إسرائيل تفضح المطبعين معها وتكشف صادرات الدول العربية إليها.. لائحة بملايين الدولارات تتصدرها مصر

انفوبلس/ تقارير
في وقتٍ يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة تحت وطأة الجوع والمجاعة بفعل الحصار الإسرائيلي الخانق ومنع إدخال الغذاء والمساعدات، كشفت بيانات رسمية إسرائيلية عن استمرار تدفق صادرات غذائية من دول عربية مطبّعة إلى إسرائيل، في مشهد يثير تساؤلات أخلاقية وسياسية وسط تصاعد الانتقادات الشعبية في تلك البلدان.
فقد أظهرت بيانات رسمية من "المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء" أن عدة دول عربية، تتقدمها مصر والأردن والإمارات والمغرب والبحرين، قامت بتصدير عشرات الأصناف من المنتجات الغذائية إلى إسرائيل خلال شهر يونيو/ حزيران 2025، بالتزامن مع بداية تفشي المجاعة في غزة وارتفاع أعداد الوفيات جراء الجوع، وفق تحذيرات أممية وتقارير صحية محلية.
شهر الجوع.. وصادرات الغذاء
وفقاً للبيانات التي تابعتها "انفوبلس"، بلغ إجمالي الصادرات العربية من المواد الغذائية إلى إسرائيل في يونيو/ حزيران 2025 فقط 116.4 مليون دولار شملت 76 صنفاً غذائياً مختلفاً يندرج تحت 18 منتجاً رئيسياً، من بينها الخضروات، الفواكه، الحبوب، المنتجات السكرية، المشروبات، الأسماك، القهوة، الشاي، والتوابل.
في الشهر ذاته، بدأت علامات المجاعة الحادة في غزة تتضح للعيان، مدفوعة بنقص الغذاء ومنع الاحتلال دخول المساعدات الكافية. ورغم التحذيرات المتتالية من الأمم المتحدة بشأن الكارثة الغذائية التي تهدد حياة ملايين الغزيين، استمرت إسرائيل في فرض القيود، بينما واصلت بعض الدول العربية تصدير منتجات غذائية إلى السوق الإسرائيلية.
وتشير البيانات الإسرائيلية إلى أن هذه الصادرات تأتي ضمن منتجات "محلية المنشأ" وفق النظام المنسّق (HS Code) العالمي لتصنيف السلع الجمركية، مما يعكس حجم التعاون التجاري بين الدول المطبعة وإسرائيل حتى في ظل الظروف الإنسانية الكارثية التي يشهدها قطاع غزة.
مصر في الصدارة.. والخضروات تتقدم القائمة
تصدرت مصر قائمة الدول العربية المصدّرة للمنتجات الغذائية إلى إسرائيل، حيث بلغت قيمة صادراتها في هذا السياق خلال شهر يونيو/ حزيران 2025، 8.16 مليون دولار، من بينها 3.8 مليون دولار تمثلت في خضروات وفواكه وأثمار قشرية. وشملت الصادرات المصرية كذلك منتجات من الحبوب والدقيق، القهوة، الشاي، التوابل، السكريات، والمكسرات.
المغرب جاء في المرتبة الثانية بصادرات غذائية إلى إسرائيل بلغت قيمتها 2.5 مليون دولار، تمركزت في منتجات السكريات والحلويات بقيمة 1.7 مليون دولار، إضافة إلى منتجات من الحبوب والخضروات.
الإمارات حلّت ثالثاً بصادرات غذائية بلغت 1.04 مليون دولار، شملت الأسماك، الخضروات، الفواكه، السكريات، وحتى الحيوانات الحية. أما الأردن، فبلغت قيمة صادراته الغذائية 672 ألف دولار، فيما جاءت البحرين أخيراً بـ47 ألف دولار.
الأردن والمغرب ضمن صادرات الخضروات والفواكه
في بيانات إضافية نشرتها وزارة الزراعة الإسرائيلية، تبيّن أن الأردن صدّر إلى إسرائيل خلال الفترة الممتدة من 3 يونيو/ حزيران إلى 21 يوليو/ تموز 2025 نحو 791 طناً من الطماطم والفلفل، منها 695 طناً من الطماطم و96.5 طناً من الفلفل. وقد بلغت الكميات خلال يونيو وحده 609 أطنان، وفي يوليو 182 طناً.
ورغم إعلان الأردن في أغسطس وسبتمبر 2024 وقف تصدير الخضروات والفواكه لإسرائيل بسبب مزاعم إسرائيلية بوجود كوليرا في مياه نهر اليرموك، استمرت صادرات القطاع الخاص دون رقابة حكومية ملزمة. وهو ما أكده وزير الزراعة الأردني خالد الحنيفات في يناير 2024 قائلاً: "لا توجد آلية قانونية تمنع التجار من تصدير الخضار إلى إسرائيل، لكن نقول لهم: حاولوا أن تتحلوا بقليل من الأخلاق".
