العمشات والحمزات.. كيف نشأت الفصائل الموالية لتركيا والمتهمة بجرائم حرب في سوريا؟

انفوبلس/..
في الآونة الأخيرة، تصاعدت التقارير التي تشير إلى ارتكاب مجازر ضد العلويين في الساحل السوري، إذ تناقلت شهادات ناجين وتقارير ميدانية حول عمليات تصفية وتهجير قسري بحق المدنيين.
وتلعب الفصائل المسلحة في شمال سوريا، التي تحمل ولاءات متشابكة، دوراً بارزاً في تحولات المنطقة المعقدة، ومن بين هذه الفصائل، ظهرت كل من "فرقة سليمان شاه" و"فرقة الحمزة" كأسماء بارزة ليس فقط في ساحات المعارك، بل أيضاً في تقارير حقوق الإنسان والعقوبات الدولية.
وتتجدد هذه الأسماء مؤخراً على خلفية المجازر التي ارتكبتها فصائل "العمشات" و"الحمزات" في مناطق متفرقة من الساحل السوري، وخاصة في مدينتي بانياس وجبلة، فقد ارتكبت هذه الفصائل عمليات تصفية للمدنيين، إلى جانب سرقة وحرق المنازل، ما أسفر عن تخريب واسع في المدن والأرياف.
وهذه الجرائم تزامنت مع ظهور مقاطع فيديو وشهادات من الأهالي تؤكد تورط أفراد من الفصيلين في هذه الانتهاكات.
وعلى الرغم من محاولات النظام السوري إلقاء اللوم على أفراد غير محددين، فإن الاعترافات التي صدرت عن أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) بشأن الانتهاكات، تلقي الضوء على دور هذه الفصائل الإجرامي، فكيف ارتبط اسم "العمشات" و"الحمزات" بانتهاكات حقوق الإنسان؟ وما هي العواقب القانونية والسياسية لهذه الجرائم؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها في ظل استمرار تصاعد العنف في المنطقة.
كلاهما متورطتان بانتهاكات
تُعد فرقة "سليمان شاه"، المعروفة أيضاً بـ "العمشات"، واحدة من أبرز الفصائل المسلحة التي تلعب دوراً مهماً في الشمال السوري، حيث يتزعمها محمد حسين الجاسم، الشهير بـ "أبو عمشة"، وتتخذ هذه الفرقة من ناحية شيخ الحديد في ريف حلب الشمالي مركزاً لها، مع انتشار واسع في مناطق أخرى ضمن الشمال السوري.
بينما تعتبر فرقة "الحمزة"، المعروفة بـ "الحمزات"، فصيلاً مسلحاً آخر مدعوماً من تركيا، بقيادة سيف بولاد المعروف بـ "أبو بكر"، وهذه الفرقة تسيطر على عدة مناطق استراتيجية، أبرزها الباب وجرابلس وعفرين، ولها دور كبير في المعارك الدائرة في المنطقة.
ورغم تورط كلا الفصيلين في العديد من الانتهاكات الموثقة مثل أعمال العنف والسرقة في السنوات الأخيرة، أعلن النظام السوري عن دمجهما ضمن الجيش السوري النظامي، حيث تم تشكيل فرق جديدة تضم قادة فصائل سابقة.
من بين هؤلاء القادة، جاء (محمد الجاسم) الذي كان يقود الفرقة 25 ليصبح الآن قائدًا للفرقة 62، مما يثير تساؤلات حول قدرة النظام على ضبط هذه الفصائل المسلحة التي لا تزال تحتفظ بنفوذ واسع في الشمال السوري.
ومع تزايد التقارير التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الفصيلين، يبقى الوضع في مناطق سيطرتهما مقلقاً، حيث لا تزال الفصائل تمارس سلطتها المحلية، مما يزيد من المخاوف من استمرار العنف وتزايد التوترات الأمنية.
وفي ظل غياب حلول فعالة، يبقى السؤال حول قدرة الحكومة السورية على فرض السيطرة الكاملة على هذه الفصائل وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.
جرائم حرب
الفصيلان مسؤولان عن ممارسات مثل الابتزاز، التهجير القسري، والاختطاف، مما ساهم في تفاقم الوضع الإنساني في شمال سوريا.
وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 2023، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على فصيلي "العمشات" و"الحمزات"، متهمة إياهما بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الجاسموجرائم حرب في المناطق الخاضعة لسيطرتهما.
وشملت العقوبات تجميد الأصول التابعة لهما في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى حظر أي تعاملات مالية أمريكية مع قياداتهما. كما تم إدراج شركة "السفير أوتو" المملوكة لأبو عمشة ضمن الكيانات المحظورة.
وأكدت واشنطن أن الفصيلين مسؤوليْن عن ممارسات مثل الابتزاز، التهجير القسري، والاختطاف، مما ساهم في تفاقم الوضع الإنساني في شمال سوريا.
