استجابةً لأوجلان.. حزب العمال يعقد مؤتمراً "ناجحاً" يمهد لحلّه ونزع سلاحه والعراق ينتظر انسحاب الأتراك من شماله

انفوبلس..
في تحول وُصف بالتاريخي، عقد حزب العمال الكردستاني مؤتمره الثاني عشر في شمال العراق، استجابة لدعوة زعيمه عبد الله أوجلان لحل الحزب ونزع السلاح، ما قد يمهد لإنهاء أربعة عقود من الصراع المسلح مع أنقرة ويفتح الباب أمام مفاوضات سلام شاملة تدعمها أوساط سياسية تركية وكردية، مع مطالبات عراقية بانسحاب الحزب والقوات التركية من شمال البلاد.
وعقد حزب العمال الكردستاني هذا الأسبوع بنجاح مؤتمرا لحل نفسه، حسبما أوردت أمس الجمعة وكالة فرات للأنباء المقربة من الحزب.
وجاء في بيان نشرته الوكالة "عقد المؤتمر الـ12 لحزب العمال الكردستاني بنجاح في مناطق الدفاع المشروع" بشمال العراق "في الفترة من 5 إلى 7 مايو/أيار الجاري، وانعقد بناء على دعوة القائد عبد الله أوجلان".
ونتجت من هذا المؤتمر بحسب البيان "قرارات ذات أهمية تاريخية على أساس دعوة القائد" في 27 فبراير/شباط إلى نزع الحزب سلاحه وحلّ نفسه.
وأضاف البيان "ستتم مشاركة نتائج المؤتمر ومعلومات ووثائق مستفيضة ومفصلة عن القرارات التي تم اتخاذها مع الرأي العام في المستقبل القريب جدا".
وردّ حزب العمال الكردستاني -الذي تتحصن قيادته في جبال شمال العراق- إيجابا في الأول من مارس/آذار الماضي على دعوة زعيمه التاريخي عبد الله أوجلان المعتقل منذ 26 عاما إلى حل الحركة ووضع حد لـ40 عاما من القتال ضد سلطات أنقرة أودت بما لا يقل عن 40 ألف شخص.
وأعلن الحزب -الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون "منظمة إرهابية"- وقف إطلاق النار فورا.
وفي شمال العراق، تقيم تركيا منذ 25 عاما قواعد عسكرية لمواجهة مقاتلي الحزب المنتشرين في مواقع ومعسكرات بإقليم كردستان.
لكن رغم وقف إطلاق النار فإن المناوشات استمرت في الأسابيع الأخيرة بين الطرفين بمناطق عدة في شمال العراق.
وفي أول ردود الأفعال، قال حزب "الديمقراطية والمساواة للشعوب" التركي المؤيد للأكراد إن خطوة إعلان حزب العمال الكردستاني أنه عقد المؤتمر الخاص به تعتبر مهمة على طريق حل الصراع المستمر منذ عقود.
وقالت المتحدثة باسم الحزب أيسيغول دوغان للصحفيين بعد اجتماع لمجلس الحزب التنفيذي "ننتظر كلنا هذا القرار التاريخي بجدية وأهمية كبيرتين".
وذكرت دوغان أن حزب العمال الكردستاني استجاب لدعوة أوجلان في وقت سابق وأصدر بيانا يلتزم فيه بتنفيذ المطلوب، ومن بينه إعلان وقف إطلاق النار الذي صدر بعد الدعوة بوقت قصير.
وأضافت أن "هذه الفرصة التاريخية يجب أن تصبح دائمة، يجب التخلي عن السلاح وإحلال الحوار محله"، مؤكدة أن حزبها يأمل في اتخاذ خطوات متبادلة نحو سلام دائم، وأن من الضروري وضع أسس سياسية وقانونية لذلك.
هذا وأعلنت عضوة وفد إمرالي، بروين بولدان، عن مشاركة عبد الله أوجلان في مؤتمر حزب العمال الكردستاني الـ 12 عبر تقنيات التواصل، معتبرةً أن هذا المؤتمر يمثل "محطة تاريخية في مسار القضية الكردية".
وعدّت بروين بولدان، أن هذا المؤتمر يمثل "محطة تاريخية في مسار القضية الكردية".