بالنسبة للمغرب، تظهر البيانات أن 76 طناً من فاكهة "السترون" وصلت إلى إسرائيل خلال الفترة من 9 سبتمبر إلى 28 أكتوبر 2024، ولم يُسجل بعد ذلك أي تصدير للفواكه المغربية وفق البيانات الإسرائيلية.
التحذيرات الأممية تتصاعد.. والأرقام مفزعة
في المقابل، أطلقت الأمم المتحدة تحذيرات متكررة من دخول قطاع غزة في مرحلة المجاعة، حيث صرّح نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، في 11 يونيو/ حزيران 2025 أن سكان غزة معرضون لخطر المجاعة، تبعه تصريح لوكيل الأمين العام توم فليتشر في 12 يونيو يؤكد أن غزة على حافة الانهيار الغذائي.
ووفق تقرير أصدره برنامج الغذاء العالمي في 29 يوليو 2025، ارتفع معدل سوء التغذية الحاد في غزة بشكل غير مسبوق، حيث تضاعف أربع مرات بين الأطفال في غضون شهرين فقط، فيما أفادت بيانات أخرى أن ثلث سكان القطاع يظلون لأيام بلا طعام، ونحو نصف مليون يعانون أوضاعاً شبيهة بالمجاعة.
كما تشير خريطة الوضع الغذائي لقطاع غزة، وفق التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، إلى أن جميع مناطق القطاع تعيش أزمة غذاء حرجة ومتفاقمة.
ضحايا التجويع.. ومخاطر "المساعدات المشروطة"
خلال شهر يونيو/ حزيران 2025، وبينما كانت الصادرات العربية من المنتجات الغذائية تصل إلى إسرائيل، صدرت عدة تحذيرات من مسؤولين في الأمم المتحدة من أن غزة مقبلة على مجاعة، بسبب القيود الخانقة التي فرضها الاحتلال على إدخال المواد الغذائية إلى القطاع.
نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، حذر يوم 11 يونيو/ حزيران 2025 من أن سكان غزة معرضون لخطر المجاعة، وفي 12 يونيو/ حزيران 2025 حذر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، توم فليتشر، من أن غزة ستواجه "خطر الانزلاق إلى المجاعة".
توالت التحذيرات الأممية من فداحة اتساع المجاعة في غزة خلال شهر يوليو/ تموز 2025، وذكر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في تقرير نشره يوم 29 يوليو/ تموز 2025، أن معدل سوء التغذية الحاد في غزة ارتفع بمعدل غير مسبوق، وقال إنه في مدينة غزة تضاعف معدل سوء التغذية بين الأطفال 4 مرات في غضون شهرين.
تشير البيانات الأممية أيضاً إلى أن أكثر من ثلث عدد السكان في قطاع غزة يظلون لأيام متتالية من دون طعام، وأن ما لا يقل عن 500 ألف شخص يعانون ظروفاً شبيهة بالمجاعة.
كذلك تظهر بيانات من المنظمة العالمية (التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) التي تراقب الجوع أن جميع المناطق في قطاع غزة تعاني من وضع حاد في انعدام الأمن الغذائي.
وبحسب خريطة الوضع الحالي لانعدام الأمن الغذائي التي نشرتها المنظمة لقطاع غزة، والتي تغطي الفترة بين 2023 و2025، فإن القطاع بأكمله يعيش في مرحلة حرجة من أزمة الغذاء.
الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية في 30 يوليو 2025 أكدت وفاة 154 فلسطينياً بسبب المجاعة التي تسببت بها إسرائيل منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023، من بينهم 89 طفلاً.
لكن الخطر لا يأتي فقط من الجوع المباشر فقط، إذ وثقت الوزارة أيضاً استشهاد 1330 شخصاً أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية عبر آلية توزيع أقرتها الولايات المتحدة ووافقت عليها إسرائيل، تشرف عليها "مؤسسة غزة الإنسانية" عبر مواقع محددة يديرها جنود أمريكيون سابقون.
انتقادات شعبية وصمت رسمي
الدول العربية المطبّعة تواجه موجة غضب شعبية متصاعدة بسبب استمرار علاقاتها التجارية مع إسرائيل، وخصوصاً في ظل ما يتعرض له الفلسطينيون من إبادة وتجويع.
وعلى الرغم من ذلك، تواصل حكوماتها التبرير، كما فعلت القاهرة حين أكدت أن إسرائيل هي من يعرقل إدخال المساعدات عبر معبر رفح، بينما تعمل مصر على تمرير "أكبر قدر ممكن من الإغاثة"، وفق ما تزعم.
حرب الإبادة مستمرة.. والأرقام تتضخم
منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، شنت إسرائيل حملة عسكرية شاملة على قطاع غزة، وصفت بأنها حرب إبادة، راح ضحيتها ما لا يقل عن 206 آلاف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 9 آلاف مفقود ومئات آلاف النازحين.
وفي ظل هذا المشهد الدموي والمجاعة المتفشية، يبدو أن بعض الأنظمة العربية تواصل علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل دون اكتراث بالأبعاد الإنسانية والسياسية لما يجري، بينما يدفع الفلسطينيون في غزة الثمن الباهظ لجوعٍ مفروض وقصف لا يتوقف.