11 عاما على استشهاد الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في دمشق.. "انفوبلس" تستعرض قصة استهدافه وسيرته ومواقفه
انفوبلس/ تقرير
في مثل هذا اليوم 21 مارس/ آذار وقبل 11 عاماً (2013)، عاشت سوريا لحظات "حزينة" عندما تم الإعلان في التلفزيون الرسمي عن اغتيال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في تفجير انتحاري بحيّ المزرعة وسط العاصمة دمشق في مسجد الإيمان وهو في الـ 83 من العمر، بعد مسيرة طويلة ومواقف لا تُنسى وأبرزها موقفه من الثورة السورية ودعمه لنظام بشار الأسد.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على تفاصيل استشهاده وسيرته الذاتية ومواقفه التاريخية
*تفاصيل التفجير الانتحاري
أعلن التلفزيون السوري الرسمي، في 21 مارس/ آذار 2013، استشهاد الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في تفجير انتحاري إرهابي في حيّ المزرعة وسط العاصمة دمشق في مسجد الإيمان خلال إلقائه درسا دينيا للمصلين، مشيرة أن الانفجار خلّف خسائر بشرية كبيرة.
وقال ناشطون سوريون وقتها، إن صوت الانفجار كان كبيراً جداً، لافتين الى أن الجثث منتشرة داخل المسجد. وأُعلن لاحقاً وبحسب ما أفادت به وزارة الصحة السورية أن الهجوم الارهابي أسفر عن استشهاد 42 شخصا من بينهم حفيده وإصابة 84 بجروح.
وكان البوطي قد وصف المعارضين للرئيس بشار الأسد في إحدى الخطب التي كان يلقيها كل جمعة عبر التلفزيون السوري بأنهم "حثالة"، كما كان يحث السوريين على الالتحاق بالقوات المسلحة ومساعدة الحكومة في دحر المعارضين.
كما أن وقتها رأى المسؤولون السوريون أن اغتيال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي يرتبط بمواقفه المؤيدة للحكومة السورية وتأثيره على فئات واسعة من الشعب، ورجحوا آنذاك أن الجناة من جماعات المعارضة المسلحة.
وفي أولى ردود الفعل، اتفقت المعارضة والنظام السوري على إدانة الاغتيال، لكنهما تبادلا الاتهامات بالمسؤولية عن هذه "الجريمة".
وأصدر الرئيس السوري بشار الأسد وقتها بيان تعزية وصف البوطي فيه بأنه "رجل بحق.. عبَّر عن الصوت الحقيقي للإسلام واستُشهد بين المحراب والمنبر وهو يعلّم الناس الخير والدين الحق"، وقال: "فوعداً من الشعب السوري وأنا منه أن دماءك أنت وحفيدك وكل شهداء اليوم وشهداء الوطن قاطبةً لن تذهب سدىً لأننا سنبقى على فكرك في القضاء على ظلاميتهم وتكفيرهم حتى نطهر بلادنا منهم".
فيما ذكر التلفزيون السوري الرسمي قبل الاغتيال، أن البوطي "عالم متخصص في العلوم الإسلامية ويُعد من أهم المرجعيات الدينية على مستوى العالم الاسلامي"، علما أن القنوات الرسمية السورية كانت تبث خطبه خلال كل صلاة جمعة.
من هو "محمد سعيد رمضان البوطي"؟
هو "محمد البوطي" عالم سوري، يُعد من أبرز الفقهاء والدعاة في العالم الإسلامي. أثار موقفه من الثورة السورية ودعمه لنظام بشار الأسد جدلا واسعا، كما أثار اغتياله في أحد مساجد دمشق خلافا كثيرا.
وُلد محمد سعيد رمضان البوطي عام 1929، في قرية "جليكا" التابعة لجزيرة ابن عمر المعروفة بجزيرة بوطان في تركيا قرب الحدود مع سوريا والعراق، وهاجر -وهو في سن الرابعة- مع والده المُلا رمضان البوطي إلى دمشق.
