هل تتحول الاحتجاجات إلى ثورة؟ الأردن تغلي بتظاهرات شعبية تطالب بإلغاء التطبيع.. السلطة وحلفاؤها يشيطنون المتظاهرين ويتهمون حماس بالتحريض
انفوبلس..
منذ بدء طوفان الأقصى، كانت الأردن إحدى أكثر الدول الظاهرة في المشهد بحكم الجغرافيا والترابط التاريخي وارتفاع نسبة الفلسطينيين في المملكة الهاشمية، وخلال نحو 6 أشهر شهدت فيها شوارع الأردن تظاهرات مستمرة داعمة لغزة، الأمر الذي بدأ يتحول إلى اضطرابات استشعرت خطرها السلطة الحاكمة.
وشهدت العاصمة الأردنية، أمس السبت، ولليوم السابع على التوالي مظاهرات في محيط سفارة الكيان الصهيوني بعمّان احتجاجا على استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، ولمطالبة السلطات الأردنية بإغلاق سفارة الاحتلال وإلغاء اتفاقية التطبيع مع "إسرائيل".
وقالت مصادر مطلعة، إن قوات الأمن الأردنية فضّت بالقوة مظاهرات ومسيرات في ضاحية الرابية (إحدى ضواحي العاصمة الأردنية عمّان) والتي تقع فيها السفارة الإسرائيلية، واعتقلت عشرات الناشطين والناشطات.
وقالت المصادر، إن من بين المعتقلين الناشط النقابي المهندس ميسرة ملص والباحث في شؤون القدس زياد ابحيص، كما تم اعتقال الناشطتين رويدة أبو راضي ونور أبو غوش.
وأشارت إلى، أن البعض اعتُقلوا خلال مشاركتهم في المظاهرات، وبعضهم تم اعتقالهم من منازلهم.
يأتي ذلك بعد اعتقال رئيس الهيئة العليا للقطاع الشبابي لحزب جبهة العمل الإسلامي معتز الهروط وأمين سر القطاع حمزة الشغنوبي في العاصمة الأردنية عمّان في وقت سابق أمس الأول.
وذكرت المصادر، إن الهروط تم اعتقاله في مكان عام، في حين اعتُقل الشغنوبي من مكان عمله في منطقة النزهة بعمّان، وقد تم اقتيادهما إلى مركز أمن منطقة الرشيد، دون معرفة التهمة حتى اللحظة.
ويوم الثلاثاء الماضي، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا، قالت فيه إن "مئات المتظاهرين تجمعوا في العاصمة الأردنية، الثلاثاء، للّيلة الثالثة على التوالي، للمطالبة بإنهاء الحرب الإسرائيلية في غزة، واشتبكوا مع شرطة مكافحة الشغب التي تحمل الهراوات قبل أن ينهمر الغاز المسيل للدموع عليهم".
وعاد المتظاهرون إلى الشوارع، مساء الأربعاء، حيث هتفوا "افتحوا الحدود". على الرغم من وجود احتجاجات منتظمة في عمّان، طوال فترة الحرب التي دامت ستة أشهر تقريبا، إلا أن الحكومة تمكّنت إلى حد كبير من احتواء الوضع من خلال الانحياز إلى المشاعر العامة، من خلال انتقاد سلوك دولة الاحتلال الإسرائيلي بشدة في الحرب ومناصرة القضية الفلسطينية.
لكن المشاهد هذا الأسبوع بدَت أكثر عفوية، والحشود أكبر، والغضب أكثر حدّة، مما أرسل موجات من الصدمة عبر المؤسسة الأمنية القوية في البلاد.
وقال العميد السابق في مديرية المخابرات العامة الأردنية ومؤسس مركز شرفات لدراسة العولمة والإرهاب، سعود الشرفات، إن "الأردن في وضع لا يُحسد عليه". فالصراع الطاحن في غزة، وارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين، يختبران "قدرة الدولة على الحفاظ على الإيقاع السائد الآن، حتى لا تخرج الأمور عن نطاق السيطرة".
إلى ذلك، تحتل المملكة الأردنية موقعا فريدا في منطقة الشرق الأوسط. وهي حليف وثيق وطويل الأمد للولايات المتحدة، وتتلقى أكثر من مليار دولار سنويا في شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية.
وفي عام 1994، وقّعت الأردن معاهدة تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. لكن التهجير الجماعي للفلسطينيين خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، المعروفة باسم "النكبة"، أدّى إلى تغيير التركيبة السكانية للبلاد إلى الأبد.
وتستضيف الأردن أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني، مُعظمهم يحملون الجنسية الأردنية. فيما يقدّر المحللون أن نصف السكان من أصل فلسطيني. بالنسبة للكثيرين في البلاد، جغرافيا وعاطفيا، تبدو الحرب في غزة قريبة جدا.
وقد سمحت السلطات الأردنية، التي لا تظهر عادة سوى القليل من التسامح مع المظاهرات العامة، بالاحتجاجات الأسبوعية، بعد صلاة الجمعة.
