44 عاما على اختطاف السعودية لمعارضها الأشهر ناصر السعيد من بيروت وتصفيته.. سر غامض لم يتم الكشف عنه حتى اليوم. أين جسده؟
انفوبلس/..
44 عاماً مضت على جريمة لم تُكشف أسرارها كاملةً، لكن رغم ذلك كشفت بشاعة النظام السعودي القائم على الديكتاتورية والقتل وسفك الدماء خاصة لفئة المعارضين، ولعل ما فعلته الرياض مع ناصر السعيد الذي اختطفته من بيروت ومزقته حتى أردته قتيلاً، دليل على ذلك.
*خطاب ناري
"باسم الله، وباسم الحق.. باسم العمال المعذّبين، والفلاحين الذين أصبحوا فريسةً للمرابين، باسم الجنود الظافرين، باسم البدو المشرّدين، باسم الشعب الذي حُرم من نور العلم طويلاً يا طويل العمر.. يا سعود بن عبد العزيز.. دعني أناديك باسمك المجرد من الجلال والجلالة، فزخرف القول غرور.. والذي لا يُجلّه شعبه لا تجلّه الألقاب الزائفة، بل ولا يُجلّه الله أبداً. إن رضى الشعب هو رضى الله! ولن يرضى الله سبحانه لمن لا يرضى عنه شعبه. لذا، أقول لك، يا سعود.. هل تجشمت مصاعب الطرقات الخربة الوعرة وجئت لعندنا بقصد الدعاية لنفسك؟ ليس في مئات المدن والقرى والصحارى التي مررت بها إلا الفقراء الذين رأيتهم يمدون إليك أيديهم ضارعين من الفقر والجوع والمرض والجهل.. لا يوجد علاج ولا مُعالج، ولا ماء نظيف، ولا دواء، ولا عمل، ولا مساكن تليق بالإنسان".
بهذه الكلمات خاطب الشاب الثلاثيني ناصر السعيد، العاهل السعودي سعود بن عبد العزيز خلال حفلٍ أقامه وجهاء مدينة حائل في مدرستها الوحيدة آنذاك، تكريماً لملك السعودية الجديد، وكان العاهل قد قدم إلى الإمارة الشمالية لتلقي البيعة من زعماء قبيلة شمّر التي تقطن تلك البلاد، وكانت المواجهة الأولى وجهاً لوجه بين المناضل الثائر، وأحد ملوك آل سعود.
نشأ الفتى ناصر في كنف جدته حسناء كارهاً لمظاهر التعسف كافة، ولكل أشكال الطغيان. وما إن وعى الشاب حتى تفتح على فداحة الاستغلال الرأسمالي لموارد وطنه، وعلى شناعة العنصرية التي يمارسها الأجانب الأميركيون على العمال من أهل البلد، وعلى حجم تواطؤ الملوك الفاسدين مع المستعمرين الناهبين، ولقد حدث كل ذلك أمام عينيه حينما شاء له قدره أن يعمل في معسكرات شركة “أرامكو” النفطية في الظهران، منذ 1947.
لم يقتصر نضال ناصر على الجانب الاجتماعي والاقتصادي، بل شمل مبكراً الجانب السياسي أيضاً. فبعد قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، قاد ناصر مع رفاقه في ضحى يوم 17 أيلول 1947 تظاهرة في مدينة “رحيمة” لرفض التقسيم، والمطالبة بقطع النفط عن أميركا وبريطانيا. واختاروا لتظاهرتهم تلك اسم “يوم فلسطين”.
الشهيد ناصر السعيد أبرز وأشهر معارض للنظام السعودي بدأ مشوار كفاحه بقيادة الانتفاضة العمالية للمطالبة بدعم فلسطين العام 1953 وتعرض على إثرها للاعتقال وزُجَّ به في سجن العبيد بالأحساء أحد أسوأ أماكن اعتقال المعارضين حينها، وكانت مطالبات السعيد تتلخص في إعلان دستور للبلاد وحماية حرية التعبير للمواطنين وإلغاء العبودية.
بدأ السعيد معارضته للنظام السعودي من القاهرة منتصف الخمسينيات، إبّان اشتداد صراع جمال عبد الناصر مع فيصل بن عبد العزيز ونشوب حرب اليمن 1962.
في القاهرة استقبل عبد الناصر السعيد ومنحه الدعم والتسهيلات فبدأ في إذاعة برامج معارضة لآل سعود عبر إذاعة “صوت العرب”، ثم انتقل إلى اليمن أثناء حرب اليمن وأنشأ هناك مكتباً للمعارضة، وبعد وفاة عبد الناصر سافر السعيد إلى دمشق ثم إلى بيروت حيث ختم رحلة جهاده ضد الاستبداد والديكتاتورية والاستئثار بثروات شعب الجزيرة العربية.
*الاختطاف
وفي السابع عشر من ديسمبر 1979 وأثناء توجهه إلى شارع الحمراء وسط بيروت تنبه ناصر السعيد إلى خطوات مسرعة تندفع نحوه، التفت وراءه، فرأى ثلاثة أشخاص يقتربون منه مسرعين، حاول أن يبتعد عنهم لكنّ أحدهم قبض على كتفه، صرخ فيهم ناصر بقلق: “وش تريدون؟!” فأجابه أحدهم بلكمة عنيفة ورشّ الثاني على وجهه رذاذاً من زجاجة بخاخ، بدأ الدوار يعصف بكيان ناصر، خارت قواه ولم يستطع مقاومة 3 عُتاة دفعوا بجسده إلى وسط سيارة انطلقت به مسرعة إلى مكان مجهول لم يعد منه أبداً.
*أين جسده؟
هكذا دبّرت السلطات السعودية اختطاف المعارض “أبو جهاد” من بيروت الغربية عبر عملاء استأجرهم السفير السعودي في بيروت علي الشاعر أحدهم صحفي فرنسي ألحّ على مقابلة ناصر في مقر جريدة السفير دون أن يأتي، والآخر عضو منظمة التحرير الفلسطينية عطا الله عطا الله “أبو الزعيم”.. وبعد أكثر من ثلاثين عاماً، كشف الحارس البريطاني لآل سعود مارك يونق أن ناصر السعيد لم يتم التخلص منه في السعودية عام 1979 كما قيل سابقاً بل إنه تمّ التخلص منه في لبنان بعد اختطافه بأمر ولي العهد السعودي الملك لاحقاً فهد بن عبد العزيز ورمي جثمانه من طائرة على السواحل اللبنانية وتُركت أشلاؤه وجسده الممزق نهباً وغذاء للضواري والوحوش، وأكد يونق أن مصدر معلوماته هو الملك فهد شخصياً.
زوجة الشهيد السعيد “أم جهاد” حمّلت الحكومة السعودية مراراً المسؤولية الكاملة عن اختطاف زوجها وتصفيته. ترك ناصر السعيد العديد من المؤلفات بينها كتابه الأشهر “تاريخ آل سعود” قدم السعيد فيه معلومات كثيرة وغنية تكشف مفاسد أسرة آل سعود وإجرام نظام حكمهم، وسلط الضوء على أهم المظالم التي يتعرض لها شعب الجزيرة العربية.