أمريكا درّبت الجولاني سياسيًا.. روبرت فورد يكشف خطة تحويل زعيم القاعدة الى رئيس

الجولاني بوجه أمريكي جديد
انفوبلس/..
في محاضرته الأخيرة بمجلس العلاقات الخارجية في بلتيمور، رسم السفير الأمريكي الأسبق لدى سوريا، روبرت فورد، صورة مغايرة تمامًا لأحمد الشرع، المعروف سابقًا باسم "الجولاني"، في محاولة لتلميع ماضيه الدموي وتقديمه كـ"رئيس انتقالي" لسوريا ما بعد الأسد.
فورد، الذي سبق له أن وصف الجولاني بإحدى أبرز وجوه الإرهاب في العراق، يتحدث اليوم عن تحوّله إلى سياسي واقعي وحاكم متزن، وهذه السردية الجديدة، التي رُوّج لها في أوساط غربية، تثير تساؤلات جدية حول مدى قبول المجتمع الدولي بفرض أمر واقع قوامه قائد سابق في تنظيم القاعدة، يرتدي عباءة سياسية ويخوض حوارات باسم الدولة التي ساهم في تمزيقها.
وألقى السفير الأمريكي الأسبق لدى سوريا، روبرت فورد، محاضرة في مجلس العلاقات الخارجية بمدينة بلتيمور، تناول فيها رؤيته للتطورات في سوريا ورئيس النظام الجديد أبو محمد الجولاني "أحمد الشرع"، الذي بات يتصدر المشهد السياسي السوري بعد سقوط حكومة الأسد في كانون الأول 2024.
ثلاث رسائل تتعلق بالجولاني
وقال فورد إنه يحمل ثلاث رسائل رئيسية تتعلق بأحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، الذي أصبح الرئيس الجديد لسوريا: "الأولى تتعلق بكيفية التعامل معه، والثانية تتناول التحديات الكبرى في سوريا، وعلى رأسها "إسرائيل"، أما الثالثة فهي توصياتي كدبلوماسي أمريكي سابق."
واستعرض فورد ماضي الشرع، مشيرًا إلى أنه كان قائدًا بارزًا في جماعات القاعدة في العراق مطلع الألفية، وتحديدًا في مدينة الموصل التي شهدت سقوط عدد كبير من الدبلوماسيين والجنود الأمريكيين جراء الهجمات التي شنّها الإرهاب
وأكد فورد في المحاضرة، أن الشرع كان يُعرف باسم "عبد القادر الجولاني" خلال تلك المرحلة، وفي عام 2023، تلقى فورد دعوة من منظمة بريطانية للمساعدة في تحويل الشرع من مسار العنف إلى العمل السياسي، ورغم تخوفه الأولي من أن يكون ضحية، على حد تعبيره، قرر خوض التجربة بعد حديثه مع من سبق أن التقوا بالشرع.
لقاءات مباشرة
خلال أول لقاء جمعه بالشرع، قال فورد: "جلست بجانبه ولم أصدق أنني أمام شخص كنت أعتبره أحد رموز الإرهاب، لكنه تحدّث بأسلوب مختلف، وقال إنه يحكم الآن 4 ملايين نسمة في شمال غرب سوريا، وهو يدرك أن الحكم يتطلب تنازلات، ولا يمكن تطبيق تكتيكات العراق نفسها."
وأضاف فورد أنه التقى الشرع مجددًا في أيلول 2023، وزار حينها عددًا من المناطق المسيحية، حيث التقى بأسقف ومجموعة من السكان الذين أكدوا تحسن الأوضاع تحت إدارة الشرع، وأشاروا إلى استعادة منازلهم وأراضيهم الزراعية، باستثناء أرض واحدة كانت محل نزاع بين الفصائل المسلحة التابعة لتحالف الشرع.
أسلوب جديد في الإدارة
يقول فورد إن الشرع لم يرسل قواته لمهاجمة الفصائل التي ترفض سلطته، بل يحاول التفاهم معها عبر الاجتماعات والحوار، وهي "ليست طريقة القاعدة في التعامل مع الخصوم"، بحسب تعبيره.
وأوضح فورد أنه أبلغ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بعد سقوط الحكومة السورية، أن "الشرع ليس رجل القاعدة كما كنا نظن"، مؤكدًا أن دعوة الشرع لإجراء انتخابات تُعدّ تناقضًا واضحًا مع الفكر السلفي الجهادي، الذي يرفض العملية الديمقراطية برمّتها.
ومن بين المؤشرات التي عدّها فورد دليلاً على تغير الشرع، دعوته لمجموعة من اليهود الأمريكيين من أصول سورية لزيارة دمشق، وهو ما لم يكن ليحدث في ظل حكم الأسد ولا يمكن تصوره في فكر بن لادن أو البغدادي، على حد قوله.
الجولاني بين "إسرائيل" وتركيا
وتطرق فورد إلى تجاوز "إسرائيل" للمنطقة العازلة في الجولان، مشيرًا إلى أنها احتلت أراضٍ سورية خلال الفترة نفسها التي كان الشرع يوجّه خلالها رسائل تصالحية بدعوته لليهود السوريين، مؤكداً أن تصريحات إسرائيلية رسمية كشفت نية إبقاء سوريا ضعيفة ومقسمة، وهو ما يعكس السياسة الإسرائيلية تجاه هذا الملف.
وأوضح أن حكومة الشرع أبرمت اتفاقية عسكرية مع تركيا، سمحت بوضع طائرات تركية في قواعد سورية، ما يهدد باندلاع اشتباكات مستقبلية بين القوات التركية والإسرائيلية إذا استمرت الانتهاكات الجوية في الأجواء السورية.
وفي ختام حديثه، وجّه فورد توصية لإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مطالبًا بإسناد ملف التنسيق بين إسرائيل وتركيا إلى مبعوث خاص لتفادي صدام محتمل على الأراضي السورية.
كما أبدى موقفًا واضحًا تجاه الملف الكردي، قائلاً: "كثيرون في الكونغرس يرون أننا مدينون للقوات الكردية، لكنني كرجل واقعي أرى أننا لا ندين لأحد، بل نعمل وفق المصالح. والآن بعد زوال خطر داعش، يجب أن نتساءل: هل من مصلحتنا البقاء في سوريا وسط حرب محتملة بين تركيا وقوات كردية؟"
في خضم كل هذا التحول، يظل (الجولاني) نموذجاً صارخاً لإرث دموي وتاريخ حافل بالانتهاكات، فمنذ ظهوره في المشهد السوري، لم يكن أكثر من زعيم ميليشيا متشددة تاجر بالدم والدين، متنقلاً بين رايات التطرف لتحقيق مكاسب سياسية.
وتحت قيادته، نفذت "جبهة النصرة" وذراعها اللاحق "هيئة تحرير الشام" موجات من الاعتقال والاغتيال والتهجير بحق المدنيين والمعارضين وحتى "رفاق السلاح"، تحت مسمى إقامة "العدل الشرعي".
وليس غريباً أن يتحول لاحقاً إلى واجهة سياسية يحاول الغرب إعادة تدويرها، رغم سجله الأسود في تسليم قادة للقاعدة، وتصفيته للمعارضين داخل إدلب، فالجولاني لم يتغيّر؛ هو نفسه، بذات اليد التي سبق وأن تلطخت بدماء الأبرياء.