الجولاني يبيع ولبنان يوقف والإمارات تتسلم.. القصة الكاملة لعبد الرحمن القرضاوي
انفوبلس/ تقارير
ملف شائك، تتداخل فيه أربع دول وربما أكثر، إذ سبّب تسليم عبد الرحمن القرضاوي إلى الإمارات جدلا واسعا، فسوريا التي كان بزيارة لها ربما قد باعته بآوامر من الجولاني، ولبنان التي دخلها لم تتردد في توقيفه، بينما مصر هي صاحبة مذكرة التوقيف والإمارات لها قصة أخرى، فماذا حدث؟ وهل يتسبب بيع القرضاوي من قبل الجولاني الى انهيار التحالف القطري مع تحرير الشام؟ وما علاقة قطر أساسا؟ إليك تفاصيل وافية في سياق التقرير الآتي.
مَن هو؟ وما أصل المشكلة؟
قبل الشروع في تفاصيل قرار التسليم إلى الإمارات، لابد من معرفة هوية القرضاوي وتفاصيل قضيته، إذ وفي 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أوقفت السلطات اللبنانية الشاعر والناشط المصري المعارض، عبد الرحمن القرضاوي، نجل "العلامة" الراحل يوسف القرضاوي، بناءً على مذكرة توقيف صادرة عن السلطات المصرية، في إطار حكم قضائي يقضي بسجنه لمدة 3 سنوات.
وأُوقف عبد الرحمن القرضاوي، الذي يحمل الجنسية التركية فور وصوله إلى لبنان عبر معبر المصنع الحدودي عائدا من سوريا في 29 ديسمبر/كانون الأول.
ووفقا لما صرح به محامي القرضاوي، محمد صبلوح، فإن عبد الرحمن دخل لبنان أولا عبر مطار بيروت الدولي قادما من تركيا، ثم توجه إلى منطقة المصنع الحدودية ومنها إلى سوريا، وفي أثناء عودته من سوريا إلى لبنان تم توقيفه عند معبر المصنع.
وأضاف المحامي، أن التوقيف تم في البداية بناءً على مذكرة من الإنتربول، إلا أنه تبين لاحقا أنها مذكرة مؤقتة صادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب، وبعد توقيفه، جرى تحويل عبد الرحمن القرضاوي إلى قصر العدل في بيروت لاستكمال الإجراءات القانونية.
وفيما يتعلق بتطورات القضية، أفاد المحامي بأن مدعي عام التمييز أبلغه بوجود حكم غيابي ضد القرضاوي في مصر، إضافة إلى طلب توقيف من الإمارات بسبب فيديو صوره القرضاوي في ساحة المسجد الأموي، بناء على ذلك، أحال مدعي عام التمييز الملف إلى المباحث المركزية للتحقيق، على أن يتم استكمال الإجراءات بعد وصول طلب الاسترداد الرسمي من مصر.
وأشار المحامي إلى أن المباحث المركزية حققت مع القرضاوي وأخذت إفادته، وتم إبلاغه بأن توقيفه مرتبط بحكم غيابي في مصر "بتهمة نشر بيانات كاذبة ومقالات إعلامية وأشعار أدبية عام 2017، بالإضافة إلى شكوى من الإمارات بسبب الفيديو المذكور".
طلبات استرداد
بعد ذلك، أوضح المحامي أن الإجراءات القانونية تقضي بأن يُبدي المدعي العام رأيه لكنه ليس ملزما، حيث يعود القرار النهائي لمجلس الوزراء برئاسة نجيب ميقاتي.
وأكد المحامي، أن لبنان لديه اتفاقية تبادل مع مصر، لكنها تمنع تسليم المطلوبين بسبب مواقفهم السياسية بموجب المادة 26، كما أن المادة الرابعة من اتفاقية جامعة الدول العربية تمنع تسليم المعارضين السياسيين، بالإضافة إلى ذلك يلتزم لبنان باتفاقية مناهضة التعذيب، التي تحظر تسليم أي شخص قد يواجه خطر التعذيب.
وأوضح، أن عبد الرحمن القرضاوي صدر بحقه حكم غيابي بالسجن لمدة 3 سنوات في مصر بسبب مواقفه المعارضة، في حين قضت شقيقته عُلا 4 سنوات في الحبس الانفرادي، ولا يزال صهره موقوفًا حتى الآن.
