مهلة اليمن بشأن غزة تقترب من الانتهاء.. ما السيناريوهات "المحتملة"؟ وماذا عن أبعاد التحرك؟

انفوبلس/ تقرير
بالتزامن مع استمرار "الاحتلال الصهيوني" في خرقها لاتفاق الهدنة مع حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة، وخاصة منعها دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع،منح قائد حركة أنصار الله اليمنية، السيد عبد الملك الحوثي، الوسطاء في الاتفاق، مهلة أربعة أيام لإدخال المساعدات، فما هي السيناريوهات "المتوقعة" بعد انتهاء المهلة؟ وماذا عن ردود الفعل؟
يأتي ذلك في ظل تعثر المراحل المقبلة من اتفاق وقف إطلاق النار الذي وضع حدا للحرب المدمرة التي استمرت 15 شهرا متواصلة قطاع غزة، قبل أن يعلن "الاحتلال الصهيوني" منعها إدخال المساعدات إلى القطاع.
وتتعمد سلطات الاحتلال بعدم السماح بإدخال المساعدات الإنسانية مثل البيوت الجاهزة والمعدات الثقيلة والخيام التي نص عليها الاتفاق في مرحلته الأولى، ناهيك عن تهربها من عملية التفاوض للانتقال للمرحلة الثانية، في حين المقاومة ملتزمة بتنفيذ كل بنود الإتفاق.
واتخذ "الاحتلال الصهيوني" هذا القرار صبيحة اليوم الثاني من الشهر الجاري، تزامنا مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، والتي استمرت 42 يوما، منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي. كما لاقت هذه الخطوة "الإسرائيلية" تنديدا واسعا نظرا لتداعياتها السلبية على سكان القطاع المحاصر، والذين يواجهون أساسا ظروفا إنسانية كارثية.
*مهلة السيد الحوثي
قال قائد حركة أنصار الله اليمنية، السيد عبد الملك الحوثي، أول أمس الجمعة 7 آذار/مارس 2025، إنهم يمهلون الاحتلال الإسرائيلي 4 أيام لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وما لم يحدث ذلك، فإن جماعته ستستأنف هجماتها في البحر الأحمر.
وقال الحوثي في كلمة بثتها قناة "المسيرة" اليمنية وتابعتها شبكة "انفوبلس"، "نُعلن للعالم أجمع أننا سنعطي مهلة 4 أيام، هذه مهلة للوسطاء في ما يبذلونه من جهود". وأضاف "إذا استمر العدو الإسرائيلي بعد الأربعة أيام الأولى في منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة واستمر في الإغلاق التام للمعابر ومنع دخول الغذاء والدواء إلى قطاع غزة، فإننا سنعود لاستئناف عملياتنا البحرية ضد العدو الإسرائيلي، ونقابل الحصار بالحصار".
وأكد زعيم حركة أنصار الله، أن "العدو الإسرائيلي تنصل من الالتزامات في ما يتعلق بالملف الإنساني"، مشيرا إلى أن قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حرصوا على الوفاء بالتزاماتهم بشكل كامل في ما يتعلق بالاتفاق.
في المقابل، ثمّنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الجمعة، قرار قائد حركة أنصار الله اليمنية، السيد عبد الملك الحوثي، إمهال "الاحتلال الصهيوني" 4 أيام قبل استئناف العمليات البحرية إذا استمر منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة.
وقالت الحركة في بيان مساء الجمعة، إن قرار أنصار الله الحوثيين امتداد لموقف الدعم والإسناد الذي قدمته على مدار حرب الإبادة في غزة، وطالبت المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتحرك العاجل لوقف جريمة التجويع التي يمارسها الاحتلال في غزة. كما دعت حماس الشعوب والدول العربية والإسلامية إلى اتخاذ خطوات فاعلة لكسر الحصار عن إخوانهم في قطاع غزة.
