السعودية تُعدم مدرساً مريضاً بسبب تغريدات معارضة.. كيف وصلوا إليه؟ وهل موقع X متواطئ؟
في حساب يتابعه 9 أشخاص!
السعودية تُعدم مدرساً مريضاً بسبب تغريدات معارضة.. كيف وصلوا إليه؟ وهل موقع X متواطئ؟
انفوبلس/..
في حساب على تويتر لم يحظَ بمتابعة سوى 9 أشخاص فقط، نشر رجل سعودي يدعى محمد الغامدي خمس تغريدات على ما باتت تسمى منصة "X"، تضمنت انتقادات لنظام المملكة العربية السعودية، حتى جاءه الرد سريعاً بالاعتقال ووصل به الأمر إلى منصات الإعدام، ليفجّر أزمة كبير ويكشف عن ديكتاتورية ذلك النظام "القمعي"، على حد وصف البعض.
وقبل أيام قليلة، جرى الكشف عن إصدار محكمة سعودية حكماً بإعدام محمد بن ناصر الغامدي، بتهمه نشره 5 تغريدات تنتقد الفساد وانتهاك حقوق الإنسان.
وأكد حساب "معتقلي الرأي" رفضه لحكم الإعدام الجائر للمحكمة الجزائية المتخصصة ضد المعتقل محمد بن ناصر الغامدي شقيق المعارض سعيد الغامدي، مطالباً السلطات السعودية بالعدول عنه فوراً.
ولفت حساب معتقلي الرأي إلى أنه تأكد بأن تاريخ اعتقال المدرّس المتقاعد محمد الغامدي جرى في يونيو/ حزيران 2022، فيما صدر حكم الإعدام الجائر ضده في يوليو/ تموز الماضي، أي بعد عامٍ واحدٍ فقط على اعتقاله، الأمر الذي يُعتبر أسرع حكمٍ ضد معتقلِ رأيٍ في المملكة، كما يُعدّ أول حكمٍ بالإعدام على خلفية منشوراتٍ على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أكد أن المحكمة الجزائية المتخصصة تجاهلت كل التقارير الطبية التي تثبت تدهور صحة المعتقل محمد الغامدي وأصدرت حكماً جائراً بإعدامه.
*كبير ومريض!
ونوه حساب معتقلي الرأي إلى أن المعتقل الغامدي كبير في السن ويعاني أمراضاً عصبية مزمنة، ومع كل ذلك تجاهل القضاء السعودي كل التقارير الطبية التي تُثبت تدهور صحته، وأصدرت المحكمة الجزائية حكماً جائراً بإعدامه.
*التُهم
وأشار ذات الحساب إلى أن هذا الحكم جاء "على خلفية 5 تغريدات انتقد فيها انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة".
وأوضح، أنه من التهم الموجهة له أيضاً هي "دفاعه أثناء التحقيق عن العلماء المعتقلين كل من: عوض القرني، سلمان العودة، سفر الحوالي، علي بن حمزة العمري".
وقال مصدر مطلّع على القضية، لفرانس برس، إنّ الاتهامات شملت "دعوته للإخلال بأمن المجتمع والتآمر على الحكم وافتقاد الثقة بين مؤسسات الدولة والمجتمع وتأييده للفكر الإرهابي".
*ما قبل وما بعد الاعتقال
قبل وقت قليل من اعتقاله، من قبل السلطات السعودية، في فبراير/ شباط 2022، اشترى محمد الغامدي (55 عاماً)، هاتفاً ورقماً جديدين، وأنشأ حساباً على موقع "أكس"، تحت اسم وهمي، "ظنا منه بأنهم لن يصلوا إليه"، بحسب شقيقه سعيد الغامدي.
لم يكد الغامدي، ينشر 5 تغريدات تنتقد الحكومة السعودية وتدعم سجناء الرأي، حتى اعتقلته السلطات من منزله. واعتبر سعيد أن شقيقه "كتب التغريدات تنفيساً عن نفسه في ظل وضع محتقن، حيث إن الناس كلهم في حالة ضجر وتذمر كبير وخوف ورعب من السلطة، لكن البلد كله تحت طائلة التجسس الكامل فوصلوا إليه بسهولة، رغم أن تغريداته لم تنتشر ولم يطّلع عليها أحد"، مشيرا إلى أن محمد لم يكن لديه إلا تسعة متابعين.
وقال سعيد: "ظل أخي في زنزانة انفرادية لمدة ثلاثة أشهر منذ اعتقاله تحت تحقيق المباحث، ثم بعد ذلك، جاء الادعاء العام ليأخذ تحقيقات المباحث ويبني عليها القضية ليرفعها إلى القضاء".
وأضاف، إن السلطات "نقلته من سجن ذهبان للمباحث في جدة، إلى سجن الحائر في الرياض، ثم عقدت له جلسات عدة في المحكمة التي عيّنت محامياً كان متعاطفاً مع هيئة القضاء والادعاء، فطلبت أُسرته تغيير المحامي وهو ما تم فعلاً، لكن تم الحكم عليه في النهاية بالإعدام".