في السياق ذاته، أشار المحامي إلى أن عبد الرحمن يحمل الجنسية التركية ودخل لبنان بجواز تركي، على إثر ذلك تواصلت السفارة التركية مع السلطات اللبنانية، مطالبة باحترام الاتفاقيات الدولية وحماية القرضاوي باعتباره معارضا سياسيا.
واختتم المحامي حديثه بالإشارة إلى تقديم كتاب للنيابة العامة التمييزية يحمّلها مسؤولية حماية عبد الرحمن من أي خطر، وشدد على ضرورة توفير الحماية الكاملة له.
استجواب يتعلق بالإمارات فقط
من جهة أخرى، أكد الصحفي القضائي والسياسي، يوسف دياب، أنه تم -اليوم الخميس- استجواب عبد الرحمن القرضاوي في ملف يتعلق بدولة الإمارات فقط، أما بالنسبة للملف المصري فقد أرسلت مصر نسخة منه، لكن لبنان طالب بالحصول على النسخة الأصلية، وتم تأجيل استجوابه بشأن هذا الملف.
وأوضح، أن هذا القرار يشكل ضغطا كبيرا على لبنان، فإنه تم تسليم القرضاوي فستواجه لبنان مشكلة مع تركيا التي تتابع هذا الملف بشكل مكثف، حيث تعتبر أن حياة القرضاوي ستكون في خطر إذا تم تسليمه، أما إذا لم يتم التسليم فقد يترتب على ذلك مشكلة مع مصر والإمارات، ولبنان يحاول تجنب هذه المشاكل ولكن في النهاية يجب أن تتخذ الحكومة اللبنانية قرارها وتحمل تبعاته.
تسليم القرضاوي للإمارات
بعد الاستجواب آنف الذكر، تسلّمت الإمارات من السلطات المختصة في لبنان عبد الرحمن القرضاوي ، وفق ما أفادت وكالة أنباء الإمارات (وام) في وقت مبكر من فجر أمس الجمعة.
وقالت الوكالة الإماراتية، إن التسليم تم "بناءً على طلب التوقيف المؤقت الصادر بحقه من الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب-إدارة الملاحقة والبيانات الجنائية، والمقدم من قِبل الجهات المختصة بدولة الإمارات لارتكابه أعمالا من شأنها إثارة وتكدير الأمن العام".
وأشارت الوكالة إلى، أن أمر التسليم جاء بناءً على تقديم طلب تسليم من السلطة المركزية بدولة الإمارات، المتمثلة بوزارة العدل، إلى السلطة المركزية بجمهورية لبنان، وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل والقوانين والتشريعات الوطنية لكلا البلدين.
تسليم سياسي
يقول الدكتور مجيد بودن، أستاذ القانون الدولي في باريس، إن مسألة القبض على عبد الرحمن القرضاوي سياسية ولم تحترم القانون الدولي.
ويوضح بودن، إن القانون الدولي يكفل حرية الشخص في التنقل مهما كانت هويته إلا إذا كان مطلوبا على ذمة أحكام قضائية عادلة وثابتة ولا تمس حقوقه بأي شكل، وتتم عملية إيقافه وتسليمه دون هدف سياسي من خلال الشرطة الدولية (الإنتربول) التي تخضع كل الدول لها ولقانونها الدولي العام الذي يحمي الحريات.
ويستطرد بودن: ما حدث كان وفقا لاتفاقية سابقة تم إقرارها من قبل مجلس وزراء الداخلية العرب تقضي بتبادل المطلوبين بين الدول العربية دون الاستعانة بالإنتربول، رغم عدم وجود اتفاق قضائي لتبادل المطلوبين بين لبنان والإمارات.
ويؤكد بودن، على خطورة مثل هذا التصرف لأنه في رأيه يفتح الباب للمساس بحقوق المواطنين العرب وحرية تنقلهم بين الدول العربية من خلال استخدام هذه الاتفاقية العربية لأسباب سياسية.
ويطالب بودن بضرورة مراجعة هذه الاتفاقية لتكون مطابقة لاتفاقية الإنتربول. مضيفا، أن هذا من مصلحة الدول العربية للحفاظ على أمنها لأن مثلا هناك الكثير من المجرمين الذين يمرون عن طريق الدول العربية ويقومون بأعمال تخريبية وإجرامية فيجب القبض عليهم من خلال الإجراءات القانونية التي ينظمها الإنتربول.