وأوضحت أنه تعقيباً على المؤتمر، سيصدر رجب طيب أردوغان بياناً حول هذا التطور. مؤكدة أن عقد المؤتمر يشكل أرضية جديدة للسلام داخل تركيا.
كما شددت على أن المؤتمر يرسم أسس السلام في تركيا والمنطقة، مضيفةً أن الأمل لم يمت وأن بناء السلام ما زال ممكناً.
يذكر أن أوجلان كان قد أسس حزب العمال الكردستاني عام 1978 في تركيا، لكنه دخل بعد عامين إلى سوريا في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. ثم بدأ الحزب الذي تصنفه أنقرة إرهابياً، القيام بعمليات عسكرية عام 1984 في تركيا وإيران، سعياً لإنشاء وطن قومي للأكراد.
بعدها توارى أوجلان عن الأنظار داخل سوريا حتى عام 1998، حين اتهمت أنقرة دمشق بدعمها لحزب العمال الكردستاني، وهددت باجتياح سوريا إذا لم تتخل عن دعمها للرجل، مما أدى إلى عملية معقدة لخروجه من الأراضي السورية.
عقب ذلك توجه الزعيم الكردي إلى أوروبا، حيث حاول الحصول على حق اللجوء السياسي، لكنه لم ينجح في مسعاه، حتى تمكنت المخابرات التركية من اعتقاله في 15 فبراير/شباط 1999 في العاصمة الكينية نيروبي، ليتم نقله بطائرة خاصة إلى أنقرة لمحاكمته.
وتأخر الإعلان عن نتائج المؤتمر بسبب وفاة النائب عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، سري سُريا أوندر (62 عامًا)، وهو أحد مهندسي الحوار بين أنقرة والحزب. واستذكر المجتمعون في المؤتمر أوندر "بكل احترام وامتنان"، داعين إلى "العمل معًا لإنجاح أهداف السلام والمجتمع الديمقراطي التي ناضل من أجلها". وأرجح مسؤول في الحزب أن المؤتمر قد عُقد بالفعل، لكن الإعلان تأجّل بسبب الوفاة، وهو ما يتماشى مع جدول زمني اقترحه بهجلي سابقًا بأن يُعقد المؤتمر في 4 أيار/مايو بمدينة ملاذكرد قرب بحيرة وان.
وتأتي هذه الخطوة في سياق مبادرة جديدة أطلقها معسكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عبر وفد من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM) التقى أوجلان، بدعم من حليفه القومي دولت بهجلي، الذي دعا الزعيم الكردي المحكوم بالسجن مدى الحياة إلى نبذ العنف وحل الحزب مقابل إمكانية الإفراج المبكر عنه.
وفي وقت سابق، طالب مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي بـ"انسحاب" الحزب والقوات التركية من شمال العراق في حال التوصل إلى اتفاق سلام.
وقال الأعرجي: "لا نريد حزب العمال الكردستاني على أراضينا ولا الجيش التركي… العراق يريد انسحاب الجميع".
وأشار إلى أن القوات التركية موجودة في العراق "بذريعة وجود حزب العمال الكردستاني"، وأن تركيا أكدت في أكثر من اجتماع أنه ليس لديها أي أطماع بالأراضي العراقية، وفق تعبيره.
وجدّد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال زيارة إلى أنقرة الخميس، تأكيد بلاده على أن الحزب "منظمة محظورة"، مشددا على أن الدستور العراقي يمنع استخدام الأراضي العراقية من أي جهة معادية.
ووصف أردوغان دعوة أوجلان بـ"الفرصة التاريخية"، محذّرًا من مواصلة العمليات العسكرية إذا لم يتم الإيفاء بالتعهدات. وفيما يتعلق بمصير أوجلان، ألمح مسؤول في حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى تخفيف ظروف اعتقاله، مع تعيين ضابط لمساعدته في سجن إمرالي وزيادة وتيرة زيارات عائلته وحزب المساواة وديمقراطية الشعوب، لكن دون التطرّق إلى إمكانية إطلاق سراحه، مشيرًا إلى مخاوف أوجلان من تهديدات أمنية محتملة خارج السجن. من جانبه، رحّب مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بدعوة أوجلان، لكنه أكد أن قواته ليست معنية بها، بينما تتهم تركيا وحدات حماية الشعب الكردية، المكون الرئيسي لقسد، بالارتباط بالحزب.