وينفرد ااشعب اليمني من بين شعوب الأمة العربية والإسلامية، بموقفه المساند والمناصر لفلسطين وقضيته العادلة بصورة رسمية وشعبية لا مثيل لها، باعتباره ينطلق، في هذا الموقف، من التزام ديني واستجابة لواجب النصرة في ظل تخاذل عربي معيب ومخزٍ.
وعقب المهلة، أعلن المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين في اليمن، جهوزيته لتنفيذ العمليات العسكرية البحرية ضد الملاحة الإسرائيلية بعد انتهاء "مهلة الأيام الأربعة" التي منحتها صنعاء للوسطاء.
وقبل وقف إطلاق النار في غزة، بدأ الحوثيون تنفيذ عشرات الهجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب "مرتبطة بإسرائيل"، ضمن "النصرة والإسناد" للشعب الفلسطيني في غزة، إلى جانب توجيههم صواريخ ومسّيرات إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما يأتي هذا التهديد من الحوثيين بعد أيام من إعادة الولايات المتحدة تصنيف الحركة "منظمة إرهابية أجنبية" وفرض عقوبات على 7 من كبار قادتها.
وكان عدد من قادة أنصار الله، أكّدوا الأسبوع الماضي، استعداد قواتهم لاستئناف عملياتها العسكرية ضد السفن الإسرائيلية وتلك المرتبطة بالكيان، في إطار سياسة التعامل بالمثل مع تشديد الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة.
كما أن أبعاد التحرك اليمني الجديد – بحسب خبراء دوليين – هي البُعد الإنساني، يأتي الإنذار اليمني في سياق أزمة إنسانية خانقة تعصف بقطاع غزة، حيث أدى الحصار الإسرائيلي والتجويع الممنهج إلى وضع كارثي، وعقب قرار "إسرائيل" منع إدخال المساعدات، تحركت قوى المقاومة لمساندة غزة واعتبرت حركة حماس موقف اليمنيين امتدادًا طبيعيًا لدورهم في دعم غزة، مؤكدة أن هذا القرار يُشكّل ورقة ضغط مهمة لإجبار "إسرائيل" على فك الحصار.
البُعد السياسي والعسكري، لم يكن هذا الموقف اليمني مفاجئًا، بل هو امتداد لسلسلة من التحركات التي بدأها الحوثيون منذ بداية جبهة الإسناد اليمنية، حيث شنّوا هجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والزوارق البحرية ضد السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، إضافة إلى استهداف مباشر لإسرائيل فيما أسموه بـ"معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس"، بهذا، تعزز جماعة انصار الله دورها كلاعب إقليمي مؤثر يتجاوز الساحة اليمنية، ويدمجون تحركاتهم في إطار أوسع من المواجهة مع المحور الإسرائيلي-الأمريكي.
أمام هذا التهديد، فتبرز عدة سيناريوهات حول كيفية تفاعل "الاحتلال" والمجتمع الدولي مع الإنذار الحوثي: وهي أولاً: التجاهل الإسرائيلي، قد تختار "إسرائيل" تجاهل هذا الإنذار، معتمدة على دعمها الدولي وقدراتها العسكرية لاحتواء أي هجوم حوثي محتمل، لكن هذا الخيار يحمل مخاطر تصعيد عسكري واسع النطاق، وخاصة في ظل رغبة الحوثيين في تنفيذ تهديداتهم لتعزيز مصداقيتهم كقوة مقاومة إقليمية.
وثانيا: التحرك الأمريكي، الولايات المتحدة، التي تعتبر الحوثيين مصدر تهديد للملاحة الدولية، قد ترد على التصعيد الحوثي بتعزيز وجودها العسكري في المنطقة، وربما اللجوء إلى عقوبات جديدة أو حتى ضربات عسكرية ضد مواقع أنصار الله، غير أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى توسيع رقعة المواجهة، وخاصة مع وجود روسيا والصين اللتين تبديان تحفظًا على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
ثالثا: الضغط الدولي على "إسرائيل"، في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية في غزة، قد يضغط المجتمع الدولي والأمم المتحدة على "إسرائيل" للسماح بإدخال المساعدات، في محاولة لتجنب تصعيد جديد، ويبدو أن هذا السيناريو هو الأكثر واقعية إذا قررت الدول الكبرى تجنب الانزلاق إلى مواجهة عسكرية غير محسوبة العواقب.
