلمية صارمة، وفي سنواته الأخيرة دعا الهندوس إلى احترام حقوق المسلمين، فاغتاله أحد الهندوس المتعصبين متهماً إياه بالخيانة العظمى.
المولد والنشأة
وُلِد موهندس كرمشاند غاندي الملقب بالـ"مهاتما" (أي صاحب النفس العظيمة أو القديس) يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول 1869 في بور بندر بمقاطعة غوجارات بالهند لأُسرة محافظة لها باع طويل في العمل السياسي، وكان جده -كما كان والده- رئيس وزراء إمارة بور بندر. وقد تزوج وهو في الـ13 من العمر استجابةً للتقاليد الهندية المحلية.
سافر إلى بريطانيا عام 1888 لدراسة القانون، وفي عام 1891 عاد منها إلى الهند بعد أن حصل على إجازة جامعية تخوله ممارسة المحاماة.
أسس غاندي ما عُرِف في عالم السياسة بـ"المقاومة السلمية" أو فلسفة اللاعنف (الساتياراها)، وهي مجموعة من المبادئ تقوم على أُسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد، ملخصها "الشجاعة والحقيقة واللاعنف"، تهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي العميق بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف أولاً، ثم بالعنف إذا لم يوجد خيار آخر.
وتتخذ سياسة اللاعنف عدة أساليب لتحقيق أغراضها، مثل الصيام والمقاطعة والاعتصام والعصيان المدني والقبول بالسجن وعدم الخوف من أن تقود هذه الأساليب حتى النهاية إلى الموت. ويشترط غاندي لنجاح هذه السياسة تمتع الخصم ببقية من ضمير وحرية تمكنه في النهاية من فتح حوار موضوعي مع الطرف الآخر.
سافر إلى جنوب أفريقيا عام 1893 للعمل في مكتب للمحاماة في "ناتال"، وكان في نيته البقاء عاما واحدا فقط، لكن أوضاع الجالية الهندية هناك جعلته يبقى لمدة 22 عاما.
عاد من جنوب أفريقيا إلى الهند عام 1915، وفي غضون سنوات قليلة من العمل الوطني أصبح الزعيم الأكثر شعبية. وركز على كفاح الظلم الاجتماعي من جهة وكفاح الاستعمار من جهة أخرى، واهتم بشكل خاص بمشاكل العمال والفلاحين وفئة المنبوذين، واعتبر الفئة الأخيرة -التي سمّاها "أبناء الإله"- سُبّة في جبين الهند ولا تُليق بأمة تسعى لتحقيق الحرية والاستقلال والخلاص من الظلم.
قرر عام 1932 البدء بصيام حتى الموت احتجاجا على مشروع قانون يكرّس التمييز الطبقي في الانتخابات ويهمّش المنبوذين الهنود، مما دفع الزعماء السياسيين والدينيين إلى التفاوض والتوصل إلى "اتفاقية بونا" التي قضت بزيادة عدد النواب من "المنبوذين" وإلغاء نظام التمييز الانتخابي.
تميزت مواقفه من الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية في عمومها بالصلابة المبدئية التي لا تلغي أحيانا المرونة التكتيكية، وسبّب له تنقله بين المواقف القومية المتصلبة والتسويات المرحلية المهادنة، حَرَجاً مع خصومه ومؤيديه وصل أحيانا حد التخوين والطعن في مصداقية نضاله الوطني من قبل المعارضين لأسلوبه.
فقد تعاون مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى على دول المحور، وشارك عام 1918 -بناءً على طلب من الحاكم البريطاني في الهند - في مؤتمر دلهي الحربي، ثم انتقل إلى المعارضة المباشرة للسياسة البريطانية بين عامي 1918 و1922 وطالب خلال تلك الفترة بالاستقلال التام للهند.
وفي عام 1922 قاد حركة عصيان مدني صعّدت من الغضب الشعبي الذي وصل في بعض الأحيان إلى صِدام بين الجماهير وقوات الأمن والشرطة البريطانية مما دفعه إلى إيقاف هذه الحركة، ورغم ذلك حكمت عليه السلطات البريطانية بالسجن ست سنوات ثم عادت وأفرجت عنه عام 1924.
