29 عاما على اعتقال باريس لـ كارلوس.. صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد بتُهم نفاها في جلسة المحكمة الفرنسية
نفوبلس/..
يرى نفسه "ثورياً محترفاً" معتزّاً بانتمائه إلى حركات ثورية، من بينها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في حين يعتبره الغرب إرهابيا، وتضاربت الآراء حوله، البعض يعتبره ثائرا مؤمناً بقضية أيدولوجية، والبعض الآخر يراه خلاف ذلك، اسمه (إيليتش راميريز سانشيز)، اسمه الحركي (كارلوس) ولقّبته أجهزة المخابرات بـ(كارلوس الثعلب).
وُلِد كارلوس في العاصمة الفنزويلية كاراكاس، وارتبط بالحركات الشيوعية، حيث انضم عام 1964 إلى الشباب الشيوعي الفنزويلي، وخلال ذهابه إلى العاصمة الروسية موسكو بغرض الدراسة، التقى كارلوس بممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش الذي دعاه إلى المشاركة في تدريبات عسكرية في الأردن.
وفي عام 1971 قام حبش بتكليفه بمسؤوليات إضافية في الجبهة الشعبية ليصبح كارلوس "ثوريا محترفا في خدمة حرب تحرير فلسطين"، كما وصف نفسه حينذاك، قبل أن يستقيل من الجبهة عام 1967.
وكانت أبرز العمليات التي نفذها مع خمسة من رفاقه احتجازه أحد عشر من وزراء نفط منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) عام 1975 بالعاصمة النمساوية فيينا. كما نُسبت إلى كارلوس أيضا اعتداءات في فرنسا مطلع ثمانينيات القرن العشرين.
وتوجه عام 1983 إلى العاصمة السورية دمشق، ولحقت به هناك زوجته ماغدالينا كوب بعد قضائها بضع سنوات في السجن بفرنسا، ثم انتقل عام 1993 إلى السودان، وتزوج أردنية.
في ديسمبر/ كانون الأول 2011 أدانت المحكمة الابتدائية كارلوس بقتل عنصرَي شرطة فرنسيَّين ومخبر لبناني عام 1975، وقضت عليه بالسجن مدى الحياة مرة أخرى، وأيّدت محكمة فرنسية عُليا في حزيران 2013 الحكم الابتدائي بعد إدانته بارتكاب أربعة اعتداءات في فرنسا.
الحكم بالسجن المؤبد
أيّدت محكمة فرنسية حكما بالسجن مدى الحياة بحق الفنزويلي إلييتش راميريز سانشيز أو كما يسمي نفسه بالثوري كارلوس، وذلك بعد إدانته بارتكاب أربعة اعتداءات بفرنسا قبل ثلاثين عاما، وهي العقوبة القصوى التي يتعرض لها.
وجاء الحكم مطابقا لحكم المحكمة الابتدائية الفرنسية الذي صدر في كانون الأول 2011 لإدانته بقتل عنصرَي شرطة فرنسيين ومخبر لبناني عام 1975.
واستمعت المحكمة في الاستئناف الذي قدمه كارلوس في الحكم الأول، إلى كل الأدلة قبل أن تؤكد قرار المحكمة والحكم، دون إمكانية إطلاق سراح مشروط إلا بعد مرور 18 عاما. بينما تمت تبرئة شريكته الألمانية كريستا فروليخ (70 سنة) من التهم غيابيا مرة أخرى.
وأدان الادعاء انتقال كارلوس إلى الكفاح المسلح مع تضامنه مع القضية الفلسطينية في السبعينيات قبل أن يتهمه بأنه تحول إلى "الحرب الخاصة" و"الابتزاز" "والارتزاق".
ونفى سانشيز أي تورط له في التفجيرات الأربعة عامي 1982 و1983 على أحد شوارع باريس وقطارين ومحطة قطارات في مرسيليا.
وتطرق في خطابه أمام المحكمة لمجموعة متنوعة من الموضوعات من حياة السجن إلى الاستراتيجية الصهيونية وجوازات السفر السوفياتية والدولة الفرنسية ومخدر الحشيش وحتى عقوبة الإعدام.