السيناريوهات المحتملة بعد انتهاء المهلة
إذا انتهت المهلة (الثلاثاء) دون أن تستجيب "إسرائيل"، فمن المتوقع أن يُقدم اليمنيون على تنفيذ عمليات عسكرية جديدة ضد السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وقد يتطور الأمر إلى استهدافات أوسع تطال موانئ إسرائيلية أو مصالح أمريكية في المنطقة، ما قد يدفع التحالف الغربي إلى الرد بضربات عسكرية مباشرة ضد الحوثيين، وهو ما قد يؤدي إلى حرب إقليمية مفتوحة.
من جهةٍ أخرى قد تلجأ "إسرائيل" إلى السماح بإدخال جزء محدود من المساعدات، في محاولة للالتفاف على التهديد اليمني وكسب مزيد من الوقت، لكن في هذه الحالة، سيبقى الوضع هشًا، وقد تعود التهديدات الحوثية إلى الواجهة في أي لحظة.
في السياق نفسه، فإن السيناريو الأكثر مثالية هو أن تلعب دول إقليمية ودولية دور الوسيط لخفض التصعيد، ما يسمح بإدخال المساعدات إلى غزة مقابل تجنب مزيد من التوتر في البحر الأحمر، هذا السيناريو يتطلب مرونة "إسرائيلية"، وهو أمر غير مضمون في ظل تعنت الحكومة الإسرائيلية الحالية.
بحسب حديث الخبير العسكري في حركة أنصار الله اليمنية، مجيب شمسان، إن قرار قائد الحركة عبد الملك بدر الدين الحوثي، بإعطاء مهلة أربعة أيام للوسطاء فيما يبذلونه من جهود لتنفيذ بنود الاتفاق في قطاع غزة، قبل استئناف الهجمات البحرية ضد أهداف الاحتلال الإسرائيلي حال استمر الاحتلال بإغلاق معابر القطاع؛ جاء بناءً على القرارات اليمنية السابقة القائمة على نصرة غزة ووقف العدوان والحصار على القطاع.
ويشير شمسان إلى أن "حركة أنصار الله طوال الفترة الماضية كانت تراقب التزام الكيان الصهيوني بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وكان خطاب السيد عبد الملك الحوثي واضحًا بأننا على أهبة الاستعداد لعودة العمليات البحرية نتيجة تنصّل الاحتلال من الشق الإنساني في الاتفاق".
وما إن كان اليمن يتلقى تعليمات خارجية في تنفيذ هجماته ضد الاحتلال الإسرائيلي، يجيب شمسان: "القرار اليمني مستقل ولا توجد عليه أي تأثيرات من الخارج، ولا نتلقى أوامر من أحد وهذا باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية". ويضيف: "اليمن يعتمد على نفسه في إنتاج الأسلحة التي يتم إطلاقها تجاه السفن التي تخترق قرار حظر الملاحة، وإنتاج الصواريخ التي تطلق صوب الكيان الصهيوني".
ويتابع: "لدى الحكومة في صنعاء الكثير من الإمكانيات التي تعكس حجم القوة سواءً فيما يتعلق بالصواريخ الباليستية الفرط صوتية، وصواريخ دقيقة جدًا مثل صاروخ ذو الفقار، وإمكانيات في المعركة البحرية، وهناك الكثير من المفاجآت على المستوى التقني والمدى والقدرة التدميرية، وعلى العدو أن يحسب حسابه بأننا نعدّ لمعركة كبرى واستراتيجية ولا تمرّ لحظة دون خطوات تطويرية مستمرة للقوات المسلحة اليمنية".
