الاحتلال الصهيوني يتمدد نحو قمة جبل الشيخ.. تعرف على أهمية الموقع الاستراتيجي والتبعات العسكرية في ظل الفراغ الأمني السوري
استغلال الفوضى في سوريا
انفوبس/..
بالتزامن مع ساعات سقوط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري وسيطرة الجماعات المسلحة على مدينة دمشق، أقدم الاحتلال الإسرائيلي على الاستيلاء على جبل الشيخ وعدة مواقع في الجولان السوري المحتل.
وجاءت التحركات بعد ساعات من إعلان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن انهيار اتفاق "فضّ الاشتباك" الموقع مع سوريا عام 1974، وإصداره أوامر للجيش بالاستيلاء على المنطقة العازلة (مساحتها 235 كيلومترا مربعا) التي تنتشر فيها قوات "أندوف" التابعة للأمم المتحدة.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قد قال في الـ14 كانون الأول 2024 عبر منصة إكس، إن جبل الشيخ على الحدود السورية-الإسرائيلية "عاد للسيطرة الإسرائيلية" بعد 51 عاماً "في لحظة تاريخية مؤثرة".
القوات الإسرائيلية سيطرت على عدة مواقع في الجولان، بما في ذلك قمة جبل الشيخ أو ما يعرف أيضا بـ"جبل حرمون".
وقال وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، إنه "أمر الجيش بالاستعداد للبقاء في قمة جبل الشيخ طيلة فصل الشتاء"، مضيفاً أن "ثمة أهمية أمنية كبيرة لسيطرة الجيش على قمة جبل الشيخ، وسط ما يجري من أحداث في سوريا".
وصرّح مصدر مطلع أن هذه الخطوة تهدف إلى منع "جهات أخرى من استغلال الفراغ الأمني الذي تشهده المنطقة"، مع احتمال توسيع هذه المناطق في المستقبل بناءً على التطورات.
استشعار مبكر بأي هجوم
وفي هذا الشأن، قال الخبير في الشؤون الأمنية أحمد بريسم، إن "أخطر ما حققه الاحتلال الإسرائيلي في سوريا، ليس تدمير 70% من قدرات الجيش السوري في ملف الصواريخ ومنظومات الدفاع الجوي وصولا الى أسراب الطائرات المقاتلة والمستودعات البحرية، بل التقدم صوب جبل الشيخ الاستراتيجي في الجولان".
وأشار الى أن "قمة الجبل التي يصل ارتفاعها الى 3 كم تشكل جغرافية استراتيجية مطلّة على مناطق مترامية تبعد أكثر من 30 كم عن العاصمة السورية دمشق ومن خلالها يمكن الاستشعار مبكرا بأي هجوم صاروخي على بعد مئات الكيلومترات من خلال المنظومات، وهذا ما يفسر تحرك الكيان للسيطرة عليه ونشر قوات نخبة".
وتابع بريسم، إن "الاحتلال الاسرائيلي هو المستفيد الاكبر من مجريات ما يحدث في سوريا بعدما توغل في 11 منطقة حتى الآن ونشر المزيد من القوات".
الأهمية العالية لموقع الجبل
إضافة إلى الأبعاد العسكرية والسياسية، يحمل جبل الشيخ أهمية كبيرة من الناحية الطبيعية، حيث يُعتبر مصدرا رئيسا للمياه في المنطقة. فالمياه الذائبة من الثلوج التي تغطي قمم الجبل تسهم في تغذية الأنهار الجارية إلى نهر الأردن، وهو ما يعزز الأهمية الاقتصادية والبيئية للمنطقة.
ويقول مراقبون للشأن الدولي، إن "جبل الشيخ يُعتبر أعلى نقطة في سوريا، ما يجعله موقعاً استراتيجياً مهماً لمراقبة المناطق المحيطة - كونه يطل على أجزاء شاسعة من لبنان وسوريا والكيان الإسرائيلي، والكيان يسعى لخلق منطقة آمنة له بذلك وصولاً إلى القنيطرة وريف دمشق".
السيطرة على هذه لمنطقة حول جبر شيخ، تعني الإشراف على كل المواقع المحيطة وقد يتمكن الاحتلال من تركيب أجهزة المراقبة من رادارات وكاميرات لمسح المنطقة بشكل دائم من قمة الجبل، كما تُعتبر منطقة جبل الشيخ الخاصرة الدفاعية الجنوبية في سوريا.
