الرسوم الجمركية تُشعل الولايات المتحدة.. انهيارات متلاحقة في البورصات الأمريكية واحتجاجات غاضبة تهدد ترامب وماسك

انفوبلس/..
تقلبات حادة وانخفاضات كبيرة في مؤشرات البورصة الأمريكية، وذلك بعد أن دخلت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيز التنفيذ، خاصة في قطاعات الاستثمار والتجارة والأسواق المالية، تزامن ذلك مع تظاهرات غاضبة اجتاحت الولايات المتحدة وحتى دول أوروبية عدة رفضاً لهذه السياسات.
*غليان في السوق العالمي
في خطوة غير مسبوقة، أشعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أسواق المال العالمية بعد قراره فرض رسوم جمركية مشددة على واردات الولايات المتحدة من 180 دولة ومنطقة حول العالم.
رغم تصريحات ترامب التي تتفاخر بقوة الاقتصاد الأمريكي، فإن القرارات الأخيرة أثارت ردود فعل متباينة وأزمة اقتصادية اجتاحت أسواق المال. فهل ما يقوم به الرئيس الامريكي هو خطوة استراتيجية لإعادة الهيكلة الاقتصادية للولايات المتحدة، أم أن هذه السياسات ستؤدي إلى انهيار النظام التجاري العالمي؟
بدأت القصة في "يوم التحرير"، عندما أعلن ترامب عن فرض رسوم جمركية قاسية على الواردات من دول متعددة، ما أثار موجة من التوترات التجارية في جميع أنحاء العالم.
كان ترامب قد أكد مرارًا أن الهدف من هذه الرسوم هو تحقيق توازن تجاري لصالح الولايات المتحدة وحماية الصناعات الأمريكية من المنافسة الخارجية.
في كلمته، قال: "هذه الإجراءات تهدف إلى محاسبة الدول التي تعامل الولايات المتحدة بطريقة غير منصفة". في اليوم التالي لإعلان ترامب، تراجعت الأسواق الأميركية بشكل كبير، حيث فقدت الشركات الكبرى في وول ستريت نحو تريليون دولار من قيمتها السوقية.
وأدى تزايد القلق من تأثيرات الرسوم الجمركية على الاقتصاد العالمي إلى انخفاض مؤشر داو جونز بأكثر من 1200 نقطة، فيما تراجعت أسواق الأسهم العالمية بشكل حاد.
*من الرابح والخاسر؟
في أعقاب هذه القرارات، أصبح من الواضح أن الأسواق العالمية دخلت في حالة من القلق وعدم اليقين. فبينما اعتبرت بعض الجهات أن أمريكا ستكون الرابحة في هذا الصراع التجاري، يرى آخرون أن العواقب ستكون وخيمة على الجميع.
خسر المستثمرون الأمريكيون من جراء التراجعات الكبيرة في أسواق الأسهم، بينما حذر العديد من الخبراء الاقتصاديين من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى انفجار فقاعة اقتصادية على المستوى العالمي.
في أوروبا، بدأ رد الفعل يظهر بشكل واضح. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وصف سياسة ترامب بأنها "جائرة"، مشيرًا إلى أن الرسوم الجمركية سيكون لها تأثير كارثي على الاقتصاد الأوروبي، وربما تُحسن حالة الاقتصاد الأمريكية على المدى القصير، لكنها ستتسبب في زيادة الفقر بين الطبقات الوسطى في أمريكا.
وأضاف: "سيتعين على أوروبا الرد بشكل متسارع على هذه الرسوم، وإلا سنشهد انهيارًا في التجارة العالمية".
*الخسائر
خسرت الشركات المدرجة على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" نحو 2.5 تريليون دولار من قيمتها السوقية وسط مخاوف من ركود الاقتصاد العالمي بسبب الرسوم الأمريكية الجديدة.
وسجلت الشركات التي تعتمد سلاسل توريدها بشكل كبير على التصنيع الخارجي أكبر الخسائر، حيث انخفضت أسهم شركة "آبل" بنسبة 9.3%، كما تراجعت أسهم شركتي "لولوليمون أثليتيكا" و"نايكي"، اللتين تربطهما علاقات تصنيع بفيتنام، بأكثر من 9%.
ولم تسلم سوى أسهم قليلة في الولايات المتحدة من التداعيات السلبية، حيث سجل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" أكبر انخفاض له منذ يونيو 2020. وتراجعت أكثر من 80% من الشركات المدرجة في المؤشر مع تراجع أكثر من ثلثيها بنسبة 2% على الأقل.
وقال غاريت ميلسون استراتيجي المحافظ الاستثمارية في "ناتيكسيس إنفستمنت مانجرز سوليوشنز" للاستثمار: "في الواقع، لا أحد بمنأى عن المخاطر بشكل مطلق". وأضاف: "لقد انتهينا، اليوم على الأقل، من عملية تخفيض المخاطر على نطاق واسع، ما يعني أن الأمر أشبه بسحب جميع الاستثمارات من على الطاولة".
