التشييع الأكبر تاريخياً.. تفاصيل رحلة جثمان الإمام الخميني على أيدي الشعب الإيراني؟
انفوبلس/..
لم يكن تشييع الإمام الراحل روح الله الخميني، عاديّاً بل كان استثنائياً على المقاييس كافة، حتى أنه يُعد الأكبر في التاريخ، حيث تم بحضور ملايين الأشخاص المشيّعين.
في 3 يونيو/ حزيران 1989، في الساعة 22:20 بتوقيت جرينتش، توفي الإمام روح الله الخميني، مفجّر الثورة الإسلامية، وأول زعيم أعلى ومؤسِّس جمهورية إيران الإسلامية، في جماران بطهران الكبرى عن عمر ناهز الـ 86 عاماً بعد أن أمضى أحد عشر يوماً في جلسة خاصة في مستشفى بالقرب من إقامته، بعد إصابته بخمس نوبات قلبية في عشرة أيام.
أُقيم الإمام الخميني في جنازة رسمية ثم دُفِن في مقبرة بهشت الزهراء (جنة الزهراء) في جنوب طهران. كما تُشير التقديرات إلى أن 10 (إلى 17) مليون شخص شاركوا في جنازته، وتمت تسميتها على أنها أكبر جنازة في جميع أنحاء العالم.
ودخلت جنازة الإمام الخميني، كتاب "غينيس" الذي أشار إلى أن عدد المشاركين في هذه المراسيم فاق الـ 10 ملايين و200 ألف مشارك حسب الإحصاءات الرسمية؛ حيث شكّلت هذه النسبة حوالي سُدُس سكان إيران آنذاك.
*الجنازة الأولى
في 5 يونيو/ حزيران من عام 1989، تم نقل التابوت مع جثمان الإمام الخميني إلى المصلّى، وهي قطعة أرض شاغرة في شمال طهران.
عُرض الجثمان هناك على منصّة عالية مصنوعة من حاويات شحن فولاذية، في علبة زجاجية مكيّفة الهواء، ملفوفة في كفن أبيض، بقيت هناك حتى اليوم التالي. وكان ملايين الأشخاص من المعزّين قد رأَوا جثمانه.
لم يكن هناك من أثر للمراسيم الرسمية الخالية من التوجّه، فكلّ شيء كان جماهيريا تعبويا وعشقيا. وكان جثمان الإمام الموشّح باللون الأخضر موضوعا على دكّة عالية يتحلّق حولها الملايين من أصحاب العزاء ويُضيء مثل دُرَّةٍ نفيسة. وكان كل واحد من ذلك الجمع الغفير يُتمتم بحزن مع إمامه الفقيد ويُذرف الدموع. وامتلأ المكان وحتى الطرق السريعة المؤدية إلى المصلّى بالجماهير الموشحة بالسواد. ورُفِعت أعلام العزاء على الأبواب والجدران وانطلق صوت القرآن من جميع المساجد والمراكز والإدارات والمنازل وما إن هبط الليل حتى أُوقِدت آلاف الشموع تذكيرا بالمشعل الذي اوقده الإمام، وأضاءت منطقة المصلّى وما حولها. وتحلّقت العوائل المفجوعة حول شموعها وقد تعلّقت أنظارها بذلك المرتفع النوراني الذي رقد فيه إمامهم المحبوب. وكانت صرخات "يا حسين" التي تنطلق من التعبويين الذين شعروا باليُتم قد أحالت المكان إلى عاشوراء جديدة.
في 6 يونيو/ حزيران، تم إنزال الجثمان وفُتِح التابوت لمحمد رضا كلبايکاني لإمامة صلاة الجنازة التي استمرت 20 دقيقة بمشاركة ملايين الأشخاص.
بدأت مراسيم التشييع، فانطلقت الجموع الغفيرة من المصلّى إلى مرقد الإمام - بجوار مقبرة جنة الزهراء (مزار الشهداء) وضجّت الجموع أطفالا ونساء ورجالا وكانت أرواحهم تُخلع من أبدانهم. مرّت ساعات دون أن يتمكن الجمع من التقدّم نتيجة اضطراب الأحاسيس، بعد ذلك، بما أن حشود المعزّين قد تضخمت بين عشيّة وضحاها لتصل إلى عدة ملايين، كان من المستحيل تسليم الجثمان إلى المقبرة عبر طهران إلى الجزء الجنوبي من المدينة في موكب. في نهاية المطاف، تم نقل الجثمان إلى طائرة هليكوبتر تابعة لطيران الجيش وتم نقلها جواً إلى المقبرة.
في المقبرة، اندفع الحشد متجاوزاً الحواجز المؤقتة وفقدت السلطات السيطرة على الأحداث.
*الجنازة الثانية
لتخفيف الحشد، تم الإعلان في التلفزيون والإذاعة عن تأجيل الجنازة. بعد خمس ساعات، أُعيد الجثمان إلى المقبرة وهذه المرة كان الحراس على استعداد أفضل. تم إخراج الجثمان الطاهر من طائرة هليكوبتر ومختومة في صندوق معدني يشبه حاوية شحن تابعة لشركة الطيران.
مرة أخرى، اخترق الحشد الطوق، لكن بسبب كثرة الأعداد تمكن الحراس من شقّ طريقهم إلى القبر، ودُفِن الإمام الخميني.
في عام 1992، تم الانتهاء من بناء ضريح الإمام روح الله الخميني في موقع الدفن.
*الوصية
وقد كتب الإمام الخميني في وصيته يقول: "الآن فإني أستأذنكم أيها الأخوات والأخوة لأسافر نحو مقرّي الأبدي بقلب هادئ، وفؤاد مطمئن وروح فَرِحة وضمير آمل بفضل الله، وأسألكم بإلحاح الدعاء بالخير، كما أسأل الله الرحمن الرحيم أن يقبل عُذري عن قصوري وتقصيري، وآمل من الشعب أن يقبل عُذري لما قصّرت أو كنتُ قاصرا فيه، وأن ينطلق إلى الأمام بقدرة وإرادة وتصميم".