وبرز البوطي منذ صغره طالبا مجدا متميزا عن بقية أقرانه، وأنهى دراسته الثانوية الشرعية في معهد التوجيه الإسلامي بدمشق، متأثرا بوالده الذي كان عالم دين، واختار لنفسه التعمق في العلوم الشرعية.
التحق عام 1953 بكلية الشريعة في جامعة الأزهر، وحصل على شهادة العالِمية منها عام 1955. وفي العام التالي، أكمل دراسته العليا بكلية اللغة العربية في جامعة الأزهر حيث حصل فيها على دبلوم التربية.
*الوظائف والمسؤوليات
عُيِّن مُعيداً في كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 1960 وأوفد إلى كلية الشريعة في جامعة الأزهر حيث حصل على شهادة الدكتوراه في أصول الشريعة الإسلامية عام 1965، وفي العام نفسه عُيِّن مدرساً في كلية الشريعة بجامعة دمشق التي تدرّج في سُلّمها الوظيفي سريعا من مدرس إلى وكيل فعميد.
كما تولى إمامة الجامع الأموي في دمشق بالإضافة إلى رئاسة اتحاد علماء بلاد الشام، كما عمل عضوا في عدة هيئات منها مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي في عمّان، والمجلس الأعلى لأكاديمية أكسفورد وغيرها.
ويمثل البوطي التوجه المحافظ لمذاهب أهل السنة الأربعة وعقيدة أهل السنة وفق منهج الأشاعرة، وقد عُدَّ أهم مَن دافع عن عقيدتهم في وجه الآراء السلفية، وألَّف في الموضوع كتابا عنوانه "السلفية مرحلة زمنية مباركة وليست مذهبا إسلاميا".
بالموازاة مع ذلك، اهتم بالبحث في موضوع العقائد والفلسفات المادية التي كتب عنها مؤلفات عدة من بينها "أوروبا من التقنية إلى الروحانية، مشكلة الجسر المقطوع".
* انفوبلس تستعرض المواقف والتجارب السياسية للبوطي
ربطت البوطي علاقة مع النظام السياسي الحاكم منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد خاصة في بداية التسعينيات، وتكرر ظهور الرجل حينها في وسائل الإعلام السورية الرسمية، ثم تعززت هذه العلاقة في عهد بشار الأسد.
كان من معارضي استعمال العنف للتغيير، وقد سبّب ظهور كتابه "الجهاد في الإسلام" عام ١٩٩٣ في إعادة الجدل القائم بينه وبين بعض التيارات السياسية الإسلامية.
وعلى إثر اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، دافع البوطي في عدد من تصريحاته عن النظام السوري الذي يواجه بحسبه "مؤامرة خارجية" تقودها "إسرائيل"، وأشاد بالدور الذي يقوم به الجيش النظامي.
وانتقد في المقابل مقاتلي الجيش السوري الحر الذين وصفهم في إحدى خطب الجمعة التي نقلها التلفزيون السوري بأنهم "حثالة"، وسببت هذه التصريحات انتقادات حادة للبوطي، حتى صنفه البعض ضمن "علماء السلطان".
* المؤلفات
أغنى البوطي المكتبة العربية والإسلامية بما لا يقل عن ستين مؤلفاً عالجت قضايا علوم الشريعة والآداب والفلسفة والاجتماع ومشكلات الحضارة وغيرها، وأشهر هذه المؤلفات "فقه السيرة النبوية" و"الإسلام والعصر" و"منهج الحضارة الإنسانية في القرآن" و"هذه مشكلاتنا".
وبالإضافة إلى كتاباته الدورية في عدد من المطبوعات المتخصصة في الشأن الإسلامي، ودروسه الدائمة في مسجد الإيمان بدمشق، قدّم على شاشات التلفزة عددا من البرامج الدينية.
كما نالَ البوطي الذي تتلمذ على يديه الكثير من طلاب العلم من مختلف الأصقاع، لقب شخصية العالم الإسلامي في الدورة الـ18 لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم.