ميناء إيلات محاصر بشكل غير مسبوق.. الحصار اليمني ينجح وإدارة الميناء المحتل تعتزم تسريح موظفيه.. تعرّف على تاريخ الميناء وأهميته وقصة حصاره
انفوبلس..
نجح الحصار اليمني لمنفذ الكيان الصهيوني الوحيد على البحر الأحمر، وها هي السلطات "الإسرائيلية" تعلن عزمها تسريح موظفي ميناء إيلات المحتل، حيث تحدثت صحيفة "إسرائيل هيوم"، أمس الثلاثاء، عن حجم التدهور الحاصل في الميناء جراء الحصار اليمني المفروض على الملاحة "الإسرائيلية".
وقالت الصحيفة في تقرير، إن إدارة ميناء "إيلات" تعتزم تسريح جماعي للعمال، وتتجه لفصل نحو 50% من موظفيها في الميناء، بسبب توقف حركة السفن إلى الخليج والميناء، نتيجة الهجمات البحرية من اليمن.
والإثنين الماضي، أكد الرئيس التنفيذي لميناء إيلات، إغلاق المرفأ بشكل كامل منذ 4 أشهر، نتيجة العمليات اليمنية ضد السفن "الإسرائيلية" والمتجهة إلى موانئ الاحتلال، دعماً لغزة.
وأضاف الرئيس التنفيذي: "منذ 35 عاما من عملي في الميناء لم يكن هناك شيء قد حصل مثل هذا من قبل".
في سياق متصل، أكد مختصون في الاقتصاد الإسرائيلي أن "الصناعات الكهربائية على وشك أن تصبح أكثر تكلفة بسبب الهجمات اليمنية "، مشيرين إلى "أن هناك نقصاً في الصناعات الكهربائية بسبب تأخر الإمدادات، ومن المتوقع ارتفاع الأسعار بنسبة 10% على الأقل في الفترة التي تسبق (عيد الفصح)".
ومن المتوقع أن تتضاعف خسائر الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة المقبلة، بعد إعلان اليمن توسيع نطاق الحصار على الملاحة الإسرائيلية إلى المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح.
ويُعد ميناء إيلات ميناءً استراتيجيا ومنفذ الكيان الصهيوني الوحيد إلى البحر الأحمر، وبوابته إلى آسيا والشرق الأقصى. وله أهمية اقتصادية وعسكرية، لذا حرصت السلطات "الإسرائيلية" على تطويره، كما ساعدت اتفاقيات التطبيع العربية الإسرائيلية على ازدهاره.
وأصبح نقطة ضعف إسرائيلية في النزاعات الإقليمية، ونجم عن إغلاق طريق الملاحة إليه من قِبل دول ومنظمات عربية إلى تراجع النشاط التجاري "الإسرائيلي".
يقع ميناء إيلات في المدينة التي تحمل الاسم نفسه، في أقصى جنوب فلسطين المحتلة، عند ملتقى صحراء النقب مع رأس خليج العقبة، في بيئة صحراوية قاحلة، بين مدينتي العقبة الأردنية شرقاً، وطابا المصرية غرباً.
وتتمتع المنطقة بمناخ صحراوي جاف، فالشتاء قصير دافئ والصيف طويل وحار، وتتراوح درجات الحرارة على مدار العام بين 10 و40 درجة مئوية في الغالب، ونادرا ما تقل عن 7 درجات مئوية، أو تزيد عن 42 درجة مئوية. أما نسبة هطول الأمطار فمتدنيّة، ولا تتجاوز في العادة 15 يوما طوال العام.
يُشكل ميناء إيلات مشروعا استراتيجيا للكيان المحتل، وركيزة أساسية لاقتصاد المدينة ونموها، فهو يمثل البوابة الجنوبية لـ"إسرائيل"، الذي يُعد أحد أهم الممرات المائية في العالم، ومن خلاله تتمكن الملاحة الإسرائيلية من الوصول إلى دول الشرق الأقصى وآسيا وشرق أفريقيا بأقصر الطرق وأقلها تكلفة، عن طريق توفير رسوم العبور بقناة السويس، واختصار المدة الزمنية للرحلة.