وقال الشرفات: "يبدو أنه مع مرور الوقت تعلمت المؤسسات الحكومية الدروس وبدأت بإعطاء مساحة للناس، لتخفيف التوتر".
ومع ذلك، حاولت الحكومة أيضا احتواء الاضطرابات، ومنعت أي ازدحام بالقرب من المنطقة الحدودية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي أو اقتحامها. وأحبطت شرطة مكافحة الشغب عدة محاولات قام بها متظاهرون في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر للوصول إلى حدود البلاد مع الضفة الغربية.
وفي الشهر نفسه، قالت مديرية الأمن العام الأردنية إن "المتظاهرين اعتدوا على أفراد الأمن العام وأصابوهم، وألقوا زجاجات مولوتوف وألحقوا أضرارا بالممتلكات العامة والخاصة".
وقال محامون أردنيون، يمثلون المحتجزين لـ"هيومن رايتس ووتش"، هذا الشهر إنه "من المحتمل أن يكون مئات الأشخاص قد اعتُقلوا بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات أو مناصرة الفلسطينيين عبر الإنترنت".
وقالت لُمى فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة: "تدرس السلطات الأردنية الحق في حرية التعبير والتجمع في محاولة لإخماد النشاط المتعلق بغزة". كما ساعدت مناصرة الحكومة العلنية لغزة التي مزقتها الحرب في السيطرة على الغضب الشعبي.
وكان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، من أوائل المسؤولين العرب الذين قالوا إن "حرب إسرائيل في غزة تستوفي التعريف القانوني للإبادة الجماعية"، وهو اتهام وصفته إسرائيل بأنه "شائن". وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلن إلغاء الاتفاق الاقتصادي المثير للجدل مع الاحتلال الإسرائيلي، والذي بموجبه كان الأردن سيوفر الطاقة للكيان مقابل المياه.
وقال: "في ذلك الوقت إن مثل هذه المشاريع الإقليمية، لن تستمر، بينما تستمر الحرب"، مضيفا أن "الأردن يركز بالكامل على إنهاء البربرية الانتقامية الإسرائيلية في غزة".
لكن جيليان شويدلر، وهي الأستاذة في كلية هانتر ومؤلفة كتاب عن الاحتجاجات في الأردن، قالت إن "هناك حدودا للمدى الذي ترغب الحكومة في الذهاب إليه، بعد أن ربطت رؤيتها السياسية والاقتصادية بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل". مضيفة أن "هذه العلاقات ليست سهلة الفك".
وبعد اجتماع في البيت الأبيض، الشهر الماضي، كان العاهل الأردني، الملك عبد الله صريحاً والرئيس بايدن يقف إلى جانبه: "لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونترك هذا الأمر يستمر، نحن بحاجة إلى وقف دائم لإطلاق النار الآن، هذه الحرب يجب أن تنتهي".
وفي الأسابيع الستة التي تلت ذلك، فشلت جولات متعددة من الدبلوماسية المكوكية التي قام بها المسؤولون الأمريكيون والعرب والإسرائيليون في التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار.
ومع تزايد السخط العام، أصبحت المؤسسة الأمنية في الأردن متوترة. وبلغ معدل البطالة أكثر من 22 في المئة العام الماضي. العديد من الشباب عاطلون عن العمل. وهناك مخاوف من أن جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة معارضة قمعت منذ فترة طويلة وحليفة لحماس، تلعب دورا في الاحتجاجات، على أمل حشد الدعم قبل الانتخابات العامة في آب/ أغسطس.
وهتف بعض المتظاهرين ليلة الثلاثاء، "نحن رجالك يا سنوار"، في إشارة إلى يحيى السنوار، وهو زعيم حماس الذي خطط لعملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر على دولة الاحتلال الإسرائيلي، وما زال طليقاً في غزة.
وأعلنت وزارة الخارجية الأردنية، السبت، أن سفارتها في الكيان الإسرائيلي تتابع تقارير في وسائل إعلام عبرية تفيد باعتقال مسلحين اثنين بالقرب من قرية الفصايل بالضفة الغربية، بزعم عبورهما الحدود الأردنية.
وقال الشرفات، إن "القلق واضح بين صناع القرار في الحكومة". مضيفا أن "إرسال شرطة مكافحة الشغب بانتظام يشكل استنزافا ماليا للاقتصاد الأردني الصغير والمتعثر".
وتابع، بأن "هناك العبء العاطفي على عاتق الشرطة نفسها، والعديد منهم فلسطينيون أيضا". وبعد الصيام من شروق الشمس حتى غروبها في شهر رمضان المبارك، يقضي هؤلاء لياليهم الآن في الاشتباك مع المتظاهرين.
ومع استمرار الحرب، أصبح المتظاهرون أكثر جرأة: فقد أعقب إلغاء صفقة المياه مقابل الطاقة مطالب عامة متزايدة بإلغاء معاهدة التطبيع الأردنية مع الاحتلال الإسرائيلي. ومع تهديد جيش الاحتلال الآن بغزو رفح، التي يسكنها حوالي 1.4 مليون فلسطيني نازح، قال الشرفات إن "الضغط الشعبي سيزداد".
