72 عاما على تأميم النفط الإيراني.. خطوة ألهمت العرب وأسّست لمفهوم إنهاء الهيمنة الغربية على المنطقة
انفوبلس/ تقرير
بدأت قصة تأميم النفط الإيراني مع بروز اسم محمد مصدّق عندما كان عضوًا لامعًا في البرلمان بين عامي 1923 و1928، حتى نفاه الشاه رضا بهلوي بسبب آرائه السياسية والاقتصادية الوطنية، لكنه اضطر إلى إعادته تحت الضغط الشعبي في عام 1939. ظل مصدّق معارضًا للتبعية الغربية حتى وجد فيه البرلمان ضالته المنشودة لتحقيق آمال الشعب الإيراني. وفي عام 1952، اختارته مجلة Time الأمريكية كرجل العام ولقّبته بـ"جورج واشنطن الإيراني، والرجل الأبرز في الساحة الدولة.
وكان محمد مصدق (16 يونيو 1882 - 5 مارس 1967) برلماني إيراني بارز وزعيم حركة تأميم صناعة النفط الإيراني، تلقى تعليمه في أوروبا وعاد إلى إيران بعد أن حصل على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة لوزان في سويسرا، وبدأت حياته السياسية مع الثورة الدستورية سنة 1905-1907.
ومع استمرار هيمنة البريطانيين على النفط الإيراني في النصف الأول من القرن العشرين، جاء التحول الجذري في أبريل عام 1951، فقد تم انتخاب مصدق رئيسًا لوزراء إيران من قبل الشعب الإيراني الساخط على الاحتلال البريطاني، وكانت أولى قرارات مصدق بعد شهر واحد فقط من توليه الحكم، بجانب إضعاف سلطة الشاه وتقليص صلاحياته وتحجيم سيطرته على مجريات الأمور، هو تنفيذ قرار البرلمان بتأميم النفط الإيراني ونزعه من أيدي البريطانيين من أجل التخلّص من تبعية إيران إلى قوة أجنبية واسترجاع حق الانتفاع بالنفط إلى الشعب الإيراني.
ومنذ اكتشاف النفط في منطقة مسجد سليمان في إيران لأول مرة عام 1908 أُسِّست شركة النفط البريطانية تحت اسم الشركة الإيرانية البريطانية، وبدأت بنهب نفط إيران، وبعد فترة زمنية قليلة سيطر الاحتكار النفطي على نفط إيران سيطرة مطلقة نتيجة عقود الامتيازات الممنوحة من قبل شاه إيران آنذاك.
لم تقف بريطانيا مكتوفة الأيدي أمام هذا التحول الجديد، وفورًا شنّت حملة دولية ضد مصدق اتهمته فيه بسرقة "ممتلكاتها". طلب البريطانيون أولًا من المحكمة الدولية والأمم المتحدة أن يعاقبوه، ثم قامت بريطانيا بتجميد الأصول الإيرانية في الخارج خشية من انتقال فكرة التأميم إلى بقية مستعمراتها، فلم تسفر هذه الضغوطات عن نتيجة تُذكر، فلجأت بريطانيا إلى تحريك بوارجها الحربية إلى الخليج العربي، كما فرضت أخيرًا حصارًا خانقاً أدى إلى تدمير الاقتصاد الإيراني. لكن رغم كل ذلك، لم تتغير سياسات مصدق أمام هذه الحملة الدولية، ووقف الشعب بجانب سياسات مصدق الوطنية، لأن مصدق أخبرهم منذ بداية الأمر عن الصعوبات التي ستواجه التأميم عندما وقف أمام البرلمان خاطبًا: "إن الإيرانيين قد قاموا بالكشف عن كنز كان مخفيًا، ومن فوق ذلك الكنز يرقد تنّين".
سدّ الشعب الإيراني كل السبل البريطانية للتراجع عن قرار التأميم، مما ألجأ بريطانيا إلى التفكير في تدبير انقلاب عسكري تقليدي على مصدق، لكن الأخير استطاع أن يكشف خطة البريطانيين مبكرًا، فأغلق السفارة البريطانية في عام 1952م، ورحّل جميع المسؤولين والدبلوماسيين البريطانيين من إيران ولم يتبقَّ منهم أحد لتنفيذ ذلك الانقلاب.
هرع البريطانيون إلى أمريكا من أجل التخلص من خطر مصدق على مصالحها، فعقب انتخاب إيزينهاور رئيسًا لأمريكا في 1952م، وبعد أيام قليلة من انتخابه، تقابل مسؤولون بريطانيون مع مسؤولي المخابرات الأمريكية المركزية الـ CIA وتم الاتفاق على العمل المشترك من أجل الإطاحة بمصدق، لم تكن المساعدة الأمريكية عملًا خالصًا لله وللوطن، فقد رأت الإدارة الأمريكية في إيران خطرًا محتملًا على مصالحها وتهديدًا قد يُساهم في انتشار حركات التحرّر القومي، كما أنها رأت في الانقلاب على مصدق فرصة لتوزيع ثروات إيران بين بريطانيا والولايات المتحدة بدلًا من استئثار بريطانيا بالحصص النفطية وحدها.
*محاولات للانقلاب
في أغسطس 1953م، كانت طهران تشتعل، نظّمت العصابات المدعومة من المخابرات الأمريكية وزرعت المخابرات الأمريكية عملاءها في المظاهرات الإيرانية المؤيّدة لمصدق، وعلى امتداد المظاهرات كان هؤلاء العملاء يقومون برمي الحجارة والتعدّي على الممتلكات الخاصة والمساجد وعلى رجال الدين، وكان غرض هذا الأمر، وفقاً للأكاديمي الأمريكي ريتشارد كوتام، هو إظهار مصدق بصورة الرجل الشيوعي العنيف الذي يحارب الدين والحريات.
أمر مصدق باعتقال الجنرال فضل الله زهيدي، زعيم الانقلاب العسكري، إلا أن الولايات المتحدة قامت بإخفاء زهيدي في قلب السفارة الأمريكية، أما الشاه فقد وصلته أخبار فشل الانقلاب، فهرب مسرعًا خارج إيران إلى بغداد، وفي طهران خرجت الجماهير تهتف بانتصار مصدق، وسرعان ما عادت الحياة في إيران إلى طبيعتها، وتعامل مصدق في اليوم التالي مباشرة على أن الانقلاب أصبح حدثاً من الماضي لا أكثر.
فشل الانقلاب إذن، وأمضت المخابرات الأمريكية ليلة سوداء أمرت فيها عناصرها بالهروب من إيران في أقرب فرصة ممكنة، كما تلا هذه الانقلاب انقلابات أخرى.
وتحتفل إيران باليوم الوطني لتأميم النفط وترى أن هذه الحركة التي تزعّمتها الشخصيات الدينية والوطنية آنذاك بعثت الروح الثورية في الشعب وحفّزته لإحقاق حقوقه المُغتصَبة من قبل الأجانب.
واليوم وبعد مرور أكثر من 40 عاما من عمر الثورة الإسلامية استطاعت إيران أن ترفع مستوى الاكتفاء الذاتي في صناعة النفط بالاعتماد على الطاقات المحلية.