وعبر ميناء إيلات يمر نحو 5% من تجارة الكيان الصهيوني، وما يقارب 50% من تجارة المركبات فيه، وتصل عمليات المناولة في الميناء إلى مليوني و100 ألف طن من البضائع الجافة، و70 ألف سيارة و50 ألف حاوية سنويا. ويُصدّر عبره الفوسفات والبوتاس والمعادن والخامات، وتستورد "إسرائيل" من خلاله النفط والأخشاب ومواد البناء والمواد الغذائية والمركبات.
كما يشكّل الميناء منفذا بحريا مهمّا للركاب، لا سيما السياح الذين يفِدون إلى المدينة بعدد يقارب مليون شخص سنويا.
تحول الميناء منذ أغسطس/آب 1985 إلى منطقة تجارة حرة، تتمتع بميزة إعفاء الشركات من رسوم الاستيراد، ومثّل ذلك عامل جذب وعنصرا مهما للمنافسة التجارية مع الموانئ الأخرى، ودفع إلى زيادة حركة التجارة والإيرادات في الميناء.
ومن جانب آخر، للميناء أهمية استراتيجية عسكرية وأمنية لدى قوات الاحتلال، تتجلى في قدرته على استيعاب سفن حربية قريبة من الجبهات الجنوبية، جاهزة لمواجهة الضربات القادمة من ذلك الاتجاه.
يمتلك الميناء مجموعة من الأرصفة مهيأة للتعامل مع معظم البضائع، ويوفر رصيفا خاصا بالنفط الخام، يمكن أن يستوعب ناقلات حمولتها تصل إلى 300 ألف طن، وغاطس يصل إلى 27 مترا.
ويبلغ طول أرصفة البضائع السائبة والعامة والحاويات 528 مترا، إضافة إلى غاطس يصل إلى 12 مترا. كما يوجد رصيف ضحل بطول 202 متر، وغاطس يبلغ 5.5 أمتار.
ويشتمل الميناء على مساحات تخزين ضخمة لحفظ البضائع المختلفة، إذ تبلغ سعة مخازن الشاطئ 160 ألف متر مكعب، بينما يتسع مخزن "رمات يوتام" لـ16 صهريجا ومليون و100 ألف متر مكعب، ويتوفر مخزن للحاويات مساحته 28 ألف متر مربع، ويتسع لنحو 2100 حاوية، ويمكن للحظائر أن تتحمل ما مقداره 170 ألف طن من البضائع السائبة. ويساعد الهواء الجاف وقلة الأمطار على إتاحة ظروف مناخية ملائمة للتخزين.
وتولي إدارة الميناء أهمية للتطور وتقنية المعلومات، وتستخدم معدات وأجهزة حديثة لتسهيل سير العمل، والسيطرة على النظام الأمني، كما يُعتنى بشكل خاص بالحفاظ على جودة البيئة، وتوفير مرافق ومعدات من شأنها أن تساعد على ذلك، ويوفر الميناء بالإضافة إلى ذلك، خدمة إصلاح وصيانة السفن.
وعلى الرغم من كونه ميناء بحريا كبيرا، فإن موقع ميناء إيلات المتطرف في أقصى الجنوب، وبُعده عن المراكز التجارية والصناعية في "إسرائيل"، فضلا عن عدم توفر شبكة للسكك الحديدية في المدينة، قد حدّ من قدرة الميناء على توسيع حركة النشاط التجاري فيه، مقارنة بالموانئ المحتلة الأخرى.
واحتلت إسرائيل "أم الرشراش" في 1949، وأصبحت المنطقة تحمل اسم "إيلات"، وبدأت باستقبال السفن القادمة من البحر الأحمر وخليج العقبة في مرفئها منذ أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، غير أن المرفأ لم يكن صالحا لرسو السفن بسبب افتقاره للمرافق، وكانت السفن تفرغ حمولتها على قوارب صغيرة في عرض البحر، ومن هنا رأت الحكومة الإسرائيلية ضرورة تطوير الميناء لأهميته الإستراتيجية من جهة، وكونه مشروعا أساسيا لتطوير مدينة إيلات من جهة أخرى.