وبحسب المراقبين، فأن "الجبل يطل على مواقع ذات أهمية عسكرية بالغة الأهمية، فأهمها أنها مُطلة على كامل الجغرافيا السورية وأجزاء واسعة من لبنان وبانياس الساحلية وهو أيضاً المفتاح للحدود السورية اللبنانية والأراضي الفلسطينية المحتلة".
الموقع والخصائص
ويسمى جبل الشيخ أيضا بجبل "حرمون"، يقع على الحدود بين لبنان وسوريا وفلسطين، ويمتد من بانياس مرورا بمنطقة الجولان المحتل وصولا إلى وادي الحرير، ويعد أعلى نقطة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وقد ورد ذكر الجبل في نصوص تاريخية ودينية بأسماء أخرى مثل "حرمون" ويعني المقدس و"سنير" و"سيريون".
تقع سلسلة جبال حرمون على الحدود بين لبنان وسوريا وفلسطين، وتحديدا غرب العاصمة السورية دمشق، وأقصى شمال الجولان، ويصل ارتفاعها إلى 2814 مترا فوق سطح البحر، وتمتد على طول حوالي 45 كيلومترا وتعد أعلى نقطة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
وتمتد السلسلة الجبلية من بانياس السورية وسهل الحولة في الجهة الجنوبية الغربية إلى وادي القرن في الجانب الشمالي الشرقي، وتشكل جزءا مهما من سلسلة جبل لبنان الشرقية التي تمتد بين لبنان وسوريا.
يضم الجبل 4 قمم، أعلى قمة تسمى شارة الحرمون في سوريا، ويصل ارتفاعها إلى 2814 مترا، والثانية إلى جهة الغرب بارتفاع 2294 مترا، أما الثالثة إلى الجنوب فترتفع 2236 مترا عن سطح البحر، والقمة الرابعة فتقع في جهة الشرق بارتفاع يصل إلى 2145 مترا.
تغطي الثلوج قمم الجبال ثلثي العام، وتتكون طبغرافية السلسلة من مجموعة من التكوينات الحجرية بما في ذلك الحجر الجيري والطباشيري. ويعد الجبل المنبع الرئيس لنهر الأردن ولمجاري مائية عدة في المنطقة.
تسميته بـ جبل شيخ
سُمي جبل الشيخ بهذا الاسم نسبة إلى قممه التي تُكسا بالثلوج وتشبه العمامة البيضاء، وهذا يضفي عليه مظهرا شبيها بعمامة الشيوخ، وأطلق عليه العرب أيضا اسم "جبل الثلج".
ويُعرف أيضا باسم "جبل الزعيم" فهو أعلى نقطة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
وذكر جبل حرمون في العهد القديم 15 مرة بأسماء مختلفة، منها "حرمون" كما ورد عند الكنعانيين في سفر الملوك، و"سيريون" كما أطلقه عليه الفينيقيون، و"سنير" كما عرف لدى الأموريين.
واسم "حرمون" مشتق من الجذر "حرم"، الذي يعني "مقدس"، مما يعكس قدسيته عبر العصور.
الأهمية الاستراتيجية
يعد الجبل أعلى منطقة مرتفعة في سوريا، مما يعني أنه نقطة استراتيجية مهمة لمراقبة المناطق المجاورة.
يطل الجبل على دمشق وبادية الشام والجولان وسهول حوران في سوريا، وجبال الخليل وبحيرة طبريا وسهل الحولة وجزء من محافظة إربد، إضافة إلى كل جنوب لبنان وسلسلة جبال لبنان الغربية وسهل البقاع.
تبعد العاصمة السورية عن الجبل نحو 40 كيلومترا فقط، ما يجعلها في مرمى الهجوم الإسرائيلي بعد احتلالها.
كانت تمثل منطقة عمياء لمرور الطائرات الحربية من كل الأطراف لعدم احتوائها على رادارات مراقبة.
تضاريسها الوعرة تعد غطاء مثاليا للتخفي والتجسس.
يعد موقعها مقدسا عند المسيحيين واليهود والطائفة الدرزية التي تسكن معظم القرى المحيطة به.
