الأمن الفلسطيني يصطف مع "إسرائيل" ضد المقاومين.. ماذا يحدث في جنين؟
انفوبلس/ تقارير
منذ 3 أيام، استعرت أجهزة السلطة الفلسطينية ضد المقاومة في مخيم جنين، وأقدمت على قتل مقاوم ومدنيين بينهم طفل، ونشرت قواتها الخاصة في المخيم وملأت السطوح بالقناصة.. والهدف "تطهير المخيم من الخارجين عن القانون" كما وصفتهم. لكن الغاية ليست هذه، والهدف أكبر، فأين يكمنان؟ وما الرسالة التي حاول محمود عباس توجيهها إلى ترامب؟
ماذا حدث؟
ستشرح انفوبلس في هذا التقرير، تفاصيل التصعيد في مخيم جنين بالتسلسل، إذ وفي صباح السبت الماضي، أعلنت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية عن إطلاق المرحلة ما قبل الأخيرة من عملية “حماية وطن”، كما أطلقت عليها، في جنين، وتزامن الإعلان مع وجود مكثف لقوات السلطة على الأرض، بالإضافة إلى تحليق طائرة مسيرة من نوع “زنانة”، مشابهة لتلك التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي في عملياته العسكرية، وفقًا لما ذكرته مجموعات محلية بالمخيم.
وتوجه رئيس الحكومة الفلسطينية الجديد محمد مصطفى (وهو الذي عيّنه الرئيس محمود عباس خلال طوفان الأقصى) إلى جنين، للإشراف مع وزير الداخلية ورئيس جهاز المخابرات وقائد الأمن الوطني وعدد من قيادات الأجهزة على العملية ضد مجموعات المقاومة في مخيم جنين.
وتأتي العملية الأمنية في جنين على خلفية تصعيد بدأ قبل أكثر من أسبوع عندما اعتقلت أجهزة أمن السلطة إبراهيم الطوباسي، أحد المقاومين من كتيبة جنين، وصادرت أموالًا مخصصة لأُسر الشهداء والأسرى، بحسب بيان أصدرته الكتيبة، وردًا على ذلك، تمكن مقاومون من الكتيبة من مصادرة مركبتين تابعتين للأجهزة الأمنية.
على إثر ذلك، استغلت السلطة الفلسطينية السياق لتبدأ بعمليتها الواسعة لإنهاء المقاومة في جنين، حتى قال أحد مسؤولي السلطة خلال لقاء مع وجهاء المدينة الذين حاولوا الإصلاح: “القصة ليست متعلقة بالمركبات، بل هو قرار سياسي لإنهاء الحالة في جنين”، في إشارة إلى حالة المقاومة.
وخلال العملية، استُشهد المطارد للاحتلال وأحد قادة كتيبة جنين يزيد جعايصة برصاص أجهزة أمن السلطة في مخيم جنين، والطفل محمد العامر، والشاب ربحي الشلبي، الذي سحلته في مشهد مماثل لتنكيل جنود الاحتلال للشهداء الفلسطينيين، وبذلك يرتفع عدد الشهداء الذين قتلتهم السلطة الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر 2023، إلى 13 شهيدًا بين مقاومين، ومشاركين في مسيرات مساندة لقطاع غزة.
وبينما سمّتها أجهزة أمن السلطة عملية ضد "الخارجين عن القانون" في جنين، قال مسؤولون في السلطة الفلسطينية لصحيفة “يديعوت أحرنوت”: “يجب علينا أن ننزع من بيننا خلايا حماس والجهاد الإسلامي".
تقارير: العملية في جنين تأتي بالتنسيق مع الاحتلال
التقارير الإسرائيلية تؤكد أن العملية في جنين ليست منفصلة عن التنسيق الأمني مع الاحتلال، وأوضحت “يديعوت أحرنوت” أن هناك قرارًا إسرائيليًا رسميًا بالحفاظ على استقرار السلطة الفلسطينية من منطلق المصلحة الأمنية الإسرائيلية.
وأضافت القناة 12 العبرية وصحيفة “معاريف”، أن الرئيس محمود عباس أصدر تعليمات واضحة لقادة الأجهزة الأمنية بإنهاء الوضع في جنين بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك تعزيز القوات، استخدام المدرعات، ونشر القناصة على أسطح المنازل.
من جانبه، أمر وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بتعزيز قوات جيش الاحتلال بخمس سرايا إضافية في الضفة الغربية، خاصة مع تزامن العملية الأمنية مع ذكرى تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي حذر جيش الاحتلال من احتمال تصاعد عملياتها في هذه المناسبة.
ووفقًا للقناة 12 العبرية، أبلغ قادة الاحتلال السلطة الفلسطينية: “إذا أظهرت جدية في تنفيذ العملية، يمكننا منحكم مزيدًا من الوقت. وإذا لم يحدث ذلك، سنتدخل بأنفسنا".
أوراق الاعتماد لترامب
لا يمكن عزل ما يحدث في جنين، عن تقديم السلطة أوراقها قبل مجيء ترامب، لاعتمادها في أي خطط إسرائيلية أمريكية قادمة، وهو ما أكدته مصادر رفيعة المستوى في مكتب الرئيس محمود عباس لصحيفة “هآرتس” الذي ذكرت أن: “مسؤولين عرب وغربيين يطالبون السلطة بتوضيحات: إذا فشل أبو مازن والسلطة الفلسطينية في السيطرة على مدينة مثل جنين، فكيف يمكن ضمان قدرته على ذلك في قطاع غزة وفي جميع أنحاء الضفة الغربية بشكل عام؟”.