وفي 1955 أُنشئ الميناء القديم في المدينة، واستمر العمل فيه بضع سنوات، ثم برزت أهمية تطويره في 1956، إثر العدوان الثلاثي على مصر، الذي حقق لإسرائيل الحصول على حرية الملاحة في خليج العقبة، وفتح المجال واسعا أمام التجارة الإسرائيلية مع آسيا وأفريقيا والشرق الأقصى، الأمر الذي أدى إلى عجز الميناء عن استيعاب النشاط الملاحي الكبير.
ومن جهة أخرى فإن تدفق كميات ضخمة من النفط الإيراني (خلال عهد الشاه) إلى ميناء إيلات، وإعادة ضخها إلى أوروبا عبر ميناء عسقلان، بحاجة إلى مرافق أوسع. ففي بداية الستينيات قررت سلطات الاحتلال إنشاء ميناء جديد في المدينة جنوب الميناء القائم آنذاك، وافتتح المشروع في سبتمبر/أيلول 1965، وخلال حقبة السبعينيات ازدهر الميناء، وتوسعت التجارة الإسرائيلية مع الأسواق في آسيا، لا سيما اليابان، واستمر تطوير نشاطات الميناء في العقود التالية.
وبحلول 2005 بدأ ميناء إيلات العمل بصفته شركة حكومية مستقلة عن هيئة الموانئ، وهو ما ساعد على زيادة إيراداته كونه مشروعا تجاريا مربحا.
وفي 2013 خصخصت هيئة الموانئ الحكومية الميناء، إذ باعت امتياز تشغيله لشركة "بابو ماريتايم" لمدة 15 عاما، بهدف زيادة المنافسة وتحسين جودة العمل.
عززت اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية نشاط حركة الملاحة في ميناء إيلات، فقد أدت اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل في 1979 إلى فتح قناة السويس أمام الملاحة الإسرائيلية، وأتاح لها ذلك طرقا جديدة للتجارة، وعملت إدارة الميناء على تنمية العلاقات التجارية مع الموانئ المصرية، وصياغة مبادرات جديدة في مجال الشحن.
وهيّأت اتفاقية التطبيع مع الأردن في 1994 المجال لتوسيع الملاحة التجارية الإسرائيلية عبر ميناء العقبة، الذي يقع على بعد 5 كيلومترات شرق إيلات، وطُوِّر عدد من المشروعات المشتركة لمنطقة إيلات العقبة، وأصبح ميناء العقبة يمثل أهمية لإسرائيل في مجال شحن الحاويات على وجه الخصوص.
وعلى إثر اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والإمارات سنة 2020، برز مشروع "إيلات-عسقلان" إلى السطح من جديد، إذ وقّع الطرفان اتفاقية تقضي بنقل النفط الإماراتي إلى ميناء إيلات عبر ناقلات عملاقة، ثم يُعاد ضخه مرة أخرى إلى الغرب عبر ميناء عسقلان، ولكن الاتفاقية توقفت جرّاء الاحتجاجات الداخلية في إسرائيل، بسبب الضرر الذي قد يُلحقه المشروع بالبيئة.
استخدم العرب سياسة الإغلاق المتكرر للممرات المائية الموصلة إلى ميناء إيلات في وجه الملاحة الإسرائيلية، خلال السنوات الطويلة من الصراع مع إسرائيل، وهو ما أدى إلى قطع طريق التجارة الرئيس للاحتلال مع أفريقيا والشرق الأقصى، وأسفرت تلك الإغلاقات عن حروب إقليمية كبرى.
وقد بدأ الصراع العربي الإسرائيلي حول الملاحة البحرية بعد احتلال إسرائيل قرية "أم الرشراش" (إيلات) في 1949، وبذلك أصبح لإسرائيل منفذ إلى البحر الأحمر بالمرور عبر مضيق تيران، وفي 1950 فرضت مصر بالاتفاق مع السعودية سيطرتها على جزيرتي "تيران" و"صنافير" الواقعتين عند المدخل الجنوبي لخليج العقبة، وضيّقت على الملاحة الإسرائيلية أثناء مرورها بالمضيق.