نشوء فرقة سليمان شاه "العمشات"
في عام 2016، أطلقت تركيا عملية "درع الفرات" بهدف القضاء على ما وصفته بـ"ممر الإرهاب"، الذي تجسّد في خطر تنظيم داعش والمقاتلين الأكراد السوريين، ومع توسع التدخل التركي في شمال سوريا، ظهرت فصائل مسلحة عدة، كان من أبرزها "فرقة سليمان شاه" التي يقودها محمد حسين الجاسم، المعروف بـ"أبو عمشة"، وسرعان ما برز اسمه كواحد من أكثر قادة الفصائل شهرة، مدعوماً بحضور قوي على منصة X، حيث يتابعه أكثر من 150 ألف شخص.
أسس "أبو عمشة" فرقته، التي باتت أحد الأذرع الرئيسية للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، ولم يخفِ هذا الفصيل ارتباطه العميق بأنقرة، إذ حمل اسم "سليمان شاه"، الجد المؤسس للدولة العثمانية، والذي يُعد رمزاً قومياً في تركيا
في عام 2018، أسس "أبو عمشة" فرقته، التي باتت أحد الأذرع الرئيسية للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، ولم يخفِ هذا الفصيل ارتباطه العميق بأنقرة، إذ حمل اسم "سليمان شاه"، الجد المؤسس للدولة العثمانية، والذي يُعد رمزاً قومياً في تركيا.
وقد وظّفت الحكومة التركية هذا الرمز في خطابها السياسي لتأكيد نفوذها في سوريا، بينما استخدمته الفرقة لترسيخ ولائها ودورها ضمن المشروع التركي في المنطقة.
تمركزت "فرقة سليمان شاه" في مدينة عفرين بعد السيطرة عليها، ولعبت دوراً محورياً في العمليات العسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردي، لكن سرعان ما بدأ اسمها يرتبط بانتهاكات جسيمة ضد المدنيين، من عمليات قتل ونهب إلى تهجير قسري وسرقة الممتلكات.
لم يكن أبو عمشة مجرد قائد عسكري، بل تحول إلى زعيم نافذ يفرض الإتاوات ويتحكم بالقطاعات الاقتصادية في مناطق سيطرته، حتى أصبح يمارس سلطة مطلقة داخل الفصيل.
ومع تصاعد الانتهاكات التي ارتكبتها فرقته، عاد اسمه إلى الواجهة، خاصة بعد تورطها في عمليات تصفية للمدنيين في الساحل السوري، حيث وثّقت شهادات وتقارير ميدانية عمليات نهب وحرق للبيوت في بانياس وجبلة، مما عزز الدعوات لمحاسبته ووضع حد لنفوذه المتزايد.
فرقة الحمزة "الحمزات"
وبرزت فرقة الحمزة، المعروفة بـ"الحمزات"، كإحدى الفصائل المسلحة المؤثرة في شمال سوريا، حيث لعبت دوراً رئيسياً في العمليات العسكرية ضمن ما يسمى "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا.
وتأسست الفرقة في السنوات الأولى من الحرب السورية، بقيادة سيف بولاد، المعروف بـ"أبو بكر"، وهو شخصية عسكرية بارزة من محافظة حلب، شغل سابقاً منصب قائد "القيادة العامة لمدينة الباب وريفها".
مع توسع نفوذها، بسطت "الحمزات" سيطرتها على مناطق استراتيجية مثل الباب، وجرابلس، وعفرين، مما جعلها أحد أبرز الفصائل المتحكمة بالمشهد العسكري في شمال سوريا. وعلى الرغم من أن الفرقة تُعرف بتركيبتها العسكرية الصارمة وانضباطها التنظيمي، فإنها ارتبطت بسلسلة من الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين.
وفقاً لتقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان، تورطت "الحمزات" في عمليات خطف، وابتزاز، وتهجير قسري، ومصادرة ممتلكات، خاصة في المناطق ذات الغالبية الكردية مثل عفرين وشمال حلب.
وبلغت هذه الانتهاكات ذروتها في عام 2022 عندما وُجّهت اتهامات لعناصر من الفرقة باغتيال الناشط محمد عبد اللطيف (المعروف بـ"أبو غنوم") وزوجته في مدينة الباب، وهي الجريمة التي أثارت استنكاراً واسعاً وسلطت الضوء على ممارسات الفصيل القمعية.
في أغسطس 2023، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على فرقة الحمزة وقائدها "أبو بكر"، بسبب تورطهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، شملت القتل خارج نطاق القانون، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب. ورغم ذلك، نفى "أبو بكر" عبر حسابه على منصة X أي مسؤولية عن هذه الجرائم، مدعياً أن الاتهامات جزء من "حملة ممنهجة" تستهدف الفصيل، في محاولة منه لتبرئة الفرقة من أي دور إجرامي، رغم الأدلة والشهادات التي تؤكد العكس.