"العدالة والتنمية" يتعرض بالانتخابات التركية "لأسوأ هزيمة" في تاريخ حكمه.. هل تكون بمثابة بداية نهاية "اردوغان"؟ وماذا عن فاتح أربكان؟
انفوبلس/تقرير
تعرض حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية التي جرت مؤخرا "لأسوأ هزيمة" يتعرض لها في تاريخ حكمه للبلاد منذ عام 2002، حيث حلَّ ثانيا بعد حزب الشعب الجمهوري المعارض، بعد فشله في استرداد السيطرة على البلديات الكبرى وخسارة أخرى كان يحكمها في السابق.
رغم فوزه بانتخابات الرئاسة والبرلمان، جاءت خسارته لانتخابات البلديات، بمثابة "زلزال" فاجأ حزب العدالة والتنمية الحاكم، بدرجة لا تختلف في شدتها عن مفاجأته بزلزال كهرمان مرعش الذي ضرب تركيا في فبراير 2023، وترك بصماته على نتائج الانتخابات الأخيرة.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على التفاصيل الكاملة للانتخابات التركية المحلية التي جرت الأحد وبالأرقام.
بحسب النتائج الأولية، التي أعلنها رئيس المجلس الأعلى للانتخابات أحمد ينار، في مؤتمر صحافي الاثنين، حصل حزب "الشعب الجمهوري" ـ أكبر أحزاب المعارضة ـ على 37.7 في المائة من أصوات الناخبين، وحل حزب "العدالة والتنمية" ـ الحاكم ـ في المرتبة الثانية بنسبة 35.5 في المائة، ثم حزب "الرفاه من جديد" بنسبة 6.2 في المائة، يليه حزب "المساواة الشعبية والديمقراطية"، المؤيد للأكراد بنسبة 5.7 في المائة، بينما واصل حزب "الحركة القومية" شريك العدالة والتنمية في "تحالف الشعب" تراجعه محققاً 5 في المائة فقط.
وقال ينار، إن نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية، التي أُجريت الأحد، بلغت 78.11 في المائة، وفاز "الشعب الجمهوري" بـ35 بلدية (15 بلدية كبرى و20 بلدية حضرية)، و"العدالة والتنمية" بـ24 (12 بلدية كبرى و12 بلدية حضرية)، و"المساواة الشعبية والديمقراطية" بـ10 بلديات كبرى، و"الحركة القومية" بـ8 بلديات كبرى، و"الرفاه من جديد" ببلديتين كبريين من بينهما شانلي أورفا أحد معاقل "العدالة والتنمية" عن طريق ترشيح قاسم غل بينار لرئاسة بلديتها بعد أن استبعده العدالة والتنمية من قائمة المرشحين، وكل من حزبي "الوحدة الكبرى" و"الجيد" ببلدية واحدة.
نتائج صادمة
شكلت النتائج بعد فرز أكثر من 99 في المائة من الأصوات، صدمةً بكل المقاييس لـ"العدالة والتنمية" والرئيس رجب طيب اردوغان، الذي خاض حملة انتخابية مكثفة وحشد كل وزراء حكومته الـ17 للدعاية لمرشحي الحزب، لا سيما في اسطنبول التي خسرها للمرة الثانية على التوالي.
وتضم اسطنبول خُمس سكان تركيا، البالغ عددهم نحو 85 مليون نسمة، وهي تسيطر على جزء كبير من اقتصاد تركيا بما في ذلك التجارة والسياحة والتمويل.
للمرة الأولى في 22 عاماً جاء "العدالة والتنمية" في المرتبة الثانية في أي انتخابات يخوضها، كما خسر جميع المدن الكبرى تقريباً وفي أنحاء البلاد أيضاً، وأظهرت النتائج الأولية تغير توجهات الناخبين في 30 ولاية تركية، ذهبت غالبيتها إلى حزب الشعب الجمهوري.