واعتبر مصدر مقرّب من حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" التركي المؤيد للأكراد والذي يلعب دور الوسيط بين "العمال الكردستاني" وتركيا، أن أجواء التفاوض بين الجانبين "إيجابية"، وفق تعبيره. ولفت إلى الحضور الحكومي الرسمي وغير الرسمي في تركيا لمراسم تشييع وعزاء النائب في البرلمان التركي عن الحزب المؤيد للأكراد ونائب رئيس البرلمان سري سريا أوندر الذي توفي يوم 3 مايو بعد صراعٍ مع مرضٍ عضال. وكان أوندر "مهندس السلام" بين أنقرة و"الكردستاني".
كما كشف المصدر أن "حضور مسؤولين بارزين في الحكومة التركية، مثل رئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالين، والمتحدّث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر تشليك، والرئيس السابق عبدالله غول، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو، ونائبه آنذاك علي باجان، وآخرين لمراسم تشييع وعزاء أوندر كان لافتاً ويوحي بوجود رغبة حقيقية في الأوساط التركية للمضي قدماً في عملية السلام مع الكردستاني".
في حين أفاد مصدر مقرب من الحزب بأنه من المتوقع أن يعلن "العمال الكردستاني قريباً حلّ نفسه لينتقل بعد ذلك إلى الخطوات الفعلية المتعلقة بنزع السلاح وعودة مقاتليه إلى الأراضي التركية مقابل ضمانات تقدّمها لهم الحكومة مع إمكانية نقل أوجلان من سجنه إلى الإقامة الجبرية".
وبحسب المصدر السابق، فإن وفد حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" سيقوم بزيارة لأوجلان في سجنه بجزيرة إيمرالي خلال أيام على أن يلي ذلك الإعلان عن خطوات ثنائية من قبل الجانبين التركي الحكومي و"العمال الكردستاني".
من جهته، رأى حيدر تشاكماك، وهو أكاديمي تركي وخبير في العلاقات الدولية، أن "بيان الكردستاني اليوم يوحي بوجود اجتماع مفصل واتفاق بين الحكومة التركية وحزب العمال يتمّ ضمن جدول زمني معيّن".
وقال تشاكماك إن "الكردستاني عقد مؤتمره كما كان متوقعاً، ويبدو أنه وافق على إلقاء السلاح في خطوة مقبلة".
كما أضاف "أن لا أحد يعترض على السلام، لكن ليس معلوماً ما الذي ستقدمه الحكومة للأكراد مقابل تخلي الكردستاني عن السلاح، هذا ما يمكن أن نعرفه لاحقاً، خاصة مع وجود أطراف دولية على خط التفاوض بين أنقرة والكردستاني والحزب المؤيد للأكراد".
إلى ذلك، قال طارق حمو، الأكاديمي الكردي والباحث في المركز الكردي للدراسات، إن "مؤتمر العمال الكردستاني جاء تلبيةً لنداء قائده التاريخي، واتخذت فيه قرارات سيعلن عنها لاحقاً، وهو استكمال لمرحلة الحوار بين تركيا والحزب، وستليه خطوات من الجانب التركي".
كما أضاف أن "تركيا شهدت مفاوضات مماثلة في السابق امتدت بين عامي 2013 و2015، لكن أنقرة انقلبت عليها لاحقاً". وشدد على أن "المفاوضات الحالية انطلقت من رغبة دولت بهتشلي حليف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أشهر، وقد دخلت هذه مرحلة جديدة تتمثل بالحل الديمقراطي والتمثيل الكردي في الدولة، والاعتراف بحقوقهم بعد فشل كلا الطرفين في الوصول إلى حلول نهائية بالطرق العسكرية خلال عقود".
وتابع حمو أن "أوجلان تجاوب مع رغبة بهتشلي وطرح هذه المبادرة واستجاب لها الكردستاني، والآن ننتظر الخطوات المقبلة من الجانب التركي بعدما تحدّث أوجلان عن تاريخ مشترك بين الأكراد والأتراك يمتد لألف عام، وقد كرر بهتشلي ذلك". ولفت إلى أن "العمال الكردستاني بدأ بمرحلة جديدة وكذلك تركيا التي تهدف لتخلي الأكراد عن السلاح واللجوء إلى الحوار والحل السلمي، لاسيما أن الحركات الكردية قامت بتغيير نفسها في ضوء المتغيرات التي شهدتها المنطقة".