وفي 1951 حظرت مصر عبور السفن إلى مضيق تيران دون إخطار مسبق، بما في ذلك السفن الإسرائيلية، ثم شددت إجراءات المرور في 1954، وأكدت من جديد عقب افتتاح ميناء إيلات في 1955 أن لها السيطرة المطلقة على المضيق، واستمرت بعرقلة الملاحة الإسرائيلية إلى إيلات.
وكان التضييق على مرور السفن أحد الأسباب الرئيسة وراء انخراط إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر أواخر أكتوبر/تشرين الأول 1956، الذي أسفر عن احتلال القوات الإسرائيلية لسيناء، وأعلنت إسرائيل حينها سيطرتها على مضيق تيران، وفتحه أمام جميع السفن.
وعلى الرغم من انسحاب إسرائيل في غضون أشهر من سيناء، فإنها اكتسبت بعد الحرب حق حرية الملاحة في مضيق تيران.
وفي 23 مايو/أيار 1967 أغلقت مصر مرة أخرى مضيق تيران وخليج العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية، بقرار من جمال عبد الناصر، ومنعت السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي وناقلات النفط على اختلاف جنسياتها من الوصول إلى ميناء إيلات.
وكان الحصار البحري المفروض على ميناء إيلات أحد الأسباب المباشرة التي قادت إلى نشوب حرب 1967، التي نجم عنها احتلال إسرائيل لسيناء من جديد.
وفي الفترة الواقعة بين 6 أكتوبر/تشرين الأول ومطلع نوفمبر/تشرين الثاني أثناء حرب 1973، اتفقت مصر مع اليمن على إغلاق مضيق باب المندب في وجه السفن الإسرائيلية، إذ منعت القطع البحرية الإسرائيلية وسفن النفط من الوصول إلى ميناء إيلات.
وكانت إسرائيل تستورد من إيران (تحت حكم الشاه) نحو 18 مليون طن من النفط تمر كلها عبر ميناء إيلات، فكانت تستفيد من جزء منه، ثم تعيد تصدير الباقي إلى أوروبا. وظل الميناء مغلقا تماما حتى تم الاتفاق مع مصر والنزول عند شروطها.
وفي 1979 وقّعت مصر معاهدة مع إسرائيل، انسحبت بموجبها قوات الاحتلال من سيناء، وبالمقابل حصلت إسرائيل على حرية الملاحة عبر مضيق تيران، ومنذ ذلك الوقت خرج ميناء إيلات من دائرة الحروب الإسرائيلية، وحصّنت سلطات الاحتلال المدينة، ووجّهت النشاطات فيها نحو التنمية الاقتصادية، وتطوير فعالية الميناء.
وبعد معركة "طوفان الأقصى" التي وقعت يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما تبعها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، أعلن الحوثيون انخراطهم في الحرب ضد إسرائيل، ونفّذوا حصارا على ميناء إيلات، من خلال اعتراض السفن المتجهة منه وإليه، واستهدافها بالصواريخ والمسيّرات عند مرورها بمضيق باب المندب، وكذلك أصبح ميناء إيلات نفسه هدفا للصواريخ والمسيّرات الحوثية.
وأفضت تلك الحالة إلى عبور غير آمن للسفن في البحر الأحمر، ما دفع كثيرا من الشركات العالمية الكبرى إلى وقف عبور سفنها بالبحر الأحمر، أو تغيير مساراتها بالالتفاف حول جنوب أفريقيا، الأمر الذي تسبب في إطالة مدة الرحلات بين أسبوعين إلى 3 أسابيع، وأدى إلى زيادة التكاليف المادية لتلك الرحلات.
وقد تسبب التوتر بارتفاع سعر الشحن من ميناء إيلات، وارتفعت كلفة تأمين السفن الإسرائيلية، وتعطلت الصفقات وعمليات التبادل التجاري، وأصيب ميناء إيلات بالشلل، وصرح الرئيس التنفيذي للميناء مع نهاية 2023 أن النشاط الملاحي في الميناء قد هوى بنسبة 85% منذ بدء عمليات الحوثيين في البحر الأحمر.