وفاق نطاق وشدة الرسوم الجديدة تلك التي فرضها ترامب خلال ولايته الأولى، مما هدد بزعزعة سلاسل التوريد العالمية، وتفاقم التباطؤ الاقتصادي، وزيادة التضخم. كما ترك المستثمرين في حيرة من أمرهم بشأن تأثير الرسوم على أرباح الشركات.
فعلى سبيل المثال، إذا استوعبت شركة "آبل" الارتفاع في التكاليف نتيجة للرسوم الجمركية على الصين، فإن هامش الربح الإجمالي لصانع "آيفون" قد يتأثر بما يصل إلى 9%، وفقا لمحللي "سيتي غروب".
فيما أشار الخبير الاقتصادي في "جي بي مورغان" مايكل فيرولي إلى أن الخطة تعادل أكبر زيادة ضريبية منذ عام 1968، وقد تضيف ما يصل إلى 1.5% إلى الأسعار هذا العام.
وقال فيرولي: "هذا التأثير وحده قد يدفع الاقتصاد نحو الركود بشكل خطير، وهذا قبل احتساب الأضرار الإضافية التي لحقت بإجمالي الصادرات والإنفاق الاستثماري".
وفي الأسواق العالمية كانت الأصول الأمريكية أكبر الخاسرين بعد الإعلان. حيث انخفض "مؤشر ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 4.8%. وكان التأثير في أسواق أخرى أقل مقارنة بالسوق الأمريكية فقد انخفض مؤشر الأسهم الآسيوية العام بأقل من 1%، وانخفض مؤشر "ستوكس أوروبا 600" بنسبة 2.6%، بينما ارتفع اليورو بنحو 1.6% مقابل الدولار.
* 6.6 تريلونات دولار خسائر وول ستريت
أغلقت أسواق الأسهم في وول ستريت بخسائر حادة بلغت نحو 6.6 تريليونات دولار على مدى يومين، جاء ذلك بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب -أول أمس الخميس- الرسوم الجمركية الجديدة على مختلف الشركاء التجاريين.
وأغلقت مؤشرات الأسهم الرئيسية بانخفاضات قياسية في تعاملات أمس، في استمرار لتداعيات الرسوم الجمركية. وقد ساهم في ذلك تصاعدُ الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، بعد أن أعلنت الأخيرة فرض رسوم جمركية جديدة على جميع السلع الأميركية ردا على قرارات ترامب.
وقد سجل كل من مؤشر ستاندرد آند بورز لأكبر 500 شركة، ومؤشرا ناسداك، وداو جونز، أكبر خسائر أسبوعية منذ مارس/آذار 2020. وفيما يلي توضيح لخسائر المؤشرات الأميركية:
· مؤشر داو جونز الصناعي
انخفض بأكثر من 2200 نقطة أمس، بعد تراجع سابق قدره 1679 نقطة يوم الخميس، مما يمثل أسوأ أداء له منذ جائحة كورونا، وهذا يعادل تراجعًا بنسبة 5.5% يوم الجمعة وحده.
· مؤشر ستاندرد آند بورز 500
شهد تراجعًا بنسبة 6% أمس، مما أدى إلى خسارة أسبوعية إجمالية بنسبة 9.1%.
· مؤشر ناسداك
دخل في نطاق السوق الهابطة (bear market) بعد انخفاضه بنسبة 5.8%، مما يعني تراجعًا بنسبة 20% عن ذروته في ديسمبر/كانون الأول.
*ارتفاع مقياس الخوف
وارتفع "مقياس الخوف" الرئيسي في وول ستريت إلى أعلى مستوى في 8 أشهر، في الوقت الذي أظهرت فيه مؤشرات السوق الأخرى تزايد قلق المستثمرين من تداعيات الرسوم الشاملة التي فرضها الرئيس ترامب.
وتراجعت أمس أسواق الأسهم العالمية وانخفضت أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي، مع اتجاه المؤشر ناسداك المجمع نحو هبوط طويل، بعد أن فرضت الصين رسوما جمركية جديدة على جميع السلع الأميركية مما أثار مخاوف من حرب تجارية عالمية موسعة.
وقد ارتفع مؤشر التقلب في بورصة شيكاغو الأميركية التجارية، وهو مقياس قائم على اختبار قلق مستثمري الأسهم حيال توقعات السوق على المدى القريب، نحو 15.54 نقطة إلى 45.56، في أعلى مستوى منذ أغسطس/آب الماضي.