كما خسر "العدالة والتنمية" في بلديات لم يسبق له الخسارة فيها مثل بورصة، بالكسير، التي لم يفز "الشعب الجمهوري" بها منذ 47 عاماً، وأديامان، إحدى الولايات التي ضربها زلزال 6 فبراير (شباط) 2023 ومعقل جماعة "المنزل" الدينية الموالية لاردوغان، التي لم يفز بها "الشعب الجمهوري" منذ عام 1999.
وحافظ الحزب المعارض على المدن الكبرى التي فاز بها في انتخابات 2019: إسطنبول، أنقرة، إزمير، أضنة، أنطاليا، مرسين، بينما خسر هطاي فقط بفارق بسيط جداً لصالح "العدالة والتنمية" بسبب الإصرار على ترشيح رئيس البلدية السابق لطفي ساواش، الذي أثار غضب الناخبين بسبب أدائه خلال فترة الزلزال، الذي كانت هطاي هي أكبر المدن تضرراً منه.
ولا شك في أن نتائج الانتخابات المحلية ستعطى دفعة معنوية قوية للمعارضة، التي يعتقد مراقبون أنها قد تطالب بالتوجه إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة، التي كان يفكر فيها إردوغان حال فوز حزبه بالانتخابات المحلية.
لكن إردوغان أعطى رسالة على عدم التوجه إلى انتخابات مبكرة، في كلمة ألقاها أمام تجمع لأنصار حزبه في أنقرة في ساعة متأخرة من ليل الأحد - الاثنين، أشار فيها إلى أن نتائج الانتخابات ستكون نقطة تحول لحزبه الذي لم يحصل على النتائج المأمولة، وأنها لن تكون النهاية، وهناك أكثر من 4 سنوات حتى موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة "سنعمل خلالها على استكمال النواقص وحل المشكلات وتلافي الأخطاء التي ارتكبت"، مشيراً إلى أن انتهاء ماراثون الانتخابات الذي أرهق الاقتصاد على مدى عام، هو مكسب بحد ذاته.
*الإقرار بالخسارة: نقطة تحول
كما أقرّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالتراجع، وقال في كلمة أمام أنصاره بأنقرة: "لم نحقق النتائج المرجوة من الانتخابات المحلية، وسنحاسب أنفسنا، وسندرس الرسائل الصادرة عن الشعب".
واعتبر أن: "الانتخابات المحلية ليست النهاية بالنسبة لنا، لكنها نقطة تحول".
ويتفق المحلل السياسي التركي، محمود علوش، مع هذا التعبير "نقطة تحول"، ويقول إن هذه النتائج "زلزال سياسي سيُعيد تصميم السياسة الداخلية والحزبية بعد أكثر من عقدين على حكم حزب العدالة والتنمية".
كما اعتبر علوش، أن الناخب التركي "قرر توجيه تحذير شديد القوة للرئيس أردوغان هذه المرة، فيما توَّج أكرم إمام أوغلو نفسه اليوم كأقوى زعيم معارض في حقبة العدالة والتنمية".
أما الأمل الباقي أمام هذا الحزب للبقاء في الحكم فهو "إنجاح خطة التعافي الاقتصادي قبل الربع الأخير من ولاية أردوغان الحالية"، كما يرى علوش.
لماذا خسر؟
وعن أسباب خسارة التحالف الحاكم يقول المحلل التركي، إن الصوت الكردي عزَّز فرصاً إمام أوغلو حتى أمام مرشحة الحزب الكردي، ميرال دانيش بشتاش. مضيفا، إن أداء حزب الخير (المعارض) كان غير موفق؛ ما مكَّن "الشعب الجمهوري" من الحفاظ على ناخبيه في إسطنبول.
وبين، إن الأصوات المحافظة (كان يذهب الكثير منها لحزب العدالة والتنمية) صوت بعضها لصالح حزب الرفاه الجديد الذي شكَّل الحصان الأسود في هذه الانتخابات وحلَّ ثالثا بين الأحزاب الفائزة.