وفي سنة 1934 قرر غاندي الاستقالة من حزب المؤتمر والتفرغ للمشكلات الاقتصادية التي كان يعاني منها الريف الهندي، وفي عام 1937 شجّع الحزب على المشاركة في الانتخابات معتبرا أن دستور 1935 يشكل ضمانا كافيا وحدا أدنى من المصداقية والحياد.
وفي عام 1940 عاد إلى حملات العصيان مرة أخرى، فأطلق حملة جديدة احتجاجا على إعلان بريطانيا، الهند، دولة محاربة لجيوش المحور دون أن تنال استقلالها، واستمر هذا العصيان حتى عام 1941.
وإزاء الخطر الياباني المحدق حاولت السلطات البريطانية المصالحة مع الحركة الاستقلالية الهندية، فأرسلت في عام 1942 بعثة عُرِفت باسم "بعثة كريبس" ولكنها فشلت في مسعاها، وعلى إثر ذلك قبل غاندي عام 1943 -ولأول مرة- فكرة دخول الهند في حرب شاملة على دول المحور على أمل نيل استقلالها بعد ذلك.
وخاطب غاندي الإنجليز بجملته الشهيرة "اتركوا الهند وأنتم أسياد"، لكن هذا الخطاب لم يُعجب السلطات البريطانية فشنّت حملة اعتقالات ومارست ألواناً من القمع العنيف كان غاندي نفسه من ضحاياه، حيث ظل معتقلا في السجن ولم يُفرَج عنه إلا عام 1944.
بانتهاء عام 1944 وبداية عام 1945 اقتربت الهند من الاستقلال وتزايدت المخاوف من الدعوات الانفصالية الهادفة إلى تقسيمها إلى دولتين بين المسلمين والهندوس، وحاول غاندي إقناع محمد علي جناح الذي كان على رأس الداعين إلى هذا الانفصال بالعدول عن توجهاته، لكنه فشل.
وانقسمت الهند بالفعل في 16 أغسطس/ آب 1947، وما إن أعلن التقسيم حتى سادت الاضطرابات الدينية وبلغت من العنف حدا تجاوز كل التوقعات، فسقط في "كـلـكـتـا" وحدها ما يزيد عن خمسة آلاف قتيل.
وقد عبّر غاندي عن أَلَمِه لهذه الأحداث واعتبرها كارثة وطنية، كما زاد من ألمه تصاعد حدّة التوتر بين الهند وباكستان بشأن كشمير وسقوط العديد من القتلى في الاشتباكات المسلحة التي نشبت بينهما 1947-1948، وأخذ يدعو إلى إعادة الوحدة الوطنية بين الهنود والمسلمين طالباً بشكل خاص من الهندوس احترام حقوق المسلمين.
لم ترُق دعوات غاندي لاحترام حقوق المسلمين بعضَ الفئات الهندوسية المتعصبة واعتبروها خيانة عظمى، فقرروا التخلص منه، وفي 30 يناير/ كانون الثاني 1948 أطلق عليه أحد الهندوس المتعصبين ثلاث رصاصات، فخرَّ صريعا.
ماذا قال غاندي عن فلسطين والإسلام؟
المُتتبّع لمواقف "غاندي" يُدرك أنه أصبح ذات نفس عظيمة وقديسًا، ويكفي أنه توفي في سبيل دفاعه عن انفراد وحقوق المسلمين المنبوذين في بلاده، ولا يزال المسلمون في الهند يعانون ظروفًا صعبة وتمييزًا عنصريًا، بحسب ما أعلن حفيد غاندي لوسائل الإبلاغ في ذكرى وفاة جده السنة الماضي، وكما تترجمه الأحداث الجارية على الأرض حتى اللحظة، لا سيما أن الحكومة الهندية الحالية تُغذّي هذا السلوك غير الإنساني على نطاق واسع.
وإلى اليوم يبقى الرجل أحد عمالقة القرن العشرين، والأكثر إلهاماً في سياسة "اللاعنف" الشهيرة التي تبنّاها ونادى بها طيلة حياته، وباتت منذ ذلك اليوم مرتبطةً باسمه.
