واشنطن تلعب بالنار.. الاعتداءات العسكرية على اليمن تلهب الاقتصاد العالمي وتحذيرات من أزمة وشيكة

ترامب وقع في الفخ
واشنطن تلعب بالنار.. الاعتداءات العسكرية على اليمن تلهب الاقتصاد العالمي وتحذيرات من أزمة وشيكة
انفوبلس/..
في خطوة تعكس تصعيدًا خطيرًا في منطقة الشرق الأوسط، وجدت الولايات المتحدة نفسها عالقة في مستنقع جديد مع استمرار هجماتها العسكرية على اليمن، في ظل تحذيرات متزايدة من تداعيات كارثية على الأمن الإقليمي والاقتصاد العالمي. فبعد أن ظنت واشنطن أنها قادرة على فرض إرادتها بالقوة، جاءت التطورات الأخيرة لتكشف عن تكلفة باهظة لهذا التصعيد، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل أيضًا على مستوى الاقتصاد العالمي الذي بات يترنح تحت وطأة التوترات المتصاعدة.
الضربات الأمريكية التي استهدفت مواقع في اليمن بحجة تأمين الممرات البحرية لم تزِد الموقف إلا تعقيدًا، حيث ردت صنعاء بتوسيع نطاق عملياتها في البحر الأحمر، مهددة بشلّ حركة التجارة الدولية في أحد أهم الممرات البحرية في العالم. ومع ارتفاع أسعار النفط، وتزايد المخاوف من اضطرابات في سلاسل الإمداد، بدأت التحذيرات تتصاعد من أزمة اقتصادية عالمية وشيكة، قد تتجاوز آثارها ما شهدناه في الأزمات السابقة.
*الهجمات المتبادلة
شنّت الولايات المتحدة مساء أول أمس السبت نحو 40 غارة على اليمن أسفرت عن استشهاد وجرح أكثر من 50 يمنياً. وزعمت واشنطن أن الغارات تأتي دفاعاً عن المصالح الأمريكية، واستعادة حرية الملاحة البحرية.
من جانبه، قال المتحدث العسكري باسم جماعة أنصار الله، يحيى سريع -أمس الأحد- إنهم استهدفوا حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس هاري ترومان" بـ18 صاروخا وطائرة مسيّرة، واصفا العملية بالنوعية.
وأوضح سريع -في كلمة مقتضبة- أن الهجوم جاء "ردا على العدوان الأمريكي الذي استهدف عددا من المحافظات اليمنية بأكثر من 47 غارة جوية مخلفا عشرات الشهداء والجرحى".
وأكد، أن انصار الله "لن يترددوا في استهداف أي قطع بحرية في البحر الأحمر وبحر العرب ردا على العدوان".
وصرح مسؤول أمريكي بأن الضربات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن قد تستمر أسابيع، وفق قوله.
وفي تبريره للغارات التي شنتها بلاده ضد اليمن، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منشور له على "تروث سوشيال" إنه لم تعبر أي سفينة تجارية أمريكية قناة السويس أو البحر الأحمر أو خليج عدن بأمان منذ أكثر من عام. وأضاف، إن ذلك تسبب في خسائر بمليارات الدولارات للاقتصاد العالمي.
*تحذير
حذر الخبير الاقتصادي نبيل الموسوي، اليوم الاثنين، من تداعيات التصعيد الأمني بين الولايات المتحدة واليمن على الاقتصاد العالمي، مؤكداً أن التوترات الحاصلة قد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن وأسعار السلع، إضافة إلى مخاطر تهدد استقرار سوق النفط العالمي.
وقال الموسوي، إن "الهجمات الأمريكية على اليمن ستدفع العديد من السفن التجارية إلى تغيير مساراتها نحو طريق رأس الرجاء الصالح، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل البحري بنسبة تصل إلى 30%، وهو ما سينعكس مباشرة على أسعار السلع العالمية".
وأضاف، أن "التصعيد العسكري قد يدفع الحوثيين إلى استهداف منشآت نفطية سعودية، كما حدث سابقاً مع أرامكو، مما سيتسبب في خسائر كبيرة للاقتصاد السعودي"، مبيناً أن "استهداف منشآت النفط مجدداً سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، وهو أمر لا ترغب به الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون".
وأشار الموسوي إلى أن "أمريكا وبريطانيا تتحملان مسؤولية التدهور الاقتصادي العالمي نتيجة تصرفاتهما التصعيدية، التي تهدد استقرار التجارة الدولية وتفاقم الأزمات الاقتصادية في العديد من الدول".
يُذكر أن التوتر في البحر الأحمر وتصاعد الهجمات المتبادلة أثار قلق الأسواق العالمية، وسط توقعات بمزيد من الاضطرابات في حركة التجارة الدولية وارتفاع أسعار الطاقة.
*الخسائر الاقتصادية
وذكر البيت الأبيض أن هجمات أنصار الله تسببت في تحويل مسارات 60% تقريبا من السفن المرتبطة بالاتحاد الأوروبي إلى أفريقيا بدلا من البحر الأحمر، وأن هجمات أنصار الله على الشحن البحري منذ عام 2023 تسببت في تأثير سلبي مستمر على التجارة العالمية والأمن الاقتصادي الأمريكي.
