أنبوب نفط البصرة - العقبة وعلاقته بـ "الشام الجديد".. ما هي جذور وأهداف المشروع؟ تعرف على موقف السوداني منه قبل تشكيل الحكومة
ضمانات خطيرة بلا جدوى اقتصادية
انفوبلس/..
عُرف عن مشروع "الشام الجديد" بكونه تعاونا اقتصاديا يضم الأردن والعراق ومصر، ويهدف الى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الثلاث من خلال تبادل السلع والخدمات، وبناء مشاريع بنية تحتية مشتركة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة الى دول لبنان وسوريا، اللتين من الممكن أن تنضما الى المشروع.
فيما عدّ مراقبون للشأن السياسي، أن ما يسمى "اتفاقيه الشام الجديد" مشروع صهيوني بثوب عربي "أردني مصري" يستنزف فيه العراق من ثرواته وأمواله، والمستفيد من النتائج فقط مصر والأردن.
وتعود جذور مشروع (الشام الجديد) لدراسة أعدّها البنك الدولي في آذار 2014، وطبقا للدراسة يشمل المشروع كُلاً من سوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية، إضافة إلى تركيا والعراق ومصر.
هذا المشروع الذي بقي مجرد دراسة نظرية بدأ يلتمس طريقه إلى النور منذ عام 2019 عندما أدركت الدول الثلاث مصر والأردن والعراق أن المناخ الجيوسياسي في المنطقة يتغير وأن توازنات القوى الإقليمية تمر بمرحلة انتقالية، ولذلك عقدت الدول الثلاث عدة اجتماعات على مستوى القمة أو وزراء الخارجية لوضع اللمسات الأخيرة لإطلاق فضاء جيوسياسي جديد على أساس التعاون فيما بينهم.
وكانت كل من دول الأردن ومصر والعراق، قد اتفقت في 2019، على اعتماد "آلية مؤسساتية" لمتابعة تنفيذ مشاريع التعاون المشتركة بين الدول الثلاث، وذلك خلال لقاء عقده وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي ونظيره المصري سامح شكري مع مسؤولين عراقيين في العاصمة بغداد.
وخلال الوقت الذي سبق الاتفاقيات، عقد الأردن ومصر والعراق 5 قمم مشتركة، الأولى بالقاهرة في آذار 2019 وقادت إلى تشكيل مجلس مشترك للدول الثلاث، وعُقدت القمة الثانية في أميركا في أيلول 2019، أما الثالثة فكانت بعمان في آب 2020، والرابعة ببغداد في حزيران 2021، والخامسة في كانون الثاني 2022، حيث أبرمت الدول الثلاث اتفاقات اقتصادية مشتركة وأخرى ثنائية تتمحور غالبا حول الطاقة والتجارة والاستثمار.
وبات يطلق على تحالف الأردن والعراق ومصر اسم "الشام الجديد"، حيث يهدف مشروع (الشام الجديد) في المقام الأول إلى إنشاء خطوط لنقل النفط والغاز من العراق إلى منطقة خليج العقبة الأردنية على البحر الأحمر ومنها إلى مصر ثم إلى الأسواق النهائية.
مشروع (البصرة – العقبة)
وتشير مصادر مطلعة، الى أن "تمرير مشروع أنبوب النفط (البصرة – العقبة) الذي يُعد أبرز مفاصل مشروع الشام الجديد، يلحق ضررا بالنفط العراقي وبيعه بأسعار مخفضة الى مصر والأردن، ويدفع العراق تكاليف المشروع بالإضافة للمنشآت الصناعية التي سيبنيها العراق لمصر والأردن، وأكثر من نصف الانتاج العراقي النفطي سيكون ضمن مشروع "الشام الجديد" الذي دخل العراق ضمنه ليرهن النفط والسيادة العراقية".
ويرى مراقبون محليون، أن "القيام بمشروع أنبوب العقبة، هو كسب لود أمريكا التي باتت متذمرة من حكومة السوداني وعدم التعاطف معها بل ودعمها في مسارات كثيرة ومنها قضايا التسليح، إلى جانب كون الإدارة الأمريكية تحسب الأردن إحدى مناطق نفوذها، والجدار العازل بين حماية إسرائيل وأمنها أمام تصاعد الرفض في المنطقة والعالم لما تقوم به من أعمال منافية لحقوق الإنسان في غزة، وعلى هذا الأساس وجب تأمين حصص الأردن من مصادر الطاقة (النفط) وبأسعار مخفضة على اعتبار أن العراق الآن تحت سيطرة النفوذ الأمريكي".