للوهلة الأولى قد تبدو حياة المهاتما غاندي بعيدةً عن منطقتنا العربية كونه لم يَزُرها في حياته، ولم تكن له أية علاقة مباشرة بقادتها ومشاكلها. ولكن بالعودة إلى مسيرته النضالية الأسطورية، نجد أن ارتباطاً قد جمعه بالمنطقة منذ أن أعلن الرئيس التركي كمال أتاتورك قراره الشهير بإلغاء الخلافة الإسلامية في شهر مارس/ آذار 1924.
*غاندي والخلافة الإسلامية
بموجب قرار الرئيس التركي، نُقِلت صلاحيات الخليفة، مع بعض مهامه، وما تبقى له من موازنة، إلى البرلمان التركي، وقد سوّغ أتاتورك قراره بالقول: "يجب أن أوضح أن أولئك الذين يسعون إلى إبقاء المسلمين منغمسين في وَهْم الخلافة هُم أعداء المسلمين".
"لن يتسامح المسلمون الهنود مع أي تأثير، مباشر كان أم غير مباشر، على الأماكن المقدسة الإسلامية"
صُعِق غاندي من هذا القرار، وأعرب عن رفضه التام لما جاء فيه، علما أنه لم يكن مسلما، ولكنه كان ينظر إلى الخلافة الإسلامية بوصفها رمزا لقوة المسلمين ووحدتهم. بعد الحرب العالمية الأولى هُزِم الجيش العثماني الجرار، واحتلت جيوش الحلفاء عاصمة الخلافة. فرضت بريطانيا وفرنسا إملاءاتهما على الخليفة، وأجبرتاه على التنازل عن جزء من الأناضول، وسوريا كلها، وإطلاق سراح أسرى الدول الأوروبية، دون أي مقابل. وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1924، غادر آخر خلفاء بني عثمان، عبد المجيد الثاني، عاصمته، وركب سفينة بريطانية نقلته إلى مالطا، مع تعليمات صارمة بأن لا يعود إلى تركيا أبداً.
ظهرت في الهند حركة سياسية للدفاع عن الخلافة الإسلامية سنة 1919، أسهمت إسهاما كبيرا في توحيد الهندوس والمسلمين، سواء في الدفاع عن الخلافة أو في معارضة البريطانيين في بلادهم. وقد أعطاها غاندي زخما مضاعفا بموقفه المؤيد لها، وعمله المُشترَك مع قادة الهند المسلمين، مثل شوكت علي، ومحمد علي جوهر. كان غاندي بحاجة إلى هؤلاء في نضاله ضد الإنكليز، بعد أن وقف مع الدولة العثمانية التي حاربت بريطانيا في الحرب العظمى.
عندما ظهرت حركة الخلافة الهندية إلى العلن كان غاندي على مشارف الخمسين من عمره، وقد ساهمت مساندته لمطالب المسلمين في توسيع شعبيته بين مسلمي الهند، ولكنها أغضبت عددا كبيرا من الهندوس المتطرفين. وفي سنة 1924، دُعي غاندي إلى مناصرة جمعية الخلافة التي ظهرت في دمشق، بقيادة الأمير سعيد الجزائري، حفيد المجاهد الأمير عبد القادر الجزائري، الذي حارب الاحتلال الفرنسي في بلاده في القرن التاسع عشر. راسلَ الأمير سعيد المهاتما أملاً في الحصول على دعم منه لترشيحه– أي الأمير سعيد– ليكون الخليفة المقبل للأمة الإسلامية، نظرا لكونه من آل البيت. رد غاندي برسالة لَبِقَة، معرباً عن دعمه لفكرة الخلافة من حيث المبدأ، دون إبداء رأي صريح حول طموحات الأمير سعيد، التي كان ينافسه فيها كل من فؤاد الأول ملك مصر، والشريف حسين بن علي ملك الحجاز وقائد الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين.