*الضغط الاقتصادي وزلزال فبراير
مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمد حامد، يضيف لما سبق الأسباب الاقتصادية كأحد أبرز محركات التصويت، ومنها: استمرار الأزمة الاقتصادية رغم تعهد أردوغان في الانتخابات الرئاسية بأنه سيعمل على حلها بالخبرات التركية، وأعاد بالفعل وجوها قديمة، مثل وزير المالية والخزانة محمد شيمشك، لكن لم يحدث التقدم المأمول.
وكذلك انهيار الليرة التركية أمام الدولار الأميركي، وارتفاع نسبة التضخم وضعف القدرة الشرائية، بالإضافة الى رواج أحاديث حول فساد في المحليات وفي مجال المقاولات وبناء المنازل في جنوب البلاد، خاصة بعد وقوع زلزال كهرمان مرعش في تلك المنطقة.
وجرت الانتخابات بعد شهر ونصف من مرور الذكرى السنوية الأولى للزلزال الذي وقع 6 فبراير 2023، وترك مرارة قاسية في حلوق الأتراك؛ حيث قتل عشرات الآلاف منهم، وتضررت مئات آلاف المنازل، وقدَّر أردوغان الخسائر بشكل عام في تصريح له العام الماضي بحوالي 104 مليارات دولار.
وما زال 700 ألف شخص يعيشون في حاويات؛ انتظارا لتحقيق وعود الحكومة بتسليمهم منازل، فيما أعلنت وزارة البيئة، في فبراير الماضي، أن نصف المباني الموعودة قيد الإنشاء، وسلم أردوغان مفاتيح أول 7 آلاف مسكن لعائلات في هاتاي، قائلا إن الهدف هو تسليم ما بين 15 و20 ألف منزل شهريا، ودعا المواطنين للوثوق به.
كما يشير حامد لخطوات المعارضة في بناء كيان قوي لها، خاصة بعد فوزها بالبلديات الكبرى في انتخابات 2019، وظهر ذلك في قدرتها على الاحتفاظ بهذه البلديات في 2024، بل وانتزعت بلديات يسيطر عليها التحالف الحاكم.
وألقى رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، خطابا بمقر الحزب، قائلا إن النتائج تؤكد أن "الشعب الجمهوري" سيقود سياسة جديدة بالبلاد، وأن الناخبين "قرروا اليوم تغيير صورة تركيا المستمرة منذ 22 عاما"، وفق ما نقله موقع صحيفة "زمان" التركية مساء امس الأحد.
وتحظى الانتخابات المحلية في تركيا باهتمام عال من الأحزاب السياسية، لكونها أولى درجات سلم الفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما يرى مراقبون.
*حزب الرفاه: الحصان الأسود للانتخابات
شكّل حزب الرفاه الجديد بقيادة فاتح أربكان، الحصان الأسود لهذه الانتخابات، الذي استطاع اجتذاب الناخبين من خلال خطاب شديد القسوة ضد "إسرائيل" وضد ما يمكن وصفه بنفاق أردوغان، لناحية استمرار تركيا بالتجارة مع الكيان المؤقت خاصةً بالمواد الغذائية وغيرها، بالتزامن مع رفع سقف أردوغان لتصريحاته ضد حكومة نتنياهو وضد الحرب على غزة.
وأبرز مؤشر على ذلك، هو أن هناك العديد من المؤيدين التقليديين لحزب العدالة والتنمية، امتنعوا عن التصويت في هذه الانتخابات.
كما أن هذا الحزب استطاع الحلول في المرتبة الثالثة على صعيد النتائج، متفوقاً على حزب الحركة القومية (الحليف الرئيسي لأردوغان)، وفاز 69 بلدية وحصل على 6% من الأصوات بانتخابات البلديات الكبرى و7.8 % من الأصوات بانتخابات المجالس المحلية.
وفي أول تعليق له على نتائج الانتخابات قال رئيس حزب الرفاه الجديد فاتح أربكان: "أسباب خسارتهم هي ليس نحن بل الديون والفوائد والاقتصاد الضريبي، واستمرار التجارة مع القتلة الصهاينة الإسرائيليين، وموافقتهم على انضمام السويد التي تحتضن حزب العمال الكردستاني للناتو".