وأكّدت المحكمة أنها أصدرت الحكم "بالقتل تعزيزاً لشناعة ما صدر عنه وخطورة ما أقدم عليه".
وفي المقابل، يشرح سعيد أنه "خلال التحقيقات، أخبره الضباط أنهم يريدون أن يسألوه بعض الأسئلة العادية عن الأوضاع في البلاد والمعتقلين ووعدوه بأنهم سيخلون سبيله إذا أجابهم بصراحة، وأن هذه الأسئلة لن تضره".
وتابع: "سألوه عن رأيه في المعتقلين سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري والدحداح، فأجابهم بأنهم أناس طيبون واعتقالهم غير صحيح ولا يستحقون الاعتقال، كما سألوه عن المعارضين في الخارج، وعني وعن تركي الشلهوب وعمر عبد العزيز وحسابات (خط البلدة)، و(معتقلي الرأي)، و(نحو الحرية)، فقال أنا أتابع هذه الحسابات وأرى ما يكتبون فيها".
وأضاف: "سألوه أيضاً عن بعض القضايا مثل التطبيع مع إسرائيل، وعن رأيه في الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعن جماعة الإخوان في مصر، فقال إنه ضد التطبيع كما يرى أن السيسي مغتصب للسلطة، وأن الإخوان ظُلِموا وانتُهِكت حقوقهم".
واعتبر سعيد أن هذه الإجابات "بنوا عليها بأنه يدعم الإرهاب ويشجع الإرهابيين وأنه لا يرى بيعة لولي الأمر، وأنه بأفكاره هذه سوف يؤدي إلى تدمير البلد والفتن وحدوث تفجيرات، وهي حيثيات كتبوها من عندهم، لكن المحامي بيّن لهم أن هذا الكلام الذي نُقل عنه ليس صحيحاً وأنه لم يعترف بها".
وقال: "تقدّم المحامي بتقارير طبية تثبت أن شقيقي يعاني من أربعة أمراض عصبية في المخ والأعصاب، لكن كل هذا لم تلتفت إليه المحكمة".
وأشار إلى أن شقيقه "شخصية مغمورة جداً ولا يعرفه أحد، حتى أنه لم يكن لديه إلا تسعة متابعين فقط على حسابه الوهمي ولم تنتشر تغريداته، مما يعني أنهم أرادوا التنكيل بشخصي بعد محاولاتهم وإغراءاتهم لي بالعودة إلى البلاد".
وأوضح، أن "جهاز المباحث اتصل بي عبر وسطاء طلبوا مني العودة في مقابل الحصول على امتيازات وأموال والسماح لي بحرية التحرك والتنقل، كما حدث مع بعض من عادوا مثل كساب العتيبي وعبد العزيز الحصان وأن أتوقف عن نشاط المعارضة، فأجبتهم بأن من عادوا انتهت أصواتهم تماماً أو أصبحوا يُستخدمون بشكل سياسي ليظهروا على خلاف ما هم عليه، كما أن محمد بن سلمان اعتقل عمه وأبناء عمه وبنات عمه وأقاربه وعذبهم وآذاهم فكيف سيتعامل معي أنا؟".
وأشار إلى أن هذه الاتصالات كانت قبل اعتقال شقيقه بأشهر قليلة، "وعندما لم أستجب لهم في محاولاتهم العديدة لجأوا إلى الضغط علي من خلال أقاربي".
وسعيد الغامدي، رئيس منظمة سند الحقوقية، التي تتبع قضايا "سجناء الرأي" في السعودية، بالإضافة إلى تغريداته على موقع إكس، حيث يتابعه نحو نصف مليون شخص.
*هل تواطأ موقع "X" ؟
وفي خضم هذه الأحداث، لم يستبعد البعض من المراقبين تورط منصة "X" في هذه القضية لاسيما أن حساب الغامدي لم يكن يتابعه الكثيرون، ولم تصل منشوراته إلى الكثيرين، وهو الأمر الذي يجعل من تورط هذه المنصة محلَّ توقع.
*السعودية في مواجهة انتقادات حادة
بعد ساعات من تأكيد صدور حكم قضائي بإعدام محمد بن ناصر الغامدي، أطلق حقوقيون ومُعارضون سعوديون حملة تضامن واسعة مع ضحية القمع السياسي في المملكة التي يقودها ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، على حد وصف مواقع إخبارية سعودية.
ورفع مدونون ونشطاء حقوقيون ومعارضون سعوديون وسم "أوقفوا إعدام محمد الغامدي" عبر مواقع التواصل الاجتماعي في سبيل الضغط على السلطات السعودية من أجل إنقاذ حياته.
وأوضح حساب "نحو الحرّية" المُعارض للنظام السعودي، أنه "المحكمة الجزائية المتخصصة أمرت بـقـتل محمد بن ناصر الغامدي شقيق الشيخ سعيد بن ناصر الغامدي، بسبب تغريدات كتبها في حساب بسيط لا يتابعه أكثر من 10 أشخاص!".