وقال جو تيجاي، مدير محفظة في راشونال إيكويتي آرمور فاند "إن وصول مؤشر التقلب إلى 40 علامة على الخوف بالتأكيد". وأضاف "عادة ما ترى مؤشر 40 حين يكون هناك شيء أكثر من عمليات البيع المعتادة.. نوع ما من مخاطر الائتمان ومخاطر هامش الأرباح، وهو ما قد يتسبب في حدوث عدوى قد تمتد إلى فئات الأصول الأخرى".
ويراقب المستثمرون الذين تضرروا من عمليات البيع الحادة هذا العام مقياس التقلب كمؤشر على ضغوط السوق.
*الأسواق تنهار
أقرّ وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، الجمعة، بـ"انهيار الأسواق" في أعقاب فرض إدارة الرئيس دونالد ترامب رسوما جمركية عالمية شاملة، لكنه زعم أن "الأسواق ستتكيف".
وقال روبيو للصحفيين خلال اجتماع لوزراء خارجية حلف شمال الأطلسي "الناتو" في بروكسل، ردا على سؤال حول تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة وغير المتوقعة على الاقتصادات الأوروبية، إن "الشركات حول العالم، بما في ذلك الشركات العاملة في التجارة والتجارة العالمية، تحتاج فقط إلى معرفة القواعد. وبمجرد أن تعرف ما هي تلك القواعد، ستتأقلم معها".
وأضاف وزير الخارجية الأمريكي: "لذلك، لا أعتقد أنه من العدل القول إن الاقتصادات تنهار. فالأسواق تنهار لأنها تستند إلى قيمة أسهم الشركات التي هي اليوم جزء لا يتجزأ من أنماط الإنتاج التي تضر بالولايات المتحدة".
"لذا، لا أعتقد أنه من العدل القول بأن الاقتصادات تنهار. فالأسواق تنهار لأن الأسواق تستند إلى قيمة أسهم الشركات التي هي اليوم جزء لا يتجزأ من أنماط الإنتاج التي تضر بالولايات المتحدة."
وقال روبيو: "علينا إعادة ضبط نظام التجارة العالمي". أسوأ ما في الأمر هو ترك الأمور على وضعها إلى الأبد. أعني، أن هذا لا يمكن أن يستمر. لا يمكننا الاستمرار كدولة لا تنتج شيئا.
وأوضح روبيو: "الصين كمثال. أعني، إنه أمر مُشين. فهم لا يستهلكون شيئًا. كل ما يفعلونه هو التصدير وإغراق الأسواق وتشويهها، بالإضافة إلى كل الرسوم الجمركية والحواجز التي يضعونها".
وتأتي تعليقاته بعد وقت قصير من إعلان الصين أنها ستفرض رسوما جمركية متبادلة بنسبة 34% على جميع الواردات القادمة لها من الولايات المتحدة بداية من 10 أبريل/نيسان الجاري.
وأضاف ماركو روبيو: "لقد خلص الرئيس وهو على حق إلى أن الوضع الحالي للتجارة العالمية سيء لأمريكا وجيد لمجموعة من الدول الأخرى. وسيعيد ضبطه، وهو محق تماما في القيام بذلك".
*"أرفعوا ايديكم".. تظاهرات غاضبة ضد ترامب وماسك
نظم معارضون لسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مسيرات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وذلك احتجاجا على قرارات إدارته ومستشاره إيلون ماسك بشأن تقليص حجم الحكومة، وأخرى تمس الاقتصاد، وحقوق الإنسان، وقضايا أخرى.
وتدفق الآلاف إلى وسط واشنطن مع انطلاق الاحتجاجات وسط أجواء غائمة وأمطار خفيفة.
وقال المنظمون إن من المتوقع مشاركة أكثر من 20 ألف شخص في احتجاج بمتنزه ناشونال مول.
*تظاهرات في أوروبا
كما تظاهر المئات في مدن أوروبية عدة، ضد سياسة ترامب، ومستشاره إيلون ماسك.
وشهدت مدن ألمانية مختلفة احتجاجات عارمة، حيث تجمع المتظاهرون في برلين، أمام معرض لسيارات "تسلا" المملوكة لماسك، ورفعوا لافتات تدعوا الأميركيين المقيمين في ألمانيا إلى الاحتجاج من أجل إنهاء ما وصفوها بالفوضى في الولايات المتحدة.
كما رفع محتجون في فرانكفورت شعارات تدعو إلى استقالة ترامب.
وفي العاصمة الفرنسية باريس أيضا، تجمع عشرات الأشخاص، معظمهم أميركيون، في ساحة الجمهورية، وألقى محتجون خطابات تندد بقرار ترامب فرض رسوم جمركية عالمية شاملة، كما رفع المحتجون شعارات تدعو إلى إنقاذ الديمقراطية.
وتجمعت الحشود أيضاً، في البرتغال وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والمكسيك وكندا.