"المسلمون يطالبون بفلسطين، وعليهم الاحتفاظ بوصايتها، لكن هذا لا يعني أن اليهود والمسيحيين لا يمكنهم الذهاب إلى فلسطين بحُرية"
وفي مارس/ آذار 1921، أدلى غاندي بحديث صحافي لجريدة "Bombay Chronicle" جاء فيه: "إن وجود الإسلام يتطلب الإلغاء التام لنظام الانتداب البريطاني والفرنسي. لن يتسامح المسلمون الهنود مع أي تأثير، مباشر كان أم غير مباشر، على الأماكن المقدسة الإسلامية. المسلمون يطالبون بفلسطين، وعليهم الاحتفاظ بوصايتها، وصية النبي، لكن هذا لا يعني أن اليهود والمسيحيين لا يمكنهم الذهاب إلى فلسطين بحُرية أو حتى الإقامة فيها والتملك. ما لا يستطيع غير المسلمين فعله هو الحصول على ولاية سيادية في فلسطين، ولا يمكن لليهود أن يحصلوا على حقوق سيادية في مكان كانت تسيطر عليه القوى الإسلامية لقرون عدة، بموجب حقوق الغزو الديني. ولم يسفك جنود المسلمين دماءهم من أجل إخراج فلسطين من سيطرة المسلمين".
*غاندي وفلسطين
معارضة غاندي للاحتلال البريطاني في بلاده جعلته حليفا طبيعيا للشعب الفلسطيني، ومعارضا للمطامع الصهيونية في فلسطين. جاء هذا الموقف في مرحلة متقدمة من حياته، لأن جهوده كانت وحتى مطلع ثلاثينيات القرن العشرين مُنصبّةً على استقلال الهند، ونُصرةً للفقراء، ودعم صناعات الغزل اليدوي، ومبدأ اللاعنف في وجه الاحتلال. يهود الهند كانوا قلة- أقل من 25 ألفا سنة 1930- يتمركزون في مدينة بومباي، وكانوا بعيدين عن السياسة، وسعداء بحياتهم في الهند، ولا يرغبون في الانتقال للعيش في فلسطين. حاولت الحركة الصهيونية العالمية التواصل مع غاندي، ولكنه بقي مُصِرَّاً على موقفه، ونصح رئيسها حاييم وايزمان بأن ينظر إلى القدس "من فوق، بوصفها مكانا روحانيا"، لا وطناً أبدياً لليهود. وعندما زار لندن لحضور طاولة مستديرة عن مستقبل الهند سنة 1931 تحدث غاندي مع الصحيفة الصهيونية "The Jewish Chronicle" وقال: "الصهيونية تعني احتلال فلسطين، وهي لا تجذبني. أستطيع تفهم شوق اليهود للعودة إلى فلسطين، ويمكنهم أن يفعلوا ذلك دون مساعدة حِراب البنادق، سواء كانت يهودية أم بريطانية. في هذه الحالة سيذهبون إلى فلسطين بسلام وبصداقة تامة مع العرب".
وفي مطبوعته الدورية، كتب غاندي يوم 26 نوفمبر 1939: "فلسطين للعرب مثلما بريطانيا للإنكليز، وفرنسا للفرنسيين". بعد ثماني سنوات، وقف غاندي مع تلميذه الوفي وخليفته، رئيس الحكومة الهندية جواهر لال نهرو، ضد قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947. كتب إليهما العالم اليهودي العالمي ألبيرت آينشتاين، قائلا: إن اليهود كانوا "ضحايا التاريخ لقرون طويلة". ونصح آينشتاين الهند بالتفكير مليّاً قبل التصويت ضد "حلم اليهود في أرض الميعاد". ورد نهرو بحزم، معرباً عن تعاطفه الكبير مع معاناة اليهود واضطهادهم في الحرب العالمية الثانية. ولكنه أضاف: إن القرارات الوطنية هي "وبكل أسف، أنانية". وظل هو وغاندي حتى آخر رمق مُصمِّمَينِ على قرارهما المشترك برفض تقسيم فلسطين، ومقاسمتها بين اليهود والعرب، تحت أية ذريعة كانت.
من هو قاتل غاندي الذي شبّهوه بالمرأة؟
وُلد "ناتهورام جودسى" الهندوسيّ المتعصّب الذي اغتال غاندي رمز استقلال الهند ورمز المقاومة السلمية في العالم كله، في قريةٍ صغيرة في وسط الهند، لعائلة من الطبقة الغنية. وقد مات 3 من إخوته الأكبر منه بمرضٍ مجهول، فعاملته العائلة معاملة الفتاة معتقدةً أنها ستحميه بهذه الطريقة، فثقبت أنفه وجعلته يرتدي حلقاً فيها إلى أن رُزِقَت بمولودٍ آخر.