حكومة السوداني في موقف صعب وحرج جداً، فهي بين رفض شعبي هائل بالإقدام على هذه الخطوة وتنفيذها تماشياً مع إرادة الإدارة الأمريكية، وبين الموقف الشعبي الحازم بعدم المثول لهكذا أمر، لكن في نهاية المطاف ستنفذ الحكومة العراقية هذه الخطوة مع تداعياتها إلى جانب كلفة إنشاء الأنبوب العالية".
غير مُجدٍ اقتصاديا
وبالحديث عن هذا الملف دعا عضو مجلس النواب باسم الغرابي، الحكومة العراقية الى التعامل بشفافية وبيان الجدوى الاقتصادية من مشروع أنبوب البصرة ـ عقبة كونه سيكلف مليارات الدولارات من الخزينة.
ويقول الغرابي، إن "الشفافية مهمة جدا لإيضاح الحقائق أمام الرأي العام حول المشاريع الاستراتيجية في العراق، لاسيما ما يتعلق بالنفط الخام والتصريحات الخطيرة حول مشروع انبوب تصدير النفط المعروف بخط البصرة - العقبة باتجاه الاردن".
ويتابع، إن "إيضاح الحقائق مهم أمام الرأي العام من أجل تأكيد شفافية وبيان الجدوى الاقتصادية من مشروع سيكلف مليارات إذا ما نُفذ فعلياً".
مطالبات نيابية وقد تصل الى استدعاء وزارة النقل داخل قبة البرلمان لمعرفة جدوى الانبوب وحيثياته الاقتصادية وما هو بعد المشروع الاستراتيجي.
الى ذلك أكد عضو تحالف الفتح سلام حسين، أنبوب النفط المزمع إنشاؤه من البصرة الى ميناء العقبة في الأردن غير مُجدٍ اقتصاديا للعراق.
ويقول حسين، إن "العراق سيدفع مليارات الدولارات ثمناً لهذا المشروع الذي يشكل خطرا يهدد الاقتصاد العراقي كونه بوابة للتطبيع مع الكيان الصهيوني".
ويبين، إن "كلفة الانبوب عالية جدا ويجب أن تُستثمر هذه الكلفة بتطوير بعض الحقول او الموانئ التصديرية في البصرة التي تعاني العديد من الاضرار". داعيا "الحكومة الى ترك تنفيذ المشروع".
وأضاف، إن "المشروع يهدف إلى زجِّ الكيان الصهيوني في اقتصاديات المنطقة ومحاصرة كل دولة ترفض التطبيع ". مشير الى، أن "لا طائل تجارياً منه كونه يشكل نواة المشروع الصهيوني".
ونشرت وسائل إعلام عربية تقريراً اقتصادياً مفصلاً عن هذا المشروع بعنوان "العراق يصرّ على تنفيذ أنبوب "البصرة - العقبة" النفطي، رغم الانتقادات التي لُخصت فيه إلى أنه لا قيمة تجارية له على الإطلاق، لأن كلفة نقل البرميل الواحد فيه قد تصل إلى تسعة دولارات إضافية مقابل ستين سنتاً عن طريق موانئ البصرة".
موقف حكومة السوداني
بعد سنوات من التردّد والتسويف والممانعة التي دأبت عليها الحكومات العراقية المتتالية، اتخذت حكومة السيد محمد شياع السوداني، خطوة عملية للبدء في تنفيذ المشروع المثير للجدل وهو مشروع أنبوب نفط (البصرة – العقبة)، حيث تم إدراج المرحلة الأولى منه، والتي تصل بالأنبوب إلى مدينة حديثة في الموازنة العراقية العامة.
وتم تخصيص مبالغ ضخمة لهذه المرحلة، حيث قُدّرت بأربعة مليارات وتسعمئة مليون دولار، ومعلوم أن العراق سيتحمّل تكاليف بناء الأنبوب داخل الأردن أيضاً، وحتى ميناء العقبة، ثم تؤول ملكية القسم الأردني منه بعدها إلى الأردن.
ويعود المشروع الى سنة 2012، حيث اتفق العراق آنذاك مع الأردن، على البدء بتنفيذ هذا المشروع بعد عام من الاتفاقية العراقية الأميركية على انسحاب قوات الاحتلال.