التاريخ القديم
بعد عام 200 قبل الميلاد، خضعت المنطقة لسيطرة السلوقيين، ثم أسس الإيتوريون إمارة في المنطقة، ثم حكمها الملكان هيرودس أغريباس الأول والثاني. وبعد نهاية القرن الأول الميلادي، أصبحت المنطقة تحت سيطرة مدن دمشق وصيدون وبانياس.
يُعتقد أن المنطقة كانت مأهولة بشكل مستمر حتى القرن الثالث الميلادي، وقدسها الرومان بشكل خاص، فشيدوا على قمة الجبل أعلى معبد في العالم وقتها، وصار يعرف حديثا باسم "قصر عنتر".
وفي مطلع القرن الـ12، أقام الصليبيون نقطة مراقبة محصنة على سفوح جبل الشيخ شمال الجولان، واحتلوا طبريا مع المنطقة الممتدة إلى "فيق أو الزوّية"، إلى أن حررها صلاح الدين الأيوبي قبل معركة حطين.
الاطماع الصهيونية
ويعود تاريخ الأطماع الصهيونية في الجولان لأوائل القرن الـ20، وقد عبرت عن ذلك المذكرة التي قدمتها "المنظمة الصهيونية" إلى مؤتمر السلام عام 1919، وجاء فيها أن "جبل الشيخ هو أبو المياه الحقيقي لفلسطين".
احتلت "إسرائيل" منذ حرب النكسة عام 1967 حوالي 100 كيلومترا مربعا من المنحدرات الجنوبية والغربية لجبل الشيخ، وأنشأت موقعا محصنا فيها.
وحتى حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، قسم الاحتلال الخطط الاستيطانية في الجولان إلى 4 مناطق، حيث أعد سفوح جبل الشيخ وشمال الجولان لأغراض سياحية، وبنى على الجبل نقطة للمراقبة العسكرية للإشراف على سوريا، وأقاموا عليه كنيسا لتزوير معالمه.
وتمكن السوريون بعد حرب 1973، من استعادة الموقع وأسر أعداد كبيرة من الجنود الصهاينة، لكن إسرائيل استطاعت قبيل انتهاء الحرب السيطرة على المكان.
وبعد توقيع اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل عام 1974، سيطرت قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف) على الجبل ضمن إطار المنطقة العازلة.
وبعد إعلان سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت إسرائيل من جانبها الانسحاب من الاتفاقية، واحتلت منطقة جبل الشيخ والمنطقة العازلة بين البلدين ونشرت قواتها فيه.
معالم الجبل
تزخر المنطقة بآثار كثيرة، إذ اكتشف فيها أكثر من 30 مزارا ومعبدا، وتنتشر على منحدراته معابد تحمل نقوشا يونانية تعود إلى حوالي عام 200 ميلادي، ومن أبرزها:
قلعة بانياس
هي واحدة من أكبر القلاع في الجولان المحتل وتعود إلى فترة العصور الوسطى. تقع في الجهة الشمالية الشرقية من مدينة بانياس عند سفح جبل الشيخ، وترتفع نحو 300 متر عن سطح البحر، وتمتد بطول 550 مترا تقريبا.
اشتق اسمها "بانياس" من كلمة "بان" وهي آلهة الرعاة عند اليونانيين، وعرفت أيضا باسم قلعة الصبيبة، وهي تسمية مشتقة من كلمة "الصبة" التي تعني مربط الخيل، وسميت أيضا بـ"قلعة الجرف العظيم"، وأطلقت عليها الطائفة الدرزية في القرن الـ19 اسم "قلعة النمرود".
يعود تاريخها إلى القرن الـ13، وتحيط بها منحدرات حادة، مما يجعلها موقعا استراتيجيا يطل على الطريق التجاري بين سهل الحولة ومرتفعات الجولان في سوريا.
تعرف بتصميمها الذي يضيق في المنتصف ويتسع عند الأطراف، وتتميز بنقوشها العربية المتقنة التي تزين جدرانها، ويحيط بها سور ضخم له 6 أبراج يرتبط بعضها ببعض بجدران ضخمة بعرض لا يقل عن 4 أمتار وفيها فتحات لرمي السهام.
وتعرّض أحد أبراج المراقبة الخاصة بالقلعة للانهيار بسبب زلزال ضرب المنطقة في القرن الـ18، وتمثل أحد أبراج المواجهة الخاصة بالقلعة للانهيار الناجم عن كارثة ضرب المنطقة في القرن الـ18.