وقال: "الموقف الأردني حاليا في أزمة، في معرفة كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة، وكيفية التعامل مع الاحتجاجات. المجال الذي يتعين على الحكومة المناورة فيه ضيق للغاية".
وقالت شويدلر إنها "تتوقّع المزيد من الشيء نفسه، إدانة حادة لإسرائيل، وتوتّر العلاقات الدبلوماسية الرسمية لفترة من الوقت، ولكن تغيير طفيف في السياسة أو العلاقات مع إسرائيل".
وأطلقت حسابات سعودية محسوبة على الحكومة، حملة منظمة للهجوم على مظاهرات سفارة الكيان الإسرائيلي في الأردن.
وأطلقت حسابات سعودية هاشتاغ "معاك يالأردن"، في منصة "إكس"، وبدأت بالتحريض على المتظاهرين وكيل الشتائم لهم.
وشنَّ مغردون مشاركون في الهاشتاغ هجوما عنيفا على حركة المقاومة "حماس"، وجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، متهمينهما بتأجيج الشارع.
وزعمت الحسابات السعودية أن حركة "حماس" تريد عبر المظاهرات إشعال الأردن، وجرّه إلى العنف.
وتداول ناشطون سعوديون صورا ومشاهد سابقة لاشتباكات بين شبان وقوات أمنية، زعموا أنها التُقطت في مظاهرات السفارة، رغم أن الفيديو التُقط قبل نحو عامين.
وطالبت حسابات سعودية من الحكومة الأردنية، "الضرب بيد من حديد" لتفريق المتظاهرين، واعتقالهم.
وتزامنت الحملة السعودية مع تحريض متزايد في الأردن ضد المسيرات، ودعوات للاعتقال، وسحب الجنسيات.
وكانت الحكومة الأردنية شنت حملة منظمة للتحريض على المظاهرات الحاشدة التي يشهدها محيط السفارة الإسرائيلية في عمّان منذ أسبوع.
وتتهم الأردن وحلفاؤها حركة حماس بمحاولة تأجيج الأوضاع الداخلية فيها، وقال وزير الاتصال الحكومي الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين في تصريحات صحفية: "نتمنى على قادة حماس أن يوفروا نصائحهم ودعواتهم لضرورة حفظ السلم ودعوة الصمود لأهلنا في قطاع غزة".
وأضاف مبيضين، إن "الأردن بلد له سيادة وله مرجعياته الدستورية وقيادته تسمو على هذه المرجعيات وعندما يكون الملك عبدالله الثاني في مقدمة الموقف العربي لا ننظر إلى بعض المراهقات السياسية، ولا إلى من يريد أن يحصد الشعبية على أنقاض الدمار الذي حل في غزة نتيجة لهذه الحرب الكارثية".
وشدد على أن "الموقف الأردني مشرِّف وأخلاقي ومحترم ونُقدر خروج الناس منادين ومطالبين بوقف هذه الحرب وهذا لم يخرج عن موقف الأردن من أول يوم للحرب حيث وصفها بأنها حرب إبادة".
وأكد الوزير الأردني: "هذا الموقف يأتي لأن القضية الفلسطينية لها خصوصية أردنية وهي جزء من أمننا الوطني"، بحسب الناطق باسم الحكومة الأردنية.
وأوضح، أن "هناك أيديولوجيات بائسة وشعبويات تريد تأليب الرأي العام باستغلال المشاعر والعواطف". وأضاف: "هناك إفلاس من القوى التي تريد أن تطعن في الموقف الأردني أو تريد إجبار الأردن على اتخاذ خيارات أخرى".
وذكر الناطق باسم الحكومة الأردنية أن "السلام هو خيارنا الاستراتيجي ومعاهدة السلام هي التي تمكننا من ممارسة دورنا في تخفيف الضغوط على الأهل في الضفة الغربية".
وتستند هذه الاتهامات على خطاب عفوي لرئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل الذي دعا فيه إلى نزول الملايين للشارع بشكل مستدام.
وقال مشعل إنه "على جموع الأمة الانخراط في معركة طوفان الأقصى"، وأن "تختلط دماء هذه الأمة مع دماء أهل فلسطين حتى تنال الشرف، وتحسم هذا الصراع لصالحنا بإذن الله تعالى".
ووصف معركة طوفان الأقصى بأنها "تاريخية وفاصلة"، وأن "المقاومة بخير رغم شراسة المعركة، ورغم "الألم القاسي" لما يجري في غزة، فإن "هذا يحفّزنا أكثر للانخراط في المعركة".
وعلى الرغم من إن تصريحات المشعل وقادة حماس لا تشير من قريب أو بعيد إلى تحريض للشارع الأردني، لكن مع ذلك تستمر السلطة في الأردن وحلفاؤها بكيل الاتهامات في محاولة لتسويف التظاهرات الشعبية وحرف مسارها وإنهائها بأقصى سرعة ممكنة خدمةً للكيان المحتل.