وقال حساب معارض باسم "فهد" على موقع إكس "من خوارم المروّة والأخلاق والشرف، أن يتم الضغط على ذوي الناشطين والمعارضين وعائلاتهم وأبنائهم، كما يفعل الكثير من الحكام المستبدين. لكنّ نظام الامير محمد بن سلمان تجاوز كل ذلك الطغيان، بإطلاق قضائه المسيّس حكم الإعدام على شقيق الشيخ سعيد الغامدي".
وكتب الناشط "تركي الشلهوب" في السياق "دافعوا عن محمد الغامدي، فهو مظلوم والدفاع عن المظلوم فضيلة وشرف!".
وأضاف، أنّ "الظلم في عهد ابن سلمان وصل إلى مراحل مخيفة، فبتغريدة لا تعجب النظام قد يقبع المرء بالسجن أكثر من 3 عقود، أو قد يُحكم عليه بالإعدام مثل محمد الغامدي!".
عبد الله العود نجل الداعية السعودي المُعتقل سلمان العودة، تضامن هو الآخر مع مأساة محمد الغامدي قائلا: "لله وللحقوق والتاريخ والشعب المظلوم المغلوب على أمره: أوقفوا إعدام محمد الغامدي".
*"هيومن" على خط الأزمة
يوم أمس، علّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" على حكم إعدام الغامدي، مشددة بالقول: "ينبغي للسلطات السعودية إلغاء الحكم، الذي يشكل تصعيداً للقمع الحكومي ضد حرية التعبير والمعارضة السياسية السلمية في البلاد".
وقالت جوي شيا، باحثة السعودية في هيومن رايتس ووتش: "وصل القمع في السعودية مرحلةً جديدة مرعبة، يمكن فيها للمحكمة إيقاع عقوبة الإعدام لمجرد تغريدات سلمية. صعّدت السلطات السعودية حملتها ضد أشكال المعارضة كافة إلى مستويات مذهلة، وينبغي لها رفض هذا الاستهزاء بالعدالة".
وأضافت شيا: "تستهدف السلطات السعودية الآن الانتقادات عبر الإنترنت ليس بمحاكمات صُوَرية جائرة فحسب، بل أيضا بالتهديد بعقوبة الإعدام. عندما يمكن أن تؤدي مجرد تغريدة منتقِدة إلى حكم بالإعدام، يصعب على المرء أن يرى جدّية تعهدات القيادة السعودية بجعل البلاد أكثر احتراما للحقوق".
تُظهر وثائق المحكمة التي استعرضتها هيومن رايتس ووتش أن المحكمة الجزائية المتخصصة حكمت على الغامدي بالإعدام في 10 يوليو/ تموز بموجب المادة 30 من نظام مكافحة الإرهاب السعودي بتهمة "وصف الملك أو ولي العهد بأي وصف يطعن في الدين أو العدالة"، والمادة 34 بتهمة "تأييد فكر إرهابي"، والمادة 43 بتهمة "الاتصال بأحد قيادات أو أفراد أي كيان إرهابي"، والمادة 44 بتهمة نشر أخبار كاذبة "بقصد تنفيذ جريمة إرهابية". جاء في حكم المحكمة بحق الغامدي أنه استخدم حساباته على منصة "إكس" (تويتر سابقا) ويوتيوب لارتكاب "جرائمه".
طالب المدعي العام بتوقيع أقصى العقوبات في جميع التهم الموجهة إلى الغامدي. تقول الوثائق إن المحكمة أصدرت الحكم على أساس أن الجرائم استهدفت مكانة الملك وولي العهد، وأن حجم أفعاله يتفاقم بسبب وقوعها عبر منصة إعلامية عالمية، ما يستلزم عقوبة صارمة.
*السعودية الأولى عربياً في تنفيذ أحكام الإعدام
في تقريرها الصادر بتاريخ مايو/ أيار الماضي، قالت منظمة العفو الدولية إن السعودية تتصدر الدول العربية في تنفيذ أحكام الإعدام، وبازدياد سنوي.
وقد نفذت في السنوات الأخيرة عمليات إعدام جماعية عدة، كان أكبرها في شهر مارس/ آذار عام 2022، حين استفاق العالم على خبر إعدام 81 شخصاً في المملكة.
وفي 21 يوليو الماضي، قالت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إن 64 شخصا على الأقل يواجهون حاليًا خطر الإعدام في السعودية، من بينهم تسعة كانوا قاصرين عندما وُجِّهت إليهم التُّهم.
وأكدت أن 61 شخصاً أُعدموا في النصف الأول من العام الجاري، بينما تفيد حصيلة أعدّتها وكالة الأنباء الفرنسية وتستند إلى تقارير إعلامية رسمية بإعدام 74 شخصا منذ بداية 2023.
ولفتت المنظمة إلى أن "مسار الانتهاكات التصاعدي، ونكث الوعود بشكل مستمر، والاستخفاف التام بالالتزامات والقوانين الدولية، يؤكد أن الخطر على حياة المعتقلين المحكومين بالإعدام في السعودية في تزايد".