حكم بلا دليل ومحكمة بلا دفاع
وقد ندّد موكِّلان لكارلوس بالحكم وقالا إنه صدر من دون أي دليل، كما اعتبرا أن موكلهما هو ضحية جديدة للقضاء. وقال الدفاع إن أرشيف أجهزة استخبارات دول شرق أوروبا التي نشط فيها كارلوس في الثمانينيات، والذي يشكل العمود الفقري للادعاء، لا يمكن أن تستخدم دليلا.
وكان كارلوس منع الدفاع عنه في هذه المحاكمة، وندد بموقف بلده الأصلي فنزويلا الذي رفض تغطية نفقاته القضائية. مع العلم أن الرئيس الراحل هوغو تشافيز كان يدعمه ويصفه بالثوري.
يذكر أن كارلوس أو كما يسمي نفسه "الثوري كارلوس ابن آوى"، كان من أكبر الفارّين المطلوب القبض عليهم في العالم، على خلفية تدبير سلسلة من الهجمات الكبيرة ضد أهداف غربية، وبما في ذلك حادثة اختطاف الرهائن القاتلة عام 1975 في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في فيينا.
عملية فيينا
شكّلت السنوات الخمس الأولى في سبعينيات القرن الماضي، الفترة الذهبية في عمليات المقاومة الفلسطينية الخارجية، فاشتهرت عمليات خطف طائرات "العال" الإسرائيلية وطائرات "بوينغ" التي تقلّ إسرائيليين، واستهداف السفارات الإسرائيلية في دول مختلفة، واختطاف الإسرائيليين من أجل المبادلة، وإن كان ذلك أمام عدسات الكاميرات (كما في ميونخ عام 1972)، وذلك بهدف إثارة القضية الفلسطينية في الخارج ولفت الرأي العام الدولي إلى مظلومية الفلسطينيين، بالإضافة إلى استنزاف أجهزة الأمن الإسرائيلية.
وكانت هذه الحرب، تجري بمساهمة كبيرة من أحد أبرز العقول الأمنية الفلسطينية ومسؤول العمليات الخارجية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وديع حداد، الذي عُرِف بتعاونه مع منظمات وحركات ثورية خارجية والتنسيق معها لتنفيذ عمليات مشتركة تخدم القضية الفلسطينية.
خطط حداد لعملية فيينا وأوكل مهمة التنفيذ والإشراف إلى جهاد النقاش، ثم أشرك كارلوس بالعملية نظراً لخبرته في تنفيذ عمليات مشابهة وتحمّله عبء إلصاق تهمة العملية به بدلاً عن النقاش الذي كان يفضّل التواري عن الأضواء وإكمال مهامه العسكرية والأمنية سرّاً.
وهدفت العملية كما أُعلن حينها، بحسب مقابلة سابقة مع النقاش، إلى إذاعة بيان للمقاومة الفلسطينية عبر الإذاعات النمساوية والتعريف بالقضية الفلسطينية في أوروبا، لكن أسباباً أهم دفعت المخططين لاختطاف وزراء الذهب الأسود وإحداث خرق في أجهزة الأمن الموكَّلة بحمايتهم.
علاقته بصدام حسين
وفي مقابلة أجراها معه الصحفي الفرنسي، لازلو ليزكاي، من داخل السجن، يوضح كارلوس أن علاقته كانت جيدة بالنظام العراقي بقيادة أحمد حسن البكر في أواخر السبعينيات، ولكن صعود صدام حسين إلى السلطة في تموز 1979 اضطره إلى مغادرة العراق لأن صدام أبعد جميع المنظمات الفلسطينية والمتعاملة معها المؤيدة لسوريا من البلاد، وحلّت مكانها منظمات مقرّبة منه ومن نظامه.
وأضاف، أنه "في أواخر الثمانينيات قرر صدام حسين استخدام مجموعة أبو نضال (صبري البنا) بدلاً من كارلوس، وكذلك فعل القذافي، مشيراً إلى أنه "اعتبر صبري البنا (أبو نضال) مجنونا ورفض التعامل معه مع أن معلمه وديع الحداد لم يعارض هذا التعامل، ورأى أن الشخص المقاوم الذي يقتل معاونيه ورفاقه السابقين في النضال والمقاومة هو شخص موتور ومريض".