ويرى بودن بخصوص ما رآه البعض سرعة من قبل لبنان في البت في طلب تسليم القرضاوي إلى الإمارات، إن سرعة الإجراءات ليست الفيصل وإنما المهم هو مدى احترام إجراءات الإنتربول التي لم تتم من الأساس، والتي تشمل تسلُّم طلب ضبط الشخص وبحثه لبيان ما إذا كان مبنياً على أسباب سياسية أم أسباب قانونية أم أنه قام بجرائم ضد القانون الدولي.
بيعه من قبل الجولاني
كما ذكرنا، جاء قرار الترحيل استجابةً لطلب من الإمارات، بناءً على مذكرة توقيف صادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب. واتُهم القرضاوي بـ"التحريض وزعزعة الأمن" بعد تصريحات وُصفت بالمثيرة للجدل أدلى بها في فيديو صُوِّر داخل باحة المسجد الأموي بدمشق.
القرضاوي، الذي دخل لبنان بجواز سفر تركي، أُوقِف لدى عودته من سوريا عبر معبر المصنع الحدودي في 28 كانون الأول/ديسمبر 2024. كما أُبلغ القرضاوي بوجود حكم غيابي ضده في مصر بتهمة "نشر بيانات كاذبة وأعمال أدبية مسيئة" عام 2017، بالإضافة إلى طلب استرداد من الإمارات بسبب تصريحاته المثيرة للجدل.
ووفق مراقبين، فإن ما حدث قد يكون صفقة سياسية تم فيها تسليم عبد الرحمن القرضاوي إلى الإمارات مقابل مكاسب سياسية أو مالية للجولاني أو الجماعة التي يقودها، أو أن الجولاني ضحى بعبد الرحمن القرضاوي لتحقيق هدف سياسي أكبر، مثل تعزيز العلاقات مع دولة معينة أو إضعاف خصوم سياسيين.
وأضافوا، "قد يعكس التسليم وجود صراع داخلي داخل الجماعة التي يقودها الجولاني، حيث تمت التضحية بعبد الرحمن القرضاوي لإرضاء فصيل معين أو للتخلص من منافس".
بالمقابل، يرجح مراقبون بأن التحالف القطري مع "هيئة تحرير الشام" قد ينهار كون القرضاوي كان يحمل الجنسية القطرية، وكان والده يتمتع بعلاقات جيدة مع حكام قطر.
وعن سر التمسك القطري بعائلة القرضاوي، فهو إن يوسف عبد الله القرضاوي، - والد عبد الرحمن – هو مصري الأصل قطري الجنسية، وهو الرجل القوي النافذ والمؤثر في قطر، والذي لا ترد كلمته، ولا يعصي له أحد أمراً.
القرضاوي الذي حاربت قطر لمنع إدراج اسمه من قبل على قوائم الإرهاب الأميركية، ورفضت دائما تسليمه لمصر رغم إدراج اسمه أيضاً في قوائم الإرهاب، التي أصدرتها الدول الأربع السعودية ومصر والإمارات والبحرين.
غضب واسع ضدّ القرار
أثار قرار تسليم عبد الرحمن القرضاوي غضبًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تصدر وسم يحمل اسمه قوائم الأكثر تداولًا.
وانتقد مستخدمو وسائل التواصل وناشطون حقوقيون، القرار. معتبرين أنه يشكل تهديدًا لمبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير.
وأشار الكاتب والمؤلف أحمد منصور إلى الخطوة التي اتخذها القرضاوي بالإضراب عن الطعام، احتجاجاً على قرار ترحيله للإمارات، مشيراً إلى أن "القضية دخلت في إطار البلطجة وليست قوانين الدول".
من جهته، وجّه الإعلامي المصري معتز مطر، دعوة إلى اللبنانيين لمحاصرة قصر العدل في بيروت من أجل المطالبة بإنقاذ القرضاوي.
وتزايدت الضغوط الدولية على الحكومة اللبنانية مع تنظيم حقوقيين، وقفات احتجاجية أمام السفارات اللبنانية في عدة دول، للمطالبة بالتراجع عن قرار تسليم القرضاوي وضمان سلامته.