في سياق متصل، قدّمت نعومي نيومان، التي شغلت سابقًا رئاسة وحدة الأبحاث في “الشاباك”، تحليلًا للوضع الحالي في مقالٍ عبر معهد واشنطن للدراسات، أشارت فيه نيومان إلى أن “الوضع أكثر تعقيدًا مما يدركه الرئيس الفلسطيني محمود عباس تمامًا، وينبغي أن يثير قلقه".
وأضافت، أن عباس غالبًا قد بالغ في تقدير ما يمكن للسعوديين فعله لدعمه، مشيرة إلى أن المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط شهد تغييرات كبيرة منذ ولاية دونالد ترامب الأولى.
تطرقت نيومان إلى احتمال أن تشمل ولاية ترامب المقبلة إعادة طرح “صفقة القرن” بنسخة ثانية تتضمن شروطًا أكثر صرامة للفلسطينيين، وقالت إن عباس والسلطة الفلسطينية تعلّما دروسًا من الولاية الأولى لترامب، ويحاولان الآن التعامل بحذر، مع إدراكهما أن المصالح الفلسطينية ليست أولوية للرئيس الأمريكي المنتخب.
النهج الأمني لم يكن مجرد خيار سياسي للسلطة الفلسطينية، بل أصبح ركيزة أساسية في بنية السلطة ووظائفها، وانعكس ذلك بشكل واضح في طريقة تعامل الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع المقاومة الشعبية والمسلحة، حيث لعبت دورًا كبيرًا في قمع التحركات الشعبية والمقاومة ضد الاحتلال، بدلاً من أن تكون جزءًا منها. كما أن هذه العقيدة أثارت اتهامات واسعة للسلطة بأنها تعمل على تنفيذ أجندة إسرائيلية بدلاً من حماية حقوق الشعب الفلسطيني ومقاومة الاحتلال.
السلطة تبرر وحماس تصف ما تفعله بالانتحار السياسي
في خضم ما يحدث، قال الناطق الرسمي باسم قوى الأمن الفلسطيني العميد أنور رجب، إن ما يحدث في جنين بالضفة الغربية حملة أمنية تستهدف من وصفهم بـ"الخارجين عن القانون"، في حين قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمود المرداوي إن السردية التي تقدمها أجهزة الأمن الفلسطينية هي انتحار سياسي.
وأفاد رجب -في وقت سابق- بأن الأجهزة الأمنية تعمل على إنهاء ما سماها حالة "الفوضى والفلتان الأمني" في مخيم جنين.
من جهته، أعرب القيادي في حركة حماس محمود المرداوي عن استنكاره للاتهامات التي توجهها السلطة الفلسطينية للمقاومين ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ووصف المرداوي، الإجراءات التي تتخذها السلطة في حقهم بأنها خارجة عن القانون وعن قاموس المقاومة الفلسطينية.
وأوضح القيادي بحماس، أن "المقاومة هي من أتت بالسلطة في انتفاضة الحجارة، لكنها لم تحسن المفاوضات وباعت تضحيات الشعب الفلسطيني باتفاق أوسلو الهزيل"، وفق قوله.
وجاء ذلك في أعقاب إعلان حركة حماس نعيها القيادي في كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي يزيد جعايصة الذي قضى برصاص أجهزة السلطة في جنين.
استهداف للمقاومة
من جانبه، قال القيادي في حماس بالضفة الغربية عبد الرحمن شديد، إن ما تنفذه السلطة بالضفة الغربية هو استهداف واضح للمقاومة المتصاعدة، داعيا إلى "تعزيز الحالة الوطنية لا تصفية القادة الميدانيين".
وأضاف، إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية قتلت 13 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
بدروه، ذكر الناطق باسم كتيبة جنين، أن المبادرات لحل الأزمة في مخيم جنين تطلب منهم تسليم أنفسهم وهم يطلبون منها أن تحميهم من الاحتلال.
وأضاف، أن الأجهزة الأمنية اغتالت مطاردا من الاحتلال منذ سنوات وطفلين بريئين، لافتا إلى أنهم مع القانون وفرضِه، وتساءل: أين القانون أثناء اقتحامات الاحتلال؟
تخادم محمود عباس.. هدف عملية جنين غير المعلن
في النهاية، أكد موقع أكسيوس، إن العملية العسكرية التي يشنها الأمن التابع للسلطة الفلسطينية في جنين حاسمة بالنسبة لمستقبل السلطة، وهي رسالة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
وأضاف الموقع، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمر قادة الأجهزة الأمنية بإطلاق عملية السيطرة على جنين ومخيمها لكن بعضهم أعرب عن تحفظاته، وهو ما جعله يتوعد من يخالف الأوامر بالفصل.
وكشفت المصادر، أن مساعدي عباس أطلعوا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومستشاري الرئيس المنتخب ترامب مسبقا على عملية جنين، وأن المنسق الأمني الأميركي مايك فنزل اجتمع بقادة أمن السلطة قبل العملية لمراجعة خططهم.
كما طلبت إدارة بايدن من إسرائيل الموافقة على المساعدة العسكرية الأميركية لأمن السلطة بالضفة، بهدف دعم عمليتها الواسعة في الضفة الغربية.
وطلب السفير والمنسق الأمني الأميركيان من إسرائيل الموافقة على تسليم المعدات والذخائر للسلطة وهو طلب لم تُجب عليه إسرائيل إلى الآن حسب تصريح الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد المقرب من الأميركيين لموقع "والا" العبري.
وبينما تقول السلطة الفلسطينية إن ما يحدث في جنين حملة أمنية تستهدف الخارجين عن القانون، نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين فلسطينيين قولهم، إن دافع عملية جنين الأساسي هو توجيه رسالة إلى ترامب بأن السلطة شريك موثوق به.