وبسبب ارتدائه حلقاً في أنفه، أُطلق على جودسي لقب "ناثورام"، الذي يعني "رجل ذو أنفٍ مثقوب كالنساء".
عندما صار شاباً، انضم جودسي إلى منظمة "آر.إس.إس". القومية، التي التحق بها كثير من أفراد الحزب الحاكم في الهند حينها، ومنهم رئيس الوزراء الحالي نفسه: ناريندرا مودي.
اعتقد جودسي أنّ غاندي خان الهندوس بتصالحه مع المسلمين وبسماحه للباكستانيين بالانفصال خلال تقسيم الهند عام 1947. ولا يزال كثير من الهندوس القوميين -الذين يرون جودسي بطلاً قومياً وغاندي خائناً- يذكرون ذلك الأمر.
وساعد أيضاً توفر الإنترنت الزهيد الثمن على الهواتف النقالة في معظم المناطق الريفية، في خلق بيئةٍ من المعلومات المُضللة يصعب فيها تدقيق الحقائق من الخيال. وتقول رسائل واتساب التي انتشرت على نطاقٍ واسع في المناطق الريفية إنه لولا قتل جودسي لغاندي، لكانت الهند سقطت مثلما سقط الاتحاد السوفييتي تماماً. وتصف رسائل أخرى غاندي بأنه كان "زير نساء".
وتُستخدم اللقاءات الجماعية التي تُمجّد قاتل غاندي أيضاً في نشر الأكاذيب وتبرير اغتيال غاندي. يقول جاين الذي يقدّس جودسي وعمره 38 سنة: "ينبغي أن يُحترم غاندي، لكن الهند الجديدة لا ينبغي أن تتسامح مع الحطّ من قدر جودسي أيضاً".
ويحث جاين، إلى جانب بعض أصدقائه القوميين الهندوس، حكومة ولاية أتر برديش على إدراج فصلٍ خاص في الكتب المدرسية عن جودسي. والفكرة هنا هي تقديمه باعتباره صاحب "رؤية" للقومية الهندوسية وأحد مسببات قيام الدولة الهندوسية.
تقوم القومية الهندوسية، وهي أيديولوجية تُحرك مودي وحزبه الحاكم، على فكرة أنّ الهند أمة هندوسية فقط وأن الأقليات -وخاصة المسلمة منها- ينبغي لها الخضوع للسيادة الهندوسية.
أمّا باندي، التي كانت تزور تمثالاً لجودسي مؤخراً في مدينة ميروت، وهي واحدة من أكثر الشخصيات المتعلِّمة في قريتها في شمال غرب الهند، إذ إنها حاصلة على درجة الدكتوراه في الرياضيات وتُدرّس في الجامعة المحلية، وهي أيضاً زعيمة حزب ماهاسابها، الذي تشكل منذ أكثر من 100 عام ويتبنى القومية الهندوسية المتطرفة.
قُبض عليها في العام الماضي، بعد أن أعادت تمثيل مشهد قتل غاندي. وهي تظهر في مقطع فيديو جلَبَ لها شُهرة على الصعيد الوطني، تُطلق النار على دمية تُمثل غاندي ويخرج منها دماً مزيفاً!
تُدير باندي فرع حزب ماهاسابها في مدينة ميروت، وهي تعقد اجتماعات الصلاة في المعابد ويحضُّون الناس موضحين لهم لماذا الآن -تحت حكم مودي- هو الوقت المناسب لعودة الهند لتكون أمة هندوسية خالصة.
تقول باندي -الدكتورة الجامعيّة- إنّه لو كان جودسي حيّاً لشربت الماء الذي يغسل به قدميه تبرُّكاً به. مضيفةً: "بطلُنا أوقفَ السُّمَّ الذي كان غاندي ينشره في هذه الأرض الطاهرة.. لو كنتُ قد وُلِدتُ قبل جودسي لكنتُ أطلقت النار على غاندي بنفسي!".