وقيل حينها، إنَّ موافقة العراق على هذا المشروع تأتي جزءاً من ثمن الانسحاب الأميركي، وتسليم قيادة الحكم لأحزاب عراقية، وقد زار مسؤولون عراقيون آنذاك، الأردن سنة 2014 وأبلغ عمّان موافقة العراق على المشروع وقرب البدء بالتنفيذ، وبعد عام واحد، زار وزير النفط آنذاك الأردن وكرّر موافقة العراق على المشروع وأعلن إشراك مصر فيه.
لكن المشروع تعرقل مجدداً بعد اجتياح عصابات داعش وسيطرته على ثلث مساحة العراق، وفي سنة 2017 تجدّد الضغط الأميركي على رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي صرّح بأن العراق دعا الشركات المتخصصة إلى تقديم عروضها لتنفيذ المشروع، وتلت ذلك فترة من التسويف والضغوط الأميركية، وفي سنة 2019، أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أن حكومته أعادت النظر كلياً بالمشروع ليكون ثلاثياً، عراقياً أردنياً ومصرياً، ومع حكومة مصطفى الكاظمي، بلغ الإصرار العراقي على تنفيذ المشروع أوجهاً، وظل رئيس الحكومة يصرّ على تنفيذه حتى أيامه الأخيرة، لكنه رحل وترك هذه القنبلة الاستراتيجية على مكتب خليفته الحالي.
لقد قيل الكثير عن هذا المشروع، وهو يعود الآن الى الواجهة، ولكن طبيعته وأهدافه تغيّرت خلال سنوات الاحتلال الأولى، وأمسى واحداً من عدة مشاريع وضعتها "مجموعة كروكر" (وهي مجموعة مخابراتية أميركية بعضوية خبراء عراقيين للتخطيط والتنفيذ).
كُلف وضمانات خطيرة
الباحث العراقي في مجال النفط، حمزة الجواهري، قال إنَّ "الكُلَف المرتفعة لتصدير النفط العراقي عبر الأنبوب العراقي - الأردني والمخاطر الأمنية من تفجيره، تجعل منه غير مُجدٍ اقتصادياً".
وأضاف الجواهري، إن "26 مليار دولار - بجميع مراحله - كُلفة إنشاء الأنبوب النفطي وهو رقم كبير، ما يعني أن كُلفة مرور برميل النفط الواحد ستبلغ تسعة دولارات، في المقابل، فإن كُلفة تصديره من الخليج عبر موانئ البصرة هي 60 سنتاً". مضيفاً، إن "العراق سيقدم ضمانات سيادية - وهي ضمانات خطرة لا تجرؤ أغنى الدول على تقديمها - من أجل إنشاء هذا الأنبوب كونه سيكون أنبوباً عراقياً، وبالتالي سيكون المستفيدان منه هما دولتا الأردن ومصر، أما العراق فسيتحمل أي خسائر تطرأ".
أمّا عن دور الكيان الإسرائيلي، فقد أوضح الباحث العراقي، إن "الأنبوب يمرّ عبر مضيق تيران الذي تتحكم به إسرائيل بضمان عدة دول جميعها على علاقة جيدة بها"، معتبراً أن "أفضل الحلول هو استمرار تصدير النفط عن طريق موانئ البصرة على الخليج مع زيادة قدرتها التصديرية".
خبير اقتصادي عراقي آخر وهو د. عبد علي عوض، وصف هذا المشروع بالكارثة، حيث ذكر أنه "لقد أبدَت عدة شركات استثمارية استعدادها لإنجاز ذلك المشروع، وفي البداية قدّمت التكاليف التخمينية بمقدار 18 مليار دولار... وهذا يعني أنّ العراق سيدفع مبلغاً يزيد على تكلفة النقل المعتادة بأربعة أضعاف على استخراج برميل واحد من باطن الأرض! ويتضمّن المشروع إقامة محطات الضخ، إضافة إلى إنشاء مستودعات التخزين في ميناء العقبة... والجانب الأردني لن يدفع سنتاً واحداً من تكاليف إنجاز ذلك المشروع، إنما يريد قطف ثماره من دون أية نفقات".
ويُعد هذا المشروع العبثي والذي لا طائل تجارياً منه إحدى فقرات مشروع أُطلق عليه "الشام الجديد"، ثم غيّروا اسمه - لأنه لا يمرّ بقلب الشام سوريا ولبنان - وسُمِّيَ مشروع "المشرق الجديد"، وهو مشروع أميركي غربي إسرائيلي يهدف في الدرجة الأولى إلى زجِّ إسرائيل في اقتصادات المنطقة ومحاصرة سوريا وإيران ومعهما كل دولة ترفض التطبيع والاستسلام.