ويُعد مضيق باب المندب الذي تطل عليه اليمن من الجنوب أحد أهم الممرات البحرية الإستراتيجية في العالم. وهذا المضيق يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن، ويعد مسارا حيويًا لحركة النفط والتجارة بين آسيا وأوروبا.
وفي إطار نصرتها لقطاع غزة الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي متواصل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 نفذ أنصار الله عدة هجمات استهدفت سفنا تجارية وناقلات نفط في البحر الأحمر، مما أدى إلى اضطراب حركة الشحن البحري.
هذه الهجمات دفعت الكثير من الشركات إلى تعليق مرور سفنها عبر المضيق أو اتخاذ مسارات بحرية أطول بالتوجه نحو رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي زاد تكاليف الشحن.
بحسب وسائل إعلام عربية، إن هناك "تهديدات لإمدادات الطاقة، فباب المندب يُعد مسارًا رئيسيًا لنقل النفط من دول الخليج الغنية بالنفط إلى أوروبا وأمريكا. أي اضطراب في هذه المنطقة قد يؤثر على أسعار النفط عالميًا".
*أهمية باب المندب
مضيق باب المندب يُعَدّ من أهم الممرات البحرية لنقل النفط عالميا، حيث بلغ متوسط تدفقات النفط عبر المضيق عام 2023 حوالي 8.8 ملايين برميل يوميا. وفي عام 2024 شهدت تدفقات النفط تراجعا حادا بنسبة 54% خلال الأشهر الثمانية الأولى، حيث انخفض المتوسط إلى نحو 4 ملايين برميل يوميًا حتى أغسطس/آب، مقارنة بـ 8.7 ملايين برميل يوميا للفترة نفسها من عام 2023.
هذا الانخفاض الكبير في عام 2024 يُعزى إلى تصاعد الهجمات على السفن في المنطقة، مما دفع العديد من شركات الشحن إلى تجنب المرور عبر المضيق.
يُذكر أن مضيق باب المندب يحتل المرتبة الثالثة عالميًا من حيث حجم تجارة الطاقة التي تمر عبره، بعد مضيقي ملقا وهرمز، مما يبرز أهميته الإستراتيجية في حركة النفط العالمية.
وشن أنصار الله أكثر من 100 هجوم على السفن منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وحتى نهاية العام 2024. ودفع ذلك العديد من شركات الشحن الكبرى في العالم إلى تغيير مسار سفنها لتبحر حول جنوب قارة أفريقيا بدلا من البحر الأحمر؛ وهو ما أدى إلى خسارة طاقة شحن إضافية تقدر بنحو 30% على الأقل عن المعتاد.
*ترامب وقع في فخ اليمن
في السياق، أجمع محللون على أن الضربات الامريكية الأخيرة على اليمن تمثل تحولاً خطيرًا في مسار الصراع، وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دخل في مأزق إستراتيجي قد يؤدي إلى تصعيد أوسع في المنطقة، خاصة مع إصرار أنصار الله على مواصلة عملياتهم ضد السفن المتجهة إلى إسرائيل.
يشير الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، لقاء مكي، إلى أن إدارة ترامب منحت القيادات الميدانية العسكرية في المنطقة صلاحية القصف دون العودة إلى الجانب السياسي، وهي مسألة خطيرة لأن "العسكر لا يفكرون دائما بالنسق السياسي لهذه الضربات".
وحذر مكي من أن "الأمور قد تتحول إلى حرب حقيقية" مع استمرار القصف طالما المعركة قائمة.
واتفق المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية ونائب رئيس البحث السابق بالسفارة الأميركية في اليمن، نبيل خوري، مع ما ذهب إليه "لقاء مكي" بأن ترامب ليس لديه عقيدة عسكرية أو سياسية واضحة، وليس شخصا إستراتيجيا وجاء من خارج الدائرة السياسية والعسكرية، "فهو رجل تجارة بارع في المقايضات يعرض شيئا ويطلب سقفا عاليا".
وأشار خوري إلى أن ترامب "لا يفهم مدى عمق الوطنيات والقوميات الموجودة في المنطقة"، مقارنا بين ضربات ترامب الحالية وحرب الخليج الأولى التي استعد لها الرئيس جورج بوش الأب 6 أشهر وأقام لها تحالفا دوليا واسعا.
وقال، "اليوم ترامب يأخذ القرار في يومين بأي خطة وبأي إستراتيجية؟ غير واضح، وأنا أراهن أنه لا يملك خطة ولا إستراتيجية".
وفيما يتعلق بالموقف اليمني، أجمع المحللون على أن أنصار الله سيواصلون المواجهة ولن يتراجعوا، وأشار مكي، إلى أن الضربات الأمريكية ستعزز شرعية الحوثيين محليا وإقليميا، موضحا أن "الحوثي حصل على شرعية شعبية في اليمن وخارجه باعتباره من النادرين الذين حاربوا من أجل فلسطين، وكلما تلقى ضربات أكثر تعززت شرعيته أكثر".