ووفق شمسان، فإن "العمليات البحرية التي سيتم استئنافها، ستستهدف السفن الصهيونية، وستتدرج العمليات لتكون جميع السفن المتوجهة إلى فلسطين المحتلة ضمن دائرة الحصار، وعمليتنا البحرية ستعود كما كانت سابقًا".
ويلفت الخبير العسكري إلى أن اليمن لا يخشى من أي تحالفات ضدّه. قائلًا: "لأنه يدرك ما هي حجم تداعيات الموقف اليمني، ونقول منذ البداية إننا نتمنى المواجهة المباشرة مع العدو الإسرائيلي أو الأمريكي أو البريطاني.. لا خشية لدينا من أمريكا، وقد أعدنا العدّة لمعركة طويلة مع التحالف الأمريكي البريطاني الصهيوني".
ويؤكد شمسان أن لدى اليمن أوراق ضاغطة إمكانيات فيما يتعلق بفرض الحصار على الكيان الصهيوني، والقصف المباشر على الأراضي المحتلة ضد أهداف حيوية وحساسة، ما يعني أن اليمن قد يصل إلى سقف مطالب وشروط أعلى من الذي تطالب فيه المقاومة الفلسطينية. ويوضح: "اليمن مستعد لمواجهة أي تصعيد ضده سواءً من قبل أمريكا وبريطانيا أو من قبل أدواتهم في المنطقة وفي داخل اليمن، ولا خشية من هذا الشيء مهما كانت التكلفة كبيرة.
وحول التنسيق مع فصائل المقاومة، أجاب القيادي في أنصار الله: "يوجد تنسيق على أعلى المستويات بيننا وبين المقاومة الفلسطينية وتحديدًا حركة حماس".
وبحسب مراقبين، فإن تلاقي مواقف حماس واليمنيين في هذه المرحلة قد يكون مؤشرًا على تحول أوسع في استراتيجيات المقاومة في المنطقة، فلطالما سعت قوى إقليمية إلى توحيد الساحات في مواجهة "إسرائيل"، لكن التطورات الأخيرة قد تكون المرة الأولى التي يتحقق فيها ذلك عمليًا، من خلال التنسيق غير المباشر بين عدة أطراف في مناطق مختلفة.
في الختام، إن الإنذار اليمني لـ"إسرائيل" يمثل تحولًا لا يمكن تجاهله في توازنات الصراع الإقليمي، فهو يضع المنطقة أمام مفترق طرق حاسم: إما أن يؤدي إلى تصعيد عسكري شامل، أو أن يُستخدم كأداة ضغط تدفع نحو حلحلة الأزمة الإنسانية في غزة، في كلتا الحالتين، يبقى الحوثيون لاعبًا صاعدًا في المشهد السياسي، قادرًا على تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.
تثمين حماس لإنذار أنصار الله يؤكد أن المنطقة قد دخلت مرحلة جديدة من التضامن الإقليمي ضد "إسرائيل"، حيث لم يعد الصراع محصورًا فقط داخل الأراضي الفلسطينية، بل باتت قوى إقليمية مختلفة تمارس ضغوطًا عسكرية واقتصادية على الاحتلال، ومع استمرار هذه التطورات، قد نشهد تصاعدًا في التهديدات الإقليمية ضد "إسرائيل"، ما يضعف موقفها الاستراتيجي، ويضع مزيدًا من الضغوط على المجتمع الدولي لإيجاد حلول سياسية وإنسانية لغزة، تعزيزًا لمفهوم "توحيد الساحات"، ما قد يؤدي إلى تحولات عميقة في شكل الصراع العربي – الإسرائيلي.
في النهاية، الكرة الآن في ملعب "إسرائيل"، فإما أن تستجيب للمطالب الإنسانية، أو أن تواجه تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق، قد يغير وجه المنطقة بأكملها.